نقدم لكم أجمل أبيات والقصائد الشعرية عن الأب وقيمته..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نقدم لكم أجمل أبيات والقصائد الشعرية عن الأب وقيمته..



    أجمل القصائد الشعرية عن الأب
    محرر أوراريد
    • 10 يوليو 2019
    أبيات وقصائد عن الأب وقيمته.. إضافة إلى أشعار عن رثاء الأب، تعتبر علاقة الأب بأبنائه من أكثر العلاقات الأسريَّة تميزاً وترابطاً إلى جانب علاقة الأبناء بالأمِّ، إذ نجد الكثير من أبيات الشعر التي تتحدث عن الأب وقيمته في الحياة ودور الأب في المنزل وحضوره. إضافة إلى أبيات الرثاء التي تصور صعوبة فقدان الأب وأثره على الأبناء.
    لعلِّي أفي تِلكَ الأبوَّة حقَّها وإنْ كَانَ لا يوفَّى بكيلٍ ولا وَزنِ.... فأعظمُ مجدي كانَ أنَّكَ لي أبٌ، وأكبَرُ فخري كان قولُكَ: ذا ابني
    الشَّاعر إيليا أبو ماضي في رثاء والده
    يميل الأطفال إلى تقليد والدِيهم، لذلك يعتبر الأب قدوة أطفاله


    التقليد عند الأطفال جزء لا يتجزأ من نمو شخصيتهم ومن عملية التعلم، وهذا التقليد لا يكون فقط للتصرفات والسلوك المعلن بل هو محاكاة للأفكار وتبني للمفاهيم.

    ولأن للأب الأثر الأكبر بأولاده -إلى جانب الأم طبعاً- فغالباً ما يُنظر إليه كقدوة لأطفاله، ربما أكثر ما يعبر عن ذلك قول الشَّاعر:
    إذا كان ربُّ البَيتِ بالطَّبلِ ضَارباً فشيمةُ أهلِ البيتِ كُلُّهم الرَّقصُ

    يُنسب إلى عبد الملك الأصمعي أنَّه يقول في تأثير الأب بأبنائه ودوره التربوي:
    مَشَى الطَّاووسُ يوماً باعْوجاجٍ فقلدْ شكَّلَ مَشيتهِ بنوه (شكَّل: أي مشوا على شكل مشيته)

    فقالَ عَلامَ تختالونَ؟ فقالوا: بدأْتَ بهِ ونَحنُ مُقلِدوه

    فخالِفْ سيرَكَ المعوجَّ واعدلْ فإنَّا إنْ عدلْتَ مُعدِّلوه

    أمَا تدري أبانا كُلُّ فرعٍ يُجاري بالخُطى مَن أدَّبوه؟!

    وينشَأُ نَاشئُ الفتيانِ منَّا عَلى ما كَان عوَّدَهُ أبوه.

    كما أنَّ لأبي العلاء المعري نظرة مشابهة، فالأصل السيء يعني فرعاً سيئاً!
    ومَا فَسدَتْ أخلاقُنا باختيارِنا ولكِنْ بأمرٍ سبَّبتْهُ المقادِرُ

    وفي الأصلِ غِشٌّ والفُروعُ تَوابعٌ؛ وكَيفَ وَفاءُ النَّجْلِ والأبُ غَادِرُ!

    إذا اعتَلَّتْ الأفعالُ جاءتْ عليلةً -كحالاتِها- أسماؤها والمَصادِرُ

    كذلك هو قول الشَّاعر محمود سامي البارودي:
    وأنتَ ابنهُ، والفرعُ يتبعُ أصلهُ، ومَا مِنْكُمَا إِلّا جَوَادُ رِهَانِ

    هوَ الأولُ السَّبَّاقُ في كُلَّ حلبةٍ وأنتَ لهُ دونَ البريةِ ثاني

    كما أنَّ الحنان والحبَّ يتسرب من قلب الأب والأمّ إلى قلب الابن الذي سيصير أباً يوماً ما، يقول الشَّاعر أحمد سالم باعطب:
    قالتْ: نَعِمَّا أبٌ في الناسِ يا أبتي، جَعلتَ دَربَ الهُدى للخَيرِ مَرْكبتي

