"الهارب العظيم".. محارب قديم يخوض رحلة بين الماضي والحاضر
الفيلم يمزق الصورة النمطية للمسنين ويختم مسيرة السير مايكل كين المهنية.
الأحد 2024/03/03
صنع السلام مع الماضي
الكثير من الأفلام تصور عوالم المسنين وهم يتحدّون الشيخوخة ويطلقون الحِكم ويغرقون في الذكريات، ولكن تبقى هذه الشخصيات في مرتبة العجز أو استدرار المشاعر، وهو ما يتجنبه فيلم “الهارب العظيم” الذي يمنح أبطاله المسنين زمام المبادرة والفعل، ويخرجهم من صورة خريف العمر والعجز إلى ربيع الحب والتأثير.
تعد عملية إنزال نورماندي أكبر عملية غزو بحري في التاريخ الحديث، العملية التي مهدت الطريق لتحرير غرب أوروبا من القوات النازية بعد هبوط 160 ألف مقاتل في 6 يونيو 1944. وشهدت مشاركة 195700 ملاح بحري من الحلفاء على متن أكثر من 5000 سفينة. تمت عمليات الإنزال على شريط نورماندي الساحلي بطول 50 ميلا (80،4 كم). تجري الاحتفالات سنويا بهذا الانتصار في هذا اليوم يتجمع زعماء غربيون ومحاربون قدامى من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا للمشاركة في مراسم على الساحل الممتد في شمال فرنسا.
برنارد جوردان محارب قديم في البحرية الملكية شارك في الحرب العالمية الثانية، وبعد أن فاته الموعد النهائي لحضور الرحلة الرسمية إلى فرنسا التي كان من الممكن تسهيل المهمة عن طريق دار الرعاية التي يعيش فيها مع زوجته، ولرغبته الشديدة في حضور تلك الاحتفالات بيوم النصر في نورماندي يقرر الهروب من دار الرعاية والوصول إلى فرنسا. قصة هروبه جذبت اهتمام وسائل الأعلام التي أطلقت عليه لقب “الهارب العظيم”، وهذا هو اسم الفيلم الذي تصدى لتنفيذه المخرج أوليفر باركر الذي استند إلى القصة الحقيقية لهروب المحارب المتقاعد جوردان.
قصة الهارب
قصة هروب جوردان كانت حكاية ملهمة وقد جسدت روح التحدي والقدرة على العمل لجيل كان يختفي بسرعة
تحكي الدراما الجديدة لأوليفر باركر القصة الحقيقية لبرنارد جوردان (بيرني) الذي يؤدي دوره الممثل الانجليزي مايكل كين، وهو محارب قديم في البحرية الملكية في الحرب العالمية الثانية يبلغ من العمر 89 عاما، هرب من منزل تقاعده في هوف في عام 2014 وشق طريقه إلى فرنسا للاحتفال بالذكرى السنوية السبعين ليوم النصر وشاركته البطولة الراحلة غليندا جاكسون في دور زوجته رينيه التي شجعته على القيام برحلته.
الفيلم خاتمة رائعة لمسيرة الممثل الأنجليزي السير مايكل كين لإنهاء حياته المهنية المثيرة للإعجاب والمذهلة، إذ أشار إلى أن “الهارب العظيم” هو آخر فيلم له في مسيرته الفنية بعد أن بلغ من العمر 90 عاما ويعاني من اعتلال الصحة. الفيلم قدم شخصيتين رائعتين في أدائهما المدهش، مزيج من الدفء بين بيرني ورينيه وعلى وجه الخصوص الزوجة رينيه (غليندا جاكسون) التي تتمتع بالكثير من الحيوية وغالبا ما تعامل شيخوختها والعلل واحتمال الموت بروح الدعابة رغم أن حركتها محصورة في غرفة في دار الرعاية. ولكن المشاهد التي ظهرت بها كانت روحا طيبة وكوميدية تماما بفضل صدقها وموقفها الصريح.
السيناريو مسلٍّ بشكل غير متوقع في بعض الأحيان، ولكنه يوازن ذلك مع اللمسات الرومانسية التي توقظ المشاعر. أراد الكاتب أن يسلط الضوء على المحاربين الحاليين أو السابقين الآخرين أيضا، لم أر الممثل مايكل كاين أبدا بهذه الرقة وعلى اتصال بمشاعره على الشاشة من قبل، يا له من دور يجب أن ننحني له، وينطبق الشيء نفسه على جاكسون التي توفيت بعد تسعة أشهر من تصويرها لهذا الفيلم عن عمر 87 عاماً.
السيناريو مسلٍّ بشكل غير متوقع في بعض الأحيان، ولكنه يوازن ذلك مع اللمسات الرومانسية التي توقظ المشاعر
لقد أعجبت جدا بطاقتها وإحساسها المرهف بالنظر إلى عمرها. هناك الكثير من فريق التمثيل الداعمين الرائعين، ولكنني أريد أن أشير إلى جون ستاندينج كزميل بيرني المخضرم آرثر، والشابة دانييل (فيتاليس أديل)، في دور موظفة دار الرعاية.
