"أرضي الصغيرة" قصة الأكراد المؤلمة في اليابان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "أرضي الصغيرة" قصة الأكراد المؤلمة في اليابان

    "أرضي الصغيرة" قصة الأكراد المؤلمة في اليابان


    فيلم ياباني يغوص بشكل عاطفي في صراع مراهقة كردية تبحث عن ذاتها.
    الأحد 2024/02/11
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    عائلة تفشل في خلق حياة عادية

    بعد جيلها الرائد من أمثال أكيرا كوروساوا وإيتشيرو هوندا وإيجي تسوبورايا وغيرهم، عرفت السينما اليابانية تراجعا على مستوى الابتكار والخروج عن القصص المعتادة، ليأتي جيل جديد يثور على ما سبق ويقدم حكايات مختلفة تماما، لعل أبرزها حكايات اللجوء وانغلاق المجتمع الياباني بقسوة، وهو ما نشاهده في فيلم “أرضي الصغيرة” لإيما كاواوادا.

    تتميز اليابان بواحدة من أقدم وأكبر الصناعات السينمائية في العالم؛ السينما اليابانية لها تاريخ يمتد لأكثر من 100 عام، وكانت فترة الخمسينيات من القرن الماضي”العصر الذهبي للسينما اليابانية”. حازت أفلام المخرج الراحل أكيرا كوروساوا على تقدير واهتمام عالميين، كان تأثير المخرج الياباني الراحل كوروساوا” على السينما الحديثة كبيرا.

    هناك قائمة من الأفلام التي لا نهاية لها التي استلهمت تجربة كوروساوا وعلى نطاق أوسع، على سبيل المثال “حرب النجوم” لجورج لوكاس (مبتكر سلسلة أفلام حرب النجوم) الذي ذكر أن كوروساوا “كان له تأثير كبير على حياتي”، وكانت البنية السردية لأول فيلم حرب النجوم مأخوذة من فيلم كوروساوا “القلعة الخفية”. وكذالك المخرج ستيفن سبيلبرغ الذي عبر عن إعجابه بمجمل أعمال المخرج الياباني واصفا إياها بـ”الرائعة التي لا تزال تلهمنا جميعًا”. و كان سكور سيزي يقول إن “كوروساوا كان أستاذي، وأستاذ الكثيرين من المخرجين”. بالإضافة إلى كوروساوا نجد أفلام الخيال العلمي لإيتشيرو هوندا وإيجي تسوبورايا.

    هناك إشادة دولية بالسينما اليابانية، بشكل جعلت هؤلاء المخرجين مشهورين عالميا ومؤثرين للغاية. ثم جاءت الموجة اليابانية الجديدة، وهو مصطلح شامل يستخدم لوصف مجموعة من صانعي الأفلام اليابانيين المتواصلين حتى سبعينيات القرن الماضي. على الرغم من أنهم، لم يشكلوا حركة متماسكة، إلا أن هؤلاء المخرجين شاركوا في رفض الاتفاقيات التقليدية للسينما اليابانية الكلاسيكية، مفضلين أعمالا أكثر تحديا موضوعيا ورسميا.

    الفيلم يستند إلى رواية كتبتها المخرجة وهي مستمدة من تجاربها الشخصية في تناول الأزمة التي تغرق طالبي اللجوء

    وظهرت هذه الأفلام في المقدمة في وقت التغيير الاجتماعي الوطني والاضطرابات الاجتماعية وتناولت مواضيع محظورة، بما في ذلك العنف الجنسي، والتطرف، وثقافة الشباب والحساسية، وآثار الحرب العالمية الثانية. كما تبنوا نهجا غير تقليدي وتجريبيا للتكوين والتحرير والسرد. استكشفوا عددًا من الأفكار التي لم تكن تُشاهد في السابق في السينما اليابانية التقليدية.

    في السنوات الأخيرة، برز عدد من المخرجين الجدد في اليابان، وظهروا لأول مرة بأعمال قوية وأعمال جيدة من المتوقع أن يكون لها تأثير تنويري على القضايا الاجتماعية في هذا البلد. من بين هؤلاء المخرجة اليابانية وكاتبة السيناريو إيما كاواوادا، التي ولدت في 15 أكتوبر 1991 في محافظة تشيبا من أب إنجليزي وأم يابانية. وعملت كمساعدة مخرج في الأعمال التي أخرجها “هيروكازو كوريدا”. فيلم “أرضي الصغيرة” أول فيلم روائي لها فاز بجائزة الدولية في مهرجان بوسان السينمائي الدولي الثالث والعشرين.

