القضية رقم 23 الإسم الأصلي للفيلم ( الإهانة The Insult )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القضية رقم 23 الإسم الأصلي للفيلم ( الإهانة The Insult )

    القضية رقم 23
    الإسم الأصلي للفيلم ( الإهانة The Insult )
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
    هذا أول فيلم لبناني يصل الى منافسات الأوسكار ، مرشحاً لجائزة أفضل فيلم أجنبي . و هو فيلم لم يكن مثيراً للجدل السياسي فحسب ، بل كان و لا يزال يثير النقاش الحاد بين الناس العاديين و الذي يقال ــ و ذلك ليس مستغرباً ــ أنه يصل الى العراك . و فوق ذلك فإن مخرجه " زياد الدويري " نفسه مثير للجدل ، فهو يحمل جوازَي سفر أحدهما لبناني و الآخر فرنسي ، و بهذا الجواز الثاني كان قد سافر الى إسرائيل عام 2012 و صوّر فيلمه ( الصدمة The Attack ) في تل أبيب ، و عندما عاد الى بيروت اعتقلته السلطات اللبنانية و صادرت جوازيه حينها .
    فيلم ( القضية رقم 23 ) ، أو ( الإهانة ) ، صُوِّر في لبنان ، ولكن خطورته أقوى من تعمد المخرج أن يصور أفلامه في إسرائيل مادام يحمل جوازاً فرنسياً يمنحه حرية التنقل بالصفة الفرنسية لا اللبنانية . و فيلمه هذا يتناول قضية كامنة تحت الرماد ، لم يتجرأ أحدٌ قبله على إزاحة رماد الصمت و المجاملات عنها ــ سينمائياً ــ ليكشف عن جمرها ، لا ليسخن بها الأجواء .. بل ليشعلها ، و هي القضية المسكوت عنها لعقود و مازال الحديث عنها يثير حساسية شديدة ( في لبنان بصورة خاصة ) ، تلكم هي قضية التواجد الفلسطيني على الأراضي اللبنانية . فالتواجد على هذه الأراضي هو الأكثر إثارةً و حساسية و دموية دون التواجد الفلسطيني على الأراضي الأردنية و السورية و العراقية ، منذ نزوحهم الأول عام 1948 حتى هذه اللحظة ، باستثناء الصدام الفلسطيني الأردني عام 1970 ، و الذي سُمّي بـ ( أيلول الأسود ) و قد أوقف الأردن من خلاله ما اعتبره تمدداً فلسطينياً . فالتواجد ، أو ( الوجود ) الفلسطيني في لبنان لأمرٌ مختلف ، أولاً لأن لبنان أقل قدرة على استيعابهم من حيث العدد ، و ثانياً من جهة تباين الثقافة الإجتماعية ، خصوصاً و أن ثقافته فرانكفونية ، و ثالثاً هو بلدٌ اقتصاده قائم على السياحة فجاء الفلسطينيون ليزعزعوا هذا الإقتصاد من حيث لا يقصدون .
    منذ النزوح الفلسطيني عام 1948 الى لبنان حتى عام 1958 ، كان الفلسطينيون يعيشون في لبنان بإعتبارهم ( أهل الدار ) حسب موقف رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك " رياض الصلح " ( 1894 ــ 1951 ) و ترجمه ــ حينها ــ وزير الخارجية اللبناني " حميد فرنجية " بقوله : ( سنستقبل في لبنان اللاجئين الفلسطينيين مهما كان عددُهم و مهما طالت إقامتُهم و لا يمكننا أن نحجز شيئاً عنهم ، و لا نتسامح بأقل امتهان يلحقهم دوننا... وسنقتسم فيما بيننا و بينهم آخر لقمة من الخبز ) .. هذا ما ورد في محضر الجلسة السابعة لمجلس النواب اللبناني عام 1948 . و هو ــ بالتأكيد ــ خطابٌ عاطفي غافل عن التداعيات الديموغرافية .