كان بيرني جوردان مصمما على المشاركة في الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين ليوم الانتصار في نورماندي والذي ترعاه الملكة اليزابيث وضيفها الرئيس الأميركي باراك أوباما، بيرني المخضرم يجسد روح جيله التي لا تعرف الكلل، وعندما لم يحصل على مقعد في رحلة منظمة إلى شواطئ فرنسا والمشاركة في الاحتفالات في نورماندي، قرر الوصول إلى هناك – بمجرد أن انسل من دار الرعاية بمساعدة مسند المشي دون أن يلاحظه أحد، وقد أطلقت عليه الصحافة لقب “الهارب العظيم” وأعطى الفيلم استنادا إلى رحلته المرتجلة عنوانه – وصل جوردان إلى فرنسا على متن العبارة في الوقت الذي اتصل فيه الموظفون في دار الرعاية بالشرطة يبلغون عن اختفائه. وبينما كان يشارك الرفاق ذكرياتهم، كانت صورته في جميع أنحاء الصحف والأخبار التلفزيونية والإنترنت والحديث عن مغامرته وأصبح بطلا قومياً في سن التسعين تقريبا.
القصة التي شرع المخرج أوليفر باركر في إظهارها كانت قصة أكبر بكثير من تلك التي استحوذت على خيال الأمة لفترة وجيزة، يعود بنا المخرج من خلال الفلاش باك في استعراض ومضات من ماضي المحارب بيرني، ويستذكر زواجه من رينيه وحياتهما معا، بالإضافة إلى بعض التجارب التي ظهرت خلال زيارته إلى مقبرة عسكرية. ويتمكن أيضا من مساعدة زميل محارب قديم يعاني من مشكلة الإدمان على الشرب، ومحارب قديم آخر أصغر سنا يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة من حرب أفغانستان.
مناهضة الحرب
أظهر الفيلم ندوب الحرب التي لا تختفي أبدا. مثلما كان قدامى المحاربين الآخرون يكافحون أيضا مثل آرثر (جون ستاندينغ)، وهو طيار شارك في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الضابط سكوت (فيكتور أوشين)، وهو من المحاربين في أفغانستان فقد ساقه فيها. لم يعالج كلاهما أبدا آلامهما وآثار الحرب وصدمتها وانتهى بهما الأمر إلى تطوير آليات تأقلم غير مناسبة. كانت اللحظة المؤثرة في الفيلم عندما زار برنارد مقبرة ضحايا الحرب وانهار في البكاء حين استذكر رفيقه العاشق الرقيق الذي قتل في تلك الحرب.
فيلم “الهارب العظيم ” يحمل رسالة مناهضة للحرب مع توصية مفادها أن قدامى المحاربين بحاجة إلى توفير أفضل اهتمام ورعاية لصحتهم العقلية. دراما تستند إلى القصة الحقيقية لبرنارد جوردان، وهو من قدامى المحاربين الذي شق طريقه الخاص إلى حفل الذكرى السنوية السبعين في يوم النصر في فرنسا.
برنارد جوردان (مايكل كين مع ويل فليتشر في دور بيرني الشاب) رجل يبلغ من العمر 90 عاما يعيش في دار لرعاية المسنين مع زوجته رينيه. غاب برنارد عن الذهاب إلى فرنسا مع قدامى المحاربين الآخرين في الحرب العالمية الثانية بسبب المخاوف على صحة زوجته. ومع ذلك، بتشجيع من رينيه، يقطع برنارد استراحة من دار رعاية المسنين ويسافر إلى فرنسا بمفرده. مع معرفة وتواطؤ زوجته رينيه (غليندا جاكسون مع لورا ماركوسفي مرحلة شباب رينيه) ينطلق بيرني دون إخبار أي من موظفي دار الرعاية.
يصل بريني إلى الميناء ويصعد على متن العبارة حيث اجتاحته حشود قدامى المحاربين. ساعده سكوت (فيكتور أوشين) الذي فقد ساقه عندما وقف على لغم أرضي في قندهار، على متن القارب. يلتقي بيرني بمجموعة من قدامى المحاربين في عصره ويتعرف على المحارب آرثر (جون ستاندينغ) الذي تربطه به صداقة رائعة. يسحبه إلى المجموعة ويعرض عليه مشاركة غرفته في الفندق.
الفيلم يحمل رسالة مناهضة للحرب مع توصية مفادها أن قدامى المحاربين بحاجة إلى توفير أفضل اهتمام ورعاية
كان فيلم “الهارب العظيم” فيلما دافئا ومسليا لأسباب عديدة. كانت قصة أظهرت الصداقة الحميمة والرفقة للأشخاص الذين تبادلوا الخبرات والتجارب؛ هناك أيضا جانب فكاهي وبشكل رئيسي في الطريقة التي تتعامل بها رينيه مع موظفي الرعاية، وخاصة الشابة أديل (دانييل فيتاليس) وهي مقدمة رعاية طورت صداقتها مع رينيه. وكانت تلمح إلى وجود حياة منزلية مضطربة وأعطتها رينيه بعض كلمات التشجيع والنصائح. بالإضافة إلى ذلك، كانت المشاهد الحربية متميزة في التنفيذ وعرضت المعارك الحربية من خلال الفلاش وقدمت بذوق، وجمالية عالية.
