"خصم".. حكاية لاجئ إيراني تفضح قضايا الحرية والتسامح
الفيلم السويدي يصور قضايا اللجوء من خلال تجربة مصارع وعائلته.
الأحد 2024/02/18
انشرWhatsAppTwitterFacebook
رجل ممزق بين رغباته وواجباته
منذ فجر التاريخ كانت الحروب والمجاعة والاضطهاد السياسي جزءا من حياتنا، وعلى مدى العقود الماضية، كنا نشهد كل مرة أزمة لاجئين جديدة، حيث جلبت الصراعات في الشرق الأوسط الآلاف من الأشخاص إلى أوروبا. وبما أن الفن هو طريقتنا المفضلة لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل، فليس من المستغرب أن نجد المزيد من قصص اللاجئين في السينما.
بينما تركز معظم الأفلام التي تتناول قضايا اللاجئين على صراع الثقافات أو التحيز أو العقبات المادية، يستخدم فيلم “خصم” للمخرج ميلاد العلمي أزمة اللاجئين خلفية لسرد قصة مؤثرة عن الاضطهاد السياسي والقيم العائلية.
الفيلم الروائي الثاني للكاتب والمخرج ميلاد العلمي قصة للاجئ إيراني في السويد، تعكس قضايا أوسع بكثير حول الحرية والتسامح. وحكاية شخصية تقترب من قصة المخرج العلمي ولجوئه إلى السويد عندما كان في السادسة من عمره، ونشأته في شمال البلاد بعد أن تم وضعه في مركز للاجئين وقريب جدا من المكان الذي صور فيه فيلمه.
رحلة اللجوء
الفيلم بجمالياته الكلاسيكية يضعنا في عالم مظلم تماما لا يمكننا رؤية الصورة بأكملها بينما نتابع شخصا يحاول الاستقرار
“صمتي لم يحمني. صمتك لن يحميك“ يبدأ الفيلم من هذا الاقتباس للكاتبة أودري لورد (كاتبة أميركية وأستاذة وفيلسوفة وشاعرة وناشطة في مجال الحقوق المدنية. كانت تصف نفسها بأنها “سوداء، اشتراكية، أمّ، محاربة، شاعرة”، كرّست حياتها ومواهبها لمواجهة جميع أشكال الظلم)، ثم يدخل المشاهد إلى عالم الخصم المصارع، محذرا من قوة خبيثة عازمة على تدميرنا من الداخل إلى الخارج، مما يؤدي إلى تآكل الروح. تقطع الرسالة عبر شاشة بيضاء حليبية، وسرعان ما يتم تمزيق هذا السلام الوهمي بعد ارتفاع أصوات المتصارعين في صالة التدريب.
يبدأ فيلم “الخصم” أو “المعارض” في عنوان آخر، حين تتناهى إلى أسماعنا أصوات تمزق الظلام صادرة من صالة الألعاب الرياضية لممارسة لعبة المصارعة، صوت يسأل عن مكان وجود المصارع إيمان، وهو بطل أولمبي وحائز على بطولات دولية. افتتاحية الفيلم كانت مع وصول رجال من جهاز مخابرات النظام الإيراني إلى مركز رياضي في طهران سعيا للقبض على المصارع المحترف إيمان (بايمان المعادي). لكن إيمان ينجح في التسلل من المركز التدريبي من الباب الخلفي ويركض للنجاة بحياته.
يختبئ إيمان خلف شجرة ويراقب من بعيد كيف يأمر رجال المخابرات الإيرانية صديقه على الدخول إلى سيارتهم. بعد هذا الرعب يقرّر الهروب مع عائلته إلى السويد والانتقال إلى زاوية نائية في شمالها، هناك يسكن في فندق تم تحويله إلى مركز للاجئين. هذا الموطن الجديد للمصارع إيمان وزوجته الحامل مريم (مارال ناصري) وبناتهما عسل (نيكول مهربود) وسحر (ديان فرزامي). يبدأ إيمان عملا جديدا في توصيل البيتزا بواسطة عربة الثلج لكسب لقمة العيش، ويجلب الطلبات المتبقية إلى المنزل لعائلته لتناولها في العشاء – “بيتزا مرة أخرى؟” تنهيدة الفتيات بعد أن مللن تناول نفس الوجبة كل ليلة.
مازالت العائلة في انتظار قرار السلطات السويدية بشأن طلب اللجوء، وبعد التدفق المستمر للاجئين صاروا ينتقلون من غرفة ضيقة إلى أخرى أضيق ويزداد الأمر سوءا، زوجة إيمان مريم حامل بطفلها الثالث وتأمل أن تساعد حالتها للإسراع في حل قضيتهم حول طلب اللجوء.
ينغمس الفيلم في التفاصيل اليومية للحياة في بلد أجنبي، من الاعتماد على مترجم للتواصل، إلى تضحيات مريم، التي كانت في السابق طالبة موسيقى ومعلمة بيانو وأصبحت الآن ربة منزل وتعاني من الفراغ في حياتها.
المخرج ميلاد العلمي يصور تجربة طلب اللجوء بواقعية صارخة ويلتقط يأس عملية لا تنتهي بالضرورة بنهايات سعيدة
كشخص ولد في إيران ونشأ في السويد، يتمتع الكاتب والمخرج ميلاد العلمي بمنظور فريد عندما يتعلق الأمر باستكشاف التحديات التي يواجهها اللاجئون بشكل عام والإيرانيون بشكل خاص في شمال أوروبا مستفيداً من تجربته الشخصية.