    وكَمْ حمَلتَ إذا ما النَّصرُ حالفني أزكَى الهَدايا وأغلاها لِتَهْنِئتي

    وإنْ بعَثتُ إلى الأحلامِ أغنيةً أسرَجتَ قلبَكَ كي يُصْغي لأغنيتي

    فقلتُ يا طفلَتي مَا تنعمينَ بهِ؛ ورِثْتُهُ عَن أبي الحَاني ووَالِدتي
    صوَّر الشُّعراء المهام الصعبة التي يقوم بها الأب بأشكال مختلفة


    إضافة إلى تصوير تأثير الأب في مسار حياة الأبناء وأخلاقهم وسلوكهم لم يغفل الشُّعراء عن تضحيات الأب والمهام الصعبة التي يقوم بها، وكلٌّ صوَّر ذلك على طريقته، كما نجد من فضَّل الأمَّ على الأب على الرغم من ذلك وقدم لرأيه حجج منطقية.

    لنبدأ مع ما يصوِّره الشَّاعر العراقي بدر شاكر السَّيَّاب مثلاً عن عودة الأب من عمله مثقلاً بالهموم والتعب، وكيف يستقبله ابنه:
    وكَم مِن أبٍ آيبٍ في المساءْ، إلى الدَّارِ مِن سَعيهِ البَاكِرِ

    وقَدْ زمَّ مِن ناظريهِ العَناءْ، وغشاهما بالدَّمِ الخاثِرِ

    تلقَّاهُ في البَابِ طُفلٌ شَرودْ... يُكركِرُ بالضحكَةِ الصَّافيةْ

    فتنهلُ سمحاء ملء الوجود....وتزرَعُ آفاقَهُ الدَّاجيةْ

    نُجوماً؛ وتُنسيه عبءَ القُيودْ

    أمَّا أبو القاسم الشَّابي فيصوِّر دور الأب وكمية المسؤوليات التي يحملها بطريقة مختلفة، فالشَّاعر يتمنى لو أنَّه يعتزل الناس ويبتعد لكن مسؤولية أخوته وأمِّه التي ورثها عن والده الرَّاحل تحول دون ذلك؛ يقول الشَّابي:
    وأودُّ أنْ أحيا بفكرةِ شَاعرٍ؛ فأرَى الوجودَ يَضيِّقُ عَن أحلامِي

    إلّا إذا قَطَّعتُ أسْبابي مَعَ الدُّنيا وعِشْتُ لِوَحْدَتي وظَلامِي

    في الغابِ.. في الجبلِ البعيدِ عن الورى، حيثُ الطبيعةُ والجمالُ السَّامي

    (...)

    فأعيشُ في غابِ حياةٍ كلُّها للفنِّ للأَحلامِ للإلهامِ

    لكِنَّني لا أستطيعُ، فإنَّ لي أمَّاً يصدُّ حنانُها أوهامي

    وصغار إخوانٍ يرون سَلامهمَ في الكَائناتِ مُعَلَّقاً بسَلامي

    فقدوا الأب الحَاني، فكنتُ لضعفهم كهفاً يَصدُّ غوائلَ الأيامِ

    ويَقِيهمُ وهجَ الحياة ولَفْحَها ويذودُ عنهم شرّةَ الآلامِ

    وقد لا نجد في وصف الأب خير مما قاله الشَّاعر والدبلوماسي السوري عمر بهاء الدين الأميري عن نفسه واصفاً علاقته بأولاده وهو يتذكرهم أطفالاً يتراكضون حوله.

    حيث وصف لحظات فراقه لهم ودموع الأبوة التي انسكبت، لنتأمل ما يقوله الأميري:
    أين الضَّجيجُ العذبُ والشَّغبُ أينَ التَّدارسُ شَابَهُ اللَّعِبُ؟