رحلة برنارد في كثير من الأحيان تحية مؤثرة لأولئك الذين يضحون بحياتهم من أجل الوطن. أثناء صراعه مع ذكريات الماضي في زمن المعارك وشعوره بالذنب حين ترك رفيقه يغرق دون أن يفعل شيئا له، يلتقي برنارد محارب قديم في سلاح الجو الملكي البريطاني يدعى آرثر (جون ستاندينغ)، هو الآخر مصاب بذنب الناجي بعد مقتل أخيه في معارك الحرب العالمية الثانية. يبني الرجلان رابطة وهما يواجهان الحدث ويتشاركان غرفة فندق، وقد فتحت الرحلة جروح الحرب العالمية الثانية تدريجيا معا.
يستخدم “الهارب العظيم” ذكريات الماضي لتفصيل رعب الحرب. في مشهد مؤثر، نراقب بيرني يجلس مع مواطنه المخضرم في مقهى محلي (تم تصوير الفيلم بالكامل في المملكة المتحدة وتقتصر محاولات إعادة إنشاء فرنسا على النبيذ الأحمر وموسيقى الأكورديون). تجلس مجموعة صغيرة من الألمان في المكان نفسه. يدعوهم بيرني إلى طاولته ويسألهم أين كانوا متواجدين في ذلك اليوم، ويبدأ أحد الألمان في الانهيار، ويضع بيرني بهدوء يده على يده لتخفيف الشعور بالندم.
لا يتم التحدث بأي كلمات أخرى ويتجنب الفيلم لحسن الحظ أي استنتاجات حول الشعور بالذنب والمصالحة. بدلا من ذلك، يظهر لنا ببساطة لحظة من الشراكة الصامتة بين رجلين ربما أطلقا الرصاص على بعضهما البعض ذات مرة. الاحترام المتبادل والتعليق غير المعلن هنا جعل المشهد مؤثرا بشكل لا يصدق ودرساً في التسامح وصفاء القلوب.
تبدو لحظات مثل الاجتماع مع الخصوم الألمان السابقين شاعرية بعض الشيء. القوة الحقيقية تكمن في التسامح وفتح صفحة جديدة. يحتاج بيرني إلى صنع السلام مع ماضيه ويعرف أن هذه من المرجح أن تكون فرصته الأخيرة لمتابعة طموحه، الرحلة تصور بنزاهة عدم التخلي عن علاقتنا بالماضي والشعور بالذنب. في الجانب الآخر، الزوجة رينيه بمفردها، تعود بذكرياتها إلى بداية اللقاءات مع المحارب الشاب (جوردان بيرني) عندما التقت به لأول مرة ووقعا في الحب، مما يحول انتباهها بعيدا عن جسدها المريض.
الماضي يصطدم بالحاضر
تسليط الضوء على خطورة الذاكرة
تقدم الممثلة غليندا جاكسون في دورها السينمائي الأخير، حواراتها المسلية والمبهجة مع الموظفين العاملين في دار الرعاية التي تتوازن مع لحظات الفيلم الأكثر حزنا. الممثلان مايكل كين وغليندا جاكسون في الحياة الواقعية لهما ميول سياسية مختلفة تماما، حيث غادر كين المملكة المتحدة في السبعينات خلال سياسة ضريبة الدخل المرتفعة لحكومة العمل، وجاكسون عضو البرلمان العمالي الشهير لأكثر من عقدين من عام 1992 حتى عام 2015. قدم مايكل كين في الفيلم أحد أفضل عروضه منذ سنوات بحيث تحمل الكثير من الآلام وصعوبة الحركة. ونفس الشيء للراحلة الممثلة القدير جاكسون التي قدمت أداء ممتعا للغاية رغم كبر سنها.
يعامل المخرج أوليفر باركر في فيلمه كبار السن بواقعية وكرامة، ويثق في أن هناك قصة يجب سردها أكثر من مجرد تصرفات هاربين من الشيخوخة ورتابة حياتهم.
فيلم “الهارب العظيم” تأليف ويليام إيفوري ليس حربيا فقط بل هو قصة حب، على الرغم من الإشارة إلى أنه لا يزال لديه القدرة على العيش بشكل مستقل، إلا أن بيرني ينتقل إلى دار الرعاية مع زوجته المريضة إيرين، التي تحتاج إلى مساعدة الممرضات ولكنها في حالة جيدة عقليا. رأى الاثنان ازدهارهما الرومانسي في قاعات الرقص في ثلاثينات القرن العشرين، ولديهما زواج يمتد سبعين عاما بحيث تصبح قصة حبهما اللحن المطلوب للفيلم. تضيف صداقة رينيه المؤثرة مع مقدمة الرعاية الشابة أديل (دانييل فيتاليس) المزيد من البهجة إلى المشهد العاطفي للفيلم. أداء جاكسون سهل وممتع يغلب عليه الدفء والفكاهة، بمساعدة مهارة إيفوري ككاتب لحوار جيد وذكي ومتوهج.
