فاطمة عبدالمجيد... لا يمكنني الفوز في لعبة القرارات المسبقة في الكتابة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فاطمة عبدالمجيد... لا يمكنني الفوز في لعبة القرارات المسبقة في الكتابة

    فاطمة عبدالمجيد لـ"العرب": لا يمكنني الفوز في لعبة القرارات المسبقة في الكتابة


    روائية سعودية ترى أن القارئ هو جائزتها المفضلة.
    الاثنين 2024/02/19
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    أحب التنكر داخل الشخصيات

    اختصاص الكاتبة السعودية فاطمة عبدالحميد في علم النفس منحها مساحة واسعة لتشكيل شخصياتها بدقة، ولتحريك الأحداث والتفاصيل برؤية العارف، وهو ما جعل من أعمالها الروائية نصوصا مغايرة، تمكنت إحداها بعنوان “الأفق الأعلى” من نيل شهرة واسعة بوصولها إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2023. في هذا الحوار لعبدالحميد مع “العرب” نكتشف معالم تجربتها وتفاصيلها.

    الرواية شكل أدبي مرن يستوعب مختلف المواضيع ويتشابك مع الفروع المعرفية والمفاهيم الفلسفية. يرى بعض المتابعين بأنّ العلوم الإنسانية يجب أن تجد مسوغا لاستمرارها في التشكيلة الروائية. تقوم الهوية الفنية للنص الروائي على تحديد المستويات التي ينطلق منها السرد ويتسلسل في مناخها خيط الثيمة. والأهم من كل ذلك في تصميم العمل الروائي هو ما يكون آليةً لتوليفة الإيقاع المشترك بين المتلقي والنص، لأنّ المعطى الأدبي يستمد حيويته وانسيابيته من طاقته الإقناعية ومهما بدت الموضوعة غرائبية فهي تنتظم في نهاية المطاف ضمن السياق الفني الذي تناط به وظيفة تكوين الخطاب والإبانة عن خصائصه.

    قد تكون الثيمات متاشبهة غير أنّ ما يكسبها لونا جديدا هو زاوية التناول، الأمر الذي يؤكد بأنّ الرواية أبعد من الثيمة. بخلاف ما هو مهيمن في الروايات العربية الجديدة من مقاربة للقضايا المحملة بالبعد الآيدولوجي والسياسي فإنّ الكاتبة السعودية فاطمة عبدالمجيد غامرت في عملها الروائي الأحدث “الأفق الأعلى” بالاشتغال على هشاشة حياة الإنسان ومجاورته لعالم مبهم ومصيره الذي ما برح يناوره بالتجاهل وحياكة القصص من أيامه المحدودة، غير أنّ تموضع الكاتبة لعدسة ملك الموت الذي يكون مراقباً لحركة شخصياتها لا يفهم منه الانسياق نحو الكابوسية والتشاؤم تماما، كما أنّ غرض الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو من كتابة “انقطاعات الموت” لم يكن الترويج للسوداوية بقدر ما أراد إضاءة المفارقات المضمرة في الوجود الإنساني.
    الكتابة والقراءة



    في رواية "الأفق الأعلى" الحياة تغلف الموت والموت ينسج الحياة والكتابة عنهما ليست سوداوية بل عوامة إنقاذ


    في رصيد فاطمة عبدالمجيد ثلاث روايات، الأحدث منها هي “الأفق الأعلى”، نسألها أين تختلف وأين تتقاطع روايتها الأخيرة مع أعمالها السابقة، لتجيبنا “تتقاطع في أجواء الأسرة وما يتشاطره أفرادها معا، وهذا يسهل ملاحظته، الأسرة حاضرة بقوة في كل أعمالي بالإضافة إلى الحس الساخر، وهذا الأخير هو طريقتي عامة في الكتابة والحياة، وهو ليس اختيارا ولكنها طبيعتي الخاصة التي وجدت نفسي عليها”.

    وتضيف “أما بخصوص الاختلاف فكل رواية لها عالمها الخاص، وهذا ما يعتمده أي كاتب يباشر في كتابة عمله التالي، البحث عن شيء مختلف عما سبقه قدر المستطاع، ففي الرواية الأولى ‘حافة الفضة‘ كان المرض النفسي هو محور القصة، وفي ‘ة النسوة‘ كان عمل المرأة في مجالات أصبحت متاحة في السعودية في حينها، أما ‘الأفق الأعلى‘ فالتيمة هي الحياة من وجهة نظر الموت حين يتاح له أن يكون في مجتمع غير مجتمعه كما تخيلته أثناء كتابة الرواية”.

