اختلفت الألوان ، والطعام واحد .. البَبَّغاوات ..
ان أجسام الببغاوات تصنع هذه الألوان ، من أحمرها وأزرقها وأصفرها ، من طعام . ولا يختلف طعام الببغاوات عن سائر أطعمة الطير : انه الحب ، وانـه البندق ، وانه الفاكهة . والحيوان ، وسائر الطير ، يأكل كل هذا ، وهو لا يتلون . فتلك واحدة . انها واحدة يكمن وراءها سر الخلق جميعا . في هذه الظاهرة وفي الف من الظواهر الأخرى .
- للببغاوات الخضرة والحمرة ، ولسائر الطير السواد والبياض
أما الأخرى : فلماذا تلونت الببغاوات ، وغلب على سائر الطير السواد والبياض وما بينهما ؟
قالوا : أن ذلك ليختفي الببغاء بين فروع الشجر وأوراقه . ولكن كذلك سائر الطير ، اتخذ الشجر مسكنا. وله من الأعداء الجارحات ما للببغاء ؟
ونتوجه بنفس السؤال ناحية السمك ، ذلك الذي يتلون . لا بد لهذا اللون ، ولو في السمك وحده ، من غاية . ندرك ذلك من أن اللون لا معنى له الا مع الضياء . فلا يتلون من السمك الا الذي يعيش من البحور في سطوح الماء . وهو لا يتلون في أعماق البحار حيث الظلام كامل .
ان اللون اذن يصنع حيث تجوز رؤيته ، وهو لا يصنع اعتباطا . انه يصنع اذن ليرى . فلماذا ؟ ما الفرض ؟ ما الهدف ؟ فهذه هي الثانية .
- أعمار الببغاوات
انه وأعمار الببغاوات ، كأعمار سائر الطير ، يحوطها الكثير من الغموض .. ذلك أن الطير ، على حالته الطبيعية من الانطلاق والحرية ، لا يعيش حياته كلها سالما يصاب ، أو يقتل أو يؤكل . حرية ؟ نعم . ولكن مع الحرية التخفي للضعيف ، والتحفز من القوي ، والحرب القائمة الدائمة . وفي الاسار الضمان الأوثق .
وحتى على الأسر اختلف الناس في تقدير أعمار الببغاوات ، لا سيما ذوات الأعمار الطويلة التي تطاول عمر الانسان .
ان الببغاوات صنوف ، وكذلك أعمارها . انها تطول و تقصر تبعا لأنواعها .
ولكن يمكن القول عموما ، أن أعمارها ، على اختلاف أنواعها ، تتراوح بين ١٥ عاما والثمانين من الأعوام .
- الببغاوات ذوات أمومة وأبوة صادقة
والببغاوات يسكن الذكر منها الى الأنثى ، وتسكن الأنثى الى الذكر ، ويظل ولاؤهما قائما دائما . وهي تنتج الأولاد، وتقوم الأم بحضانة بيضها ، ويزودها الأب بالغذاء يأتي به الى عشها في شقوق الشجر ، فيلقمها اياه ، ثم يخرج ليعود . وأقول في شقوق الشجر ، فتلك عادة الطيور ذوات اللون الناصع الفاضح ، تبحث دائما لنفسها، عند البيض والحضانة ، عن مكان من الشجر أخفى حتى لا تبين الوانها لأعدائها فتنم عليها .
ويخطر السؤال عند ذكر هذا : هل يعي الطير ما يفعل ؟ وهل يدرك الى أي شيء يهدف ؟ اغلب الظن أن ذلك الشيء الذي أسميناه بالغريزة يقوم يهدي الطير ويحميه .
مخطط جرى عاما في تخطيط هذا الكون وتدبير أمور حياته . والفريزة كثيرا ما أغنت عن فهم ، وعن علم .
- والببغاوات تؤكل ؟!
هكذا يفعل بها الرجال الذين يعيشون حيث تعيش الببغاوات في الغابات الاستوائية . وهي عندهم طعام حسن . أما ريشها فيتخذون منه زينة !
قوم يفضلون الجمال الميت على الجمال الحي واشباع معدة ، مرة ، خير من اشباع عين ، مرارا . او لعل الكثرة ترخص الغالي . فلو أن الذهب كثر لكانت له قيمة الحجر .
ومن هؤلاء الفطريون ، سكان الغابات ، من يصطاد الببغاوات بنار يشعلونها تحت مساكنها من الشجر . ومع النار الصموغ والأبخرة المخدرة ويصعد الدخان الى هذه الطيور فتسقط فاقدة الوعي . فيأخذونها ، ويصبون على رؤوسها الماء ، فتعود الى الحياة .
- الببغاوات أجناس مئات .
