"الدكتور سترانجلوف" فيلم يسلط الضوء على واقع أميركي وعالمي متكرر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "الدكتور سترانجلوف" فيلم يسلط الضوء على واقع أميركي وعالمي متكرر

    "الدكتور سترانجلوف" فيلم يسلط الضوء على واقع أميركي وعالمي متكرر


    كوميديا سوداء استشرفت أغلب أزمات العصر الراهن.
    الثلاثاء 2024/02/06
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    تهكم على الحرب الباردة وسياسات واشنطن

    بأسلوب ساخر، استطاع المخرج الأميركي ستانلي كوبريك قبل ستين عاما أن يتوقع في فيلمه “الدكتور سترانجلوف أو: كيف تعلمت أن أتوقف عن القلق وأحب القنبلة النووية”، أهم القضايا الكبرى التي تؤرق عالمنا وترسم السياسات الكبرى للدول وتؤثر في الولايات المتحدة.

    لوس أنجلس - من الأقوال المأثورة التي تتردد من حين لآخر، وإن كانت مثيرة للجدل ما بين موافق ومعترض، أن “التاريخ يعيد نفسه”.

    غير أنه حتى لو كانت وقائع التاريخ لم تتكرر بصورة طبق الأصل، فلا يمكن للعين أن تخطئ أوجه التشابه، بين أحداث الأمس البعيد والتطورات التي تفاجئنا اليوم، وإن كان هذا التشابه قد اتخذ أسماء أخرى، وأماكن مختلفة.
    كوميديا سوداء


    ذكرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أنه إذا كنت تريد التأكد من صحة شطر من أغنية، للكاتبين بيتر ألن وكارلوس باير ساجر، يقول “كل شيء قديم يعود جديدا مرة أخرى”، فليس عليك أن تبحث طويلا، فستجد تجسيدا لهذه المقولة، في فيلم عرض لأول مرة بمدينة نيويورك في 29 يناير عام 1964، أي منذ 60 عاما.



    الفيلم يحمل اسما طويلا هو “الدكتور سترانجلوف أو: كيف تعلمت أن أتوقف عن القلق وأحب القنبلة النووية”، للمخرج الأميركي الشهير ستانلي كوبريك، وحظي الفيلم بتقدير واسع من النقاد. وأدرج في قائمة أعظم الأفلام العالمية. وينتمي إلى فئة الكوميديا السوداء، التي تجعلك تضحك بينما قلبك ينبض حزنا.

    الفيلم بطولة بيتر سلرز، جورج سي سكوت، ستيرلنغ هايدن، كينان وين، سليم بيكينز، جيمس إيرل جونز. بلغت تكلفة إنتاجه حوالي 1.8 مليون دولار، بينما حقق أرباحا تقدر بنحو 10 مليون دولار.

    يعتبر الفيلم من الأفلام البارزة في تاريخ السينما العالمية والسينما الأميركية تحديدا. يحتل الفيلم المركز السادس والعشرين في قائمة معهد الأفلام الأميركية. كما احتل أيضًا المرتبة الرابعة عشرة في قائمة مجلة إنترتينميت الفنية الأميركية لأفضل الأفلام في تاريخ السينما العالمية.

    هذا الفيلم الساخر، مشحون بالتهكم على فترة الحرب الباردة (1947-1953)، التي اندلعت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بين القوتين العظميين وقتذاك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، والتي جرت في ظل الردع أو قل الرعب النووي.

    تدور أحداث الفيلم في ذروة توترات الحرب الباردة، ومع ذلك تبدو هذه الأحداث طازجة وكأنها تجرى اليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن السياسات الأميركية لم تتغير كثيرا وظلت تراوح مكانها، رغم مرور 60 عاما على عرض الفيلم، بل يبدو أن هناك تراجعا للوراء في هذه السياسات.

    ويحكي الفيلم عن جنرال أميركي، يخطط لشن ضربة نووية وقائية ضد الاتحاد السوفياتي. ومع اكتشاف الخطة، تقوم مجموعة من المسؤولين الأميركيين بجهود محمومة لوقف تنفيذها، لتجنب وقوع كارثة تدمر البشرية.

    ومن بين الظلال اللافتة للنظر، التي تلقيها أحداث الفيلم على واقعنا المعاصر، هي التخيلات التي يسودها جنون العظمة في مخيلة الجنرال جاك ريبر قائد القاعدة الجوية، الذي أرسل مجموعة من قاذفات القنابل لتوجيه ضربة نووية إلى روسيا، مع اتخاذ إجراءات تمنع إعادتها قبل توجيه الضربة.

    وهذا القائد مصاب بهوس تعرض الدم الأميركي النقي لتهديدات متخيلة. ويقول لمساعده “إنني لا أستطيع أن أجلس ساكنا، وأن أسمح للتسلل الشيوعي والتلقين الشيوعي، والتخريب الشيوعي والمؤامرة الشيوعية الدولية، بأن تلوث سوائل أجسامنا الثمينة”.