كاميرا المخرج تصور المناظر الطبيعية الجليدية، حيث تقوم الذئاب بدوريات في المناظر الطبيعية، وتبحث الرنة والماعز عن ملجأ بين البشر، سواء من البرد أو من الحيوانات المفترسة. هذه البيئة تقع في شمال السويد، وهذا هو المكان الذي يبحث فيه إيمان وزوجته وابنتاه عن فرصة جديدة بعيدا عن الوطن الإيراني. لا يعني ذلك أن الدول الأسكندنافية مضيافة بشكل خاص، بل العكس يتم رفض طلب اللجوء بشكل دوري ويتم إبلاغهم من خلال المحامين الذين لا يتكرمون للقاء اللاجئين وجها لوجه.
مأوى اللاجئين هو إهانة أخرى، التنقل في تناوب مستمر لا يسمح لك بالتجذر أو الشعور بأيّ شعور بالمنزل أو الراحة أو الاستقرار. داخل الفندق، يتعين على عائلة إيمان أن تتقاسم غرفة نوم صغيرة، وتفعل كل ما في وسعها لإعادة بناء حياتها بعد هروبها من الجحيم الإيراني في منتصف الليل.
بعد مرور عامين من وصولهم إلى السويد ما تزال عائلة إيمان عالقة في الروتين والبيروقراطية في انتظار قبول طلب اللجوء. في هذه الأثناء، يكافح إيمان لتعلم اللغة السويدية، ويحاول أن يجد لابنتيه تعليما مناسبا. وهو على استعداد لتنسيق حياته كلها وفقا للتوقعات السويدية حول كيفية تصرف اللاجئ. وقرر إيمان العودة إلى المصارعة، على أمل أن تكون موهبته المذهلة في هذه الرياضة في صالحه، فمن خلال تمثيل السويد في المنافسات الأولمبية تكون فرصة عائلته أكبر في الحصول على الإقامة.
قصة العودة
حياة اللاجئين انتظار دائم
يركز المخرج في الفيلم على وضع اللاجئين في محاولة استكشاف شامل لما يعنيه أن تكون رجلا ومسؤولا على أسرة في كل من إيران والسويد. وسط العرق والعضلات والأجساد العارية، الرجولة التي دفعت إيمان إلى أن يصبح مصارعا وأن يحتل مكانة مهيمنة داخل عائلته. وتعمل الرياضة أيضا كمحفز لاستكشاف تفاصيل هجرة إيمان وصراعاته الزوجية مع زوجته.
شيئا فشيئا يتحوّل الفيلم إلى دراسة شخصية فريدة. يقاتل إيمان ضد نفسه ومحاصرا بين واجباته العائلية ورغبته في الاستقلال، ويتغلب على قيود تسمية اللاجئين. في حين أن حالته الاجتماعية الخاصة لا تزال مركزية في خياراته، فإن التناقضات العاطفية لإيمان أكثر تعقيدا بكثير مما يمكن أن نتوقعه للوهلة الأولى.
من خلال السماح لبطله بالهروب من موقع الضحية، يحوّل العلمي قصة لاجئه إلى قصة عالمية لرجل يحاول معرفة من يريد أن يكون بينما هو محاصر بالتوقعات الاجتماعية وتطارده خطاياه الماضية. من المفيد أن يصور المخرج ميلاد العلمي بطله المصارع الإيراني البطل الأولمبي واللاجئ الآن في السويد على أنه متناقض. حيث يتصرف الأب أحيانا كطاغية في عائلته بينما يكون مستعدا أيضا للتضحية بكل شيء من أجل سلامتهم. في هذه الملاحظة، يقوم الممثل بيمان المعادي بعمل مذهل في دور إيمان، حيث يؤدي بمعظم تعبيراته الدقيقة لفضح المكون الداخلي لشخصيته حتى عندما تمنعه الحواجز اللغوية من التعبير عن رأيه.
يدور فيلم “خصم” بشكل أساسي حول رجل على خلاف مع نفسه، لكن العلمي يعمل على التركيز بعيدا عن إيمان في بعض الأحيان لإظهار كيف يواجه اللاجئون الآخرون مصاعبهم الشخصية للتغلب عليها. ففي حين أن هذه الطرق الالتفافية الصغيرة ترسم صورة حية لمصاعب حياة اللاجئين، إلا أنها لا تساعد الجمهور دائما على فهم الشخصية الرئيسية.
من السّهل أن نفهم لماذا قضى العلمي الكثير من الوقت في استكشاف التحديات اليومية التي يجب على اللاجئين التغلب عليها، حتى في البلدان الغنية، حيث يتمتع المعارض بروح سياسية واضحة. ويمكن أن تكون الصور الوحشية التي يستحضرها العلمي في فيلمه الطويل مكثفة للغاية في بعض الأحيان بحيث يبقى أيّ مشاهد غير مبال بويلات اللاجئين.
الفيلم يتابع حياة رجل على خلاف مع نفسه ويركز في بعض الأحيان لإظهار كيف يواجه اللاجئون مصاعبهم الشخصية
إيمان مصارع كان ذات مرة في المنتخب الوطني الإيراني. عندما تبدأ الشرطة في البحث عنه، يهرب مع عائلته (زوجته مريم وابنتيهما). ينتهي بهم الأمر بالعيش في غرفة واحدة في ملجأ للاجئين في السويد، “بالقرب من الحدود الفنلندية”. تفتقد البنات أصدقاءهن وتفتقد مريم عملها وشغفها كونها عازفة ومعلمة بيانو.
