صور من قلب القلعة
ميكرو باص
جسر الشغور - دمشق
صحيت في يفاعتي
على ميكروباصات جسر الشغور ،
وهي تمر من الشارع العام
في قلعة المضيق مسرعة،
فتشنف بمزاميرها الأسماع طربا ،
وتحمل الركاب جيئة وذهابا بين
جسر الشغور ودمشق
وجميع البلدات والمدن الواقعة بينهما ،
بأجور رمزية ،
ومصداقية في العمل ،
وسرعة في الطريق ،
وإرتياح في المعاملة ،
ورجولة في الأداء ،
و تحمل كل أغراضك
دون تذمر ، وفي المناسبات
التي يصير فيها الإزدحام سيد الموقف ،
فلا تتورع عن حمل ركاب على السطح ،
وتؤمن لهم ماء الشرب
البارد ،
وتلفزيون قرب مقدمة السقف
ليتسلى الركاب ،
أو تشنف آذانهم بأغنيات شعبية متعددة ،
شاؤوا أم أبوا ،
كأغاني فؤاد فقرو
وأبو سلمو والهمشري وغيرهم ،
ولا زال صليل بعضها يطن بأذني حتى اليوم ،
وقد وصفها الأستاذ وليد بنود قائلا :
( سماع صوتها ليلا
يبعث رسائل الحياة ،
وتجدد الإنسان ، ،،
،الباص هندامه كفرس أصيل ،،،،،،
مشنشل بالزينة ،
وألوانه تدخل البهجة ،،
،والسرعة كانت للتشويق ،،والخدمة السريعة ،،،،) ،،،
وتزايدت أعداد السيارت تلك بما
يتناسب مع حجم العمل ،
حتى أصبح المرور بين إحداها والأخرى
لا يتجاوز النصف ساعة ،
وأحيانا سيارتين في آن واحد ،
وانتابني شعور أنني أمام أسطول
من الميكروباصات الجسرية الرائعة ،
ساعات قليلة وتصل دمشق ،
فإذا كنت عسكريا تستطيع الوصول لقطعتك
صباحا في الوقت المحدد ،
وإذا كنت طالبا تستطيع الوصول لجامعتك في الوقت المناسب ،
أو كنت موظفا تستطيع الوصول لدائرتك
كما تشاء ، دون أن ينتابك شعور بفوات الوقت
عليك في إمتحان أو محاضرة مهمة ،
أو غير ذلك ،
وكثيرا ما تستطيع أن تذهب الى العاصمة
وتقضي عملك تماما ثم تعود
الى كراجات القابون ،
ومن ثم تستطيع العودة مساءا الى بلدتك
بكل إرتياح وطمأنينة،
واقفا في الوسط
أو جالسا على المتور ،
أو يحالفك الحظ بمقعد ،
فتنزل على مفرق التويني ،
بحقيبتك وأغراضك ،
وهناك ينبري الكثير من فاعلي الخير
لتوصيلك لمنزلك معززا مكرما ،
بسياراتهم العابرة
ومتوسكلاتهم الكثيرة ،
دون مقابل ،
وإنني ( أنا مصطفى رعدون أعترف
وأنا بكامل قواي العقلية
بأن أسطول ميكروباصات جسر الشغور
له فضل علي كبير ،
بأن إستطعت أن أكمل دراستي الجامعية
بوجوده ومساعيه
وعلى ظهور سياراته )
فقد كنت أقوم بتدريس نصابي التعليمي
في مدارس السقيلبية والقلعة
في أربعة أيام من الأسبوع
بما في ذلك يوم الجمعة ،
حيث يوم الجمعة دوام في مدارس السقيلبية ،
وأوفر ثلاثة أيام أسافر فيها
الى دمشق لأداوم في كلية الفنون الجميلة
فهي ذات دوام عملي ،
بحيث أكون في الكلية عند الساعة الثامنة صباحا ،
وأتنقل بين محاضراتها ودروسها
العملية والنظرية لثلاثة أيام كاملات ،
وبفضل من الله لم أحمل مادة علمية
واحدة من فصل الى فصل ،
وتخصصت في قسم العمارة الداخلية ،
وكنت آخذ علامات عالية و كان
صديقي وزميلي في الكلية عبد المنعم عيسى
يقول لي :
( بتجينا من البرية وبتاخد الأولية )
وتخرجت بدرجة عالية ،
بدون أي رسوب مطلقا ،،،،
وقد سكنت في الوحدة العاشرة من
المدينة الجامعية في مساكن برزة ،
وكان زميلي في الغرفة الدكتور سعيد درويش ،
ومرة أخرى الأستاذ تيسير الراضي ،
كان يشدد أزري صديق العمر الطويل
والأسفار البعيدة الدكتور سمير غنوم ،
وقد كانت المسافة التي قضيتها خلال فترة دراستي الجامعية
في ميكروباصات جسر الشغور
ذهابا وإيابا،
خلال أربعة سنوات من عمر الدراسة
، تعادل رحلة مركبة فضائية إلى القمر ، ،،،
ولأنني كنت أحب دراستي ومستمتع بها ،
فقد كنت أتحمل مشاق السفر
وصعابه بصدر رحب وقوة حديدية ،
رحم الله ميكروباصات جسر الشغور
الرائعات ، وتحية كبيرة للعاملين عليها
خلال تلك السنين من ( شوفيرية ومعاونين ) ،،،
وأتمنى على الله أن تعود الأيام
إلى سابق عهدها من سلامة وأمان ،
وأعود فأسمع زمامير ميكروباصات
جسر الشغور التي تطرب الأسماع من بعيد ،
وتقوم بأعمالها كما كانت فتوصل
الطالب والجندي والموظف والعامل
والمريض الى أماكنهم
المرجوة بكل رياحة وسلامة ،
وحسن أداء وبأرخص الأجور الممكنة ،،،،
فنحن أبناء سورية الرائعة ،
وهي تتسع لجميع أبنائها ،
بفسيفسائهم الجميل المتنوع ،
بكل طيبة ورضى
وأمان وحسن سلوك ،،،،،
مصطفى رعدون