بشير درايس يستعيد سيرة المناضل الجزائري العربي بن مهيدي
العمل قدم العديد من المشاهد في حياة بن مهيدي كتمسكه باستقلال الجزائر إلى آخر لحظات حياته.
الأربعاء 2024/03/06
تمثّل لنضالات رجال صنعوا تاريخ الجزائر المعاصر
الجزائر - قدم المخرج الجزائري بشير درايس العرض الأول لفيلمه الروائي الطويل الذي يستعيد فيه سيرة العربي بن مهيدي (1923-1957)، المناضل والرمز الذي استشهد في سبيل استقلال الجزائر. ويتناول هذا العمل التاريخي، في ساعة و55 دقيقة، المسار الحياتي والنضالي الحافل للعربي بن مهيدي، منذ طفولته بدوار (قرية) الكواهي بعين مليلة وإلى غاية استشهاده، مسلطا الضوء على أهم المحطات التي عرفتها الثورة التاريخية وكذلك كبار رموزها، ومقدما من خلالها نظرة شاملة عن هذه الثورة من وجهة نظر خاصة بالفيلم.
وكانت البداية بمشهد تمثيلي يبرز شنق بن مهيدي في مركز تعذيب من طرف السفاح الفرنسي مارسيل بيجار، قبل أن يعود العمل بالمشاهدين وعبر تقنية “الفلاش باك” إلى مختلف أحداثه بداية بطفولة بن مهيدي الذي كان من صغره ناقما على الاستعمار بسبب تسلطه على الجزائريين. وتتوالى الأحداث تباعا إذ يكبر بن مهيدي وينضم إلى حزب الشعب ويشارك أيضا في مظاهرات الثامن من مايو 1945 المطالبة بالاستقلال ليعتقل بعدها ويطلق سراحه، وبسبب المجازر التي أعقبت تلك المظاهرات فقد تبنى أفكارا تحررية جعلته ينضم إلى المنظمة السرية، وهكذا تتوالى المشاهد إلى غاية اندلاع الثورة في 1954 والتي كان من مفجريها.
وكان المسار حافلا لبن مهيدي إبان الثورة بالنظر لدوره الرائد في العديد من محطاتها المفصلية على غرار عضويته الفاعلة بمجموعة الـ22 ومجموعة الستة ودوره في مؤتمر الصومام ومعركة الجزائر وإضراب الثمانية أيام، وقد كان مساره مناسبة أيضا لتسليط الضوء على مسارات مجاهدين كبار كانوا برفقته في النضال على غرار محمد بوضياف ورابح بيطاط وعبان رمضان وكريم بلقاسم ولخضر بن طوبال.
صورية مولوجي: العمل يسلط الضوء على الشهيد بن مهيدي الذي ألقى بثورته إلى الشارع فالتقطها الشعب الجزائري
وكانت نهاية العمل بإلقاء القبض عليه نهاية فبراير 1957، وقد حاول المخرج محاكاة المشهد الشهير الذي بدا فيه مبتسما غير آبه للموت وهو مكبل اليدين ومن حوله جلادوه، لتكون بذلك العودة إلى مشهد إعدامه شنقا دون محاكمة، ليلة الثالث إلى الرابع من مارس 1957، بعد تعذيبه والتنكيل به.
وقدم العمل العديد من المشاهد التي عكست لحظات حزينة في حياة بن مهيدي كاستشهاد أخيه محمد الطاهر، وتمسكه باستقلال الجزائر إلى آخر لحظات حياته رغم تعرضه للتعذيب والتنكيل، كما حمل العمل عبارات شهيرة عرف بها “الحكيم”، كما كان يلقب، على غرار “القوا الثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب” و”أعطونا طائراتكم نعطوكم قففنا”. وكتب سيناريو هذا العمل عبدالكريم بهلول، بينما كانت كتابة النص لمراد بوربون، وقد شارك في أدائه عدد من الممثلين يتقدمهم خالد بن عيسى في دور بن مهيدي، وكذلك محمد فريمهدي ويوسف سحيري وفتحي نوري وسمير الحكيم، بالإضافة إلى ليديا لعريني والراحل حليم زريبع.
ورأت وزيرة الثقافة صورية مولوجي أن العمل “يسلط الضوء على الشهيد الخالد، العربي بن مهيدي، الذي ألقى بثورته إلى الشارع فالتقطها الشعب الجزائري”، مضيفة أن قطاعها “سيعمل من أجل أن يوزع الفيلم في الصالات حتى يحظى بالمشاهدة”.
من جهته، قال وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة إن الفيلم تعلق بـ”عملاق من عمالقة الثورة التحريرية المباركة”، وهو “عمل سينمائي تاريخي، يدخل ضمن برامج إحياء الذاكرة الوطنية”، مضيفا أنه “يخص جانبا من جوانب هذه الشخصية الفذة التي لا يمكن أن نلم بكل تفاصيلها، لكونها شخصية متعددة الرؤى ومتعددة الأبعاد”. وأضاف أن هذا العمل بمثابة “رؤية من زاوية سينمائية، ويمكن إنجاز أعمال أخرى حوله لإعلاء صورة هذا الشهيد الفذ وصورة غيره من الشهداء الأفذاذ”، مشيرا إلى أن إنجاز هذا الفيلم يدخل في سياق “تجسيد وتنفيذ توصيات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون في مجال الحفاظ على ذاكرتنا الوطنية”.
ومن ناحيته، قال المخرج درايس أن الفيلم “يذكر بالاستعمار الفرنسي للجزائر وباضطهاده للمدنيين العزل”، مشبها هذا الاضطهاد بما يحدث للفلسطينيين اليوم، مضيفا أن “السينمائي ليس مؤرخا” وأن “أصحاب الفضل في هذا العمل هم الممثلون والتقنيون وكاتب السيناريو وكل من شارك فيه”، آملا في أن يتم توزيعه تجاريا “قريبا” عبر الصالات في الجزائر وخارجها. أما الممثل خالد بن عيسى فقال إن تقمصه دور بن مهيدي “أشعره بالخوف في بادئ الأمر، نظرا لثقل وحجم شخصية الشهيد”، مضيفا أن الدور “أثر فيه مهنيا وشخصيا” وقد كان بمثابة “فرصة فريدة في مشواره اغتنمها إلى أقصى درجة”.