قصة إيمان الأولية هي أن زميله الغيور اتهمه زورا بأنه متظاهر ومناهض للنظام الإيراني. ثم يحاول الاستفادة من حقيقة أن زوجته حامل. عند سماعه أن نخبة الرياضيين قد يحصلون على إعفاء خاص، ينضم إلى نادي المصارعة ضد رغبات زوجته، هناك يلتقي بالمصارع السويدي توماس، الذي يصادقه، ويحاول جعله يتواصل مع الفريق. تأهل لمعسكرات التدريب الدولية، يلتقي بناديه الإيراني، ويدخل في معركة مع أحدهم.
يذكر السويدي توماس (بيورن إلغيرد) أحد زملاء إيمان في المصارعة، أن الذئب الذي يتجول حوله سيتم إطلاق النار عليه قريبا. هل هذا مؤشر على أن واقع إيمان سيكون آمنا قريبا؟ وهل إيمان في الواقع في خطر أكبر في السويد مما توقعنا؟ بصرف النظر عن الذئب، فإن الفن والكتابة المعقدة لشخصية إيمان كونها مصارعا محترفا مذهلة. الهروب من إيران، والسفر بعيدا عن أعدائه المجهولين إلى السويد لخلق مسافة بينهما، ثم العودة إلى رياضة ربما وضعته في ورطة في المقام الأول.
في البداية تحتج مريم على قرار إيمان بالعودة إلى المصارعة من خلال الإشارة إلى الأحداث الماضية، لكنه يفعل ذلك على أيّ حال. في النهاية، يصدم زوجته باختراعه قصة من أجل ضمان الحصول على اللجوء، حين يعترف لضباط اللجوء بأنه مثلي الجنس، وكان على علاقة مع زميل مصارع، لترسيخ قضيته للبقاء في البلاد. وهذا ما جعله في ورطة مع أسرته التي تقرّر “العودة إلى الوطن”، وتخطط الزوجة للرجوع إلى إيران مع البنات وترك زوجها إيمان لوحده، وبغض النظر عن المخاطر التي قد تصيبهم – بما في ذلك الضغط عليه لجعله يعود-. بالفعل تعود مريم إلى بيتها في طهران ويولد الطفل هناك وتستعيد عملها مدرسة للموسيقى والباليه.
حياة الانتظار
علاقات غير مصرح بها
سبق وأن تعرفنا على الممثل بايمان المعادي من أفلام مثل “انفصال”، لكنه لم يلعب أبدا شخصية مثل إيمان، لاجئ إيراني يعيش في السويد، إيمان رفقة زوجته مريم. قبل مغادرته إيران، كان إيمان مصارعا للمنتخب الوطني للبلاد، وشارك في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو 2016. في السويد، يعتقد أن المصارعة قد تساعد فرصه في الحصول على الجنسية لأنها ستمنح البلاد رياضيا آخر من الطراز العالمي لصفوفهم. من خلال المشاهد مع فريق المصارعة الوطني، نعلم أن إيمان رجل مثلي الجنس وهذا السر، الذي يخفيه عن عائلته، هو السبب في أنهم جميعا اضطروا إلى الفرار من إيران. بدا هذا غير ضروري لأن الفيلم قد صور هذا الجانب بالفعل.
الخط الرسمي هو أن إيمان تم إخراجه من قبل زميل في الفريق كناقد للنظام الإيراني، مما يعرّض حياته للخطر على أرض الوطن، على الرغم من أن هذه ليست الحقيقة تماما. يستكشف ميلاد العلمي الواقع الصارم لحياة اللاجئين بعين لا تتزعزع، من الانتظار الذي لا نهاية له إلى جلسات المحكمة وعمليات نقل الإقامة المستمرة، إلى البحث المتلهف عن العمل وعدم القدرة على التأقلم، يصور العلمي تجربة طلب اللجوء بواقعية صارخة، ويلتقط يأس عملية لا تنتهي بالضرورة بنهايات سعيدة.
مدعوما بأداء مذعور من قبل المعادي، يرسم الفيلم قصة شخص لديه خيارات قليلة متبقية في الحياة، لا تسمح له إيران ولا جنة السويد الموعودة بتأكيد وجوده وبناء مستقبل عائلته. يثبت المخرج السويدي إيراني الأصول أن بلد الاغتراب السويدي ليس أقل قمعا، ولا أقل تحديدا من الوطن الذي هرب منه.
يلتقط المصور السينمائي سيباستيان وينترو صورا مذهلة للأراضي القاتمة المغطاة بالثلوج، تبدو البلاد وكأنها لوحة قماشية فارغة وربما هذا ما يحتاجه إيمان للبدء من جديد. ومع ذلك، فإن صرخة ذئب في البرية تشير إلى أنها مناظر طبيعية مليئة بالمخاطر. حقيقة أن إيمان وعائلته يواجهون خطرا مختلفا أمر واضح إلى حد ما. لقد واجه الشائعات والقيل والقال. ومن ثم نرى منزل العائلة المهجور، صامتا وفارغا مع تعفن الفاكهة في الأوعية.
يتلقى إيمان سلسلة من المكالمات الهاتفية المبهمة. هناك شعور بشيء لم يتم حله في نظرته المضطربة. يتم الكشف عن المزيد عندما يقرر إيمان دعم طلب اللجوء الخاص به من خلال استئناف مسيرته في المصارعة، بهدف التنافس باسم السويد، ينقل أداء الممثل المعادي إحساسا بأنه رجل منقسم وممزق بين رغباته والروابط التي تربطه بعائلته. هناك غضب مكبوت فيه، ولا يوجد شعور واضح بما هو صواب ويجب عليه فعله. بينما رحب به توماس وأصدقاؤه وأعطوه لمحة عن عالم أكثر حرية لا يمكنه الانتماء إليه.
