البَعُوض .. من بعد الذُّباب
ذكرنا من أمر الذباب ما ذكرنا ، ووصفناه بأنه من أكثر الحشرات ايذاء للناس . وفي مجال الشر مكان للبعوض والذباب . ولسنا الآن في سبيل مقارنة بين الأذى ، يأتي من بعوض ، والأذى يأتي من ذباب . فالأذى صنوف . ولكنا نقر ، مع أكثر العلماء الدارسين ، أن البعوض ، بما يحمله من داءات الى الناس ، هو أقتل للناس .
وفي مقدمة البعوض بعوضة من نوع آخر ، تعرف بالبعوضة الأنو فيليس Anopheles ( لفظة يونانية معناها جالب الأذى ) . فهذه البعوضة ، لا غيرها ، هي التي تنقل مكروب الملاريا من جسم مريض بها ، الى جسم سليم ، فيمرض . تعض المريض وتحمل من دمه ، ثم تعض السليم وتعطي دمه من المكروب .
- الداء يفتك بسكان الأرض
وهذا الداء يكاد يشمل الأرض كلها ، وهو أكثر انتشارا في المناطق الحارة ، ولكنه يوجد في المناطق المعتدلة كذلك .
وفي عام ١٩٥٣ بلغ عدد الاصابات بالملاريا في الأمم جميعا نحو ٣٥٠ مليونا ، وقد هبط اليوم ، نتيجة لبرامج المقاومة العالمية للداء ، وللبعوضة التي تنقله ، هبط الى ١٥٠ مليونا .
وكان عدد الموتى من الداء مباشرة في ذلك العام ، عام ١٩٥٣ ، ما بين أربعة الى ثلاثة ملايين ، فهبط اليوم الى نحو مليون ونصف مليون نسمة .
- الداء يفتك بالهند أشد الفتك
وكانت الهند خاصة من المناطق التي فتك الداء بها فتكا ذريعا . فمنذ خمس سنوات كان سكان الهند يبلغون ٣٥٠ مليون نسمة ، تعد فيهم في العام الواحد ۲۰۰ مليون اصابة على الأقل ، لم يكن في الامكان معالجة غير نحو ٨ أو ١٠ في المائة منها . وكانت الموتى تبلغ ما بين ١ الى ٢ في المائة من مجموع هذه الاصابات . وهي نسبة ظاهرها أنها قليلة ، ولكنها اذا ضربت في عدد الاصابات أنتجت عددا من الموتى كبيرا . انه مليونان أو يزيدان .
- الداء اذا لم يقتل أضعف
والرجل قد ينجو من بعد اصابة ، ولكن الداء يضعف جسمه اضعافا شديدا . والضعف يجعل الرجل عرضة لشتى الأدواء تعتريه . وفي المناطق التي يكثر فيها الداء يكثر كذلك الفقر . والداء يجعل الناس أعجز عن العمل ، فأعجز عن طلب رزق ، فأقل غذاء ، فأكثر قبولا للداء .
حلقة للفساد يدور فيها الانسان الى الموت في شر حال .
- مقاومة الداء باستئصال البعوض في تطوره ومقاومة الداء بدأت باستئصال البعوضة ، وهي
في دور الدودة ، أو في أي من أدوارها ، على العجز ، وقبل أن تبلغ . وذلك في مرابيها . وما مرابيها الا الماء الراكد .
ان البعوضة حشرة برمائية ، تقضي بعض حياتها في الماء ، وبعضها في الأرض اليابسة . ان البعوضة تضع بيضها على سطوح المياه الراكدة . ثم لا يلبث هذا البيض أن يتفقس عن دود ، يأخذ يسبح في الماء يلتقط منه طعامه . ولكنه يعود الى سطح الماء يطلب الهواء . فهذا أكثر حال البعوض . ثم لا يلبث الدود على عادة الحشر، أن يتطور فيصبح عرائس ، تظل عالقة بسطح الماء من تحته . ثم تخرج من العروس بعد ذلك البعوضة البالغة كاملة ، فتطير في الهواء . وهذا التطور كله ، من البيضة الى البعوضة البالغة ، يستغرق ما بين ٩ أيام الى ١٤ : يوما ، والماء ساكن . أما الماء الجاري فلا يبيض فيه البعوض .