    مرحلة النعمة هذه إنهارت بعد عشر سنوات ، حين حصلت حركة إزاحة الرئيس " كميل شمعون " ( 1900 ــ 1987 ) ، التي كان يقف خلفها " جمال عبدالناصر " لأن " شمعون " رفض أن يكون لبنان ضد الغرب بعد حرب السويس ، بل إنه اقترب من ( حلف بغداد ) ، فاعتبر " عبدالناصر " ذلك ( تهديداً للقومية العربية ) ، فاستنجد " شمعون " بالولايات المتحدة ، فأرسل الرئيس " آيزنهاور " 14000 جندي أمريكي احتلوا مطار بيروت و مرفأ بيروت ، ولكن سرعان انسحبت هذه القوات ، فأرسل " آيزنهاور " مبعوثه " روبرت ميرفي " الذي أقنع " شمعون " بالإستقالة . فأصبحت المقاليد بيد رئيس الحكومة الجديد الجنرال " فؤاد شهاب " ( 1902 ــ 1973 ) الذي في عهده بدأ التصرف الحكومي الأمني المخابراتي تجاه الفلسطينيين ، فبدأ عهد ملاحقتهم و زجهم في السجون و تحجيم دورهم في الحياة اللبنانية .
    ففي عام 1969 كان قد حصل ( التوافق الشكلي ) في اتفاقية القاهرة ، برعاية " جمال عبدالناصر " ، و هو اتفاق هش انتهى بصدامٍ دموي . و كان هذا الصدام أحد الأوردة الدموية التي غذت الحرب اللبنانية الأهلية ( 1975 ــ 1990 ) . و بطبيعة الحال فقد كان الفلسطينيون ركناً أساسياً من أركان تلك الحرب التي امتدت على مدى 15 عاماً من التطاحن بالسلاح في حرب شوارع دائمة أسفرت عن مقتل 120 ألف شخص ، فيما بات 75 ألف شخص مشرداً داخل لبنان حتى عام 2012 ، فيما هاجر عشرات الآلاف الى كندا و فرنسا و الولايات المتحدة .
    حقيقة الأمر : اللبنانيون يشعرون بأن وجود الفلسطينيين ــ في لبنان ــ قد سمّم حياتهم ، و غيّر خارطتهم الروحية ، كون اللبنانيين غير معنيين بـ ( القضية الفلسطينية ) ، فهم تعاملوا مع الفلسطينيين ــ أول الأمر ــ كـ ( ضيوف ) حلّوا على البلاد ، في فترة عاطفية ، فأقاموا كأهل ، غير أنهم راحوا ــ شيئاً فشيئاً يتحكمون بإقتصاد السوق ، و يُحيون وجودهم السياسي من خلال ( حزب الله ) الإيراني و التدخل السوري .
    ثم راح الفدائيون الفلسطينيون يستهدفون أهدافاً إسرائيلية إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية ، الأمر الذي دفع الجيش الإسرائيلي الى اقتحام الأراضي اللبنانية بقيادة " آرييل شارون ) عام 1982 الذي نفذ مجزرة تاريخية بحق الفلسطينيين في ( صبرا و شاتيلا ) لتمتلئ الأزقة و الشوارع و الحارات بالآلاف من جثثهم .. كجزء من خطة الإبادة بعيدة المدى ، و ما يجري في غزة ــ اليوم ــ هو امتدادٌ لتلك المجزرة .
    في سياق هذا التواجد الفلسطيني في لبنان نمت لدى اللبنانيين ( خصوصاً لدى المسيحيين منهم ) فكرة إزاحة الفلسطينيين من الأراضي اللبنانية بعد أن كثرت المشاكل ، كما يحصل بين فترة و أخرى في مخيم ( عين الحلوة ) ، أما مخيم ( نهر البارد ) الذي يضم 38000 نسمة فقد شهد عام 2007 صراعاً دامياً بين عناصر تنظيم ( فتح الإسلام ) و الجيش اللبناني و هو تنظيم خرج من حركة ( فتح الإنتفاضة ) المنشقة من حركة فتح ، هذا الصراع قاد الى تشريد سكان المخيم وتهديمه .