يمنحنا فيلم “الخصم” إحساسا بإيمان كشخص أناني، يجلب التعاسة لمن حوله. هل يحتاج فقط إلى عائلته للحفاظ على المظاهر؟ ومع ذلك، فإنه يوفر أيضا إحساسا بالتوازن من منظور الزوجة مريم. بخبرنا المخرج ميلاد العلمي عن الفكرة الجمالية وراء الفيلم في أحد اللقاءات ويقول “الفيلم بجمالياته الكلاسيكية. لديك عالم مظلم تماما، لا يمكنك رؤية الصورة بأكملها، ولديك شخص يحاول حل لغز. وبتميز المصور السينمائي الخاص بي، الذي خلق اللغة البصرية، والتقط المناظر الطبيعية الثلجية في شمال السويد، كشخص انتقل إلى السويد في نهاية ثمانينات القرن العشرين، أتذكر أنه منذ الوقت الذي دخلت فيه مركزا للاجئين، أعطاني هذا الظلام من حولي شعورا بعدم الارتياح. كنت قد جئت للتو من إيران، حيث كان هناك الكثير من الناس حولي والكثير من حركة المرور. علاوة على ذلك، أردت التقاط حياة لاجئ ينتظر فقط”.
كان يجب أن ينتهي الفيلم مع الزوجة التي تعزف على البيانو، والأطفال يهتفون فرحين بالمولود الجديد. أما ما يتعلق بالأب (المعارض) فيحاول الفيلم نقل التحديات التي يواجهها مجتمع المعارضين في إيران (وعنوان الفيلم يحمل هذه الصفة ‘معارض‘)، وصعوبة صنع القرار بالنسبة إلى طالبي اللجوء؟ على الرغم من أن الفيلم تطرق إلى العديد من الموضوعات، يجد المصارع البطل إيمان وعائلته الشابة أنفسهم في شمال السويد الثلجي في انتظار عملية اللجوء المؤلمة بعد أن فروا من موطنهم الأصلي إيران لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، ويناضلون للتكيف مع بلد ولغة جديدة بينما وضعهم كلاجئين أمر صعب بما فيه الكفاية.
في فيلم “الخصم” استلهم المخرج ميلاد العلمي من تجاربه الخاصة ومن نشأته في أماكن إقامة اللاجئين في سرد حكاية عمله. عن تصوير الفيلم يتحدث المخرج العلمي “لقد صورنا الفيلم بالفعل في مركز للاجئين ليس بعيدا عن المكان الذي وصلت إليه كطفل لاجئ في السويد. أحد الأشياء المجنونة التي حدثت هو أنه في يوم من الأيام، قال أحد أفراد الطاقم إن امرأة في السبعينات من عمرها اقتربت منهم وادعت أنها معلمتي عندما جئت إلى السويد. لقد أظهرت لي رسما رسمته وقد احتفظت به. كان غريبا جدا. لذلك أعطيتها دورا صغيرا في الفيلم”.
ميلاد العلمي مخرج سويدي، ولد في إيران عام 1982، يقيم الآن في الدنمارك. تلقى تعليمه في الدنمارك درس في المدرسة الوطنية في الدنمارك. عمل في التلفزيون، وتم ترشيحه لستة جوائز في مهرجان برلين في العام الماضي، وقدم تجربته الأولى الفيلم الروائي الطويل “الساحر“.
من السهل أن نفهم لماذا قضى العلمي الكثير من الوقت في استكشاف التحديات اليومية التي يجب على اللاجئين التغلب عليها حتى في البلدان الغنية، حيث أن “المعارض” لديه روح سياسية واضحة. ويمكن أن تكون الصور الوحشية التي يستحضرها العلمي من ميزاته إذ يقدم صورا مكثفة للغاية في بعض الأحيان بحيث لن يظل أحد المشاهد غير مبال بمشاكل اللاجئين. في حين أن الجهد في التصوير جدير بالثناء، يتحدث المخرج العلمي “كنت على دراية بعالم اللاجئين في شمال السويد حيث وصلت عندما كنت طفلا، في السادسة من عمري، في عام 1988. أردت التقاط نفس البيئة التي تذكرتها، بلدة صغيرة، حرفيا من العدم، محاطة بالجبال الجميلة، ولكن أيضا جليدية ومظلمة”.
وعن فكرة الفيلم يوضح المخرج “بدأت الفكرة في الظهور بينما كنت أنهي فيلم ‘الساحر’. هناك مواضيع موجودة في كلا الفيلمين. على مستوى أعمق، يدور الفيلم حول انعدام الحرية. إذا نشأت في مجتمع قمعي وخاضع للرقابة مثل إيران، حيث يتم تقييد حريتك، ووصلت إلى مستوى أعمق”.
لا بد من الإشارة بالتميز في أداء الممثل بايمان معادي الذي ولد في نيويورك لأبوين إيرانيين وانتقل إلى إيران عندما كان عمره عامين. تخرج في الهندسة من جامعة كرج آزاد. فاز بجائزة الدب الفضي في برلين لأفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الحادي والستين عن دوره في فيلم “الانفصال”. بايمان معادي هو ممثل ومخرج وكاتب سيناريو (مواليد 30 يونيو 1970) في نيويورك شارك في تمثيل فيلم “انفصال نادر وسمين” للمخرج الإيراني المعروف أصغر فرهادي ونال جائزة في مهرجان برلين السينمائي عام2011، كما شارك في فيلم “بخصوص أيلي”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي
الفيلم السويدي يصور قضايا اللجوء من خلال تجربة مصارع وعائلته.