    ويحاول عدد من المخرجين الشباب ذوي الأصول المختلطة في اليابان تسليطَ الضوء على أحد أوجه المعاناة الإنسانية وهي معاناة اللاجئين وخاصة أفراد الجالية الكردية، إلا أن المخرجة آثرت أن يكون الفيلم تسليطا للضوء على قضاياهم وقضايا غيرهم من اللاجئين في البلاد. وقد ساعد في هذا الأمر أن المخرجة من أصول مختلطة، حيث حفزتهم على الاحتكاك بالجاليات الأجنبية في البلاد وسبر أغوار حياتهم وقصصهم الخاصة.

    نادرا ما تم التعامل مع قضية العلاقة بين الأجانب والأقليات المختلفة في اليابان والمجتمع في كل من الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية. لكن أنتجت بعض الأفلام التي قدمت قصصا عن حياة الأكراد الذين يعيشون في اليابان، على سبيل المثال فيلم “أكراد طوكيو” صدر في عام 2018.
    معاناة اللجوء




    يتناول فيلم “أرضي الصغيرة” القيود التي تفرضها الحكومة اليابانية على الحياة اليومية للأكراد الذين يعيشون في اليابان والصعوبات التي تواجهها العائلات الكردية التي رفضت طلب اللجوء الخاص والمعاملة اللاإنسانية من قبل مكتب الهجرة، هناك حوالي 2000 كردي هربوا من تركيا ويعيشون في اليابان، وخاصة في مدينة كاواجوتشي ومدينة وارابي في محافظة سايتاما. استنادا إلى مثل هذه المقابلات مع الأكراد في اليابان، توضح المخرجة كيف يحافظون على تقاليدهم وثقافتهم ويساعدون بعضهم البعض، وشعورهم بالاغتراب إذ يعاملون على أنهم “غايجين” أو غرباء حتى لو حاولوا الاندماج في المجتمع الياباني.

    وغالبًا ما يُجبر اللاجئون على العيش في ظل نظام “الإقامة المؤقتة” غير المستقر. هذا النظام لا يسمح لهم بالعمل أو التنقل بحرية عبر حدود المحافظات، وحتى لا يمكنهم الحصول على تأمين صحي.

    اختارت المخرجة كاواوادا الشابة أرينا أراشي لتمثيل دور الشابة الكردية (ساريا) في ظهورها الأول. ساريا فتاة عادية تبلغ من العمر 17 عاما لا تختلف كثيرا عن الفتيات اليابانيات. جاءت إلى اليابان بعد هروبها من تركيا التي كانت تعيش فيها مع عائلتها الكردية عندما كانت صغيرة.

    تعيش الآن مع والدها مظلوم (أراشي كارفيزاداي)، وأختها أرلين (ليلي كارفيزاداي)، وأخيها الصغير روبن (ريون كارفيزاداي)، تذهب إلى مدرسة ثانوية في سايتاما. في البيت تصلي دائما باللغة الكردية قبل الوجبات وتتناول الطعام الكردي، ويأمل والدها ألا تفقد فخرها بأصولها الكردية. يعتز والد ساريا بقوميته وجذوره الكردية. ويعلم والد ساريا ابنه الصغير أن يشير إلى صدره ويقول: “بلدنا هنا”. بدأت ساريا وظيفة بدوام جزئي كي تساعد نفسها لمواصلة دراستها.

    هناك تقابل الشاب سوتا (أوكودايرا دايكان) الذي يدرس في نفس المدرسة الثانوية. ساريا تتحمل مسؤولية المنزل ورعاية شقيقها الأصغر وأختها بدلاً من والدتها المتوفاة، توفيت والدة ساريا في مرحلة ما قبل هذه الفترة. والدها الذي هرب من تركيا بعد تعرضه للتعذيب باعتباره “ناشطا سياسيا” – كما حددته السلطات التركية – هو السبب في طلب اللجوء.

    بالإضافة إلى العمل بدوام جزئي في متجر صغير في طوكيو للمساعدة في تدبير نفقاتها المدرسية، ولأنها تجيد اللغتين اليابانية والكردية، كانت تعمل مترجمة لأولئك الذين لا يتحدثون اليابانية من المغتربين الأكراد. وبالتالي، فإن حياتها مليئة بالعمل من أجل الآخرين. نشأت ساليا في اليابان وتحاول توسيع آفاقها، الأمر الذي يضعها في صراع مع والدها الذي يريدها دائمًا أن تتذكر هويتها الكردية وأن لا تنسى بأنها جزء من المجتمع الكردي.