    كل هذه التراكمات تشكل الخلفية النفسية و التاريخية لفيلم ( القضية رقم 23 ) الذي يسلط الضوء على طبيعة الحساسية بين اللبنانيين و الفلسطينيين من خلال الإحتكاك بين ميكانيكي السيارات اللبناني " طوني " ( لعب دوره الممثل اللبناني " عادل كرم " ) و المهندس الفلسطيني " ياسر " ( لعب دوره الممثل الفلسطيني " كامل الباشا " ) و كلاهما ممثلان بارعان كان الدوران مناسبيـَـن لهما .. و قد لعباهما ببراعة . و عن دوره هذا فاز " كامل الباشا " ــ باستحقاق ــ بجائزة أفضل ممثل من مهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته لعام 2017 .
    فخلال الصدام بين " طوني " و " ياسر " ــ لسبب عَرَضي تافه ــ تفلت عبارةٌ قاسية من " طوني " ، يبدو أنها خرجت من لاوعيه حين قال لـ " ياسر " : ( يا ريت شارون مَحاكُـن عن بكرة أبيكن ) ، في إشارة الى مجزرة ( صبرا و شاتيلا ) التي نفذها الجيش الإسرائيلي بقيادة الجنرال " آرييل شارون " . و لا غرابة في ذلك ، فـ " طوني " من مريدي الرئيس اللبناني " بشير الجميّل " الذي كان قائد قوات ( الكتائب ) ، الذراع العسكري لـ ( القوات اللبنانية ) التي كانت تعمل ضد الوجود الفلسطيني في لبنان ، و كانت هذه القوات قد نفّـذت عام 1976 مجزرة في منطقة ( الكرنتينا ) التي كانت تحت سيطرة " منظمة التحرير الفلسطينية " فراح ضحيتها نحو 1000 شخص ، فردّ الفلسطينيون ــ بعد يومين ــ بمجزرة مماثلة في منطقة ( الدامور ) التي كان يسكنها " طوني " ــ حسب الفيلم ــ و فرَّ منها .
    فالشجار البسيط الذي حصل بين الميكانيكي اللبناني المسيحي و المهندس الفلسطيني المسلم تحول الى انفجار لدملة كبيرة كانت محتقنة بقروح ولكنها كانت مغطاة بلفائف سرعان ما تمزقت و كشفت عن المكبوت في العلاقة بين الطرفين في لبنان . و على الرغم من أن السيناريو أحال القضية الى المحاكم ــ كقضية جنائية ــ إلا أنها تكشفت عن بُعدها السياسي ، لتتحول الى قضية رأي عام أشعلت الشارع . و المفارقة أن السيناريو أحال الدفاع في المحكمة الى أبٍ محامٍ يدافع عن " طوني " اللبناني المسيحي الكاره للوجود الفلسطيني في بلده لبنان ، فيما أحال مهمة الدفاع عن الفلسطيني ( و بالتالي ــ ضمناً ــ عن الوجود الفلسطيني في لبنان ) الى إبنة المحامي الأول . و هذه المفارقة التي خلقها سيناريو الفيلم تكشف عن تجذر الوجود الفلسطيني في لبنان ، و لنقل التداخل الوجودي الذي بات بحاجة الى معجزة لحل عقدته . بمعنى أن الوجود الفلسطيني بات مشكلة تشغل العائلة اللبنانية .. بل هو تداخل ديموغرافي في نسيج المجتمع اللبناني . وبالتالي فإن موقفي الأب و إبنته المتضادين في المحكمة إنما مثل الصراع اللبناني اللبناني و الذي سببه هو الوجود الفلسطيني أيضاً . علماً إن أحداث الفيلم تدور خلال الحرب الأهلية اللبنانية ( 1975 ــ 1990 ) .