( صورة ايضاحية مكبرة لرأس بعوضة وترى رأسها . وترى يخرج منه أشياء كالعصى عدة ، فراقنا بينها في الرسم لتتضح . أما (أ) فالعضوان اللتان بهما تتحسس البعوضة جسم الانسان لتختار منه موضعا صالحا للوخز . واما (ب) و (جـ) فالمناشير التي نشق البعوضة بهما جلد الانسان . وأما ( د ) فالانبوبة التي تفرز منها البعوضة لمايا في الجرح الدامي الذي جرحته . أما (هـ) فالانبوبة التي بها تمتص البعوضة الدم بعد اختلاطه بما فرزت فوقه من لعابها . وأما (و) فالعمد يضم كل هذه الزوائد مما عندما تفرغ من أعمالها. ويراعى أن ذكر البعوض بعيش على النبات ، وأما الأنثى فتعيش كذلك على الدماء تمتصها هكذا ، وتنقل من جسم مريض الجسم سليم، دما مخلوطا بمكروب )
والمقاومة تكون باستئصال البعوض وهو هكذا
يتطور . وبردم البرك . والمستنقعات . والحيلولة دون ركود الماء أينما كان . والأرض التي تروى كل أسبوع بالماء الجاري لا تطيب لنمو البعوض ، فهي في مأمن من أن تكون له مربى .
وصلة الملاريا بالمستنقعات موجودة في اسمها .
فالملاريا تتألف من مقطعين : « مال » ومعناها الرديء و « آريا » ومعناها الهواء . فالملاريا هي الهواء الرديء الفاسد .
والعجيب انه في بعض قبائل أفريقية اسم الداء واسم البعوضة اسم واحد .
( الى اليمين : بعوضة المنزل العادية ، ظهرها مواز للسطح الذي حطت عليه . ومن تحتها صورة دودتها وقد تعلقت بسطح الماء من تحت ، ومالت عليه . والى اليسار : بعوضة الملاريا . لاحظ سطح جسمها المائل ، ودودتها الملتصقة بالماء من تحت )
- مقاومة الداء باستئصال البعوض البالغ
في المساكن ونحوها
ثم دخلت المقاومة بيوت الناس . ففي البيوت بعوض . وفي البيوت ناس . وفي الناس مرضى . ويأخذ البعوض من المريض الى السليم فيعديه ، فكان استئصال البعوض من البيوت اذن ضرورة لازمة .
واستأصلوه ، أو حاولوا استئصاله ، با سموم يبتدعونها في المعامل الكيماوية . ومن أشهر هذه مادة د. د. ت. .D.D.T وكذلك مادة ديالدرين Dieldrin وال د. د. ت. وهي اختصار لاسمها الكيماوي وهو . وتذاب في Dichloro-Diphenyl Trichloro-Ethane الكيروسين ونحوه ، ثم تذر بذرارات معروفة على الحوائط ، وفي كل مكان تحط عليه بعوضة .
- مقاومة الداء في أجسام المرضى
وثالث أساليب المقاومة ، عدا استئصال البعوض في المستنقعات والماء الراكد ، وعدا استئصاله من البيوت. استئصال الداء نفسه في الانسان ، في المرضى ، بمعالجة المرضى ، فالمريض هو في الحقيقة المصدر الاصلي لمكروب الداء . فلو أن في الدنيا بلايين من البعوض ، وليس بها مريض واحد بالملاريا ، لما كان للداء على الأرض وجود .
- مقاومة البعوض للسموم
فرح الناس أول الأمر عندما أخرجت المعامل سم البعوض الأول ، الـ د. د. ت. فهو يذهب بالبعوض .
ولكن مع مرور السنين تبين أن البعوض ، كسائر الأحياء ، لا يرضى بالفناء يصيبه هكذا سهلا . من أجل هذا غير من طبيعته ، بحيث كان من اخلافه ما صمد لهذا السم . فأفزع هذا العلماء . لهذا أسرعت أمم الأرض الثماني والثمانون ، التي تتألف منها منظمة الصحة العالمية ، أسرعت في وضع برنامج لاستئصال الداء وبعوضته من الأرض ، قبل أن تنتشر في البعوض المقاومة للعقار د. د.ت.
وبالطبع هناك احتمال اصطناع عقار جديد ، لم يعرفه البعوض ، قد يكون له فعل الـ د. د. ت ، او هو أفعل .
ان الصراع بين الانسان واسباب الشرور في هذه الحياة لا ينتهي . والعلم اليوم في جانب ، والأمراض في جانب ، لاسيما تلك التي تتصل بالمكروب ، لا مكروب الملاريا فحسب ، ولكن مكروب الحمى الصفراء ، ومكروب مرض النوم ، ومكروب السل والفيروسات عموما .
وهي معارك لا يكفي فيها مادة تسم ، ومكروب " أو ناقل للمكروب يتسمم . انها معارك تحتاج الى وعي الناس ، والى تعلم الناس وتثقفهم ، فهمم الناس لا يمكن أن تنهض لمعالجة ما تجهل .
