خمسة أنواع من الشخصيات البشرية يجب فهمها لتحقيق تواصل أفضل
"العلاقات الشخصية وإستراتيجيات التواصل".. يفسر تقاطعات البشر.
الأربعاء 2024/02/28
كيف تنشأ العلاقات البشرية
الإنسان اجتماعي بطبعه، لذا فإن التواصل ضرورة حياتية بالنسبة إليه. ولكن هذا التواصل لا يقف عند الضرورات الغريزية أو البيولوجية بل يرقى إلى ما هو أبعد مع تحول الإنسان إلى كائن حضاري له بناه الجماعية الحضارية والفردية النفسية، وبالتالي يربط علاقات مع ذاته والآخر والعالم، ولن يحقق منها التوازن في غياب وعيه بها.
يبحث كتاب الدكتورة خولة حسن الحديد “العلاقات الشخصية وإستراتيجيات التواصل” في سمات الشخصية والعلاقات الشخصية، وهو غني بالاستشهادات المعرفية والسيكولوجية العديدة، مطعمة بخبرة حياتية واسعة، بحيث يتآلف النظري مع العملي في معالجة قضايا التعامل البشري ومعرفة نفسيات وسلوكيات عدة أنماط من الشخصيات، وهو موضوع هام لجهة الفضول المعرفي السيكولوجي لفهم أسباب وعوامل أشكال من السلوكيات والتعاملات البشرية في حياتنا المعاصرة.
تبدأ المؤلفة في هذا الكتاب، الصادر عن دار العوام دمشق، بموضوع طبائع الشخصية من خلال الإشارة إلى ثيوفراسطوس في كتابه “طبائع الشخصيات” والمترجم الى العربية بعنوان “الطبائع” وهو أحد أبرز وجوه الفلسفة المشائية، وتلميذ أرسطو الذي خلفه في رئاسة مدرسة “الليقيون” أي “المشائين”، وترى المؤلفة أنه من المفارقات العجيبة أن نجد في الإرث المعرفي الذي يعود إلى ما قبل ميلاد المسيح بقرون عديدة مؤلفا يدرس الشخصية الإنسانية بمنهج يتشابه إلى حد بعيد مع مناهج التحليل النفسي الحديثة.
السمات الشخصية
◙ في الكتاب يتآلف النظري مع العملي لمعالجة قضايا التعامل البشري ومعرفة نفسيات وسلوكيات عدة أنماط من الشخصيات
يقدم ثيوفراسطوس في كتابه المذكور آنفا ثلاثين نموذجا للشخصية، ويفصل في سلوك كل منها، ويشرح طبيعة تعاملها مع محيطها، ويركز بشكل أساسي على الشخصيات التي تميز سلوكها نقيصة ما، ونجد وصف عدد من السلوكيات وسمات الشخصيات التي تمت نمذجتها بثلاثين نموذجا “المرائي، المداهن، المختال، الصفيق، رفيق الأوغاد، الخسيس، البخيل، الثرثار، التباهي، التذمر، الارتياب، اختلاق الأكاذيب، انعدام الخجل،… إلخ”.
وبناء على رؤيته المنهجية يقدم مؤسس علم النفس التحليلي كارل غوستاف يونغ تصنيفين أساسيين للشخصية، ويندرج تحتهما عدد من التصنيفات أبرزهما النموذج الانطوائي والنموذج الانبساطي، ويوضح يونغ أنه يعني بالنموذج الانطوائي ذلك الشخص الذي يكون مركزا على نشاطه النفسي الداخلي، أمّا الانبساطي فهو الشخص الذي يكون مركزا على نشاطه النفسي الخارجي أي العالم المحيط به.
وتشير المؤلفة إلى أنّ أغلب علماء النفس والمعنيين بدراسة السلوك الإنساني قد اتفقوا على تصنيف الشخصية في نموذج يعرف السمات الفردية الخمس (العصابية، والانبساط، والانفتاح، والتوافق، والضمير) أو ما يعرف بـ”العوامل” أو “السمات” الخمس الكبرى، والتي تم تمديدها بشكل علمي ممنهح بناء على العديد من الدراسات التجريبية، عبر لغات متعددة، وفي ثقافات متنوعة، وثبت أنها تنبئ بشكل معقول ومنطقي بأنماط السلوك.