الأحد 2024/02/18
انشرWhatsAppTwitterFacebook
رجل ممزق بين رغباته وواجباته
منذ فجر التاريخ كانت الحروب والمجاعة والاضطهاد السياسي جزءا من حياتنا، وعلى مدى العقود الماضية، كنا نشهد كل مرة أزمة لاجئين جديدة، حيث جلبت الصراعات في الشرق الأوسط الآلاف من الأشخاص إلى أوروبا. وبما أن الفن هو طريقتنا المفضلة لفهم العالم من حولنا بشكل أفضل، فليس من المستغرب أن نجد المزيد من قصص اللاجئين في السينما.
بينما تركز معظم الأفلام التي تتناول قضايا اللاجئين على صراع الثقافات أو التحيز أو العقبات المادية، يستخدم فيلم “خصم” للمخرج ميلاد العلمي أزمة اللاجئين خلفية لسرد قصة مؤثرة عن الاضطهاد السياسي والقيم العائلية.
الفيلم الروائي الثاني للكاتب والمخرج ميلاد العلمي قصة للاجئ إيراني في السويد، تعكس قضايا أوسع بكثير حول الحرية والتسامح. وحكاية شخصية تقترب من قصة المخرج العلمي ولجوئه إلى السويد عندما كان في السادسة من عمره، ونشأته في شمال البلاد بعد أن تم وضعه في مركز للاجئين وقريب جدا من المكان الذي صور فيه فيلمه.
رحلة اللجوء
الفيلم بجمالياته الكلاسيكية يضعنا في عالم مظلم تماما لا يمكننا رؤية الصورة بأكملها بينما نتابع شخصا يحاول الاستقرار
“صمتي لم يحمني. صمتك لن يحميك“ يبدأ الفيلم من هذا الاقتباس للكاتبة أودري لورد (كاتبة أميركية وأستاذة وفيلسوفة وشاعرة وناشطة في مجال الحقوق المدنية. كانت تصف نفسها بأنها “سوداء، اشتراكية، أمّ، محاربة، شاعرة”، كرّست حياتها ومواهبها لمواجهة جميع أشكال الظلم)، ثم يدخل المشاهد إلى عالم الخصم المصارع، محذرا من قوة خبيثة عازمة على تدميرنا من الداخل إلى الخارج، مما يؤدي إلى تآكل الروح. تقطع الرسالة عبر شاشة بيضاء حليبية، وسرعان ما يتم تمزيق هذا السلام الوهمي بعد ارتفاع أصوات المتصارعين في صالة التدريب.
يبدأ فيلم “الخصم” أو “المعارض” في عنوان آخر، حين تتناهى إلى أسماعنا أصوات تمزق الظلام صادرة من صالة الألعاب الرياضية لممارسة لعبة المصارعة، صوت يسأل عن مكان وجود المصارع إيمان، وهو بطل أولمبي وحائز على بطولات دولية. افتتاحية الفيلم كانت مع وصول رجال من جهاز مخابرات النظام الإيراني إلى مركز رياضي في طهران سعيا للقبض على المصارع المحترف إيمان (بايمان المعادي). لكن إيمان ينجح في التسلل من المركز التدريبي من الباب الخلفي ويركض للنجاة بحياته.
يختبئ إيمان خلف شجرة ويراقب من بعيد كيف يأمر رجال المخابرات الإيرانية صديقه على الدخول إلى سيارتهم. بعد هذا الرعب يقرّر الهروب مع عائلته إلى السويد والانتقال إلى زاوية نائية في شمالها، هناك يسكن في فندق تم تحويله إلى مركز للاجئين. هذا الموطن الجديد للمصارع إيمان وزوجته الحامل مريم (مارال ناصري) وبناتهما عسل (نيكول مهربود) وسحر (ديان فرزامي). يبدأ إيمان عملا جديدا في توصيل البيتزا بواسطة عربة الثلج لكسب لقمة العيش، ويجلب الطلبات المتبقية إلى المنزل لعائلته لتناولها في العشاء – “بيتزا مرة أخرى؟” تنهيدة الفتيات بعد أن مللن تناول نفس الوجبة كل ليلة.
مازالت العائلة في انتظار قرار السلطات السويدية بشأن طلب اللجوء، وبعد التدفق المستمر للاجئين صاروا ينتقلون من غرفة ضيقة إلى أخرى أضيق ويزداد الأمر سوءا، زوجة إيمان مريم حامل بطفلها الثالث وتأمل أن تساعد حالتها للإسراع في حل قضيتهم حول طلب اللجوء.
ينغمس الفيلم في التفاصيل اليومية للحياة في بلد أجنبي، من الاعتماد على مترجم للتواصل، إلى تضحيات مريم، التي كانت في السابق طالبة موسيقى ومعلمة بيانو وأصبحت الآن ربة منزل وتعاني من الفراغ في حياتها.
المخرج ميلاد العلمي يصور تجربة طلب اللجوء بواقعية صارخة ويلتقط يأس عملية لا تنتهي بالضرورة بنهايات سعيدة
كشخص ولد في إيران ونشأ في السويد، يتمتع الكاتب والمخرج ميلاد العلمي بمنظور فريد عندما يتعلق الأمر باستكشاف التحديات التي يواجهها اللاجئون بشكل عام والإيرانيون بشكل خاص في شمال أوروبا مستفيداً من تجربته الشخصية.