    أين الطُّفولة في تَوقُدِها، أينَ الدُّمى في الأرضِ والكُتبُ؟

    أين التَّشاكُس دونما غَرضٍ أينَ التَّشاكي ماله سَبَبُ؟

    أينَ التَّباكي والتَّضاحك في وَقتٍ معاُ، والحزنُ والطَّربُ؟

    أينَ التَّسابُق في مُجاوَرتي شَغفاً إذا أكلوا، وإنْ شَربوا؟

    يتزاحَمونَ عَلى مُجالَسَتي والقُربِ مِني حَيثُما انقَلَبوا؟

    يتوجهون بسوقِ فِطرَتهم نَحوي إذا رَهِبوا وإنْ رَغِبوا

    فنشيدُهُم(بابا) إذا فَرحِوا ووَعيدُهُم (بابا) إذا غَضِبوا

    وهُتافُهُم (بابا) إذا ابتعدوا، ونجيُهم (بابا) إذا اقترَبوا

    بالأمسِ كَانوا ملءَ مَنزِلنا، واليوم -ويحَ اليوم- قَد ذَهبوا

    ويصف الأميري موقفه في وداع أبنائه المسافرين وشعور الأب في هذه اللحظة:
    دَمعي الَّذي كتَمتُه جَلَداً لما تَباكوا عِندما رَكِبوا

    حتَّى إذا سَاروا وقَدْ نزعوا مِن أضلُعي قلباً بهم يجبُ

    ألفيتني كالطِّفلِ عَاطِفةً فإذا بِه كالغَيثِ يَنسَكِبُ

    قَد يَعجَبُ العُذالُ مِن رَجلٍ يَبكي، ولَو لَم أبكِ فالعَجَبُ!!

    هيهات مَا كُلُّ البُكا خَورٌ؛ إني وبي عَزمُ الرِّجالِ أبُ!

    ويمتد حنان الأب إلى أبناء أبنائه أيضاً حيث يخاطب زكي مبارك حفيده الوليد الجديد، فيقول:
    محمَّدُ هَذا الوجُه وجهٌ عَرفتهُ، لَهُ في شِعابِ القَلبِ مِني أواصِرُ

    فيا ابن سُليمان سَلامٌ وفرحةٌ يجودُ بها جدٌّ رَحيمٌ مُصابِرُ

    أبوك ابنمٌ أنكرتُ في العَيشِ رأيهُ وما كَان خدَّاعاً ولا هو مَاكِرُ

    حياةٌ تُريه ما يريه وإنَّني عَلى طَبعهِ المزَّاج راضٍ وصابِرُ

    محمَّدُ ما أمري وأمرُكَ؟ إنَّني لأجهلُ مَا تَرمي إليهِ المقادِرُ!

    نَظرتُكَ واستوحيتُ وجهَكَ عَن أبٍ هو اليومَ في وادي الحياةِ مُسافِرُ

    محمَّدُ لا تجزَع فجدُّكَ حَاضرٌ، محمَّدُ لا تجزَع فجدُّكَ حَاضرٌ

    سأقتُلُ روحي فديةً لشبابِكُم ألا إنَّما المقمور في الصِّدقِ قَامِرُ

    إذا الأبُ لَم يَحضر ولادةَ طِفلِهِ فللجدِّ قَلبٌ بالأبوَّةِ عَامِرُ

    لكن على الرّغم من كل ما ذكرناه من مواصفات الأب ومعاناته في سبيل أطفاله سنجد المعري يفضِّل الأمَّ على الأب:
    و اعطِ أباكَ النِّصفَ حياً ومَيتا، وفضِّل عليهِ مِن كَرامَتِها الأمَّا

    أقلَّكَ خِفّاً إذ أقَلَّتكَ مُثْقِلاً، وأرضَعت الحوْلينِ واحتَملَتْ تِمّا

    وألقَتكَ عن جَهدٍ وألقاكَ لذّةً، وضمَّتْ وشمَّتْ مِثلَما ضَمَّ أو شَمَّا
    القصائد التي كتبت في رثاء الأب من أكثر قصائد الرثاء حزناً


    أشرنا في بداية هذه المادة إلى أنَّنا قد أعددنا سابقاً مادة مستقلَّة عن رثاء الأب وتركنا لكم الرّابط في المقدمة، هنا أيضاً نذكر لكم أبياتاً من أجمل ما قيل في رثاء الأب، وقد تميز رثاء الأب بصدقه وحرقة الشُّعراء الواضحة بين الأبيات.

    يقول صريع الغواني في رثاء والده ووصفه:
    أَمَّا القُبورُ فإِنَّهُنَّ أوانِسٌ بجُوارِ قبرِكَ والدِيارُ قُبورُ.

    عَمَّت فواضِلُهُ، وعَمَّ مصابُهُ، فالنَّاسُ فيهِ كُلُّهُم مَأجورُ.