وتتناول المؤلفة سمات الشخصية الملوّنة وتجدها في النقاط التالية: مستوى عال في جميع جوانب الانبساطية والانفتاح، انخفاض في بعض جوانب العصابية، اختلاط الميول فيما يتعلق بالتوافق، فيما يخص الضمير: الميل إلى الطموح والثقة بالقدرات، غياب التخطيط للمستقبل، التهرب من أداء الالتزامات.
وفيما يتعلق بالشخصية النرجسية تشير المؤلفة إلى أنّ أبرز ما ورد في نتائج البحوث والدراسات (ومنها كتاب “وباء النرجسية، العيش في زمن الاستحقاق” لجين إم توينغ ودبليو كيث كامبل) حول سمات النرجسيين ما يلي: الانطباع الأولي عنهم جيد جداً، إذ أنهم يظهرون بمظهر لائق وجذاب جدا، عندما يعطون انطباعهم الأول لك، ويهتمون كثيرا بملبسهم وهندامهم ومظهرهم الخارجي عموماً، وهذا ما يجعلهم ينجحون في مقابلات العمل، إلا أنه مع مرور الوقت تكتشف حقيقتهم من خلال ظهور سلبيتهم.
◙ العلاقات الشخصية مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره واعتقاداته وصفاته
وتوضح حسن الحديد أن النرجسي يحاول دائما أن يتحدث عن نفسه وزج اسمه في أي حدث أو حديث عام أو خاص يقع في محيطه، كما يقدم نفسه كضحية أحيانا وذلك بأنه يكرر رواية قصص بطولة عن نفسه تُظهره كشخص تحمل المآسي، وكونه كان ضحية آخرين، ويبني مظلوميات غير واقعية.
كما يتميز النرجسيون بإظهار المقدرة اجتماعيا، إذ لديهم الرغبة في المكانة العالية ويوهمون الآخرين بأحقيتهم بها وجدارتهم لها دون إبراز تفاصيل المميزات الجيدة التي تجعلهم جديرين بها. كما يمتازون بكثرة الأصدقاء ورسم صورة جيدة لأنفسهم من خلال العديد من الأصدقاء حولهم، وبالحساسية الزائدة تجاه النقد الموجه إليهم، إذ أنهم يبالغون في ردات الفعل تجاه أي نقد موجه إليهم مهما كان بسيطاً.
وللنرجسيين قدرة عالية على التبرير وخلق الأعذار، إذ يبالغ النرجسي في لوم الآخرين على أخطائهم بينما هو لا يعترف بأخطائه، ولا يعتذر لهم، ويبرر لنفسه دائما كونه على صواب مهما كانت الأدلة والبراهين دامغة على ارتكابه أخطاء واضحة. كما يحول النرجسي أغلب القضايا إلى موضوع شخصي إذ لا يعترف بالعوامل الموضوعية وراء خلاف أو مشكلة ما بينه وبين آخرين، مثل أنّ ما حدث سببه كون الآخرين يسيئون فهمه أو لا يحبونه أو يريدون أذيته… إلخ، ولا يدرك النرجسي أنه نرجسي لذلك هو لا يسعى للعلاج.
العلاقات الشخصية
◙ حسن الحديد تجد أنّ العلاقات الشخصية هي مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره
تبيّن المؤلفة الفارق بين كل من مفهومي الاتصال والتواصل؛ فالاتصال في أبسط تعريفاته هو العملية التي يتم من خلالها نقل رسائل معينة، من المرسل إلى المستقبل، هذه الرسائل تحمل معلومات معينة، فهو تبادل المعلومات، وتبادل المعاني الموجودة في مضمون الرسالة من خلال تفاعل أفراد الثقافات المختلفة وذلك لتوصيل المعنى وفهم محتوى الرسالة. أمّا التواصل فهو عملية أكثر عمقا من الاتصال، وفيها يكون الارتباط بين الأشخاص أكثر حميمية، وتفاعلات الفرد فيها لا تحكمها القواعد الرسمية والتنظيمية الاجتماعية العامة.