ومن بين العديد من المشاهد المؤثرة للغاية، يظهر مشهد بيرني يقف بين الآلاف من شواهد القبور للجنود البريطانيين الذين سقطوا في الحرب. يصيح بحزن، “يا لها من مضيعة” ثم تقوم الكاميرا بتوسيع الزاوية لإظهار حجم عدد شواهد القبور هناك وينتهي المشهد فجأة. كانت الوجوه البارزة الأخرى في العرض ديفيد ستاندينغ الذي لعب دور آرثر صديق بيرني الجديد في سلاح الجو الملكي البريطاني، ووولف كالر بدور هاينريش. ظهر الرجال الثلاثة معا في فيلم “هبط النسر” هو فيلم حربي بريطاني عام 1976 من إخراج جون ستورجيس وبطولة مايكل كين ودونالد ساذرلاند وروبرت دوفا. يأخذ أسطورة التمثيل البريطاني استراحة بعد ما كشف مؤخرا أنه “نوعا ما” متقاعد من التمثيل.
وكان آخر ما أدلى به مايكل كين للنقاد حول قرار الاعتزال قوله ”من الصعب أن تصل إلى هذا السن وتظل محافظا على مستواك وتركيزك، أديت الكثير من الأدوار وقدمت أفضل ما لدي، وبعد الإشادات الإيجابية لآخر فيلم لي، أعتقد أنني قدمت كل ما لدي، ولن أستطيع تقديم ما أكثر من ذلك، لقد أحببت شخصية بيرني. وهو مكتوب بشكل جميل جدا”.
في حديث للمخرج باركر أكد بأنه لم يجد ممثلا أنسب من السير مايكل كين لأداء هذا الدور. وتجدر الإشارة إلى أن كين قد أعلن عن اعتزاله التمثيل قبل ذلك، وعن نجاحه في إقناع كين لأداء الدور قال المخرج باركر “لم يكن حقا يحتاج إلى إقناع. أعني ربما كان بحاجة إلى الإقناع لمواصلة التمثيل، لكن الدور كان لا يقاوم. لذلك، يكاد يكون من المستحيل تخيل تمثيل أفضل لتلك الشخصية وفرصة أفضل لرجل يبلغ من العمر 90 عاما تقريبا”.
عندما ننظر إلى كبار السن، نراهم يستحقون التقدير والاحترام وأصحاب تجارب عظيمة في هذه الحياة ولكن ذكريات الماضي تحدث فرقا، حيث نراهم عشاقاً شبابا. إنه يعطي الوزن والإنسانية لشخصياتهم. يمكننا أيضا أن نفهم لماذا رابطة زواجهم قوية جدا بينهم، مع تصوير متين لا يتزعزع للحياة في سن الشيخوخة، وهذه السمة جعلت من كاتب القصة إيفوري والمخرج باركر يحرصان على الإشارة لها في الفيلم.
صاغ المخرج أوليفر باركر والكاتب ويليام إيفوري حكاية “الماضي يصطدم بالحاضر”، مع الشخصية الرئيسية في الوقت الحاضر في شتاء حياته، ويعيش في وقت يجب أن يستمتع فيه بتقاعده، ولكن تطارده ذكريات مؤلمة من وقته كجندي شاب، خلال صراع حاسم، وتسليط الضوء على خطورة الذاكرة. رغم أن حكاية بيرني لا تُشعر المشاهد بالتطور الكافي كشخصية بالنسبة لنا بحيث يمكن التواصل معه في البداية، إلا أن التطور يحصل تدريجيا إلى شخصية إنسانية نتعرف إلى جذورها.
في عيد ميلاد جوردان بيرني الـ90 وبعد أيام من عودته من مغامرته تلقى أكثر من 2500 بطاقة عيد ميلاد من جميع أنحاء العالم، وأصبح لاحقا عضو مجلس محلي فخري لبرايتون وهوف، بعد أن شغل سابقا منصب عمدة هوف بين عامي 1995 و1996. توفي برنارد جوردان في المستشفى في يناير 2015 عن عمر يناهز 90 عاما، ورحلت زوجته إيرين (المعروفة أيضا باسم رينيه) عن عمر يناهز 88 عاما بعد أسبوع من رحيل زوجها.
في الختام قصة هروب جوردان جسدت روح التحدي و”القدرة على العمل” لجيل كان يختفي بسرعة. لم تكن القصة كاملة. لقد كانت رواية ملهمة ولكنها مطهرة لحاجة رجل واحد إلى التصالح مع صدمة الحرب الدائمة. مغامرة بيرني، التي امتدت لـ48 ساعة فقط، كانت أيضا تتويجا لزواجه الذي دام 60 عاما من رينيه، إذ الفيلم يحتفي بحبهما الدائم، ولكن المهم التركيز على الدروس التي قد نتعلمها من الجيل الأعظم.