    تقوم رواية “الأفق الأعلى” على ثيمة غير سائدة في الرواية العربية، حول اختيارها لعالم” ملك الموت” الذي يلفه الغموض، تقول عبدالمجيد لـ”العرب”: “في ‘الأفق الأعلى‘ الحياة تغلف الموت، والموت ينسج الحياة، والكتابة عنهما بمثابة عوامة إنقاذ، لم أفكر بالموت وأنا أكتب الرواية، بقدر ما كنت أفكر بالحياة، وهذا أمر لا يصدقه البعض إذ يظن بعض القراء أنني سوداوية يقلق تفكيري هذا القدر الأبدي الذي تنتهي به كل الحيوات. الحقيقة أنني كنت أكتب العمل وكل ما يخطر ببالي هو كيف أوصل فكرة ‘ألا تموت قبل أن تكون ندا‘ كما يقول غسان كنفاني، وأنه ‘لا يوجد إلا وقت واحد مهم هو الآن‘ كما يقول تولستوي على لسان إحدى شخصياته”.

    بنية المفارقة هي ما ينتظم عليها أسلوب السرد في رواية “الأفق الأعلى”، نسأل الكاتبة إذا كان اعتمادها على هذه الاستراتيجية نتيجة قرار مسبق أو أن الموضوع قادها إليها، لتقول “لا يمكنني الفوز في لعبة القرارات المسبقة في الكتابة، لطالما قادتني الفكرة في البداية ثم الأبطال ثم الحكاية وهكذا يزداد الأمر تعقيدا فيصعب أن أقول إنني متحكمة تماما، بل إنني أعلن موافقتي المطلقة لأي جهة تقودني إليها الكتابة”.
    صنع الجودة


    صنع الجودة يأتي بالتنقيح والعمل المستمر، هذه طريقة فاطمة عبدالحميد ولهذا تستغرق في كتابة العمل الواحد سنوات

    معرفة أسلوب وإيقاع الكتابة الحديثة تتطلب قراءة أكثر. تتحدث عبدالحميد لـ”العرب” عن طريقتها في القراءة، فتقول “لا أشغل نفسي بالبحث أثناء القراءة، أقرأ بدافع المعرفة والمتعة أولا، ثم بالتنكر داخل الشخصيات لأجل التحليل، أحب كثيرا أن أجري تحليلا نفسيا لأبطال روايات أخرى، لإضاءة الخفي وتحليل المتشابك، أتخيلهم أمامي وأطرح عليهم الأسئلة التي أخمن إجاباتها، أحس بالشخصية قريبة مني بأنفاسها من خلال الورق البارد، يحدث هذا معي الآن وأنا أقرأ رواية ‘حب محرم‘ للروائي الياباني يوكيو ميشيما، بطل الرواية شانسوكي هينوكي شخصية حيوية متفردة يبتكر طريقة شيطانية درامية من خلال فتى وسيم على النقيض منه تماما، لينتقم من العمر المتسارع والدمامة التي ولد عليها والتي أورثته خيبات لا حصر لها مع النساء تحديدا”.

    حول طبيعة علاقتها مع الرواية التي تكمل كتابتها، وإن كانت تنقطع عنها تماما أو تلاحقها أجواؤها، تقول عبدالحميد “أتجاوز أجواءها بعد نشرها بأشهر قليلة، أتعمد ألا أفكر بها إلا حين أسأل عنها، أشعر بأنني جبل بركاني قذف بأحجاره بعيدا ولم يعد يهمه أين وصلت الآن، لكنني أتوق دائما لسماع رأي قارئ ولو كان بعد سنوات من نشر العمل. القارئ هو جائزتي المفضلة التي أحب أن أدنو منها على الدوام”.

    الرواية أقرب إلى تأليف الجملة الموسيقية يكون الإيقاع بداية لانطلاقها، نسأل الكاتبة كيف يمكن العثور على الإيقاع في الكتابة؟ لتجيبنا “العثور على الإيقاع أمر سهل إذا كانت الفكرة ناضجة برأيي، لكن المحافظة عليه دون بطء أو تسارع يوتّران القارئ هو الأمر الأهم والأصعب، صنع الجودة يأتي بالتنقيح والعمل المستمر، هذه طريقتي عامة ولهذا أستغرق في كتابة العمل الواحد سنوات ولا أجزم أنها الطريقة الصحيحة على أي حال”.

    تعلق عبدالحميد على قول بول أوستر بأن مختبر الكاتب هو حياته الشخصية لأنه لا يمكن أن يعيش حياة شخص آخر، قائلة “طبيعة دراستي وعملي تؤهلني لأن أعيش حياة شخص آخر بكل ما يستوعبه عقلي وتتحكم به مشاعري، تدربت على هذا كثيرا، وأتنبأ بردود أفعال قادمة كما يكون التنبؤ بالأحوال الجوية. لذا المقولة لا تنطبق عليّ بل على النقيض تماما أنا أهرب من سرد يشبه حياتي الشخصية، رغم أنها حياة غير معصومة من الفنتازيا منذ لحظة ولادتي لكنني أحاول أن أهرب منها باستمرار”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    كه يلان محمد
يعمل...
X