كاميرا المخرج تصور المناظر الطبيعية الجليدية، حيث تقوم الذئاب بدوريات في المناظر الطبيعية، وتبحث الرنة والماعز عن ملجأ بين البشر، سواء من البرد أو من الحيوانات المفترسة. هذه البيئة تقع في شمال السويد، وهذا هو المكان الذي يبحث فيه إيمان وزوجته وابنتاه عن فرصة جديدة بعيدا عن الوطن الإيراني. لا يعني ذلك أن الدول الأسكندنافية مضيافة بشكل خاص، بل العكس يتم رفض طلب اللجوء بشكل دوري ويتم إبلاغهم من خلال المحامين الذين لا يتكرمون للقاء اللاجئين وجها لوجه.
مأوى اللاجئين هو إهانة أخرى، التنقل في تناوب مستمر لا يسمح لك بالتجذر أو الشعور بأيّ شعور بالمنزل أو الراحة أو الاستقرار. داخل الفندق، يتعين على عائلة إيمان أن تتقاسم غرفة نوم صغيرة، وتفعل كل ما في وسعها لإعادة بناء حياتها بعد هروبها من الجحيم الإيراني في منتصف الليل.
بعد مرور عامين من وصولهم إلى السويد ما تزال عائلة إيمان عالقة في الروتين والبيروقراطية في انتظار قبول طلب اللجوء. في هذه الأثناء، يكافح إيمان لتعلم اللغة السويدية، ويحاول أن يجد لابنتيه تعليما مناسبا. وهو على استعداد لتنسيق حياته كلها وفقا للتوقعات السويدية حول كيفية تصرف اللاجئ. وقرر إيمان العودة إلى المصارعة، على أمل أن تكون موهبته المذهلة في هذه الرياضة في صالحه، فمن خلال تمثيل السويد في المنافسات الأولمبية تكون فرصة عائلته أكبر في الحصول على الإقامة.
قصة العودة
حياة اللاجئين انتظار دائم
يركز المخرج في الفيلم على وضع اللاجئين في محاولة استكشاف شامل لما يعنيه أن تكون رجلا ومسؤولا على أسرة في كل من إيران والسويد. وسط العرق والعضلات والأجساد العارية، الرجولة التي دفعت إيمان إلى أن يصبح مصارعا وأن يحتل مكانة مهيمنة داخل عائلته. وتعمل الرياضة أيضا كمحفز لاستكشاف تفاصيل هجرة إيمان وصراعاته الزوجية مع زوجته.
شيئا فشيئا يتحوّل الفيلم إلى دراسة شخصية فريدة. يقاتل إيمان ضد نفسه ومحاصرا بين واجباته العائلية ورغبته في الاستقلال، ويتغلب على قيود تسمية اللاجئين. في حين أن حالته الاجتماعية الخاصة لا تزال مركزية في خياراته، فإن التناقضات العاطفية لإيمان أكثر تعقيدا بكثير مما يمكن أن نتوقعه للوهلة الأولى.
من خلال السماح لبطله بالهروب من موقع الضحية، يحوّل العلمي قصة لاجئه إلى قصة عالمية لرجل يحاول معرفة من يريد أن يكون بينما هو محاصر بالتوقعات الاجتماعية وتطارده خطاياه الماضية. من المفيد أن يصور المخرج ميلاد العلمي بطله المصارع الإيراني البطل الأولمبي واللاجئ الآن في السويد على أنه متناقض. حيث يتصرف الأب أحيانا كطاغية في عائلته بينما يكون مستعدا أيضا للتضحية بكل شيء من أجل سلامتهم. في هذه الملاحظة، يقوم الممثل بيمان المعادي بعمل مذهل في دور إيمان، حيث يؤدي بمعظم تعبيراته الدقيقة لفضح المكون الداخلي لشخصيته حتى عندما تمنعه الحواجز اللغوية من التعبير عن رأيه.
يدور فيلم “خصم” بشكل أساسي حول رجل على خلاف مع نفسه، لكن العلمي يعمل على التركيز بعيدا عن إيمان في بعض الأحيان لإظهار كيف يواجه اللاجئون الآخرون مصاعبهم الشخصية للتغلب عليها. ففي حين أن هذه الطرق الالتفافية الصغيرة ترسم صورة حية لمصاعب حياة اللاجئين، إلا أنها لا تساعد الجمهور دائما على فهم الشخصية الرئيسية.
من السّهل أن نفهم لماذا قضى العلمي الكثير من الوقت في استكشاف التحديات اليومية التي يجب على اللاجئين التغلب عليها، حتى في البلدان الغنية، حيث يتمتع المعارض بروح سياسية واضحة. ويمكن أن تكون الصور الوحشية التي يستحضرها العلمي في فيلمه الطويل مكثفة للغاية في بعض الأحيان بحيث يبقى أيّ مشاهد غير مبال بويلات اللاجئين.
الفيلم يتابع حياة رجل على خلاف مع نفسه ويركز في بعض الأحيان لإظهار كيف يواجه اللاجئون مصاعبهم الشخصية
إيمان مصارع كان ذات مرة في المنتخب الوطني الإيراني. عندما تبدأ الشرطة في البحث عنه، يهرب مع عائلته (زوجته مريم وابنتيهما). ينتهي بهم الأمر بالعيش في غرفة واحدة في ملجأ للاجئين في السويد، “بالقرب من الحدود الفنلندية”. تفتقد البنات أصدقاءهن وتفتقد مريم عملها وشغفها كونها عازفة ومعلمة بيانو.