علي المسعود
كاتب عراقي
الفيلم يمزق الصورة النمطية للمسنين ويختم مسيرة السير مايكل كين المهنية.
الأحد 2024/03/03
صنع السلام مع الماضي
الكثير من الأفلام تصور عوالم المسنين وهم يتحدّون الشيخوخة ويطلقون الحِكم ويغرقون في الذكريات، ولكن تبقى هذه الشخصيات في مرتبة العجز أو استدرار المشاعر، وهو ما يتجنبه فيلم “الهارب العظيم” الذي يمنح أبطاله المسنين زمام المبادرة والفعل، ويخرجهم من صورة خريف العمر والعجز إلى ربيع الحب والتأثير.
تعد عملية إنزال نورماندي أكبر عملية غزو بحري في التاريخ الحديث، العملية التي مهدت الطريق لتحرير غرب أوروبا من القوات النازية بعد هبوط 160 ألف مقاتل في 6 يونيو 1944. وشهدت مشاركة 195700 ملاح بحري من الحلفاء على متن أكثر من 5000 سفينة. تمت عمليات الإنزال على شريط نورماندي الساحلي بطول 50 ميلا (80،4 كم). تجري الاحتفالات سنويا بهذا الانتصار في هذا اليوم يتجمع زعماء غربيون ومحاربون قدامى من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا للمشاركة في مراسم على الساحل الممتد في شمال فرنسا.
برنارد جوردان محارب قديم في البحرية الملكية شارك في الحرب العالمية الثانية، وبعد أن فاته الموعد النهائي لحضور الرحلة الرسمية إلى فرنسا التي كان من الممكن تسهيل المهمة عن طريق دار الرعاية التي يعيش فيها مع زوجته، ولرغبته الشديدة في حضور تلك الاحتفالات بيوم النصر في نورماندي يقرر الهروب من دار الرعاية والوصول إلى فرنسا. قصة هروبه جذبت اهتمام وسائل الأعلام التي أطلقت عليه لقب “الهارب العظيم”، وهذا هو اسم الفيلم الذي تصدى لتنفيذه المخرج أوليفر باركر الذي استند إلى القصة الحقيقية لهروب المحارب المتقاعد جوردان.
قصة الهارب
قصة هروب جوردان كانت حكاية ملهمة وقد جسدت روح التحدي والقدرة على العمل لجيل كان يختفي بسرعة
تحكي الدراما الجديدة لأوليفر باركر القصة الحقيقية لبرنارد جوردان (بيرني) الذي يؤدي دوره الممثل الانجليزي مايكل كين، وهو محارب قديم في البحرية الملكية في الحرب العالمية الثانية يبلغ من العمر 89 عاما، هرب من منزل تقاعده في هوف في عام 2014 وشق طريقه إلى فرنسا للاحتفال بالذكرى السنوية السبعين ليوم النصر وشاركته البطولة الراحلة غليندا جاكسون في دور زوجته رينيه التي شجعته على القيام برحلته.
الفيلم خاتمة رائعة لمسيرة الممثل الأنجليزي السير مايكل كين لإنهاء حياته المهنية المثيرة للإعجاب والمذهلة، إذ أشار إلى أن “الهارب العظيم” هو آخر فيلم له في مسيرته الفنية بعد أن بلغ من العمر 90 عاما ويعاني من اعتلال الصحة. الفيلم قدم شخصيتين رائعتين في أدائهما المدهش، مزيج من الدفء بين بيرني ورينيه وعلى وجه الخصوص الزوجة رينيه (غليندا جاكسون) التي تتمتع بالكثير من الحيوية وغالبا ما تعامل شيخوختها والعلل واحتمال الموت بروح الدعابة رغم أن حركتها محصورة في غرفة في دار الرعاية. ولكن المشاهد التي ظهرت بها كانت روحا طيبة وكوميدية تماما بفضل صدقها وموقفها الصريح.
السيناريو مسلٍّ بشكل غير متوقع في بعض الأحيان، ولكنه يوازن ذلك مع اللمسات الرومانسية التي توقظ المشاعر. أراد الكاتب أن يسلط الضوء على المحاربين الحاليين أو السابقين الآخرين أيضا، لم أر الممثل مايكل كاين أبدا بهذه الرقة وعلى اتصال بمشاعره على الشاشة من قبل، يا له من دور يجب أن ننحني له، وينطبق الشيء نفسه على جاكسون التي توفيت بعد تسعة أشهر من تصويرها لهذا الفيلم عن عمر 87 عاماً.
السيناريو مسلٍّ بشكل غير متوقع في بعض الأحيان، ولكنه يوازن ذلك مع اللمسات الرومانسية التي توقظ المشاعر
لقد أعجبت جدا بطاقتها وإحساسها المرهف بالنظر إلى عمرها. هناك الكثير من فريق التمثيل الداعمين الرائعين، ولكنني أريد أن أشير إلى جون ستاندينج كزميل بيرني المخضرم آرثر، والشابة دانييل (فيتاليس أديل)، في دور موظفة دار الرعاية.
