الأَسماك
انت قد تتناول الشيء بيدك ، وتفعل به بأصابعك ما تفعل ، ثم تدعه ، وفكرك غائب عنه فما يكاد يتصل به الا مساً .
وهكذا تفعل المرأة بالسمكة عندما تهيئها للطبخ . انها تشقها ، لتخرج ( خبثها ) ، لتلقيه في المزبلة ، وتفعل ذلك في ثوان ، وقد تكون تتحدث أثناء ذلك مع امرأة أخرى ، أو مع طفل أو طفلة . وتتبع السمكة السمكة ، و فكر المرأة ، وقد تكون ربة البيت ، أبعد ما يكون عما تصنع . لعلها تفكر في شيء أخطر .
ان تركز فكر المرء في شيء ، انما يضعف ويشتد بمقدار خطورة هذا الشيء . وما خطر اخراج هذه القاذورة من بطن السمكة من بعد شق عند من همه من السمك انما هو اللحم كل اللحم ؟ السمكة عند الطابخ والطابخة غذاء ، ومذاق ولعق شفاه ، وطق اشداق .
والسمكة غير ذلك للطالب الدارس الأسماك في مختبره . والحشا ( القذر ) الذي تسرع المرأة الطابخة في اخراجه فرميه بحسبانه شيئا غير مرغوب فيه ، هو عند هذا الطالب الشيء الذي فيه الرغبة كل الرغبة .
ورجل همه بالسمكة أكبر من هم الطالب ، ذلك الذي نما عقلا ، واتسع فكرا ، وامتد أفقا ، واحتوى الكون كله ، أو ما استطاع أن يحتويه منه ، واحتوى خلق الله جملة ، أو حاول أن يفعل ، فهو يقف عند هذه السمكة سفيرة ، تسفر له عن جانب من ألف ألف جانب من تلك القوة الهائلة المبثوثة في الطبيعة ، المسيطرة عليها . القوة الواحدة ، التي تنظم هذه الخلائق جميعا ، في أرض ، أو في بحر أو في هواء ، في نظام واحد من قوانين لا تختلف أصولها أبدا . تلك القوة التي تتمثل في عقل العربي فتملؤه عندما يقول الله ربي ، وتتمثل في عقل كل أعجمي فتملؤه عندما ينطق باسم الرحمن باللغة التي درج عليها هو وآباؤه .
وهي نفس القوة المهيمنة التي تتمثل في مخيلة الرجل المسلم والمرأة المسلمة عندما يقرأ وتقرأ في القرآن :
فأينما تولوا فثم وجه الله وعندما يقرأ وتقرأ : ما يكون نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ، ولا خمسة ، الا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا . وعندما يقرأ : الله نور السموات والأرض .
ووددت لو استطعت أن أقتبس مثل هذا من كتاب
كل موحد بالله وله كتاب .
- عندما تكون دراسة العلم عبادة
ان دارس العلم أحد رجلين .
رجل يدرس ليعلم ، وليجمع عن الشيء الواحد
الحقائق ، ليقوم بعد ذلك بتعليمها الناس ، سبيلا لكسب معاشه . فهو كالنجار يتعلم ما أصناف الأخشاب وما أوصافها وخصائصها ، وأدوات النجارة وأجهزتها ، ليصنع من كل ذلك ما يبيعه . وكذا الحداد ، وكذا الكواء . وشيخ الحارة أو ( المختار » يدرس في الناحية شوارعها وحاراتها وأزقتها ، وأبناء آدم الساكنين فيها ليكون دليلا نافعا للحكومة ، فيدل ويكسب لقمته . وهلم جرا .
ورجل آخر يدرس العلم ، لنفس الغرض الذي توخاه دارس العلم الأول ، ولكنه لا يلبث أن يجد أن ما يدرس يمس الحياة في جذورها الأولى . ولا يلبث أن يجد أنها أنظمة واحدة أو متشابهة ثابتة ولو اختلفت فروع العلم عند دارسيها ، وأنها جميعا ، سواء اتصلت بالعيش العابر للاحياء ، أو بالحال الدائمة المقيمة للأشياء ، فهي جميعا واحدة . ويهديه النظر والتأمل الى أنها جميعا مترابطة ، في أرض ، وفي سماء . ويخرج به التفكير عن نطاق الحياة المحصورة التي يحياها كل الناس ، الى حياة لا يحياها الا أمثاله من العلماء ، ويأخذ ينجذب بطبعه الى هذا المجهول الذي بعضه الطبيعة ولكنه يمتد الى ما أسموه وراء الطبيعة . وهو كلما درس ازداد فهما ، وازدادت الأمور مع الفهم عليه انبهاما ، ولكن شيء واحد يأخذ يتردد على فكره ، يطل من كل ظاهرة يتلقاها ، تلك هي الحقيقة التي نسجت عليها الأديان وجودها : تلك وحدة الكون الكاملة الشاملة . تلك الوحدة التي هي من وحدة الله .
