Ayman LotfyPSA Middle East
Mohamed Kamal
٢٥ أبريل ٢٠٢٠ ·
وقد ظل التصوير الفوتوغرافى داخل حيز التوثيق أكثر من الإبداع حتى وقت قريب لم يكن النقد التشكيلى يأبه لوجوده بين الصنوف الإبداعية الأخرى من التصوير والحفر والرسم والنحت والخزف ، نتيجة لنمطية الأداء أحياناً ، واختفاء المشروع الفنى الواضح أحياناً أخرى ، حتى أطل علينا فى الحركة التشكيلية المصرية مع مشارف الألفية الثالثة جيل إتصل بالمحافل العالمية والمحلية معاً ، عبر قدرات تجاوزت المعهود فى الحقب التى سبقته .. وربما كان من أبرز هؤلاء الفنان أيمن لطفى ( 1968م ) المولود بالقاهرة فى الثلاثين من أغسطس عام 1968م ، والحاصل على شهادة الزمالة فى الفوتوغرافيا من الجمعية البريطانية ، وعضوية الجمعيتين المصرية والأمريكية للتصوير الفوتوغرافى ، لذا فمن البديهى أن يكون الآن المدير الإقليمى للجمعية الأمريكية بالشرق الأوسط ( PSA ) للتصوير الفوتوغرافى ، وبالضرورة هو حاصل على العديد من الجوائز الدولية ، وعضوية الكثير من لجان التحكيم للمعارض العالمية .. والمدقق فى مشوار أيمن لطفى مع فن الفوتوغرافيا ، سيجده قد نقله إلى آفاق جديدة على المستويين الإبداعى والتقنى منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة ، حيث جرأته فى عرض بعض التجارب الطليعية التى قفز بها فوق نمطية الأداء التى سادت المشهد لعشرات السنين ، مع وجوب التأمل فى بعض الإستثناءات عبر مايناهز قرناً من الزمان .
وفى تجربته الفوتوغرافية ( الشريان ) التى عرضها فى قاعة " الباب " بالأوبرا ، إستطاع أيمن لطفى أن يوظف الأنثى كمفردة بصرية فى خلق دراما إبداعية تكشف عن رسالة تجسد مقاومة المرأة من أجل فض أغلالها داخل شريان الحياة نفسها تبعاً للمقصد التعبيرى عند الفنان .. وفى هذا الإطار نجده يستخدم أسلوباً متعدد التقنيات ، بداية من التعامل مع الموديل الحى عبر الإلتقاط المباشر وسط توزيع حرفى للإضاءة لضبط وهج اللحظات الدرامية داخل المشهد ، قبل أن يتعامل مع الصورة فى بعض الأعمال عبر برنامجى (photoshop ) و ( light room ) فى مراحل تالية للقطة الحية .. وهنا يتجاوز أيمن جمود الصورة الفوتوغرافيا قديماً ، والتى كانت الآلة فيها تسبق القدرات الإبداعية للفنان ذاته ، حيث نراه هنا يلعب عدة أدوار متداخلة بين المصور والمخرج المسرحى وكاتب السيناريو .. وفى مواضع أخرى نجده يعيد صياغة وتركيب اللقطة داخل الحيز السوريالى ، حيث تجاوز الواقع الحسى المباشر إلى ماورائه ، وفى الحالتين نلاحظ تنوع أداء الفنان بين الصورة الملونة والمختزلة إلى الأبيض والأسود ، مطيحاً بعنصر الإبهار اللونى عبر اعتماد على مهاراته فى غزل المشهد على المستوى التعبيرى ، لذا نجد أيمن لطفى يعزف عزفاً منهجياً متواتراً عبر مجموعة لقطات بعنوان " القناع الحديدى " حيث يومىء فيها إلى مواضع أخرى من الحبس الأنثوى .. ففى تكوين ( 5 ) نجده يدفع بإحدى موديلاته التى يطل وجهها من وراء قناع حديدى متشابك تكاد تتنفس من خلفه بالكاد ، سيما وأنها أمسكته بيديها ذات الطلاء الوردى على أظافرها ، فى تجسيد للإحتفاظ بالرقة رغم الأزمة النفسية التى تحاصرها ، فى حين ظلت عيناها مفتوحتين يقظتين ، فى إشارة للتحدى مع القهر .. ثم يكمل أيمن رسالته التعبيرية البليغة عبر رداء الأنثى الذى بدا فى نصفه الأسفل باللون الأسود ، بينما ظهر فى الأعلى بتقاسيم حجرية يحفها نفس السواد ، على التوازى مع خلفية بذات الملمس الحجرى الجدارى ، إعتماداً على تباديل وتوافيق برنامج ال ( photoshop ) ، علاوة على الرونق الذى يمنحه برنامج ال ( light room ) للمشهد ، ليصل شعور الرائى بالفتاه أنها جزء من الخلفية الزمنية الحبلى بتواترات الكبت والإنسحاق ، رغم حفاظ أيمن فى إخراج الصورة على حيوية الفتاه ونضارتها الأنثوية ، بما يزيد من إحساس المتلقى بعظم المواجهة داخل شريان الحياه .
حتى ينتهج لطفى أسلوباً أكثر نعومة فى تحقيق رسالته التعبيرية المتحالفة مع المرأة ، مثلما بدا هذا فى تكوين ( 8 ) بعنوان " المرآه " ، حيث يدفع فيه عبر نصف الصورة الأيمن بفتاه عارية الصدر والظهر من زاوية جانبية ، وقد بدت رأسها مغطاة برباط أسود تدلى منه جزء على ظهرها وكأنها فى حالة من الحزن والحداد ترسخت من خلال الخلفية المغرقة فى السواد أيضاً ، فى حين بدا وجهها معكوساً فى نصف الصورة الأيسر كمن تقف أمام مرآتها ، بينما كسا أيمن لطفى لحم الأصل والصورة بشبكة من الشرايين المتداخلة حتى خيّل للرائى أن جسد الأنثى من زجاج شفاف ، إعتماداً على قدراته فى توظيف برنامج ال ( photoshop ) من أجل تجسيد المعمار الرمزى داخل المشهد ، بمايؤكد رسالة الفنان حول حيوية الشريان الحياتى فى مواجهة القهر والذل عبر ملامح الغضب الدفين التى اعتلت وجه الفتاه وملأت عينيها .
وبذات المفهوم الفكرى والبصرى ينسج أيمن لطفى تكوين ( 9 ) المسمى ب " العروس " ، والذى يدفع فيه بفتاة مغمضة العينين ، مطأطأة الرأس نسبياً إلى أسفل ، بعد أن غطاها بطرحة بيضاء منسدلة على الكتفين ومعظم الجذع ، هرب منها الشعر حتى غطى الثديين الناعسين تحت ذلك الثوب الأبيض أيضاً .. وقد بدت الخلفية كذلك غارقة فى البياض ، وتسللت إليها ملامح الشرايين الخفيفة ، بينما اخترقتها مجموعة من الحشرات الحمراء الطائرة الحائمة حول العروس وكأنها على وشك مهاجمتها ، سيما أنها ظهرت فى حالة استسلام ، مقابل شعور مستتر بمقاومة محتملة مستمدة من هذا الفيض الأبيض الذى غمر المشهد كله ، ترميزاً من الفنان لتلك الروح القادرة على مقاومة اعتقال الجسد .
مقتطف من دراستى عن الفنان القدير أيمن لطفى تحت عنوان " المرأة تقاوم أغلالها فى شريان أيمن لطفى " _ مجلة الزمكان _ العدد السادس _ سبتمبر 2017م .
الأعمال المصاحبة للنص للفنان أيمن لطفى وبياناتها تحت كل منها
Ayman Lotfy