قصة إيمان الأولية هي أن زميله الغيور اتهمه زورا بأنه متظاهر ومناهض للنظام الإيراني. ثم يحاول الاستفادة من حقيقة أن زوجته حامل. عند سماعه أن نخبة الرياضيين قد يحصلون على إعفاء خاص، ينضم إلى نادي المصارعة ضد رغبات زوجته، هناك يلتقي بالمصارع السويدي توماس، الذي يصادقه، ويحاول جعله يتواصل مع الفريق. تأهل لمعسكرات التدريب الدولية، يلتقي بناديه الإيراني، ويدخل في معركة مع أحدهم.
يذكر السويدي توماس (بيورن إلغيرد) أحد زملاء إيمان في المصارعة، أن الذئب الذي يتجول حوله سيتم إطلاق النار عليه قريبا. هل هذا مؤشر على أن واقع إيمان سيكون آمنا قريبا؟ وهل إيمان في الواقع في خطر أكبر في السويد مما توقعنا؟ بصرف النظر عن الذئب، فإن الفن والكتابة المعقدة لشخصية إيمان كونها مصارعا محترفا مذهلة. الهروب من إيران، والسفر بعيدا عن أعدائه المجهولين إلى السويد لخلق مسافة بينهما، ثم العودة إلى رياضة ربما وضعته في ورطة في المقام الأول.
في البداية تحتج مريم على قرار إيمان بالعودة إلى المصارعة من خلال الإشارة إلى الأحداث الماضية، لكنه يفعل ذلك على أيّ حال. في النهاية، يصدم زوجته باختراعه قصة من أجل ضمان الحصول على اللجوء، حين يعترف لضباط اللجوء بأنه مثلي الجنس، وكان على علاقة مع زميل مصارع، لترسيخ قضيته للبقاء في البلاد. وهذا ما جعله في ورطة مع أسرته التي تقرّر “العودة إلى الوطن”، وتخطط الزوجة للرجوع إلى إيران مع البنات وترك زوجها إيمان لوحده، وبغض النظر عن المخاطر التي قد تصيبهم – بما في ذلك الضغط عليه لجعله يعود-. بالفعل تعود مريم إلى بيتها في طهران ويولد الطفل هناك وتستعيد عملها مدرسة للموسيقى والباليه.
حياة الانتظار
علاقات غير مصرح بها
سبق وأن تعرفنا على الممثل بايمان المعادي من أفلام مثل “انفصال”، لكنه لم يلعب أبدا شخصية مثل إيمان، لاجئ إيراني يعيش في السويد، إيمان رفقة زوجته مريم. قبل مغادرته إيران، كان إيمان مصارعا للمنتخب الوطني للبلاد، وشارك في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو 2016. في السويد، يعتقد أن المصارعة قد تساعد فرصه في الحصول على الجنسية لأنها ستمنح البلاد رياضيا آخر من الطراز العالمي لصفوفهم. من خلال المشاهد مع فريق المصارعة الوطني، نعلم أن إيمان رجل مثلي الجنس وهذا السر، الذي يخفيه عن عائلته، هو السبب في أنهم جميعا اضطروا إلى الفرار من إيران. بدا هذا غير ضروري لأن الفيلم قد صور هذا الجانب بالفعل.
الخط الرسمي هو أن إيمان تم إخراجه من قبل زميل في الفريق كناقد للنظام الإيراني، مما يعرّض حياته للخطر على أرض الوطن، على الرغم من أن هذه ليست الحقيقة تماما. يستكشف ميلاد العلمي الواقع الصارم لحياة اللاجئين بعين لا تتزعزع، من الانتظار الذي لا نهاية له إلى جلسات المحكمة وعمليات نقل الإقامة المستمرة، إلى البحث المتلهف عن العمل وعدم القدرة على التأقلم، يصور العلمي تجربة طلب اللجوء بواقعية صارخة، ويلتقط يأس عملية لا تنتهي بالضرورة بنهايات سعيدة.
مدعوما بأداء مذعور من قبل المعادي، يرسم الفيلم قصة شخص لديه خيارات قليلة متبقية في الحياة، لا تسمح له إيران ولا جنة السويد الموعودة بتأكيد وجوده وبناء مستقبل عائلته. يثبت المخرج السويدي إيراني الأصول أن بلد الاغتراب السويدي ليس أقل قمعا، ولا أقل تحديدا من الوطن الذي هرب منه.
يلتقط المصور السينمائي سيباستيان وينترو صورا مذهلة للأراضي القاتمة المغطاة بالثلوج، تبدو البلاد وكأنها لوحة قماشية فارغة وربما هذا ما يحتاجه إيمان للبدء من جديد. ومع ذلك، فإن صرخة ذئب في البرية تشير إلى أنها مناظر طبيعية مليئة بالمخاطر. حقيقة أن إيمان وعائلته يواجهون خطرا مختلفا أمر واضح إلى حد ما. لقد واجه الشائعات والقيل والقال. ومن ثم نرى منزل العائلة المهجور، صامتا وفارغا مع تعفن الفاكهة في الأوعية.
يتلقى إيمان سلسلة من المكالمات الهاتفية المبهمة. هناك شعور بشيء لم يتم حله في نظرته المضطربة. يتم الكشف عن المزيد عندما يقرر إيمان دعم طلب اللجوء الخاص به من خلال استئناف مسيرته في المصارعة، بهدف التنافس باسم السويد، ينقل أداء الممثل المعادي إحساسا بأنه رجل منقسم وممزق بين رغباته والروابط التي تربطه بعائلته. هناك غضب مكبوت فيه، ولا يوجد شعور واضح بما هو صواب ويجب عليه فعله. بينما رحب به توماس وأصدقاؤه وأعطوه لمحة عن عالم أكثر حرية لا يمكنه الانتماء إليه.