    تخشى الشابة الكردية أن تتعرض لضغوط الزواج وإجبارها من قبل الأب على ذلك. هناك بالفعل شاب كردي يسعى من أجل الظفر بها، وهذا ما يتعارض مع طموحها وما تريده حقا هو الاستقلال وفرصة العيش مثل زميلاتها اليابانيات اللواتي تتعرف عليهن من خلال الدراسة.

    يبدأ سرد الفيلم من حفل زفاف كردي تقليدي في حديقة عامة وبالملابس الكردية ذات الألوان الزاهية والأغاني والدبكة الكردية الجميلة. ونرقب إحجامها عن المشاركة في الغناء والرقص مع مجتمعها من الجالية الكردية. تشعر ساريا بالضيق عندما تقترح إحدى النساء الأكبر سنا أنها ستكون التالية التي ستتزوج وينظر إلى الشاب (علي) الذي يعمل مع والدها على أنه زوج محتمل، ثم نراها في الحافلة عائدة إلى منزلها في محافظة سايتاما خارج طوكيو. تحاول بقوة تنظيف الصبغة الحمراء (الحناء)على راحة يدها من أثار حفل الزفاف.

    فيلم “أرضي الصغيرة” يتناول القيود التي تفرضها الحكومة اليابانية على الحياة اليومية للأكراد الذين يعيشون في اليابان

    إنها فتاة مشرقة وذكية وقدوتها معلمتها اليابانية التي درستها في المرحلة الابتدائية. تستمتع بحياتها مثل أي إمرأة يابانية شابة، رغم أنها تعرضت للتنمر حين أطلق عليها بعض الطلاب غايجين (أجنبية). أصبحت الآن تتحدث اليابانية بطلاقة إلى الحد الذي تساعد فيه الآخرين في المجتمع الكردي في معاملاتهم مع الدولة والبيروقراطية اليابانية. بالإضافة إلى واجباتها المدرسية ومساعدتها في الترجمة، فإنها تعمل بعد المدرسة في سوق صغير. ونشاهد كذلك عملها وعمل والدها في شركة بناء مع مجموعة من الأكراد بشكل غير قانوني بموجب لوائح اللجوء.

    لقد عاشوا إثني عشر عاما في اليابان، ولكنهم لم يمنحوا اللجوء بعد. لا يقدم السرد أي عنصرية علنية أو سلوك عدائي من المجتمع الياباني تجاه المجتمع الكردي، العديد من اليابانيين “محافظون” وانطوائيون على حد سواء وغير راغبين في التورط في أي شكل من أشكال العلاقة مع “الغرباء”. رغم ذالك، تنشئ ساريا علاقة جميلة مع سوتا ابن شقيق مالك السوق الصغير التي تعمل فيها.

    هناك حوالي 2000 كردي يعيشون في اليابان. يتجمع العديد منهم في مدينة وارابي ومدينة كاواغوتشي في الجزء الجنوبي من محافظة سايتاما. كثير منهم لاجئون جاؤوا إلى اليابان في التسعينيات هربا من اضطهاد الحكومة التركية. في اليابان، هناك عدد قليل من الحالات التي يتم فيها الاعتراف باللاجئين حتى لو تقدموا بطلب للحصول على اللجوء، لذلك يعيش العديد من الأكراد حياة غير مستقرة.

    وكما كان متوقعا، رفض طلب اللجوء للعائلة الكردية. وتغيرت حياة ساريا اليومية لأن الأسرة فقدت وضع إقامتها. وبسبب سحب الإقامة لن تتمكن ساريا من مغادرة سايتاما. وطردت من عملها. كذلك ألقي القبض على الأب، الذي كان يعمل من أجل لقمة العيش، واحتجزه مكتب الهجرة. الحقيقة هي أن حدود المحافظة بين طوكيو وسيتاما، والتي يمكن أن يتجاوزها اليابانيون بسهولة، هي حدود ثقيلة جدا للشخصية الرئيسية الكردية بعد رفض طلب اللجوء. ومن الصعوبة التنقل بين المدن ومجرد عبور حدود المحافظة مجازفة كبيرة.
    واقع غير معقول



    محاولة الاندماج أمر صعب في اليابان


    المخرجة هي إيما كاواوادا ذات الأصول المختلطة، فيلمها يستند إلى رواية كتبتها مستمدة من تجاربها الشخصية في تناول الأزمة التي تغرق فيها ساريا وعائلتها، في نفس الوقت تحاول استكشاف قضايا أخرى حول تجربة المهاجرين. نرى الناس يسألون ساريا في كثير من الأحيان عن أصولها وهويتها الأصلية، لكنها تكذب على زملائها في الفصل بنوايا لطيفة وتخبرهم بأنها ألمانية، لأن ذلك أسهل لها من شرح التاريخ المعقد للأكراد.