والببغاوات أجناس مئات ، ليست كلها الزاهية ألوانها أشد الزهو، وليس كلها المتكلم الذي يحسن الكلام وليست كلها ذوات طباع واحدة ، ولكن تجمعها صفات أصيلة كثيرة تجعل منها في تقسيم الحيوانات قسما قائما بذاته يعرف برتبة الببغاوات .
وهذه الأجناس أسماؤها ليست بالعربية ، ولعل
السبب في ذلك أن مواطنها ليست عربية ، فهي توجد في المناطق الاستوائية ، في أمريكا وافريقيا وآسيا ، وفي استراليا ونيوزيلندة ، وفي الجزر التي بشمالها .
وقد نذكر منها الببغاء الماكو Macaw والببغاء
الكوكاتو Cockatoo ، والببغاء الأخضر الأمزوني .
- الببغاوات الأحبة
واخص بالذكر ببغاوات كان لي بها تجربة طويلة ، تلك الببغاوات التي يطلق عليها الانجليز اسم Love Birds اي طيور الحب ، ويسميها الفرنسيون Les Inseparables أي التي لا تفترق ابدا وبين هذين الاسمين ، أرى أن نسميها بالعربية ، في غيبة اسم لها ، بالببغاوات الأحبة .
وهي ببغاوات قدر الكف ، تعيش اثنين اثنين ، ذكر وأنثى ، يتعاونان على الحياة ، ويونس أحدهما وحدة الآخر في مظاهر للود بادية ، ويتلاعبان ، وأحسبهما يتمازحان ، ويتشقلب أحدهما ، ولعله الذكر على عوده ويدور ، فتنظر الأنثى اليه مغتبطة .
- ثم مات أحد الزوجين
وعاش الزوجان معا في قفصهما السنة بعد السنة
بعد السنة عشرة أعوام أو نحوها . واذا بأحدهما يصاب واذا به يموت . وظل الببغاء الباقي ساكنا حزينا ، قد قبع في ركن القفص لا يتحرك وتربصنا به الموت . فبهذا جرى العرف في هذه الببغاوات . وقيل لنا التوه بمرآة تونس من وحشته . والغريب انها ايقظت فيه الحركة ، فأخذ يرى فيها خيالا لمثل نفسه فيخبط المرأة بمنقاره فتدور . ويعود يفعل . واحيته المرأة من موات. ثم هدأ .
- وطلبنا لهذا الببغاء صاحبا أو صاحبة
فطلبنا له الزوج أو الزوجة . لم ندر أي الاثنين سبق به الموت . ونأخذه الى بائع الطير ، فينظر اليه ويعطينا أخا له أو اختا على الفور ، ولا يقول لنا ايهما الأنثى أو أيهما الذكر . سر المهنة .
ولم نستطع من أحد ، أو من كتاب ، أن نعرف كيف يتعرفون على الذكر ، هكذا على الفور . لا بد هناك من علامة ظاهرة بينة . وكنت أعلم أن اللون مما يميز الذكر من الأنثى في بعض الطيور . ولكن اشتبهت علينا الألوان .
حتى وقعت من منذ شهر واحد ، بطريق الصدفة المحضة ، على السر الخبيء ، وأنا أقرأ في كتاب غير مطروق ، عرضا . قال مؤلفه ، وهو يصف الببغاوات الأحبة . ان في أعلى منقارها نقطة زاهية اللون ، صفراء، أو هي غير زاهية دكناء . فالزاهية للذكر ، والداكنة للانثى .
- أناقة في الطعام نادرة
ومن غريب أمر هذه الببغاوات الأحبة ، تلك التي بقيت لدينا زمانا ، اننا كنا نطعمها ، فيما نطعم ، حبوبا خاصة ، تشترى من السوق لها خاصة ، صغيرة صقيلة غير مقشورة ، فيقوم الببغاوان بتقشيرها في براعة تلفت الأنظار ، فلا يبقى في القشر المتبقي بذرة واحدة لم ينلها منقار . وكله في مكانه ، في المزود ، لم يبرحه : اناقة في
الطعام نادرة .
- صحبة الطيور صحبة للحياة
ان صحبة الطير صحبة للحياة . وهي تزيد الفهم ، وتلين المزاج ، وتحيي في القلب الألفة صافية ، وتحل في الأنفس الكثير من العقد ، وتفرج الهم ، وتذهب بالوحشة. ويفقد الصبي اليفه من طير او غير طير ، فيبكي، ويتعلم في بكائه أول درس من دروس الحياة ، وأحق درس بعنايته : ان الحياة انما هي صور خاطفة ، تتعاقب في تبدل سريع ، موت من بعد حياة ، وحياة من بعد موت ، ولا يبقى آخر الأمر غير وجه الله ، خالدا ، مشرقا ، غامضا ، يقسط الحركة كما يقسط السكون ، في دورة لا تكاد تنتهي أبدا .