وتجد حسن الحديد أنّ العلاقات الشخصية هي مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره واعتقاداته وقناعته وصفاته الحركية والذوقية والنفسية، فإنه من خلال هذا المفهوم يتبيّن أن العلاقات الاجتماعية التي تبنيها الذات مع الآخر تعتبر محورا أساسيا من محاور وجودها، والمقصود بالعلاقات الشخصية هي الأشكال المختلفة للعلاقات بين شخص وآخر، أو بين مجموعة من الأشخاص، والتي تتم وجها لوجه وتحدث بشكل متواصل ومستمر، وتحضر خلالها وفي سياقها كل أشكال التفاعلات الإنسانية المعروفة، ويتم تبادلها في محيط الإنسان وفضائه الاجتماعي، مثل العلاقات الوالدية، والعلاقات الزوجية، وعلاقات القرابة، وعلاقات الصداقة، والعلاقة مع الجيران، والعلاقات العاطفية، وزمالة العمل والدراسة… إلخ.
◙ حسن الحديد تركز على موضوع الثقة بين أطراف العلاقات الإنسانية إذ أنه في كل الأدبيات التربوية يتم التشديد على أهمية بناء الثقة على أسس متينة
وتتميز العلاقات الشخصية بمجموعة من السمات التي تختلف بها عن العلاقات الاجتماعية الأخرى وأبرزها: الارتباط الحميمي؛ أي أنّ أشكال تفاعلات الفرد لا تحكمها الضوابط الرسمية والتنظيمية، إنما تحكمها المشاعر المتبادلة والأهداف المشتركة طويلة الأمد. كما تمتاز بالإفصاح عن الذات إذ الإنسان خلال هذه العلاقات لا يتبادل المعلومات فقط وإنما أيضا المشاعر والانفعالات والمعتقدات والعادات والطبائع والسمات الخاصة الشخصية والخبرات. ومن سمات العلاقات الشخصية الاستمرارية وتتنوع كماً وكيفاً. وتشير المؤلفة إلى أنّه في العلاقات الشخصية يجب أن يمتلك الإنسان مجموعة من القواعد والمهارات، والتي تساعده في التعامل مع الآخرين بحيث يكون مطلعا عليها ومؤمناً بها.
وتركز حسن الحديد على موضوع الثقة بين أطراف العلاقات الإنسانية، إذ أنه في كل الأدبيات التربوية يتم التشديد على أهمية بناء الثقة على أسس متينة بين الوالدين والأبناء، لأنهما الحصن الحصين لهم، وبيت الأمان الوحيد الذي يحميهم مهما كانت الظروف، وغالباً ما يتعرض الأبناء لأزمات نفسية واجتماعية كبيرة، لفقدانهم هذه الحماية وغياب السند، عندما يجدون أنفسهم في ورطة ما، فعنصر الثقة أهم عامل في بناء أي علاقة، والأسرة مؤسسة تربوية اجتماعية مهمة جداً، فكل شيء يبدأ منها، وبقدر منح الثقة لأبنائنا تكون علاقاتهم الإنسانية أكثر أماناً، ويكونون بعيدين عن العلاقات السامة التي قد تصبح في كل لحظة مصدر تهديد لهم.
وتتحدث خولة عن قدرات الإنسان في مواجهة صعوبات الحياة من خلال التجارب التي عاشها، إذ تتشكل لديه قوة ذاتية كافية؛ فتجارب الحياة من شأنها تقوية الإنسان، ولا بد للإنسان من إجراء مراجعات بشكل مستمر لكل تجاربه، وخاصة تلك التي تندرج تحت العلاقات الشخصية، فالكثير مما تعتبره فشلا أو قسوة أو كان عاملا هداما ليومياتك يمكن بفعل مراجعاتك أن يتحول إلى مصدر قوة (وفق مبدأ الضربة التي لا تقتلني تقويني) لأن التجارب تعلمك دروساً لا تمنحك إياها الكتب ولا الأفلام ولا الإطلاع على تجارب الآخرين، كما أنّ أي تجربة يعيشها الإنسان يخرج منها بدرس مثالي حقاً، وتساعده على ترتيب أموره في القادم من الأيام مستخلصاً منها العبر والدروس والخبرات العديدة.