    نكتشف أنها تعرضت للتنمر عندما سجلت لأول مرة في المدرسة في اليابان. على الجانب الآخر، الجالية الكردية والمجتمع الكردي يضغط عليها للتمسك بهويتهم وعاداتهم وتقاليدهم، لكنها تتوق إلى أن ينظر إليها ببساطة على أنها يابانية. تتحدث مع الشاب سوتا (أوكودايرا دايكن)، حبيبها، وتتذكر مشاعرها وتشجيعها للفريق الياباني في بطولة كأس العالم لكرة القدم مثل أي يابانية تنتمي إلى هذه البلد. ولكنها تشعر أنه غير مسموح لها التعبير عن تلك المشاعر.

    على الرغم من أننا نرى كل شيء من خلال عيون جيل الاغتراب الثاني، على العكس من الجيل الأول الذي ما يزال فخورا بكونه كرديا مهاجرا، تماما كما كان فخورا به في تركيا، لا ينسى السبب في اضطرارهم في الأصل إلى الفرار. ربما تذكر الأب مثلا ندبة على ركبته من أثر التعذيب الذي تحمله بأصوله، ومع ذلك فهو يتوق إلى وطنه والمكان الذي دفنت فيه زوجته.

    يعتبر هذا العمل أول ظهور لبطلة الفيلم الممثلة أرينا أراشي (والدتها نصف يابانية ونصف ألمانية، وقد اكتسب والدها الجنسية اليابانية، وهي إيرانية سابقة لها جذور في العراق وروسيا). وساعدت حياتها الخاصة على تقديمها أداء شفافا يمسك بالنقاط المهمة للدور، بالإضافة إلى ذلك، أود التنبيه إلى الوجه الجديد (حبيب ساريا) دايكان أوكودايرا الذي لعب الدور الصعب لابن تحت رحمة علاقته بوالدته وقامت بالدور ماسامي ناجاساوا.

    وتمكنت كاتبة السيناريو والمخرجة إيما كاواوادا من أن تسلط الضوء ببراعة على الواقع غير المعقول الذي يواجهه الأكراد في اليابان. وفاز الفيلم في أول تكريم له بجائزة منظمة العفو الدولية للأفلام في “مهرجان برلين السينمائي الدولي”. بعد استلام الجائزة، تحدثت المخرجة إيما كاواوادا “يسرني جدا أن منظمة العفو الدولية، التي تعمل من أجل حقوق الإنسان للناس في جميع أنحاء العالم، قد قيمت عالمية وقوة فيلم ‘أرضي الصغيرة’. آمل أن يكون هذا العمل فرصة للوصول إلى المزيد من الناس بغض النظر عن الجنسية”.

    وقالت رينا أراشي، التي لعبت دور الشخصية الرئيسية ساريا، “إنها المرة الأولى التي أقوم فيها بدور البطولة، ويشرفني حقا أن أكون قادرة على تقدير العمل الذي قمت به مع هذا الفريق المفضل. أعتقد أن المشاكل المتعلقة بالعرق قد تغيرت شكلها وتحدث في كل مكان في العالم”. بالإضافة إلى ذلك، قال دايكان أوكودايرا، الذي لعب دور سوتا، “الفيلم جعلني أفكر في الأكراد الذين يعيشون في اليابان“.
    فجوة الجيل الجديد



    على الرغم من أن المخرجة كاواوادا أرادت في البداية أن يكون طاقم العمل كرديا، إلا أنها وجدت خياراتها محدودة للغاية، لأن المجتمع الكردي في اليابان صغير جداً، إضافة إلى ذلك البعض لهم طلبات للحصول على وضع اللاجئ، وقد تتعرض أوضاعهم وطلبهم للخطر نتيجة لذلك. ووقع الاختيار على الممثلة أراشي عارضة أزياء ذات جذور شرق أوسطية في أول ظهور لها على الشاشة، على الرغم من أنها مولودة في اليابان إلا أنها تعتمد على تجربتها الخاصة كونها عانت من أنها غريبة (غايجين)، مدركة بوضوح لما يعانيه المهاجر في اليابان وأماكن أخرى. بينما يلعب أفراد عائلتها الحقيقيون دور عائلة ساريا، وكانت الكيمياء بينهما عميقة.