ان أجسام الببغاوات تصنع هذه الألوان ، من أحمرها وأزرقها وأصفرها ، من طعام . ولا يختلف طعام الببغاوات عن سائر أطعمة الطير : انه الحب ، وانـه البندق ، وانه الفاكهة . والحيوان ، وسائر الطير ، يأكل كل هذا ، وهو لا يتلون . فتلك واحدة . انها واحدة يكمن وراءها سر الخلق جميعا . في هذه الظاهرة وفي الف من الظواهر الأخرى .
- للببغاوات الخضرة والحمرة ، ولسائر الطير السواد والبياض
أما الأخرى : فلماذا تلونت الببغاوات ، وغلب على سائر الطير السواد والبياض وما بينهما ؟
قالوا : أن ذلك ليختفي الببغاء بين فروع الشجر وأوراقه . ولكن كذلك سائر الطير ، اتخذ الشجر مسكنا. وله من الأعداء الجارحات ما للببغاء ؟
ونتوجه بنفس السؤال ناحية السمك ، ذلك الذي يتلون . لا بد لهذا اللون ، ولو في السمك وحده ، من غاية . ندرك ذلك من أن اللون لا معنى له الا مع الضياء . فلا يتلون من السمك الا الذي يعيش من البحور في سطوح الماء . وهو لا يتلون في أعماق البحار حيث الظلام كامل .
ان اللون اذن يصنع حيث تجوز رؤيته ، وهو لا يصنع اعتباطا . انه يصنع اذن ليرى . فلماذا ؟ ما الفرض ؟ ما الهدف ؟ فهذه هي الثانية .
- أعمار الببغاوات
انه وأعمار الببغاوات ، كأعمار سائر الطير ، يحوطها الكثير من الغموض .. ذلك أن الطير ، على حالته الطبيعية من الانطلاق والحرية ، لا يعيش حياته كلها سالما يصاب ، أو يقتل أو يؤكل . حرية ؟ نعم . ولكن مع الحرية التخفي للضعيف ، والتحفز من القوي ، والحرب القائمة الدائمة . وفي الاسار الضمان الأوثق .
وحتى على الأسر اختلف الناس في تقدير أعمار الببغاوات ، لا سيما ذوات الأعمار الطويلة التي تطاول عمر الانسان .
ان الببغاوات صنوف ، وكذلك أعمارها . انها تطول و تقصر تبعا لأنواعها .
ولكن يمكن القول عموما ، أن أعمارها ، على اختلاف أنواعها ، تتراوح بين ١٥ عاما والثمانين من الأعوام .
- الببغاوات ذوات أمومة وأبوة صادقة
والببغاوات يسكن الذكر منها الى الأنثى ، وتسكن الأنثى الى الذكر ، ويظل ولاؤهما قائما دائما . وهي تنتج الأولاد، وتقوم الأم بحضانة بيضها ، ويزودها الأب بالغذاء يأتي به الى عشها في شقوق الشجر ، فيلقمها اياه ، ثم يخرج ليعود . وأقول في شقوق الشجر ، فتلك عادة الطيور ذوات اللون الناصع الفاضح ، تبحث دائما لنفسها، عند البيض والحضانة ، عن مكان من الشجر أخفى حتى لا تبين الوانها لأعدائها فتنم عليها .
ويخطر السؤال عند ذكر هذا : هل يعي الطير ما يفعل ؟ وهل يدرك الى أي شيء يهدف ؟ اغلب الظن أن ذلك الشيء الذي أسميناه بالغريزة يقوم يهدي الطير ويحميه .
مخطط جرى عاما في تخطيط هذا الكون وتدبير أمور حياته . والفريزة كثيرا ما أغنت عن فهم ، وعن علم .
- والببغاوات تؤكل ؟!
هكذا يفعل بها الرجال الذين يعيشون حيث تعيش الببغاوات في الغابات الاستوائية . وهي عندهم طعام حسن . أما ريشها فيتخذون منه زينة !
قوم يفضلون الجمال الميت على الجمال الحي واشباع معدة ، مرة ، خير من اشباع عين ، مرارا . او لعل الكثرة ترخص الغالي . فلو أن الذهب كثر لكانت له قيمة الحجر .
ومن هؤلاء الفطريون ، سكان الغابات ، من يصطاد الببغاوات بنار يشعلونها تحت مساكنها من الشجر . ومع النار الصموغ والأبخرة المخدرة ويصعد الدخان الى هذه الطيور فتسقط فاقدة الوعي . فيأخذونها ، ويصبون على رؤوسها الماء ، فتعود الى الحياة .
- الببغاوات أجناس مئات .