ذكرنا من أمر الذباب ما ذكرنا ، ووصفناه بأنه من أكثر الحشرات ايذاء للناس . وفي مجال الشر مكان للبعوض والذباب . ولسنا الآن في سبيل مقارنة بين الأذى ، يأتي من بعوض ، والأذى يأتي من ذباب . فالأذى صنوف . ولكنا نقر ، مع أكثر العلماء الدارسين ، أن البعوض ، بما يحمله من داءات الى الناس ، هو أقتل للناس .
وفي مقدمة البعوض بعوضة من نوع آخر ، تعرف بالبعوضة الأنو فيليس Anopheles ( لفظة يونانية معناها جالب الأذى ) . فهذه البعوضة ، لا غيرها ، هي التي تنقل مكروب الملاريا من جسم مريض بها ، الى جسم سليم ، فيمرض . تعض المريض وتحمل من دمه ، ثم تعض السليم وتعطي دمه من المكروب .
- الداء يفتك بسكان الأرض
وهذا الداء يكاد يشمل الأرض كلها ، وهو أكثر انتشارا في المناطق الحارة ، ولكنه يوجد في المناطق المعتدلة كذلك .
وفي عام ١٩٥٣ بلغ عدد الاصابات بالملاريا في الأمم جميعا نحو ٣٥٠ مليونا ، وقد هبط اليوم ، نتيجة لبرامج المقاومة العالمية للداء ، وللبعوضة التي تنقله ، هبط الى ١٥٠ مليونا .
وكان عدد الموتى من الداء مباشرة في ذلك العام ، عام ١٩٥٣ ، ما بين أربعة الى ثلاثة ملايين ، فهبط اليوم الى نحو مليون ونصف مليون نسمة .
- الداء يفتك بالهند أشد الفتك
وكانت الهند خاصة من المناطق التي فتك الداء بها فتكا ذريعا . فمنذ خمس سنوات كان سكان الهند يبلغون ٣٥٠ مليون نسمة ، تعد فيهم في العام الواحد ۲۰۰ مليون اصابة على الأقل ، لم يكن في الامكان معالجة غير نحو ٨ أو ١٠ في المائة منها . وكانت الموتى تبلغ ما بين ١ الى ٢ في المائة من مجموع هذه الاصابات . وهي نسبة ظاهرها أنها قليلة ، ولكنها اذا ضربت في عدد الاصابات أنتجت عددا من الموتى كبيرا . انه مليونان أو يزيدان .
- الداء اذا لم يقتل أضعف
والرجل قد ينجو من بعد اصابة ، ولكن الداء يضعف جسمه اضعافا شديدا . والضعف يجعل الرجل عرضة لشتى الأدواء تعتريه . وفي المناطق التي يكثر فيها الداء يكثر كذلك الفقر . والداء يجعل الناس أعجز عن العمل ، فأعجز عن طلب رزق ، فأقل غذاء ، فأكثر قبولا للداء .
حلقة للفساد يدور فيها الانسان الى الموت في شر حال .
- مقاومة الداء باستئصال البعوض في تطوره ومقاومة الداء بدأت باستئصال البعوضة ، وهي
في دور الدودة ، أو في أي من أدوارها ، على العجز ، وقبل أن تبلغ . وذلك في مرابيها . وما مرابيها الا الماء الراكد .
ان البعوضة حشرة برمائية ، تقضي بعض حياتها في الماء ، وبعضها في الأرض اليابسة . ان البعوضة تضع بيضها على سطوح المياه الراكدة . ثم لا يلبث هذا البيض أن يتفقس عن دود ، يأخذ يسبح في الماء يلتقط منه طعامه . ولكنه يعود الى سطح الماء يطلب الهواء . فهذا أكثر حال البعوض . ثم لا يلبث الدود على عادة الحشر، أن يتطور فيصبح عرائس ، تظل عالقة بسطح الماء من تحته . ثم تخرج من العروس بعد ذلك البعوضة البالغة كاملة ، فتطير في الهواء . وهذا التطور كله ، من البيضة الى البعوضة البالغة ، يستغرق ما بين ٩ أيام الى ١٤ : يوما ، والماء ساكن . أما الماء الجاري فلا يبيض فيه البعوض .
