الباحث والشاعر الجزائري المقيم في باريس الهواري غزالي (الجزيرة)
عبد المجيد دقنيش
1/2/2023
الشاعر الجزائري الهواري غزالي: الشعر آلة استكشافية للمجهول والمنافي نداءات لأرواح متشابهة
باريس- بين القريض بوصفه وريثا للحكمة واستكشافا للمجهول، والتنقيب عن الكنوز المعرفية في المخطوطات العربية الإسلامية القديمة، يسافر الهواري غزالي بشكل دائم بين شذى القوافي والكلمات، وصدى الكتب النادرة والمخطوطات. محاولا تقصي أثر الجدود الأولين والشعراء المؤسسين، من تلمسان إلى غرناطة والأندلس، مرورا بالقيروان وفاس ووصولا إلى شنقيط.
والهواري غزالي -المولود عام 1975 بسيدي بلبعاس بالجزائر- شاعر ومترجم وأستاذ محاضر في قسم الدراسات العربية بجامعة باريس، وباحث بمركز الدراسات الأدبية العالمية في العاصمة الفرنسية.
أصدر في الشعر دواوين كثيرة من بينها: "أناشيد النبوءات المتوحشة"، و"قلب لا يحسن التصديق"، و"للبحر صوت آخر على جسر ريالتو"، و"كتاب الغبطة المتصلة"، و"نزيلا قاسيون" الصادر بداية هذا العام عن دار "الآن ناشرون" في عمّان.
كما ترجم إلى العربية ديوان "هذا الحظ وهذه النار" للشاعر الفرنسي جون بول ميشال، و"كتاب الحماسة" عن هيردريلين. كما صدر له عام 2019 كتاب "دونيز ماسون" عن المستشرقة الفرنسية دونيز ماسون، التي ترجمت القرآن الكريم إلى الفرنسية عام 1976.
من كتب الباحث والشاعر الهواري غزالي (الجزيرة)
وإلى جانب كونه مهتما بالدراسات النقدية الشعرية، هو باحث يشتغل على تحقيق الدواوين الشعرية والمخطوطات العربية الإسلامية القديمة، ومن بين الدواوين التي حققها، ديوان "شذور الذهب" لابن أرفع رأس الجيَّاني، وديوان "قراضة العسجد" للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وسيصدر له قريبا ديوان
محقق بعنوان "سلاسل النضار" لصلاح الدين الكوراني.
كتب للشاعر والباحث الهواري غزالي (الجزيرة)
حول ديوانه الجديد "نزيلا قاسيون"، والوشائج التي تجمعه بأدب الرحلة، كان لنا مع الهواري غزالي هذا الحوار، الذي انفتح أيضا على علاقته الخاصة بالأندلس، إذ يرى فيها رمزا للمعرفة والانفتاح الحضاري، وخاض كذلك في بحوثه وتحقيقاته الكثيرة للمخطوطات القديمة.
ويتناول الحوار مع الهواري غزالي أيضا موقفه من الحريق الأخير الذي أتلف مكتبة أهلية عريقة في جنوب الجزائر تحتوي على مخطوطات نادرة، وعن الأخطار التي تتهدد مثل هذه المخطوطات في الصحراء الأفريقية الكبرى، والحلول التي يقترحها لصيانتها والمحافظة عليها، بصفته خبيرا.
- يحاول كتابك "نزيلا قاسيون" استعادة رحلة الأمير عبد القادر واقتفاء أثره عبر منافيه الكثيرة، فإلى أي مدى تعتبر نصوصه رحلة داخلية صوفية لاكتشاف الذات وترميم ذاكرتها المتشظية، قبل أن تكون سفرة خارجية لاقتفاء أثر ذاكرة المكان والزمان؟
الشعر في عمقه الجوهري سفر في كل شيء، في الخيال، في الزمن، في اللغة، في العاطفة، وفي الأمكنة وتاريخها، إنه آلة استكشافية للمجهول أيضا، يسمح بدفع لحدود المعرفة إلى أبعد ما هي عليه، ولذلك، استمر لفترات طويلة مصدرا لتعميق النظر الفلسفي ابتداء من نصوص هزيود الأسطورية إلى هيردرلين المثالي.
السفر هو باب من أبواب المعرفة، وطريق لحصول المعنى، ولذلك، لا تجذبني كثيرا كلمة منفى، لأن فيها ما يحيل على نفي الذات، والنفي لا يقع بالضرورة ونحن في الغربة، بالعكس، أحيانا نهرب من أوطاننا لأننا نُنفى فيها، أو تمارَس علينا فيها عملية نفي الذات.
والسفر هو باب من أبواب المعرفة، وطريق لحصول المعنى، ولذلك، لا تجذبني كثيرا كلمة منفى، لأن فيها ما يحيل على نفي الذات، والنفي لا يقع بالضرورة ونحن في الغربة، بالعكس، أحيانا نهرب من أوطاننا لأننا نُنفى فيها، أو تمارَس علينا فيها عملية نفي الذات.
أفضّل استخدام مفردة منفذ، فهي كلمة تحيل بمدلولها إلى وجوب البحث عن مكان لإنقاذ الذات من نفيها وهي لا تزال في رحم وجودها الأول. إن المعرفة منفذ، والآخر والعالم واكتشاف الذات منفذ أيضا.
أفضّل استخدام مفردة منفذ، فهي كلمة تحيل بمدلولها إلى وجوب البحث عن مكان لإنقاذ الذات من نفيها وهي لا تزال في رحم وجودها الأول. إن المعرفة منفذ، والآخر والعالم واكتشاف الذات منفذ أيضا.
ولننظر في الأمير عبد القادر الجزائري وهو بمنافيه، ألم يتحول إلى شخص آخر؟ بلى، لقد أفضى به "منفاه" إلى التعمق في مناقشة الفتوحات المكية؛ فهذا الحوار العرفاني هو في حدّ ذاته منفذ تجلى له واضحا وهو بدمشق مدرسا في الجامع الأموي.
وعندما وقفت على ضريحه بجبل قاسيون، وإلى جانبه يرقد شيخه الأكبر محيي الدين بن عربي، اكتفيت بما يعطيه النظر، في آخر المطاف، من جواب مفاده أن المنافي ليست في الواقع سوى نداءات تجتمع أمامها الأرواح المتشابهة وتتفق عندها الآمال باللقاء.
وإذا كان، في كثير من الثقافات، من يعتقد أن الأرواح الميتة ترافق الأحياء، فإنه في الثقافة الصوفية والروحية الإسلامية، الأحياء هم من بأرواحهم يرافقون الموتى. ولذلك، وجدتني، في هذا الكتاب، أصطحب معي أرواح هؤلاء، بتفقد آثارهم، والتقصي في أسفارهم، والتمعن فيما تركوا من أفكار وأخبار.
تعليق