    الفيلم حظي بتقدير واسع من النقاد، وأدرج في قائمة أعظم الأفلام العالمية، وينتمي إلى فئة الكوميديا السوداء

    كما تدور في مخيلة القائد الأميركي مسألة وضع مادة الفلوريد في مياه الشرب، ولكن ذلك التفكير كان في ستينيات القرن العشرين. ويمكن مقارنة هذه الخيالات بنظريات المؤامرة اليوم، المتعلقة باللقاحات المقاومة لفايروس كورونا، وأيضا مختلف اللقاحات الأخرى.

    وأحد ملامح الهجوم على اللقاحات الواقية من جائحة كورونا، التأكيد على أنها يمكن أن تتسلل إلى داخل الحمض النووي الخاص بك، وتؤدي إلى إتلافه. ونشر هذا الإدعاء الطبيب العام لولاية فلوريدا جوزيف لادابو، الذي تم وصفه في وقت سابق من الشهر الحالي، بأنه “أخطر دجال في الولايات المتحدة”.
    تهديدات متخيلة


    جاء رد هيئة الأغذية والأدوية الأميركية على مزاعم لادبو قويا. وأبلغته الهيئة بوضوح بأنه كان يروج لهراء علمي زائف، وحذرته بلباقة بأكثر مما كان يتمناه المرء، من أن “التحدي” الذي لا زلنا نواجهه، يتمثل في الانتشار المستمر للمعلومات الخاطئة والمضللة، حول اللقاحات مما يؤدي إلى التردد في الحصول عليها، كما يؤدي إلى تراجع أعداد من يتم تطعيمهم، وبالنظر إلى الانخفاض الكبير في خطر الوفاة، من العدوى بالفايروس، وتراجع الحاجة إلى دخول المستشفيات للعلاج من الجائحة، وكذلك الإصابة بالأمراض الخطيرة، نتيجة الحصول على اللقاحات، فإن انخفاض معدلات الإقبال على لقاح كورونا، يسهم في استمرار الوفيات وفي زيادة الأمراض الخطيرة، الناجمة عن تداعيات العدوى بفايروس كورونا.

    كما قد يكون هوس القائد ريبر بالتسلل والتخريب الشيوعي من مخلفات الحرب الباردة. غير أنه يصور بشكل مسبق التأكيدات الحالية، للجناح اليميني المتطرف بالحزب الجمهوري الأميركي، بأن الديمقراطيين يشاركون في نوع ما من المشروع الاشتراكي.

    ثمة مصدر للقلق ينتابنا في عصرنا الحديث، تكهن الفيلم بحدوثه قبل 60 عاما وهو قدوم الذكاء الاصطناعي

    ووجه القائد ريبر رسالة إلى الرئيس الأميركي وهيئة الأركان المشتركة، حول إرساله طائرات قاذفة تحمل قنابل نووية، باسم حماية “نقاء وجوهر سوائلنا الطبيعية”. وربما يكون دونالد ترامب قد اقتبس الاتهام الذي وجهه مؤخرا، الذي يقول إن “المهاجرين يسممون دماء بلادنا”، من سيناريو فيلم “الدكتور سترانجلوف”، مع الحاجة إلى تعديل طفيف فقط.

    وثمة مصدر آخر للقلق ينتابنا في عصرنا الحديث، وتكهن الفيلم بحدوثه بشكل يوحي بالبصيرة، قبل 60 عاما وهو قدوم الذكاء الاصطناعي، الذي صرنا مهووسين بتهديداته، حيث نتخيل أن لديه القدرة على تنفيذ أي دافع لديه لتدمير الحضارة الإنسانية، دون أن يستطيع البشر التدخل. وإذا رجعنا إلى الفيلم نجد أن قاذفات القائد ريبر، لا يمكن إعادتها إلى قواعدها، أو حتى الاتصال بها دون العثور على رمز سري أخذه القائد معه إلى القبر.

    والأمر الأكثر إثارة للقلق في الفيلم، هو “آلة يوم القيامة” التابعة للاتحاد السوفياتي، وهي شبكة من القنابل النووية، التي تم برمجتها ليتم تفجيرها تلقائيا، في حالة تعرض الاتحاد السوفياتي لهجوم، ومن المستحيل إبطالها، وهي تذكرنا بالتهديدات النووية الروسية في أعقاب غزو أوكرانيا.

    ويحتل الفيلم مكانة فريدة في التراث الثقافي الأميركي، جزئيا بسبب توقيت عرضه. فقد تم بشكل متعجل تأجيل العرض الأول له، الذي كان مقررا في 22 نوفمبر 1963، عندما بلغت أخبار اغتيال الرئيس جون كنيدي أسماع الجمهور في ذلك اليوم.

    وباغتيال الرئيس كينيدي، تم فتح فصل جديد في التاريخ الأميركي، ولم نستطع أبدا أن نعود إلى فترة التفاؤل، التي كانت سائدة قبل عام 1963. ويتواجد فيلم “الدكتور ستراجلوف”، ليذكرنا أنه حتى خلال تلك الفترة، كان تفاؤلنا على المستوى الوطني يطغى عليه بالكامل اضطراب عقلي أميركي.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook
يعمل...
X