قلق الكتابة: عندما يعجز الكتّاب عن الإبداع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قلق الكتابة: عندما يعجز الكتّاب عن الإبداع

    قلق الكتابة: عندما يعجز الكتّاب عن الإبداع
    مناهل السهوي 21 فبراير 2024
    استعادات
    (Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط


    يقول فرانز كافكا في مذكراته: "7 يونيو، يوم سيء. إنه يوم سيء للغاية، لم أكتب شيئًا اليوم، وغدًا لا وقت لدي". معاناة الكتّاب من قلق أو حصار الكتابة ليست بالأمر الجديد، عانى معظم الكتاب من القلق في مرحلة ما من عملهم، وليس غريبًا أن تأتي كلمة القلق من فعل لاتيني يعني "خنق أو ضغط"، فما يشعره الكتّاب هو أشبه بالضغط والاختناق والرغبة بكتابة فكرة دون أن ينجحوا لا في التقاط الفكرة ولا في صياغتها، فما هو هذا القلق وكيف يتعامل معه المؤلفون؟

    ما هو قلق الكتابة؟

    القلق من الكتابة أو حصار الكاتب هما مصطلحان يشيران إلى مشاعر من القلق والتشاؤم وعدم الراحة تجاه الكتابة. تعرض معظم الناس الذين كتبوا ولو مرة في حياتهم مثل الطلاب والباحثين والأكاديميين من قلق الكتابة لكننا سنركز في هذا المقال على الكتّاب.

    يأتي القلق في أشكال مختلفة مثل عدم القدرة على تكوين فكرة أو صياغتها أو متابعة كتابة القصة وعدم إيجاد خاتمة مناسبة أو المعاناة من مشاعر سلبية تجاه قطعة أدبية، أو الخوف من حكم الناشر والجمهور أو أن يكون المنتج غير جيد.

    البعض يجد أن القلق هو فترة تمهيدية لخروج الأفكار، حيث تتولد الأفكار في العقل، أي عندما تنمو القصة، ولكن ليس بالضرورة أن تُكتب في جمل على الصفحة.

    مرّ معظم الكتاب بقلق الكتابة وتعاملوا معه بطرق مختلفة ولكن البعض يرفض حتى وجود هذا القلق أو الحصار. يقول الكاتب الأميركي رومان ألام: "كتلة الكاتب هي خيال، لا يعني هذا أنني أشعر دائمًا بالرغبة في الكتابة، أو أن لدي فكرة كبيرة تتسرب إلى ذهني. لا أعرف إذا كان بإمكانك إخراج جمل جيدة أو أفكار رائعة، لكن هذا لا يعني أنك لا تستطيع الكتابة. يمكنك دائمًا كتابة القمامة. يعلم الله أنني أكتب الكثير من ذلك". لكن هل يكفي فعلًا كتابة أي شيء أو قمامة كما يقول رومان؟

    الكاتب الأميركي السوفياتي غاري شتينجارت كان أكثر تطرفًا، فقال: "لم أحصل على كتلة الكاتب أبدًا، لدي محتوى يخرج من مسامي. هل تريد 600 كلمة عن إنتاج الذرة في جبال الأنديز؟ سأكتبها لك بحلول يوم الجمعة، كم تدفع للكلمة؟"

    في المقابل يقول راي برادبري، أحد أشهر الكتاب الأميركيين: "في منتصف كتابة شيء ما، تصبح فارغًا ويقول عقلك: ‘لا، هذا كل شيء‘. نعم. لقد تم تحذيرك، أليس كذلك؟ عقلك الباطن يقول ’لم أعد أحبك بعد الآن. أنت تكتب عن أشياء لا أهتم بها’".

    ترجع آن لاموت في كتابها "طائرٍ بعد طائر" القلق إلى خلو عقل الكاتب من الأفكار، تقول: "إذا طردتك زوجتك خارج المنزل، فليس لديك مشكلة في باب منزلك. كلمة "كتلة" توحي بأنك مصاب بالإمساك أو عالق، في حين أن الحقيقة هي أنك فارغ... المشكلة هي القبول، وهو شيء تعلمنا ألا نفعله، ولكن إذا قبلت الحقيقة التي أعطيت لك، وهي أنك لست في فترة إبداعية منتجة، فإنك تحرر نفسك للبدء في ملء الفراغ مرة أخرى".

    بين الأسباب الداخلية والخارجية

    تتعدد أسباب قلق الكتابة، وغالبًا ما تشمل الأسباب النفسية الحالة المزاجية أو الضغوطات التي تؤثر على المعالجة المعرفية، وما يجب معرفته أن قلق الكتابة قد يكون جزءًا من عملك، ومن أهم أسباب قلق الكتابة هو الخوف من الحكم وبخاصة في مجال مثل الشعر حيث يضع الكتّاب مشاعرهم وأفكارهم في الكتابة وتوقع ردود فعل سلبية يمكن أن يؤدي إلى الشكّ في النفس، ما يجعل عملية الكتابة مرهقة بعض الشيء.