    رَدَّت صَنائِعُهُ إِلَيهِ حَياتَهُ فكأَنَّهُ مِن نَشرِها مَنشورُ.

    وتصف عائشة التيمورية حالة الابنة بعد وفاة والدها فتقول:
    يَا حَسرَة ابنَتِه إذا نَظَرتَ لَها بِمَماتِه عَينٌ مِن البَأساءِ

    قالَت: وحقِّ سَنا أَبوَّتكَ التي كانَتْ ضِياءَ الأمنِ للأبناءِ

    مُذ مَا فَقَدتكَ والحَشا مُتَسعرٌ والجِسمُ مُنتَحِلٌ مِن الضَّرَّاءِ

    يا كَنز آمالي وَذُخر مَطالبي وسُعود إقبالي وعَينِ سَنائي

    يا طِبَّ آلامي ومرهَمَ قُرحَتي وغِذاءَ رُوحي بَلْ ونَهرَ غِنائي

    أبتاهُ قَدْ جَرَّعتني كأسَ النَّوى يا حَرَّ جُرعَتِه عَلى أحشائي

    يا مَن بِحُسنِ رِضاه فوزُ بنوَتِي وعَزيزِ عِيشَتِه تَمامُ رَخائي

    إن ضَاقَ بي ذَرعي إلى مَن أشتَكي؟ مَن بَعد فَقدِكَ كافِلا بِرِضائي؟

    يا لَيتَ شِعري حينَ مَا حَلَّ القَضا هَلْ كُنتِ عَنّي رَاضِياً أم نَائي؟

    ويقول الشَّاعر إيليا أبو ماضي في رثاء والده الذي توفي بينما كان الشَّاعر في غربته:
    طَوى بَعضَ نَفسي إذْ طَواكَ الثَّرى عني، وذا بَعضُها الثَّاني يَفيضُ به جفني

    فواها لو أني في القَومِ عِندَما نظرتَ إلى العوّادِ تسألُهم عَنِّي

    ويا ليتما الأرضُ انطوَى لي بِساطُها فكُنتُ مَع البَاكينَ في سَاعةِ الدَّفنِ

    لعلِّي أفي تِلكَ الأبوَّة حقَّها وإنْ كَانَ لا يوفَّى بكيلٍ ولا وَزنِ

    فأعظمُ مجدي كانَ أنَّكَ لي أبٌ، وأكبَرُ فخري كان قولُكَ: ذا ابني

    أقولُ "لو أني" كي أبرِّدَ لوعَتي فيزدادُ شَجوي كلَّما قُلتُ "لو أني"

    أحتَّى وداعُ الأهلِ يُحرَمُهُ الفَتَى؟ أيا دَهرُ هذا منتهى الحَيفِ والغُبنِ

    أبي! وإذا ما قُلتُها فكأنَّني أُنادي وأدعو يا بِلادي ويا رُكنِي

    لمَن يلجأ المَكروبُ بَعدكَ في الحِمى فيرجعُ ريَّانَ المُنى ضَاحِكَ السَّنِّ؟

    أما الشَّاعر عيسى الشيخ حسن فيأتي برثاء متأخر جداً كما سمَّى قصيدته:
    كان أبي يُطيلُ في السَّفر، ويدمِنُ الغياب

    فيرتدي وجوهَنا الشحوبْ....

    ونسأل القمرْ... عَن غائبٍ في الليل لا يؤوب

    وعندما يعود... تطفر من عيوننا أسئلةٌ طيّبةٌ، صغيرة

    فيشتري عتابنا الودود، بالخبز والتُّفاح والثياب

    فتنشي داخلنا طفولة فقيرة... وتكبر الصور

    لكنه في الرحلة الأخيرة، حدَّق في وجوهنا وأمعن النظر

    وعندما استحثه الصحاب

    قبّلني... وودَّعَ الجدرانَ والحصيرة

    وشدَّني/ بلّلني بدمعهِ، أجهش عند الباب

    وعندما ناديته في اللَّحظة الكسيرة

    لوَّح لي مبتعداً.... وغاب
    وسنجد الخطاب موجَّهاً من الابن للأب برمزية وطنية جذَّابة


    الأب حاضرٌ بقوة في القصيدة الوطنية بصفته الشخصية أو برمزيته ومجازه، خاصَّة عندما يقطع الشَّاعر وعداً على نفسه بالصمود أو الحفاظ على وطنه أو استعادة السليب منه، فلا يجد أقرب وأحقَّ من الأب ليقطع له هذا الوعد.