    في فيلم “أرضي الصغيرة ” تقدم الكاتبة والمخرجة اليابانية إيما كاواوادا، التي تظهر لأول مرة، استكشافا مؤثرا وصادقا لتجربة اللاجئين الأكراد في اليابان من خلال عدسة بطلة شابة وبالاعتماد على المقابلات التي أجريت مع اللاجئين الأكراد في عام 2018. الفيلم دعوة إلى مواجهة مفاهيم الحدود والهوية والمكان، ونحن نشهد العواقب العاطفية والجسدية للنزوح الثقافي وإبراز لمشاعر المخرجة كاواوادا حول ظلم نظام اللجوء.

    من خلال استكشاف مواضيع الأسرة والتضحية والانتماء، يجلب هذا الفيلم شعورا بالعلاقة بموضوعه، مما يشجعنا على النظر في حقائق تجربة اللاجئين الذين تفرض قيود صارمة على حركتهم ومنعهم من العمل. بينما تكافح ساريا التي تتمتع بفهم قوي للغة والعادات اليابانية، من أجل الارتباط رغم الشعور بالاضطراب الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع الكردي من حولها.

    قصة فتاة نشأت في اليابان وتحاول توسيع آفاقها الأمر الذي يضعها في صراع مع المجتمع الياباني ووالدها

    قد تبدو قصة العائلة الكردية التي تسعى للحصول على صفة اللاجئ في اليابان بعيدة عن الأمور المعتادة التي يواجهها معظم اللاجئين في بلدان أخرى، لكني متأكد من أن العديد من الأشخاص وبغض النظر عن جذورهم، قد عانوا من صراعات مماثلة مع الهوية والمكان. وأعتقد أنه من خلال جعل الشخصية الرئيسية طالبة في المدرسة الثانوية مقبلة على مرحلة النضج وتواجه العديد من المشاكل في العمل ومع الأسرة، فإنها ستكون قصة يمكن أن يرتبط بها الكثير من المشاهدين.

    المخرجة استخدمت بعض خبرتها الخاصة لتطوير الشخصيات والقصة، لأنها تحمل أيضا ثقافتين مختلفتين فيها. علاوة على ذلك، اختيار الشخصيات الشابة كأبطال، وجدت طريقة مباشرة خاصة تلامس المشاهد. أحد العناصر الثمينة التي لا نهاية لها في الفيلم هو علاقة ساريا بوالدها مظلوم الذي يلعب دوره والد أراشي في الحياة الواقعية. من الواضح بشكل مقنع مقدار الحب والثقة والأمل لابنته ساريا وأطفاله الآخرين (الذي يقوم به أيضا أشقاء أراشي في الحياة الواقعية). يلتقط الفيلم لمحات من لحظات مقاعد الدراسة والسعادة بين الأب وأطفاله، ولكن أيضا لحظات محفوفة بالغضب كما الحال حين يصفع الأب مظلوم ابنته ساريا وهي تدافع عن رغباتها.

    بدأت فكرة إنتاج فيلم “أرضي الصغيرة” في عام 2015 للمخرجة كاواوادا، عندما انتشرت الأخبار والصور عن المرأة الكردية المقاتلة التي تحارب داعش الإرهابية في كوباني. تقول المخرجة كاواوادا في ملاحظاتها عن إنتاج الفيلم “لقد صدمت من صور الشابات في سني اللواتي يحملن أسلحة نارية ضخمة ويقاتلن في الخطوط الأمامية لحماية أراضيهن”.

    وبدأت كاواوادا في البحث وإجراء المقابلات مع الأكراد الذين يطلبون اللجوء في اليابان لمدة عامين. كما أجرت مقابلات مع أولئك الذين يحتجزهم مكتب الهجرة. وفقا لملاحظات الإنتاج، أخبر أحد الأشخاص كاواوادا أن “التقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ يشبه المعاناة من مرض غير قابل للشفاء”، مما ترك انطباعا لا يمحى على نفسية المخرجة.

    وتقدم لينا أراشي، التي نجدها في كل لقطة من الفيلم، أداء قويا ودقيقا لمراهقة تكافح مع كل جانب من جوانب حياتها وهويتها.

    في فيلم “أرضي الصغيرة ” تتوغل المخرجة وتغوص عميقا وبشكل عاطفي للغاية في فجوة الجيل الجديد الذين ليس لديهم سوى أكثر الذكريات غموضا عن وطنهم التركي. الأب الذي لا يزال الوطن الأم ساكنا قلبه، مع صعوبة الاندماج في المجتمع الياباني، رجل له تجربة قاسية في وطنه، ورغم ذالك، لازال يتذكر الماضي ويحن إليه فقط، ولكنه محروم من العودة إليه، بسبب التهديدات بالعنف أو الموت. لذلك كان قاسيا في المنزل لفرض الثقافة على أطفاله.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    علي المسعود
    كاتب عراقي


يعمل...
X