فنحن اذ ندرس في العلم الوحدة القائمة بين خلق
الله انما ندرس وحدة الله .
- ونعود الى السمك
لقد اتخذنا ، واتخذ الدارسون جميعا ، الانسان . مثلا للخلق هو أشد سائر الخلائق اكتمالا .
ودراسة المخلوقات ، بقصد الهدف الذي نرمي اليه تتخذ وجهات ثلاثا مختلفة :
١ - الوجهة الأولى دراسة الكائن الحي وحده ،
واظهار ما فيه من حنكة ، وما بين أجزائه وأعضائه من مظاهر تعاون وتناسق عجيب ، ترمي كلها الى تحقيق وحدة حياة فيه متكاملة غير متنافرة . وأتم حياة متكاملة انما تحققت في جسم الانسان .
٢ - الوجهة الثانية دراسة الكائن الحي ، أي كائن ، منسوبا الى الانسان ، لاظهار مقدار ما اكتمل من حياة هذا الكائن ، ثم كشف ما بينه وبين الانسان من وحدة في الخلق من حيث أن أساليبها واحدة ، وغاياتها واحدة ، واذن فالمهندس صاحب تخطيطها لا بد أن يكون واحدا .
٣ - الوجهة الثالثة دراسة الكائنات الحية ، منسوبا بعضها الى بعض ، ومنسوبة كلها الى الانسان ، لاظهار ما يكون بينهما من اختلاف ، واظهار سبب هذا الاختلاف ، والحكمة منه لتبيان ان الوحدة ليست وحدة جامدة ولكنها وحدة تتغير مع الظروف لتأتلف معها. وهكذا المهندس الذي يخطط لبيت صيف أو بيت شتاء ، أو بيت على جبل أو في واد أو على بحر ، يغير منه ، بما يأتلف مع الظرف الجديد ، مع احتفاظه بأسس التخطيط .
ولنبدأ بالسمك ، نقارنه بالانسان ، ثم نذكر بماذا اختلف ، ولماذا . وهكذا يفعل المرء في دراسة كل كائن حي غير السمك .
انت قد تتناول الشيء بيدك ، وتفعل به بأصابعك ما تفعل ، ثم تدعه ، وفكرك غائب عنه فما يكاد يتصل به الا مساً .
وهكذا تفعل المرأة بالسمكة عندما تهيئها للطبخ . انها تشقها ، لتخرج ( خبثها ) ، لتلقيه في المزبلة ، وتفعل ذلك في ثوان ، وقد تكون تتحدث أثناء ذلك مع امرأة أخرى ، أو مع طفل أو طفلة . وتتبع السمكة السمكة ، و فكر المرأة ، وقد تكون ربة البيت ، أبعد ما يكون عما تصنع . لعلها تفكر في شيء أخطر .
ان تركز فكر المرء في شيء ، انما يضعف ويشتد بمقدار خطورة هذا الشيء . وما خطر اخراج هذه القاذورة من بطن السمكة من بعد شق عند من همه من السمك انما هو اللحم كل اللحم ؟ السمكة عند الطابخ والطابخة غذاء ، ومذاق ولعق شفاه ، وطق اشداق .
والسمكة غير ذلك للطالب الدارس الأسماك في مختبره . والحشا ( القذر ) الذي تسرع المرأة الطابخة في اخراجه فرميه بحسبانه شيئا غير مرغوب فيه ، هو عند هذا الطالب الشيء الذي فيه الرغبة كل الرغبة .
ورجل همه بالسمكة أكبر من هم الطالب ، ذلك الذي نما عقلا ، واتسع فكرا ، وامتد أفقا ، واحتوى الكون كله ، أو ما استطاع أن يحتويه منه ، واحتوى خلق الله جملة ، أو حاول أن يفعل ، فهو يقف عند هذه السمكة سفيرة ، تسفر له عن جانب من ألف ألف جانب من تلك القوة الهائلة المبثوثة في الطبيعة ، المسيطرة عليها . القوة الواحدة ، التي تنظم هذه الخلائق جميعا ، في أرض ، أو في بحر أو في هواء ، في نظام واحد من قوانين لا تختلف أصولها أبدا . تلك القوة التي تتمثل في عقل العربي فتملؤه عندما يقول الله ربي ، وتتمثل في عقل كل أعجمي فتملؤه عندما ينطق باسم الرحمن باللغة التي درج عليها هو وآباؤه .