    يخاطب الشَّاعر الفلسطيني سميح القاسم والده فيقول:
    يَا أبتاه...

    ما زَالتْ في وَجهكَ عَينان، في أرضِكَ مَا زَالت قَدمان

    فاضربْ عَبَرَ اللَّيلِ بِأشأمِ كَارثةٍ في تَاريخِ الإنسان

    عَبرَ الليل... لنَخلِق فَجرَ حياة

    يا أبتاه...

    إن تسْمِـل عَينيكَ زَبانيةُ الأحزان؛ فأنا مِلءُ يَديك

    مِسرَجَةٌ تَشربُ مِن زَيت الإيمان

    وغداً يا أبتاهُ أُعيدُ إليك... قَسَماً يا أبتاهُ أُعيد إليك

    ما سلبتك خطايا القرصان

    قسماً يا أبتاه.... باسم الله وباسم الإنسان

    كذلك يعاهد الشَّاعر الفلسطيني عزّ الدين المناصرة والده على الصمود؛ فيقول:
    سلاماً، آهِ يا أبتاهُ

    إنْ تعبوا...فلن أتعبْ

    وإنْ ذهبوا إلى أعدائهمْ خوفاً.... فلن أذهبْ

    بكيتُ على مشارِفها البَعيدة حينَ نَامَ النَّاسْ

    وأبكيتُ البيوتَ البيضَ مِن حَولي

    فضجَّ قرنفلُ الحيطانْ، تسامَق نَحوَ روحِ الرُّوح، سارَت زفَّةُ النِّسوانْ

    هديراً من نعاسِ الرَّملِ خَلفي، يجرحُ الرُّكبان

    يغنِّينَ القتيلَ الصَّعب، موَّالاً جَريح الرَّاس

    وِسرتُ مهشَّمَ القَدمين فوقَ الشَّوكِ، مأسوراً مِن الحرَّاس

    كم انتثرتْ مودَّتُنا، ووزَّعنا قلوباً في رَسائلِنا على الأيَّامْ

    سياجاً للمدى تبقين، رَغم تحاسُدِ الجُلاَّسْ.

    (...)

    مَشينا في دُروبِ الشَّوكِ والزَّقومِ، في الصَّحراء، في الزَّرقاء، في المركبْ

    وهذي دربنا الأولى:

    تُعيد الحُرَّ مغلولا... تصدُّ، ولا تردُّ الغائبَ المتعبْ

    وهذي دربنا الأخرى: نعيش بها عبيداً نرتضي بالجَوْرْ.

    تقول لنا بأن نحيا بلا شفةٍ... ندور كما يدور الثورْ.

    وهذا دربنا الثالث: يقود إلى جزيرتنا البعيدة، حيث تسكنها

    الشياطين الشتائية

    لتسرق خاتمي في اللَّيلِ جِنيَّة

    لأصرخَ يا علاء الدين: أين السرُّ؟؟؟، ضاع السرُّ

    كيف أفكُّ هذا الطَلْسَمَ المأسورْ.

    ولا شبَّيك لا لبَّيك، فاسمع صَرخة المقهور.

    فقد أوشكتُ يا أبتَاهُ أنْ أغضَبْ

    ﺇﻟﻰ الحدِّ الذي لا يرهَبُ السكّينْ

    قبائلنا على الحيطان تنشدُ خطبةَ التسليمْ

    سلاماً آهِ يا أبتاه.... إن تعبوا؛ فلن أتعبْ.

    أمَّا الشَّاعر نزار قباني فيحاكي خطاباً بين جندي على جبهة السويس عام 1956 وأبيه، وهو حوار مليء بالرموز مؤلف من أربع رسائل نذكر أول رسالتين؛ يقول الجندي لوالده:
    يَا وَالدي... هذي الحروفُ الثائرةْ