حواس محمود
كاتب سوري
"العلاقات الشخصية وإستراتيجيات التواصل".. يفسر تقاطعات البشر.
الأربعاء 2024/02/28
كيف تنشأ العلاقات البشرية
الإنسان اجتماعي بطبعه، لذا فإن التواصل ضرورة حياتية بالنسبة إليه. ولكن هذا التواصل لا يقف عند الضرورات الغريزية أو البيولوجية بل يرقى إلى ما هو أبعد مع تحول الإنسان إلى كائن حضاري له بناه الجماعية الحضارية والفردية النفسية، وبالتالي يربط علاقات مع ذاته والآخر والعالم، ولن يحقق منها التوازن في غياب وعيه بها.
يبحث كتاب الدكتورة خولة حسن الحديد “العلاقات الشخصية وإستراتيجيات التواصل” في سمات الشخصية والعلاقات الشخصية، وهو غني بالاستشهادات المعرفية والسيكولوجية العديدة، مطعمة بخبرة حياتية واسعة، بحيث يتآلف النظري مع العملي في معالجة قضايا التعامل البشري ومعرفة نفسيات وسلوكيات عدة أنماط من الشخصيات، وهو موضوع هام لجهة الفضول المعرفي السيكولوجي لفهم أسباب وعوامل أشكال من السلوكيات والتعاملات البشرية في حياتنا المعاصرة.
تبدأ المؤلفة في هذا الكتاب، الصادر عن دار العوام دمشق، بموضوع طبائع الشخصية من خلال الإشارة إلى ثيوفراسطوس في كتابه “طبائع الشخصيات” والمترجم الى العربية بعنوان “الطبائع” وهو أحد أبرز وجوه الفلسفة المشائية، وتلميذ أرسطو الذي خلفه في رئاسة مدرسة “الليقيون” أي “المشائين”، وترى المؤلفة أنه من المفارقات العجيبة أن نجد في الإرث المعرفي الذي يعود إلى ما قبل ميلاد المسيح بقرون عديدة مؤلفا يدرس الشخصية الإنسانية بمنهج يتشابه إلى حد بعيد مع مناهج التحليل النفسي الحديثة.
السمات الشخصية
◙ في الكتاب يتآلف النظري مع العملي لمعالجة قضايا التعامل البشري ومعرفة نفسيات وسلوكيات عدة أنماط من الشخصيات
يقدم ثيوفراسطوس في كتابه المذكور آنفا ثلاثين نموذجا للشخصية، ويفصل في سلوك كل منها، ويشرح طبيعة تعاملها مع محيطها، ويركز بشكل أساسي على الشخصيات التي تميز سلوكها نقيصة ما، ونجد وصف عدد من السلوكيات وسمات الشخصيات التي تمت نمذجتها بثلاثين نموذجا “المرائي، المداهن، المختال، الصفيق، رفيق الأوغاد، الخسيس، البخيل، الثرثار، التباهي، التذمر، الارتياب، اختلاق الأكاذيب، انعدام الخجل،… إلخ”.
وبناء على رؤيته المنهجية يقدم مؤسس علم النفس التحليلي كارل غوستاف يونغ تصنيفين أساسيين للشخصية، ويندرج تحتهما عدد من التصنيفات أبرزهما النموذج الانطوائي والنموذج الانبساطي، ويوضح يونغ أنه يعني بالنموذج الانطوائي ذلك الشخص الذي يكون مركزا على نشاطه النفسي الداخلي، أمّا الانبساطي فهو الشخص الذي يكون مركزا على نشاطه النفسي الخارجي أي العالم المحيط به.
وتشير المؤلفة إلى أنّ أغلب علماء النفس والمعنيين بدراسة السلوك الإنساني قد اتفقوا على تصنيف الشخصية في نموذج يعرف السمات الفردية الخمس (العصابية، والانبساط، والانفتاح، والتوافق، والضمير) أو ما يعرف بـ”العوامل” أو “السمات” الخمس الكبرى، والتي تم تمديدها بشكل علمي ممنهح بناء على العديد من الدراسات التجريبية، عبر لغات متعددة، وفي ثقافات متنوعة، وثبت أنها تنبئ بشكل معقول ومنطقي بأنماط السلوك.