وهي نفس القوة المهيمنة التي تتمثل في مخيلة الرجل المسلم والمرأة المسلمة عندما يقرأ وتقرأ في القرآن :
فأينما تولوا فثم وجه الله وعندما يقرأ وتقرأ : ما يكون نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ، ولا خمسة ، الا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أينما كانوا . وعندما يقرأ : الله نور السموات والأرض .
ووددت لو استطعت أن أقتبس مثل هذا من كتاب
كل موحد بالله وله كتاب .
- عندما تكون دراسة العلم عبادة
ان دارس العلم أحد رجلين .
رجل يدرس ليعلم ، وليجمع عن الشيء الواحد
الحقائق ، ليقوم بعد ذلك بتعليمها الناس ، سبيلا لكسب معاشه . فهو كالنجار يتعلم ما أصناف الأخشاب وما أوصافها وخصائصها ، وأدوات النجارة وأجهزتها ، ليصنع من كل ذلك ما يبيعه . وكذا الحداد ، وكذا الكواء . وشيخ الحارة أو ( المختار » يدرس في الناحية شوارعها وحاراتها وأزقتها ، وأبناء آدم الساكنين فيها ليكون دليلا نافعا للحكومة ، فيدل ويكسب لقمته . وهلم جرا .
ورجل آخر يدرس العلم ، لنفس الغرض الذي توخاه دارس العلم الأول ، ولكنه لا يلبث أن يجد أن ما يدرس يمس الحياة في جذورها الأولى . ولا يلبث أن يجد أنها أنظمة واحدة أو متشابهة ثابتة ولو اختلفت فروع العلم عند دارسيها ، وأنها جميعا ، سواء اتصلت بالعيش العابر للاحياء ، أو بالحال الدائمة المقيمة للأشياء ، فهي جميعا واحدة . ويهديه النظر والتأمل الى أنها جميعا مترابطة ، في أرض ، وفي سماء . ويخرج به التفكير عن نطاق الحياة المحصورة التي يحياها كل الناس ، الى حياة لا يحياها الا أمثاله من العلماء ، ويأخذ ينجذب بطبعه الى هذا المجهول الذي بعضه الطبيعة ولكنه يمتد الى ما أسموه وراء الطبيعة . وهو كلما درس ازداد فهما ، وازدادت الأمور مع الفهم عليه انبهاما ، ولكن شيء واحد يأخذ يتردد على فكره ، يطل من كل ظاهرة يتلقاها ، تلك هي الحقيقة التي نسجت عليها الأديان وجودها : تلك وحدة الكون الكاملة الشاملة . تلك الوحدة التي هي من وحدة الله .
فنحن اذ ندرس في العلم الوحدة القائمة بين خلق
الله انما ندرس وحدة الله .
- ونعود الى السمك
لقد اتخذنا ، واتخذ الدارسون جميعا ، الانسان . مثلا للخلق هو أشد سائر الخلائق اكتمالا .
ودراسة المخلوقات ، بقصد الهدف الذي نرمي اليه تتخذ وجهات ثلاثا مختلفة :
١ - الوجهة الأولى دراسة الكائن الحي وحده ،
واظهار ما فيه من حنكة ، وما بين أجزائه وأعضائه من مظاهر تعاون وتناسق عجيب ، ترمي كلها الى تحقيق وحدة حياة فيه متكاملة غير متنافرة . وأتم حياة متكاملة انما تحققت في جسم الانسان .
٢ - الوجهة الثانية دراسة الكائن الحي ، أي كائن ، منسوبا الى الانسان ، لاظهار مقدار ما اكتمل من حياة هذا الكائن ، ثم كشف ما بينه وبين الانسان من وحدة في الخلق من حيث أن أساليبها واحدة ، وغاياتها واحدة ، واذن فالمهندس صاحب تخطيطها لا بد أن يكون واحدا .
٣ - الوجهة الثالثة دراسة الكائنات الحية ، منسوبا بعضها الى بعض ، ومنسوبة كلها الى الانسان ، لاظهار ما يكون بينهما من اختلاف ، واظهار سبب هذا الاختلاف ، والحكمة منه لتبيان ان الوحدة ليست وحدة جامدة ولكنها وحدة تتغير مع الظروف لتأتلف معها. وهكذا المهندس الذي يخطط لبيت صيف أو بيت شتاء ، أو بيت على جبل أو في واد أو على بحر ، يغير منه ، بما يأتلف مع الظرف الجديد ، مع احتفاظه بأسس التخطيط .
ولنبدأ بالسمك ، نقارنه بالانسان ، ثم نذكر بماذا اختلف ، ولماذا . وهكذا يفعل المرء في دراسة كل كائن حي غير السمك .
تعليق