    تأتي إليكَ من السويسْ... تأتي إليكَ من السويسِ الصَّابرةْ

    إني أراها يا أبي مِن خَندَقي... سفنُ اللُّصوصْ مَحشودة عندَ المضيقْ

    هل عادَ قطّاعُ الطريقْ؟

    يتسلَّقونَ جدارنا، ويهدِّدون بَقاءنا، فبلادُ آبائي حريقْ

    إني أراهم يا أبي، زرقَ العيونْ، سودَ الضمائرِ يا أبي، زُرقَ العيونْ

    قرصانهم عينٌ من البلورِ جامدةُ الجفونْ

    والجندُ في سطحِ السفينةِ يشتمونَ، ويسكرونْ

    فرغتْ براميلُ النبيذِ ولا يزالُ السَّاقطونْ يتوعّدونْ

    رسالة الجندي الثانية 30/10/1956 من بور سعيد:
    هذي الرسالةُ يا أبي، من بورسعيدْ... أمرٌ جديدْ

    لكتيبتي الأولى ببدءِ المعركةْ

    هَبطَ المظليِّونَ خَلفَ خُطوطِنا... أمرٌ جديدْ.

    هَبَطوا كأرتالِ الجرادِ، كسربِ غُربانٍ مُبيدْ

    النِّصفُ بعدَ الواحدةْ... وعليَّ أن أُنهي الرِّسالةْ

    أنا ذاهبٌ لمهمّتي لأرُدَّ قُطَّاعَ الطريقِ وسارقي حُرَّيتي

    لكَ... للجميعِ تحيّتي.

    الشَّاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي وخوفه على رفاة والده من الحرب!
    عِندما تسمعُ دويَّ الموتِ يا أبي..

    وتشاهد الفناءَ الأحمرَ يدنو مِنك

    أغلق نافذةَ قبرِكَ جيداً، أغلِق الهواءَ عَليك

    لا نريد للدخانِ أن يلوِّنَ بالسَّوادِ رئتيك

    اللَّتينَ تنفسنَا عبرَهُما شَذَى العَالَم!

    عندما تدقُّ القنابِلُ بَابَكَ يا أبي

    أدر لها ظَهرَ مَوتِكـ وعليكَ بعظامِكَ يا أبي...

    لملِمهما قبلَ وقوعِ الانفجار؛ نخافُ عليك

    على يَدكَ الكريمةِ مِنَ التَّبعثُر عِند هبوبِ الغَاراتِ الجويَّة

    عظامُكَ العظيمةُ مهمةٌ لنا يا أبي!

    إنَّها كلُّ ما تبقَى لنَا مِن نَخيل العِراق

    وخصوبة هوائه، وآثارِه التي سَرقها لصوصُ حمورابي

    عليكَ بعظامكَ العظيمة يا أبي..

    إنها مهمةٌ مِثلَ خَتمِ سَرجون الأكادي

    الَّذي باعوهُ بثمنٍ بَخس في سوقِ الهَرج

    عِظامُك مُهمةٌ يا أبي

    ألم تختبئ تحت ظلِّه عشرات العمائم

    والرَّطانات، واللَّهجات، والأضرحة؟

    أما لحومُنا الطَّازجة؛ فلا تَخشَ عَليها مِن الانفجارات

    ستَطلعُ لنا لحومٌ أخرى... ما دمنا على قيد العراق

    وأصابع أخرى، وديكتاتوريات أخرى فسيحة

    عليكَ بعظامك... لا تخشَ عَلينا

    فالنِّظامُ الَّذي زرعَ عَلى جبهةِ الهواءِ أخي -الذي يرقد جوارك- ولَّى

    وصِرنا نبحثُ في ضجَّةِ الفَوضى عن نظام...

    ويكمل الشَّاعر عبد الرزاق الربيعي تحذيراته لأبيه الرَّاقد تحت الحرب والموت:
    ها هُم المظلمون يزحفون

    فإذا ما ظفروا بكَ... لا تَقل لهم أنَّكَ شيوعي سَابق؛ فكلا الطَّرفين يَكرهُ الشُّيوعية!

    لا تَقلْ لَهُم أنَّكَ تُحبُّ العِراقَ... لا تَقل لَهم أنَّكَ أبي

    لا تُدافِع عَن ثرى أخي وجدتي... إنهما نائمان بأمان

    وإذا ما اقتربوا من رأس الإمام علي

    فلا تجاهد يا أبي

    إنَّهم لا يُريدونَ رأسهُ... إنَّهم يريدون رأسَ العِراق!.