    هناك عوامل متعددة تساهم في حصار الكاتب وأن هذا الحجب قد يحدث في أي جزء من عملية الكتابة، والأسباب الأربعة الأساسية: الفسيولوجية، التحفيزية، المعرفية، السلوكية، والأسباب الأكثر شيوعًا هي الفسيولوجية والتحفيزية.
    "خلصت دراسات متعددة إلى أن حصار الكتابة يمكن التغلب عليه بشكل أكثر فعالية من خلال إعطاء الدماغ فترة راحة، تسمى هذه الفترة الزمنية بفترة الحضانة ويمكن أن تشمل أنشطة مثل المشي، التسوق وقضاء الوقت مع العائلة أو الأصدقاء"
    من جهة أخرى تعتبر الكمالية وسعي الكاتب ليكون عمله مثاليًا أحد أسباب قلق الكتابة، وهذا لا يعني ألا يسعى الكاتب ليكون عمله جيدًا لكن الكمال مصطلح فضفاض وبخاصة في الكتابة. وتعتبر جوليا كاميرون، وهي شاعرة وروائية وصحافية، أن الكمال لا علاقة له بالمعايير وأن الكمالية هي رفض السماح لنفسك بالمضي قدمًا، وهي ليست السعي للأفضل، إنه السعي وراء الأسوأ في أنفسنا، الجزء الذي يخبرنا أنه لن يكون هناك شيء جيد بما فيه الكفاية على الإطلاق.

    تؤكد كاميرون على نقطة مهمة وهي الكتابة من أجل العيش والحصول على المال والذي قد يدفع البعض لكتابة مواضيع لا تعنيهم أو لا تمسهم قد تكون سببًا في هذا القلق، تقول: "اسأل نفسك: هل أسمح لنفسي بكتابة نوع الكتابة الذي أريد كتابته اليوم، أم أنني أستخدم المخاوف بشأن كسب لقمة عيشي من العمل، أو بشأن الاستقبال النقدي للعمل، لتجنب القيام بالعمل؟".

    يقول راي برادبري، أحد أشهر الكتاب الأميركيين: "في منتصف كتابة شيء ما، تصبح فارغًا..." (الصورة: Getty)
    فترة الحضانة

    تقترح جوليا كاميرون بدلًا من خوض حرب ضد ناقدنا الداخلي وقوى المقاومة، أن نعمل ببطء وبشكل منهجي على الوصول إلى أسباب هذه العوائق لمعالجة المشكلة من جذورها، على سبيل المثال، إذا قال لك الناقد الداخلي: "لا يمكنك أبدًا كتابة شيء يريد الناس قراءته بالفعل"، تقترح كاميرون أن نتعمق في مصدر هذا الصوت، هل كانت لدينا تجربة سيئة مع مدرس الكتابة في وقت مبكر من طفولتنا؟ هل أخبرنا أحد الوالدين المتسلطين بحسن نية أن الإبداع هو اختيار حياة غير مسؤول لأن الفنانين لا يكسبون أي أموال أبدًا؟ وبعبارة أخرى، من هو الصوت الذي نسمعه عندما يظهر ناقدنا الداخلي؟

    في السنوات الأخيرة تم تخصيص المزيد من الأبحاث لفهم الحالة النفسية الكامنة وراء قلق الكاتب من أجل المساعدة في التغلب عليه. خلصت دراسات متعددة إلى أن حصار الكتابة يمكن التغلب عليه بشكل أكثر فعالية من خلال إعطاء الدماغ فترة راحة، تسمى هذه الفترة الزمنية بفترة الحضانة ويمكن أن تشمل أنشطة مثل المشي، التسوق وقضاء الوقت مع العائلة أو الأصدقاء.

    ماذا فعل الكتّاب لتجاوز قلق الكتابة؟

    تقول الشاعرة الأميركية الشهيرة مايا آنجلو إنها تستمر بالكتابة عندما تعاني حصار الكاتب: "قد أكتب لمدة أسبوعين (جلست القطة على السجادة، أي أنها ليست فأرًا) وقد يكون هذا أكثر الأشياء مللًا وفظاعة لكني أحاول. عندما أكتب وأكتب، بعد ذلك يبدو الأمر كما لو أن الإلهام يقتنع بأنني جادة ويقول: حسنًا سوف آتي".

    أما الكاتب الأميركي الشهير مارك توين فقال: "إن سر المضي قدمًا هو البدء، إن سر البدء هو تقسيم مهامك المعقدة والمرهقة إلى مهام صغيرة يمكن التحكم فيها، ثم البدء في المهمة الأولى".

    أما أرنست همنغواي فقد أوصى بألا تستنزف كل أفكارك وإن عانيت من حصار الكتابة، ولكنك وجدت فجأة أن الإلهام يغمرك مرة أخرى، فلا تستنفد مواردك! تأكد دائمًا من الاحتفاظ ببعض الإلهام الاحتياطي.

    كما يشدد البعض على أن الكتابة هي عضلة وتصبح أقوى كلما استُخدِمتْ أكثر، مثلًا كانت الروائية الكندية لوسي مود مونتغمري وفية لكتابة يومياتها بهدف الاستمرار في الكتابة، وقد عانت من الاكتئاب حتى عندما ابتكرت الشخصيات الأكثر إشراقًا وإيجابية وأشهرها آن شيرلي لإبقاء قرائها سعداء.

    في النهاية قد يبدو قلق الكتابة كإنذار بأن الكاتب فقد إبداعه، لكن هذا الإنذار خاطئ في معظم الحالات، وأكد لنا كاتب وراء آخر أنهم عادوا للكتابة مجددًا، ففي المرة القادمة التي يصيبك القلق أخرج للمشي، فقد تعود وبجعبتك الكثير من الأفكار.



    مصادر:

    - An Analysis of Writer's Block: Causes, Characteristics, and Solutions -Sarah J. Ahmed- University of North Florida- 2019
    - Rumaan Alam- Writer’s Block is a Fiction - LITERARY HUB 2018

    - Bird by Bird - Anne Lamott- 1995

    - On Writer’s Block: Advice from T
يعمل...
X