وتتناول المؤلفة سمات الشخصية الملوّنة وتجدها في النقاط التالية: مستوى عال في جميع جوانب الانبساطية والانفتاح، انخفاض في بعض جوانب العصابية، اختلاط الميول فيما يتعلق بالتوافق، فيما يخص الضمير: الميل إلى الطموح والثقة بالقدرات، غياب التخطيط للمستقبل، التهرب من أداء الالتزامات.
وفيما يتعلق بالشخصية النرجسية تشير المؤلفة إلى أنّ أبرز ما ورد في نتائج البحوث والدراسات (ومنها كتاب “وباء النرجسية، العيش في زمن الاستحقاق” لجين إم توينغ ودبليو كيث كامبل) حول سمات النرجسيين ما يلي: الانطباع الأولي عنهم جيد جداً، إذ أنهم يظهرون بمظهر لائق وجذاب جدا، عندما يعطون انطباعهم الأول لك، ويهتمون كثيرا بملبسهم وهندامهم ومظهرهم الخارجي عموماً، وهذا ما يجعلهم ينجحون في مقابلات العمل، إلا أنه مع مرور الوقت تكتشف حقيقتهم من خلال ظهور سلبيتهم.
◙ العلاقات الشخصية مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره واعتقاداته وصفاته
وتوضح حسن الحديد أن النرجسي يحاول دائما أن يتحدث عن نفسه وزج اسمه في أي حدث أو حديث عام أو خاص يقع في محيطه، كما يقدم نفسه كضحية أحيانا وذلك بأنه يكرر رواية قصص بطولة عن نفسه تُظهره كشخص تحمل المآسي، وكونه كان ضحية آخرين، ويبني مظلوميات غير واقعية.
كما يتميز النرجسيون بإظهار المقدرة اجتماعيا، إذ لديهم الرغبة في المكانة العالية ويوهمون الآخرين بأحقيتهم بها وجدارتهم لها دون إبراز تفاصيل المميزات الجيدة التي تجعلهم جديرين بها. كما يمتازون بكثرة الأصدقاء ورسم صورة جيدة لأنفسهم من خلال العديد من الأصدقاء حولهم، وبالحساسية الزائدة تجاه النقد الموجه إليهم، إذ أنهم يبالغون في ردات الفعل تجاه أي نقد موجه إليهم مهما كان بسيطاً.
وللنرجسيين قدرة عالية على التبرير وخلق الأعذار، إذ يبالغ النرجسي في لوم الآخرين على أخطائهم بينما هو لا يعترف بأخطائه، ولا يعتذر لهم، ويبرر لنفسه دائما كونه على صواب مهما كانت الأدلة والبراهين دامغة على ارتكابه أخطاء واضحة. كما يحول النرجسي أغلب القضايا إلى موضوع شخصي إذ لا يعترف بالعوامل الموضوعية وراء خلاف أو مشكلة ما بينه وبين آخرين، مثل أنّ ما حدث سببه كون الآخرين يسيئون فهمه أو لا يحبونه أو يريدون أذيته… إلخ، ولا يدرك النرجسي أنه نرجسي لذلك هو لا يسعى للعلاج.
العلاقات الشخصية
◙ حسن الحديد تجد أنّ العلاقات الشخصية هي مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره
تبيّن المؤلفة الفارق بين كل من مفهومي الاتصال والتواصل؛ فالاتصال في أبسط تعريفاته هو العملية التي يتم من خلالها نقل رسائل معينة، من المرسل إلى المستقبل، هذه الرسائل تحمل معلومات معينة، فهو تبادل المعلومات، وتبادل المعاني الموجودة في مضمون الرسالة من خلال تفاعل أفراد الثقافات المختلفة وذلك لتوصيل المعنى وفهم محتوى الرسالة. أمّا التواصل فهو عملية أكثر عمقا من الاتصال، وفيها يكون الارتباط بين الأشخاص أكثر حميمية، وتفاعلات الفرد فيها لا تحكمها القواعد الرسمية والتنظيمية الاجتماعية العامة.