كان بيرني جوردان مصمما على المشاركة في الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين ليوم الانتصار في نورماندي والذي ترعاه الملكة اليزابيث وضيفها الرئيس الأميركي باراك أوباما، بيرني المخضرم يجسد روح جيله التي لا تعرف الكلل، وعندما لم يحصل على مقعد في رحلة منظمة إلى شواطئ فرنسا والمشاركة في الاحتفالات في نورماندي، قرر الوصول إلى هناك – بمجرد أن انسل من دار الرعاية بمساعدة مسند المشي دون أن يلاحظه أحد، وقد أطلقت عليه الصحافة لقب “الهارب العظيم” وأعطى الفيلم استنادا إلى رحلته المرتجلة عنوانه – وصل جوردان إلى فرنسا على متن العبارة في الوقت الذي اتصل فيه الموظفون في دار الرعاية بالشرطة يبلغون عن اختفائه. وبينما كان يشارك الرفاق ذكرياتهم، كانت صورته في جميع أنحاء الصحف والأخبار التلفزيونية والإنترنت والحديث عن مغامرته وأصبح بطلا قومياً في سن التسعين تقريبا.
القصة التي شرع المخرج أوليفر باركر في إظهارها كانت قصة أكبر بكثير من تلك التي استحوذت على خيال الأمة لفترة وجيزة، يعود بنا المخرج من خلال الفلاش باك في استعراض ومضات من ماضي المحارب بيرني، ويستذكر زواجه من رينيه وحياتهما معا، بالإضافة إلى بعض التجارب التي ظهرت خلال زيارته إلى مقبرة عسكرية. ويتمكن أيضا من مساعدة زميل محارب قديم يعاني من مشكلة الإدمان على الشرب، ومحارب قديم آخر أصغر سنا يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة من حرب أفغانستان.
مناهضة الحرب
أظهر الفيلم ندوب الحرب التي لا تختفي أبدا. مثلما كان قدامى المحاربين الآخرون يكافحون أيضا مثل آرثر (جون ستاندينغ)، وهو طيار شارك في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الضابط سكوت (فيكتور أوشين)، وهو من المحاربين في أفغانستان فقد ساقه فيها. لم يعالج كلاهما أبدا آلامهما وآثار الحرب وصدمتها وانتهى بهما الأمر إلى تطوير آليات تأقلم غير مناسبة. كانت اللحظة المؤثرة في الفيلم عندما زار برنارد مقبرة ضحايا الحرب وانهار في البكاء حين استذكر رفيقه العاشق الرقيق الذي قتل في تلك الحرب.
فيلم “الهارب العظيم ” يحمل رسالة مناهضة للحرب مع توصية مفادها أن قدامى المحاربين بحاجة إلى توفير أفضل اهتمام ورعاية لصحتهم العقلية. دراما تستند إلى القصة الحقيقية لبرنارد جوردان، وهو من قدامى المحاربين الذي شق طريقه الخاص إلى حفل الذكرى السنوية السبعين في يوم النصر في فرنسا.
برنارد جوردان (مايكل كين مع ويل فليتشر في دور بيرني الشاب) رجل يبلغ من العمر 90 عاما يعيش في دار لرعاية المسنين مع زوجته رينيه. غاب برنارد عن الذهاب إلى فرنسا مع قدامى المحاربين الآخرين في الحرب العالمية الثانية بسبب المخاوف على صحة زوجته. ومع ذلك، بتشجيع من رينيه، يقطع برنارد استراحة من دار رعاية المسنين ويسافر إلى فرنسا بمفرده. مع معرفة وتواطؤ زوجته رينيه (غليندا جاكسون مع لورا ماركوسفي مرحلة شباب رينيه) ينطلق بيرني دون إخبار أي من موظفي دار الرعاية.
يصل بريني إلى الميناء ويصعد على متن العبارة حيث اجتاحته حشود قدامى المحاربين. ساعده سكوت (فيكتور أوشين) الذي فقد ساقه عندما وقف على لغم أرضي في قندهار، على متن القارب. يلتقي بيرني بمجموعة من قدامى المحاربين في عصره ويتعرف على المحارب آرثر (جون ستاندينغ) الذي تربطه به صداقة رائعة. يسحبه إلى المجموعة ويعرض عليه مشاركة غرفته في الفندق.
الفيلم يحمل رسالة مناهضة للحرب مع توصية مفادها أن قدامى المحاربين بحاجة إلى توفير أفضل اهتمام ورعاية
كان فيلم “الهارب العظيم” فيلما دافئا ومسليا لأسباب عديدة. كانت قصة أظهرت الصداقة الحميمة والرفقة للأشخاص الذين تبادلوا الخبرات والتجارب؛ هناك أيضا جانب فكاهي وبشكل رئيسي في الطريقة التي تتعامل بها رينيه مع موظفي الرعاية، وخاصة الشابة أديل (دانييل فيتاليس) وهي مقدمة رعاية طورت صداقتها مع رينيه. وكانت تلمح إلى وجود حياة منزلية مضطربة وأعطتها رينيه بعض كلمات التشجيع والنصائح. بالإضافة إلى ذلك، كانت المشاهد الحربية متميزة في التنفيذ وعرضت المعارك الحربية من خلال الفلاش وقدمت بذوق، وجمالية عالية.