والببغاوات أجناس مئات ، ليست كلها الزاهية ألوانها أشد الزهو، وليس كلها المتكلم الذي يحسن الكلام وليست كلها ذوات طباع واحدة ، ولكن تجمعها صفات أصيلة كثيرة تجعل منها في تقسيم الحيوانات قسما قائما بذاته يعرف برتبة الببغاوات .
وهذه الأجناس أسماؤها ليست بالعربية ، ولعل
السبب في ذلك أن مواطنها ليست عربية ، فهي توجد في المناطق الاستوائية ، في أمريكا وافريقيا وآسيا ، وفي استراليا ونيوزيلندة ، وفي الجزر التي بشمالها .
وقد نذكر منها الببغاء الماكو Macaw والببغاء
الكوكاتو Cockatoo ، والببغاء الأخضر الأمزوني .
- الببغاوات الأحبة
واخص بالذكر ببغاوات كان لي بها تجربة طويلة ، تلك الببغاوات التي يطلق عليها الانجليز اسم Love Birds اي طيور الحب ، ويسميها الفرنسيون Les Inseparables أي التي لا تفترق ابدا وبين هذين الاسمين ، أرى أن نسميها بالعربية ، في غيبة اسم لها ، بالببغاوات الأحبة .
وهي ببغاوات قدر الكف ، تعيش اثنين اثنين ، ذكر وأنثى ، يتعاونان على الحياة ، ويونس أحدهما وحدة الآخر في مظاهر للود بادية ، ويتلاعبان ، وأحسبهما يتمازحان ، ويتشقلب أحدهما ، ولعله الذكر على عوده ويدور ، فتنظر الأنثى اليه مغتبطة .
- ثم مات أحد الزوجين
وعاش الزوجان معا في قفصهما السنة بعد السنة
بعد السنة عشرة أعوام أو نحوها . واذا بأحدهما يصاب واذا به يموت . وظل الببغاء الباقي ساكنا حزينا ، قد قبع في ركن القفص لا يتحرك وتربصنا به الموت . فبهذا جرى العرف في هذه الببغاوات . وقيل لنا التوه بمرآة تونس من وحشته . والغريب انها ايقظت فيه الحركة ، فأخذ يرى فيها خيالا لمثل نفسه فيخبط المرأة بمنقاره فتدور . ويعود يفعل . واحيته المرأة من موات. ثم هدأ .
- وطلبنا لهذا الببغاء صاحبا أو صاحبة
فطلبنا له الزوج أو الزوجة . لم ندر أي الاثنين سبق به الموت . ونأخذه الى بائع الطير ، فينظر اليه ويعطينا أخا له أو اختا على الفور ، ولا يقول لنا ايهما الأنثى أو أيهما الذكر . سر المهنة .
ولم نستطع من أحد ، أو من كتاب ، أن نعرف كيف يتعرفون على الذكر ، هكذا على الفور . لا بد هناك من علامة ظاهرة بينة . وكنت أعلم أن اللون مما يميز الذكر من الأنثى في بعض الطيور . ولكن اشتبهت علينا الألوان .
حتى وقعت من منذ شهر واحد ، بطريق الصدفة المحضة ، على السر الخبيء ، وأنا أقرأ في كتاب غير مطروق ، عرضا . قال مؤلفه ، وهو يصف الببغاوات الأحبة . ان في أعلى منقارها نقطة زاهية اللون ، صفراء، أو هي غير زاهية دكناء . فالزاهية للذكر ، والداكنة للانثى .
- أناقة في الطعام نادرة
ومن غريب أمر هذه الببغاوات الأحبة ، تلك التي بقيت لدينا زمانا ، اننا كنا نطعمها ، فيما نطعم ، حبوبا خاصة ، تشترى من السوق لها خاصة ، صغيرة صقيلة غير مقشورة ، فيقوم الببغاوان بتقشيرها في براعة تلفت الأنظار ، فلا يبقى في القشر المتبقي بذرة واحدة لم ينلها منقار . وكله في مكانه ، في المزود ، لم يبرحه : اناقة في
الطعام نادرة .
- صحبة الطيور صحبة للحياة
ان صحبة الطير صحبة للحياة . وهي تزيد الفهم ، وتلين المزاج ، وتحيي في القلب الألفة صافية ، وتحل في الأنفس الكثير من العقد ، وتفرج الهم ، وتذهب بالوحشة. ويفقد الصبي اليفه من طير او غير طير ، فيبكي، ويتعلم في بكائه أول درس من دروس الحياة ، وأحق درس بعنايته : ان الحياة انما هي صور خاطفة ، تتعاقب في تبدل سريع ، موت من بعد حياة ، وحياة من بعد موت ، ولا يبقى آخر الأمر غير وجه الله ، خالدا ، مشرقا ، غامضا ، يقسط الحركة كما يقسط السكون ، في دورة لا تكاد تنتهي أبدا .
تعليق