وتجد حسن الحديد أنّ العلاقات الشخصية هي مفهوم شامل للذات الإنسانية ظاهرا أو باطنا بكافة ميول الإنسان وتصوراته وأفكاره واعتقاداته وقناعته وصفاته الحركية والذوقية والنفسية، فإنه من خلال هذا المفهوم يتبيّن أن العلاقات الاجتماعية التي تبنيها الذات مع الآخر تعتبر محورا أساسيا من محاور وجودها، والمقصود بالعلاقات الشخصية هي الأشكال المختلفة للعلاقات بين شخص وآخر، أو بين مجموعة من الأشخاص، والتي تتم وجها لوجه وتحدث بشكل متواصل ومستمر، وتحضر خلالها وفي سياقها كل أشكال التفاعلات الإنسانية المعروفة، ويتم تبادلها في محيط الإنسان وفضائه الاجتماعي، مثل العلاقات الوالدية، والعلاقات الزوجية، وعلاقات القرابة، وعلاقات الصداقة، والعلاقة مع الجيران، والعلاقات العاطفية، وزمالة العمل والدراسة… إلخ.
◙ حسن الحديد تركز على موضوع الثقة بين أطراف العلاقات الإنسانية إذ أنه في كل الأدبيات التربوية يتم التشديد على أهمية بناء الثقة على أسس متينة
وتتميز العلاقات الشخصية بمجموعة من السمات التي تختلف بها عن العلاقات الاجتماعية الأخرى وأبرزها: الارتباط الحميمي؛ أي أنّ أشكال تفاعلات الفرد لا تحكمها الضوابط الرسمية والتنظيمية، إنما تحكمها المشاعر المتبادلة والأهداف المشتركة طويلة الأمد. كما تمتاز بالإفصاح عن الذات إذ الإنسان خلال هذه العلاقات لا يتبادل المعلومات فقط وإنما أيضا المشاعر والانفعالات والمعتقدات والعادات والطبائع والسمات الخاصة الشخصية والخبرات. ومن سمات العلاقات الشخصية الاستمرارية وتتنوع كماً وكيفاً. وتشير المؤلفة إلى أنّه في العلاقات الشخصية يجب أن يمتلك الإنسان مجموعة من القواعد والمهارات، والتي تساعده في التعامل مع الآخرين بحيث يكون مطلعا عليها ومؤمناً بها.
وتركز حسن الحديد على موضوع الثقة بين أطراف العلاقات الإنسانية، إذ أنه في كل الأدبيات التربوية يتم التشديد على أهمية بناء الثقة على أسس متينة بين الوالدين والأبناء، لأنهما الحصن الحصين لهم، وبيت الأمان الوحيد الذي يحميهم مهما كانت الظروف، وغالباً ما يتعرض الأبناء لأزمات نفسية واجتماعية كبيرة، لفقدانهم هذه الحماية وغياب السند، عندما يجدون أنفسهم في ورطة ما، فعنصر الثقة أهم عامل في بناء أي علاقة، والأسرة مؤسسة تربوية اجتماعية مهمة جداً، فكل شيء يبدأ منها، وبقدر منح الثقة لأبنائنا تكون علاقاتهم الإنسانية أكثر أماناً، ويكونون بعيدين عن العلاقات السامة التي قد تصبح في كل لحظة مصدر تهديد لهم.
وتتحدث خولة عن قدرات الإنسان في مواجهة صعوبات الحياة من خلال التجارب التي عاشها، إذ تتشكل لديه قوة ذاتية كافية؛ فتجارب الحياة من شأنها تقوية الإنسان، ولا بد للإنسان من إجراء مراجعات بشكل مستمر لكل تجاربه، وخاصة تلك التي تندرج تحت العلاقات الشخصية، فالكثير مما تعتبره فشلا أو قسوة أو كان عاملا هداما ليومياتك يمكن بفعل مراجعاتك أن يتحول إلى مصدر قوة (وفق مبدأ الضربة التي لا تقتلني تقويني) لأن التجارب تعلمك دروساً لا تمنحك إياها الكتب ولا الأفلام ولا الإطلاع على تجارب الآخرين، كما أنّ أي تجربة يعيشها الإنسان يخرج منها بدرس مثالي حقاً، وتساعده على ترتيب أموره في القادم من الأيام مستخلصاً منها العبر والدروس والخبرات العديدة.
حواس محمود
كاتب سوري