    المساحة الأكبر من الحوار في الفيلم احتلها " طوني " طويل اللسان و المحتد الذي كان يتعمد تضخيم قضية بسيطة ، فيما كان المهندس الفلسطيني " ياسر " كاظماً غيضه لأنه مقيد بهويته الفلسطينية على أرض هي غير أرضه ، لذا ما كان إقدامه على ضرب " طوني " ــ بدل الإعتذار منه ــ إلا إنعكاساً لهذا الغيض المكتوم . و بالتالي فإن أحتدام " طوني " إنما يمثل الغضب و الضيق اللبناني من الوجود الفلسطيني فيما يعكس سلوك " ياسر " مأساة الشعب الفلسطيني المشتت الذي لا حول له و لا قوة . و مثلما انقسم اللبنانيون و الفلسطينيون بين مؤيد و معارض بين طرفي الصراع في الفيلم فقد انقسم متلقو الفيلم على أرض الواقع أيضاً ، ليس في لبنان حسب بل خارجه أيضاً ، فبعد شهرين من عرضه نظم شباب فلسطينيون في رام حملة لمقاطعته و عدم عرضه ضمن فعاليات ( أيام سينمائية في فلسطين ) و هو ما حصل ، لكن هذه الخطوة لقيت اعتراضاً من شريحة من المثقفين التي رأت في مقاطعة الفيلم تصرفاً غير متحضر و متعارضاً مع حق حرية الرأي . و بعد عرضه في مهرجان ( الجونة ) السينمائي في مصر إنقسمت آراء مشاهدي الفيلم ، و في مصر أيضاً اعترضت ( الحملة الرسمية لمقاطعة إسرائيل ) على عرض الفيلم و اعتبرت مخرجه ساعياً للتطبيع ، خصوصاً و أنه صَوّر أحد أفلامه في ( تل أبيب ) ، ولكن إحدى الصالات في مصر ــ صالة ( زاوية ) ــ أقدمت على عرضه مجاناً للجمهور . و في تونس ، و خلال ( أيام قرطاج السينمائية ) ــ عام 2017 ــ ظهر من دعى الى عدم عرضه و اتهم مخرجه بالتطبيع .
    هذه كلها تصرفات غبية ، صنع أصحابها دعاية مجانية للفيلم ، هو ــ أصلاً ــ لم يكن بحاجة اليها .
    و الواقع ، أكان الفيلم مبطناً أم لا فهو كان قد عرض الحقيقة كما هي ، فما حصل من ضيق لبناني من الوجود الفلسطيني منذ أن انتهى ( شهر العسل الفلسطيني ) عام 1959 ، و وضعُ الفلسطينيين تحت المراقبة في عهد الرئيس " فؤاد شهاب " ، و الصراع بين ( القوات اللبنانية ) و ذراعها العسكري ( الكتائب ) ضد الفلسطينيين ، و الحرب الأهلية التي امتدت على مدى خمس عشرة سنة و كان الفلسطينيون طرفاً رئيساً فيها .. كل هذه ، و غيرها ، هي حقائق لم يختلقها المخرج " زياد الدويري " إنما كانت صورة للواقع ، ترجمها الفيلم ( ملخّصةً ) في هيئة احتكاك بين ميكانيكي لبناني متضايق من وجود الفلسطينيين في لبنان و بين مهندس فلسطيني يؤدي واجبه بإخلاص ــ كمواطن ــ في بلاد ليست بلاده .
    لكننا لو تمعّنا في في هذه الإعتراضات على الفيلم سنكتشف أن سببها ليس الفيلم ذاته ، فالفيلم كان واقعياً ، بل خلفية المخرج الذي كان قد صور أحد أفلامه في إسرائيل عام 2019 .
    المخرج الإيراني المعروف " محسن مخملباف " كان قد صور فيلماً في إسرائيل عن ديانة ( البهائية ) .. لكن لا أحد من العرب و غير العرب كان قد اعترض على أفلامه .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
يعمل...
X