رحلة برنارد في كثير من الأحيان تحية مؤثرة لأولئك الذين يضحون بحياتهم من أجل الوطن. أثناء صراعه مع ذكريات الماضي في زمن المعارك وشعوره بالذنب حين ترك رفيقه يغرق دون أن يفعل شيئا له، يلتقي برنارد محارب قديم في سلاح الجو الملكي البريطاني يدعى آرثر (جون ستاندينغ)، هو الآخر مصاب بذنب الناجي بعد مقتل أخيه في معارك الحرب العالمية الثانية. يبني الرجلان رابطة وهما يواجهان الحدث ويتشاركان غرفة فندق، وقد فتحت الرحلة جروح الحرب العالمية الثانية تدريجيا معا.
يستخدم “الهارب العظيم” ذكريات الماضي لتفصيل رعب الحرب. في مشهد مؤثر، نراقب بيرني يجلس مع مواطنه المخضرم في مقهى محلي (تم تصوير الفيلم بالكامل في المملكة المتحدة وتقتصر محاولات إعادة إنشاء فرنسا على النبيذ الأحمر وموسيقى الأكورديون). تجلس مجموعة صغيرة من الألمان في المكان نفسه. يدعوهم بيرني إلى طاولته ويسألهم أين كانوا متواجدين في ذلك اليوم، ويبدأ أحد الألمان في الانهيار، ويضع بيرني بهدوء يده على يده لتخفيف الشعور بالندم.
لا يتم التحدث بأي كلمات أخرى ويتجنب الفيلم لحسن الحظ أي استنتاجات حول الشعور بالذنب والمصالحة. بدلا من ذلك، يظهر لنا ببساطة لحظة من الشراكة الصامتة بين رجلين ربما أطلقا الرصاص على بعضهما البعض ذات مرة. الاحترام المتبادل والتعليق غير المعلن هنا جعل المشهد مؤثرا بشكل لا يصدق ودرساً في التسامح وصفاء القلوب.
تبدو لحظات مثل الاجتماع مع الخصوم الألمان السابقين شاعرية بعض الشيء. القوة الحقيقية تكمن في التسامح وفتح صفحة جديدة. يحتاج بيرني إلى صنع السلام مع ماضيه ويعرف أن هذه من المرجح أن تكون فرصته الأخيرة لمتابعة طموحه، الرحلة تصور بنزاهة عدم التخلي عن علاقتنا بالماضي والشعور بالذنب. في الجانب الآخر، الزوجة رينيه بمفردها، تعود بذكرياتها إلى بداية اللقاءات مع المحارب الشاب (جوردان بيرني) عندما التقت به لأول مرة ووقعا في الحب، مما يحول انتباهها بعيدا عن جسدها المريض.
الماضي يصطدم بالحاضر
تسليط الضوء على خطورة الذاكرة
تقدم الممثلة غليندا جاكسون في دورها السينمائي الأخير، حواراتها المسلية والمبهجة مع الموظفين العاملين في دار الرعاية التي تتوازن مع لحظات الفيلم الأكثر حزنا. الممثلان مايكل كين وغليندا جاكسون في الحياة الواقعية لهما ميول سياسية مختلفة تماما، حيث غادر كين المملكة المتحدة في السبعينات خلال سياسة ضريبة الدخل المرتفعة لحكومة العمل، وجاكسون عضو البرلمان العمالي الشهير لأكثر من عقدين من عام 1992 حتى عام 2015. قدم مايكل كين في الفيلم أحد أفضل عروضه منذ سنوات بحيث تحمل الكثير من الآلام وصعوبة الحركة. ونفس الشيء للراحلة الممثلة القدير جاكسون التي قدمت أداء ممتعا للغاية رغم كبر سنها.
يعامل المخرج أوليفر باركر في فيلمه كبار السن بواقعية وكرامة، ويثق في أن هناك قصة يجب سردها أكثر من مجرد تصرفات هاربين من الشيخوخة ورتابة حياتهم.
فيلم “الهارب العظيم” تأليف ويليام إيفوري ليس حربيا فقط بل هو قصة حب، على الرغم من الإشارة إلى أنه لا يزال لديه القدرة على العيش بشكل مستقل، إلا أن بيرني ينتقل إلى دار الرعاية مع زوجته المريضة إيرين، التي تحتاج إلى مساعدة الممرضات ولكنها في حالة جيدة عقليا. رأى الاثنان ازدهارهما الرومانسي في قاعات الرقص في ثلاثينات القرن العشرين، ولديهما زواج يمتد سبعين عاما بحيث تصبح قصة حبهما اللحن المطلوب للفيلم. تضيف صداقة رينيه المؤثرة مع مقدمة الرعاية الشابة أديل (دانييل فيتاليس) المزيد من البهجة إلى المشهد العاطفي للفيلم. أداء جاكسون سهل وممتع يغلب عليه الدفء والفكاهة، بمساعدة مهارة إيفوري ككاتب لحوار جيد وذكي ومتوهج.