يمنحنا فيلم “الخصم” إحساسا بإيمان كشخص أناني، يجلب التعاسة لمن حوله. هل يحتاج فقط إلى عائلته للحفاظ على المظاهر؟ ومع ذلك، فإنه يوفر أيضا إحساسا بالتوازن من منظور الزوجة مريم. بخبرنا المخرج ميلاد العلمي عن الفكرة الجمالية وراء الفيلم في أحد اللقاءات ويقول “الفيلم بجمالياته الكلاسيكية. لديك عالم مظلم تماما، لا يمكنك رؤية الصورة بأكملها، ولديك شخص يحاول حل لغز. وبتميز المصور السينمائي الخاص بي، الذي خلق اللغة البصرية، والتقط المناظر الطبيعية الثلجية في شمال السويد، كشخص انتقل إلى السويد في نهاية ثمانينات القرن العشرين، أتذكر أنه منذ الوقت الذي دخلت فيه مركزا للاجئين، أعطاني هذا الظلام من حولي شعورا بعدم الارتياح. كنت قد جئت للتو من إيران، حيث كان هناك الكثير من الناس حولي والكثير من حركة المرور. علاوة على ذلك، أردت التقاط حياة لاجئ ينتظر فقط”.
كان يجب أن ينتهي الفيلم مع الزوجة التي تعزف على البيانو، والأطفال يهتفون فرحين بالمولود الجديد. أما ما يتعلق بالأب (المعارض) فيحاول الفيلم نقل التحديات التي يواجهها مجتمع المعارضين في إيران (وعنوان الفيلم يحمل هذه الصفة ‘معارض‘)، وصعوبة صنع القرار بالنسبة إلى طالبي اللجوء؟ على الرغم من أن الفيلم تطرق إلى العديد من الموضوعات، يجد المصارع البطل إيمان وعائلته الشابة أنفسهم في شمال السويد الثلجي في انتظار عملية اللجوء المؤلمة بعد أن فروا من موطنهم الأصلي إيران لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، ويناضلون للتكيف مع بلد ولغة جديدة بينما وضعهم كلاجئين أمر صعب بما فيه الكفاية.
في فيلم “الخصم” استلهم المخرج ميلاد العلمي من تجاربه الخاصة ومن نشأته في أماكن إقامة اللاجئين في سرد حكاية عمله. عن تصوير الفيلم يتحدث المخرج العلمي “لقد صورنا الفيلم بالفعل في مركز للاجئين ليس بعيدا عن المكان الذي وصلت إليه كطفل لاجئ في السويد. أحد الأشياء المجنونة التي حدثت هو أنه في يوم من الأيام، قال أحد أفراد الطاقم إن امرأة في السبعينات من عمرها اقتربت منهم وادعت أنها معلمتي عندما جئت إلى السويد. لقد أظهرت لي رسما رسمته وقد احتفظت به. كان غريبا جدا. لذلك أعطيتها دورا صغيرا في الفيلم”.
ميلاد العلمي مخرج سويدي، ولد في إيران عام 1982، يقيم الآن في الدنمارك. تلقى تعليمه في الدنمارك درس في المدرسة الوطنية في الدنمارك. عمل في التلفزيون، وتم ترشيحه لستة جوائز في مهرجان برلين في العام الماضي، وقدم تجربته الأولى الفيلم الروائي الطويل “الساحر“.
من السهل أن نفهم لماذا قضى العلمي الكثير من الوقت في استكشاف التحديات اليومية التي يجب على اللاجئين التغلب عليها حتى في البلدان الغنية، حيث أن “المعارض” لديه روح سياسية واضحة. ويمكن أن تكون الصور الوحشية التي يستحضرها العلمي من ميزاته إذ يقدم صورا مكثفة للغاية في بعض الأحيان بحيث لن يظل أحد المشاهد غير مبال بمشاكل اللاجئين. في حين أن الجهد في التصوير جدير بالثناء، يتحدث المخرج العلمي “كنت على دراية بعالم اللاجئين في شمال السويد حيث وصلت عندما كنت طفلا، في السادسة من عمري، في عام 1988. أردت التقاط نفس البيئة التي تذكرتها، بلدة صغيرة، حرفيا من العدم، محاطة بالجبال الجميلة، ولكن أيضا جليدية ومظلمة”.
وعن فكرة الفيلم يوضح المخرج “بدأت الفكرة في الظهور بينما كنت أنهي فيلم ‘الساحر’. هناك مواضيع موجودة في كلا الفيلمين. على مستوى أعمق، يدور الفيلم حول انعدام الحرية. إذا نشأت في مجتمع قمعي وخاضع للرقابة مثل إيران، حيث يتم تقييد حريتك، ووصلت إلى مستوى أعمق”.
لا بد من الإشارة بالتميز في أداء الممثل بايمان معادي الذي ولد في نيويورك لأبوين إيرانيين وانتقل إلى إيران عندما كان عمره عامين. تخرج في الهندسة من جامعة كرج آزاد. فاز بجائزة الدب الفضي في برلين لأفضل ممثل في مهرجان برلين السينمائي الحادي والستين عن دوره في فيلم “الانفصال”. بايمان معادي هو ممثل ومخرج وكاتب سيناريو (مواليد 30 يونيو 1970) في نيويورك شارك في تمثيل فيلم “انفصال نادر وسمين” للمخرج الإيراني المعروف أصغر فرهادي ونال جائزة في مهرجان برلين السينمائي عام2011، كما شارك في فيلم “بخصوص أيلي”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
علي المسعود
كاتب عراقي