مذابح مُوثّقة بالرسوم.. الناقد سعد القاسم: التشكيل حاضر لكن المُتداول أقرب للإعلان
تاريخ النشر: الأحد, 11-02-2024
تشرين- لبنى شاكر:
نادراً ما يرتبط اسم فنانٍ بحدثٍ بِعينه، فكيف إذا كان الكلام عن مذبحة كفر قاسم 1956، والإشارة هنا تعني التشكيلية الفلسطينية سامية حلبي، والتي قدّمت تحت عنوان “رسومات توثيقية لمذبحة كفر قاسم” في جامعة بيرزيت عام 2017 شكلاً مختلفاً من عملها كفنانة مُلتزمة ومُدافعة عن عدالة قضية فلسطين، حيث وظّفت الرسم التوضيحي والمفصّل كطريقة لتوثيق واقعةٍ تاريخيةٍ مُوجعة، لا تتوفر أي وثيقة أو أرشيف حولها، بعد بحثٍ استمر سنوات اعتمدت فيه على روايات الناجين الذين زارتهم مراراً، وشاركوها قصصهم وذكرياتهم عن عائلاتهم وأقاربهم ممن كان مصيرهم القتل بشتّى الطرق، إضافة إلى ما عثرت عليه من مواد صحفية.
وظّفت سامية حلبي الرسم التوضيحي والمفصّل لتوثيق مذبحة كفر قاسم
فِعل الفن
ومع أن حلبي تفصل بين أعمالها المُلتزمة بالقضية الفلسطينية، وغيرها من رصيدها المُنوّع، وفي جزءٍ منه علاقتها الطويلة مع الغرب الأمريكي كونها من جيل المهجّرين الأول عام 1948، لكنّ اشتغالها على تسجيل ما حصلت عليه من شهاداتٍ تشكيلياً، ونشره في معارض ومناسبات حول العالم، ترجمةٌ حقيقية لِما يمكن للفن فعله في نصرة القضايا والمبادئ والشعوب، ولاسيما عندما يُراهن الآخرون على النسيان، وفي هذا السياق نستحضر كذلك مأساة النكبة الحاضرة في أعمال فنانين كثر منهم نذير نبعة وبرهان كركوتلي وميشيل كرشه رائد التيار الانطباعي، الذي قدّم في إحدى لوحاته مفارقات كثيرة، على ما يقوله الناقد سعد القاسم، حيث جسَّد منظر الثلج الجميل وربطه بمعاناة المهجَّرين، وفي طرف اللوحة الشجر الأجرد وخيام اللاجئين.
مأساة النكبة حاضرة في أعمال الفنانين نذير نبعة وبرهان كركوتلي وميشيل كرشه
مُنتجَان فلسطينيان
مُواكبة الحدث الفلسطيني فنياً وأدبياً مرّت في مراحل عديدة، لكنها كما يقول القاسم لـ”تشرين” عايشت انقطاعاً بين الداخل الفلسطيني، وما سواه في الخارج والوطن العربي، أي لم نكن على اطلاع بما يُنتج من روايات ودواوين وأعمال فنية، وما وصلنا هو القليل مصادفةً، عن طريق وسائل إعلام موالية أو متعاطفة مع (إسرائيل)، حاولت إظهار شيء من الإنتاج الإبداعي الفلسطيني في الداخل، للتأكيد على ديمقراطية الكيان المُحتل، وهو أمرٌ على درجة من الخطورة، لِصبح لدينا في المحصلة مُنتجَان أدبيان وفنيان، أحدهما يحكي عن الداخل والآخر عن الشتات، بمعنى أكثر من رؤية وتقديم للحالة الفلسطينية، وهذه نقطةٌ تستحق التوقف عندها.
تفاصيل جديدة
يُشير القاسم إلى إن معظم ما تناوله الفن التشكيلي الفلسطيني في الخارج، كان يدور في إطار التهجير والنكبة كعناوين كبرى، لكن في الوقت نفسه كانت تفاصيلٌ ومعطياتٌ جديدة تظهر باستمرار في الداخل، إضافةً إلى أن الحديث فنياً عن تلك العناوين استُنفِد، رغم سيرورة نتائجها على الأرض. ومما استجد في زمنٍ سابق فترة الكفاح المسلح الفلسطيني، التي أعطت أملاً كبيراً تلاه إحباطٌ وركودٌ طويل، يقول أيضاً: “التضليل الإعلامي لعب دوراً في تحولاتٍ جوهرية في القضية الفلسطينية، ولم تعد (إسرائيل) عدواً عند قطاع واسع من الجمهور العربي حتى لو لم يتم التصريح بهذا، اليوم نرى حالة من تقبّلها أو التحالف معها، أي إن عدونا أصبح في جهة أخرى، عُدنا لنتقاتل مع تاريخنا وخلافاتنا المذهبية والدينية، بدل الالتفات إلى التاريخ الراهن الذي بدأ مع نكبة 1948، وأين التشكيل والفنون عامةً من كل هذا؟”.
تأثير الصورة الفوتوغرافية أقوى وأكثر قدرة على الإقناع، بينما ما يتم الاجتهاد فيه فنٌّ أقرب للشكل الإعلاني كالبوسترات والملصقات
شكلٌ إعلانيٌّ
مع انطلاق طوفان الأقصى قبل أشهر، كان التشكيل مُرافقاً ليومياته، وهو ما يُمكن رؤيته عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الإخبارية في عدة أمكنة في العالم، في الشوارع والمعارض ومظاهرات التأييد، لكن هذا لا يعني اشتغالاً حقيقياً على اللوحة، تحديداً المعنية بفلسطين وما يتعلق بجزئياتها كالرمز والأيقونة والتراث، والسبب كما يقول القاسم: “تأثير الصورة الفوتوغرافية أقوى وأكثر قدرة على الإقناع، بينما ما يتم الاجتهاد فيه فنٌّ أقرب للشكل الإعلاني كالبوسترات والملصقات، التي يُمكن تداولها في فيسبوك وما شابه، وهذا لا يعني أن العمل الفني الحقيقي لن يكون أبداً، إنما هي مسألة الزمن اللازم في عوالم الإبداع”.
وفي الحديث عن الوقائع التاريخية الكبرى، يُشير القاسم إلى حرب تشرين عام 1973 “عندما شنّت سورية ومصر هجومين مُفاجئين ومُتزامنين على القوات الإسرائيلية، لكن للأسف لم يُنتج عندنا ما يُوازي أهمية الحدث وعمقه المجتمعي، فما حصل وقتها لم يكن قتالاً على الجبهة فقط، بل حراك مجتمعي كان على الفنون والآداب معالجته وإعادة إنتاجه، وهو ما نأمل رؤيته..