    فيما يستعمل الشَّاعر السعودي حمد العصيمي رمزاً دينياً ألا وهو قصَّة النبي يوسف وعلاقته بأبيه، يقول العصيمي:
    أبتاهُ إن جاؤوكَ يَوماً يَهرَعون

    وتَظاهروا بالحُزنِ وافتعلوا البكاءَ، ومارسوا كذبَ العُيون

    وأتوكَ بالدَّمِ الملطَّخِ في قميصي، لا تُصدق أنَّهم لا يَكذبون

    الذِّئبُ يا أبتي بريءٌ من دمي وهمُ الذِّئابُ الجائعون

    وهمُ اللُّصوصُ السَّارقون

    أنا يا أبي عامانِ مُلقى في غياباتِ العُروبةِ... لَستُ أدري من أكون!

    أنا طائرُ الفينيقِ أم شجرُ الصَّنوبر، أم ظلالُ الزيزفون؟!

    أم فرعُ دَاليةٍ تسلَّقَ حائطَ المبكى وعادَ بلا غُصون

    بعضي هنا متبعثرٌ بين الحروفِ وكلُّ كلِّي في جدائلِ عيترون!!

    عيناكَ لا تبيضُ يا أبتاهُ من حزنٍ... ولا هم يحزنون!!

    إنْ صوَّروني برجوازياً وفاشياً ورجعياً؛ فقُل هم كَاذبون

    واقصُص لهم رؤيايّ عن شمسِ السَّماءِ، عَن القَمرِ المنيرِ، عن الكواكبِ

    كيفَ أني في المنامِ رأيتهم لي يسجدون...
    نقدم لكم في الفقرة الأخيرة مجموعة من الأبيات الشعرية المتنوعة عن الأب


    يقول أبو العلاء المعري مخاطباً الأبناء:
    تَحَمَّلْ عن أبيكَ الثقلَ يوماً فإنَّ الشَّيخَ قد ضَعُفَتْ قواهُ

    أتى بكَ عَن قَضاءٍ لَم تُرِدُه، وآثَرَ أن تفوزَ بما حَوَاهُ

    وحسبنا أنَّ المعري هو القائل "هذا ما جناهُ أبي عليَّ وما جَنيتُ على أحد" فهو لم ينجب بل كثيراً ما انتقد الإنجاب لاعتقاده أنَّها جناية بحقِّ الوليد، لكنه أيضاً يراه جناية بحقِّ الأب وربما هذه الأبيات تفسر بعض مخاوفه:
    إذا النَّسلُ أسواهُ الأبُ اهتاجَ أنَّهُ يَمُوتُ ويَبقَى مالُهُ وحِلاهُ

    فكَمْ ولدٍ للوالدينِ مُضيِّع، يُجازيهما بُخلاً بما نَجلاهُ

    طوى عَنهما القوتَ الزَّهيدَ نفاسةً، وجَرّاهُ سارَا الحَزْنَ وارتحلاهُ

    يقول ابن زيدون في حال اليتيم:
    منْ لليتيمِ، تتابعَتْ أرزاؤهُ؟ هلكَ الأبُ الحاني، وضاعَ المالُ

    ابن الخيمي ببقاء والده يغفر للزمان كل فعاله، يقول:
    إن الزَّمان ولا أطيلُ مُعانِدي، في حَلّ راحاتي وأمنياتي

    لكنَّ كثيرَ ذنوبِهِ مَغفورةٌ عِندي لواحدةٍ مِن الحَسناتِ

    ببَقاءِ والِدي التَّقي، العالِمِ، البرِّ، الوفيِّ، العارِفِ، القنَّاتِ

    مَلكُ الكرامِ، وَحيد أهلِ زَمانِه، شيخُ المشايخِ، سَيّدُ السَّاداتِ

    نزار قباني يعاتب أباه:
    إذا رأيتِ والِدي اسأليهِ:

    بأيِّ حقٍّ علَّمني كتابةَ الشِّعرِ، ولَم يعلِّمني القِتال؟!

    بأيِّ حقّ؟!

    ختاماً.... قدمنا لكم أروع ما قيل عن الأب في الشعر العربي وصفاً ورمزاً ورثاءً، وقد حاولنا قدر الممكن اصطياد القصائد والأبيات الجميلة والمتنوعة معاً، نتمنى أن تشاركونا آراءكم بما قرأتموه وأجمل الأبيات التي تحفظونها.
يعمل...
X