ومن بين العديد من المشاهد المؤثرة للغاية، يظهر مشهد بيرني يقف بين الآلاف من شواهد القبور للجنود البريطانيين الذين سقطوا في الحرب. يصيح بحزن، “يا لها من مضيعة” ثم تقوم الكاميرا بتوسيع الزاوية لإظهار حجم عدد شواهد القبور هناك وينتهي المشهد فجأة. كانت الوجوه البارزة الأخرى في العرض ديفيد ستاندينغ الذي لعب دور آرثر صديق بيرني الجديد في سلاح الجو الملكي البريطاني، ووولف كالر بدور هاينريش. ظهر الرجال الثلاثة معا في فيلم “هبط النسر” هو فيلم حربي بريطاني عام 1976 من إخراج جون ستورجيس وبطولة مايكل كين ودونالد ساذرلاند وروبرت دوفا. يأخذ أسطورة التمثيل البريطاني استراحة بعد ما كشف مؤخرا أنه “نوعا ما” متقاعد من التمثيل.
وكان آخر ما أدلى به مايكل كين للنقاد حول قرار الاعتزال قوله ”من الصعب أن تصل إلى هذا السن وتظل محافظا على مستواك وتركيزك، أديت الكثير من الأدوار وقدمت أفضل ما لدي، وبعد الإشادات الإيجابية لآخر فيلم لي، أعتقد أنني قدمت كل ما لدي، ولن أستطيع تقديم ما أكثر من ذلك، لقد أحببت شخصية بيرني. وهو مكتوب بشكل جميل جدا”.
في حديث للمخرج باركر أكد بأنه لم يجد ممثلا أنسب من السير مايكل كين لأداء هذا الدور. وتجدر الإشارة إلى أن كين قد أعلن عن اعتزاله التمثيل قبل ذلك، وعن نجاحه في إقناع كين لأداء الدور قال المخرج باركر “لم يكن حقا يحتاج إلى إقناع. أعني ربما كان بحاجة إلى الإقناع لمواصلة التمثيل، لكن الدور كان لا يقاوم. لذلك، يكاد يكون من المستحيل تخيل تمثيل أفضل لتلك الشخصية وفرصة أفضل لرجل يبلغ من العمر 90 عاما تقريبا”.
عندما ننظر إلى كبار السن، نراهم يستحقون التقدير والاحترام وأصحاب تجارب عظيمة في هذه الحياة ولكن ذكريات الماضي تحدث فرقا، حيث نراهم عشاقاً شبابا. إنه يعطي الوزن والإنسانية لشخصياتهم. يمكننا أيضا أن نفهم لماذا رابطة زواجهم قوية جدا بينهم، مع تصوير متين لا يتزعزع للحياة في سن الشيخوخة، وهذه السمة جعلت من كاتب القصة إيفوري والمخرج باركر يحرصان على الإشارة لها في الفيلم.
صاغ المخرج أوليفر باركر والكاتب ويليام إيفوري حكاية “الماضي يصطدم بالحاضر”، مع الشخصية الرئيسية في الوقت الحاضر في شتاء حياته، ويعيش في وقت يجب أن يستمتع فيه بتقاعده، ولكن تطارده ذكريات مؤلمة من وقته كجندي شاب، خلال صراع حاسم، وتسليط الضوء على خطورة الذاكرة. رغم أن حكاية بيرني لا تُشعر المشاهد بالتطور الكافي كشخصية بالنسبة لنا بحيث يمكن التواصل معه في البداية، إلا أن التطور يحصل تدريجيا إلى شخصية إنسانية نتعرف إلى جذورها.
في عيد ميلاد جوردان بيرني الـ90 وبعد أيام من عودته من مغامرته تلقى أكثر من 2500 بطاقة عيد ميلاد من جميع أنحاء العالم، وأصبح لاحقا عضو مجلس محلي فخري لبرايتون وهوف، بعد أن شغل سابقا منصب عمدة هوف بين عامي 1995 و1996. توفي برنارد جوردان في المستشفى في يناير 2015 عن عمر يناهز 90 عاما، ورحلت زوجته إيرين (المعروفة أيضا باسم رينيه) عن عمر يناهز 88 عاما بعد أسبوع من رحيل زوجها.
في الختام قصة هروب جوردان جسدت روح التحدي و”القدرة على العمل” لجيل كان يختفي بسرعة. لم تكن القصة كاملة. لقد كانت رواية ملهمة ولكنها مطهرة لحاجة رجل واحد إلى التصالح مع صدمة الحرب الدائمة. مغامرة بيرني، التي امتدت لـ48 ساعة فقط، كانت أيضا تتويجا لزواجه الذي دام 60 عاما من رينيه، إذ الفيلم يحتفي بحبهما الدائم، ولكن المهم التركيز على الدروس التي قد نتعلمها من الجيل الأعظم.
علي المسعود
كاتب عراقي