( صورة ايضاحية مكبرة لرأس بعوضة وترى رأسها . وترى يخرج منه أشياء كالعصى عدة ، فراقنا بينها في الرسم لتتضح . أما (أ) فالعضوان اللتان بهما تتحسس البعوضة جسم الانسان لتختار منه موضعا صالحا للوخز . واما (ب) و (جـ) فالمناشير التي نشق البعوضة بهما جلد الانسان . وأما ( د ) فالانبوبة التي تفرز منها البعوضة لمايا في الجرح الدامي الذي جرحته . أما (هـ) فالانبوبة التي بها تمتص البعوضة الدم بعد اختلاطه بما فرزت فوقه من لعابها . وأما (و) فالعمد يضم كل هذه الزوائد مما عندما تفرغ من أعمالها. ويراعى أن ذكر البعوض بعيش على النبات ، وأما الأنثى فتعيش كذلك على الدماء تمتصها هكذا ، وتنقل من جسم مريض الجسم سليم، دما مخلوطا بمكروب )
والمقاومة تكون باستئصال البعوض وهو هكذا
يتطور . وبردم البرك . والمستنقعات . والحيلولة دون ركود الماء أينما كان . والأرض التي تروى كل أسبوع بالماء الجاري لا تطيب لنمو البعوض ، فهي في مأمن من أن تكون له مربى .
وصلة الملاريا بالمستنقعات موجودة في اسمها .
فالملاريا تتألف من مقطعين : « مال » ومعناها الرديء و « آريا » ومعناها الهواء . فالملاريا هي الهواء الرديء الفاسد .
والعجيب انه في بعض قبائل أفريقية اسم الداء واسم البعوضة اسم واحد .
( الى اليمين : بعوضة المنزل العادية ، ظهرها مواز للسطح الذي حطت عليه . ومن تحتها صورة دودتها وقد تعلقت بسطح الماء من تحت ، ومالت عليه . والى اليسار : بعوضة الملاريا . لاحظ سطح جسمها المائل ، ودودتها الملتصقة بالماء من تحت )
- مقاومة الداء باستئصال البعوض البالغ
في المساكن ونحوها
ثم دخلت المقاومة بيوت الناس . ففي البيوت بعوض . وفي البيوت ناس . وفي الناس مرضى . ويأخذ البعوض من المريض الى السليم فيعديه ، فكان استئصال البعوض من البيوت اذن ضرورة لازمة .
واستأصلوه ، أو حاولوا استئصاله ، با سموم يبتدعونها في المعامل الكيماوية . ومن أشهر هذه مادة د. د. ت. .D.D.T وكذلك مادة ديالدرين Dieldrin وال د. د. ت. وهي اختصار لاسمها الكيماوي وهو . وتذاب في Dichloro-Diphenyl Trichloro-Ethane الكيروسين ونحوه ، ثم تذر بذرارات معروفة على الحوائط ، وفي كل مكان تحط عليه بعوضة .
- مقاومة الداء في أجسام المرضى
وثالث أساليب المقاومة ، عدا استئصال البعوض في المستنقعات والماء الراكد ، وعدا استئصاله من البيوت. استئصال الداء نفسه في الانسان ، في المرضى ، بمعالجة المرضى ، فالمريض هو في الحقيقة المصدر الاصلي لمكروب الداء . فلو أن في الدنيا بلايين من البعوض ، وليس بها مريض واحد بالملاريا ، لما كان للداء على الأرض وجود .
- مقاومة البعوض للسموم
فرح الناس أول الأمر عندما أخرجت المعامل سم البعوض الأول ، الـ د. د. ت. فهو يذهب بالبعوض .
ولكن مع مرور السنين تبين أن البعوض ، كسائر الأحياء ، لا يرضى بالفناء يصيبه هكذا سهلا . من أجل هذا غير من طبيعته ، بحيث كان من اخلافه ما صمد لهذا السم . فأفزع هذا العلماء . لهذا أسرعت أمم الأرض الثماني والثمانون ، التي تتألف منها منظمة الصحة العالمية ، أسرعت في وضع برنامج لاستئصال الداء وبعوضته من الأرض ، قبل أن تنتشر في البعوض المقاومة للعقار د. د.ت.
وبالطبع هناك احتمال اصطناع عقار جديد ، لم يعرفه البعوض ، قد يكون له فعل الـ د. د. ت ، او هو أفعل .
ان الصراع بين الانسان واسباب الشرور في هذه الحياة لا ينتهي . والعلم اليوم في جانب ، والأمراض في جانب ، لاسيما تلك التي تتصل بالمكروب ، لا مكروب الملاريا فحسب ، ولكن مكروب الحمى الصفراء ، ومكروب مرض النوم ، ومكروب السل والفيروسات عموما .
وهي معارك لا يكفي فيها مادة تسم ، ومكروب " أو ناقل للمكروب يتسمم . انها معارك تحتاج الى وعي الناس ، والى تعلم الناس وتثقفهم ، فهمم الناس لا يمكن أن تنهض لمعالجة ما تجهل .
تعليق