بعد بداياته الخجولة الراب يصبح موسيقى ما بعد الثورة في مصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بعد بداياته الخجولة الراب يصبح موسيقى ما بعد الثورة في مصر

    بعد بداياته الخجولة الراب يصبح موسيقى ما بعد الثورة في مصر


    سيد عبدالحميد لـ"العرب": الراب لا ينفصل بشكل خاص عن الأدب.
    الأحد 2024/02/18

    موسيقى شبابية في كامل عنفوانها وصخبها

    فنون الشارع أعادت للشارع العربي وخاصة لأصوات الشباب حقهم في التعبير والتأثير. ومن هذه الفنون فن الراب الذي مازال يواجه انتقادات كثيرة لكن ذلك لم يمنعه من تسيد المشهد الموسيقي مثلا في بلد عريق موسيقيا مثل مصر. وهذا ما تناقش فيه “العرب” الكاتب سيد عبدالحميد الذي أرخ لهذا الفن.

    فن الشارع هو مصطلح يُطلق عادة على الفنون البصرية في الشارع، الكتابة على الجدران أو الملصقات أو النحت، ولكن المصطلح شمل فيما بعد أنواعا أخرى من الفنون تتم ممارستها بلا رقيب أو قيد، وهذه سمة أساسية لفن الراب.

    انطلاقا من ذلك فضل الكاتب سيد عبدالحميد عنونة كتابه بـ”فن الشارع.. حكايات عن كتابة الراب والموسيقى”، الصادر عن دار صفصافة، مختارا هذا المصطلح لأنه يعبر بدقة عن المحتوى الذي تناولته هذه الحكايات.

    حول الكتاب وما يحمله من رؤى وأفكار ترصد وتسجل وتحلل هذا الفن الذي يشهد انتشارا كبيرا في مصر بفضل حيوية ونشاط فنانيه، يتحدث سيد عبدالحميد لـ”العرب” متطرقا إلى تفاصيل تأليف كتابه ودوافعه إلى ذلك علاوة على رؤاه الدقيقة التي تؤرخ لفن الراب في مصر.
    النشأة والريادة



    الكتاب يتناول كتابة أغنية الراب في مصر والمشهد الموسيقي العام الذي شهد تحولات كبرى خلال العقدين الماضيين


    يرى عبدالحميد أن المشهد الموسيقي الخاص بكتابة الراب بدأ في مطلع الألفية عن طريق “MTM” وفريق “Y Crew” الذي نجح في الاستمرار لفترة أطول بتبديل أفراده وثبات العنصر الأبرز وهو شاهين. أما أعضاء فريق “MTM” فبعد أغنيتهم الأبرز “أمي مسافرة” التي انتشرت آنذاك على الفضائيات المصرية فقد اختفوا لأسباب تتعلق بالبحث عن المتطلبات الأساسية للحياة (لقمة العيش).

    ويبين أن كتابة الراب المصري في البداية اعتمدت على موسيقى أميركية وكلمات عامية أقرب إلى الفصحى، وأقرب في شكلها إلى الأغنية الغربية، ولكنها كانت محاولة جادة لصنع لون موسيقي متفرع من فن الـ”Hip Hop” بشكل مصري.

    ويضيف “فيما بعد تفرق أعضاء هذه الفرق وبدأ كل مشروع يعتمد على الفردية بشكل أكبر، وهذا ما دفع شاهين إلى الانفصال التام عن فريقه والاعتماد أكثر على مشروع مستقل، ومع ظهور ‘الجوكر’ في 2008 تقريبًا و’أبيوسف’ في 2009 بدأ تكون تجمعات خاصة وحلقات لهذا اللون، ومع تغير تيمة الكتابة وتطويرها لتشمل عامية غير متحفظة نجح هؤلاء في جعل الراب أكثر واقعية وأكثر تقربًا من منهجية الراب الغربي ولكن بروح مصرية”.

    ويلفت عبدالحميد إلى أنه في مصر حاليًّا يعد أبرز “الرابرز” الحاليين أبيوسف وشاهين وويجز ومروان موسی ومروان بابلو، ويعد مروان أحد أبرز مغني الراب في الجيل الحالي مع ويجز الذي كان أحد أكثر النجوم استماعًا في 2020 علی تطبيق الأغاني سبوتيفاي، إضافة إلى أبوالأنوار ومروان موسی الذي أحيا حفل افتتاح مونديال كرة اليد الذي أقيم في مصر.

    تبدأ شهرة الرابر الحقيقية من وقت سيطرته علی “التريند”، ووجود تراكاته ضمن الأكثر استمًاعا علی المنصات المرئية والمسموعة مثل يوتيوب وسبوتيفاي وساوند كلاود، فمنذ انتشار “الجميزة” لمروان بابلو بدأ بزوغ نجمه سواء للسخرية أو للإشادة بشاب اجتاح المنصات بلون جديد ومحتوى مختلف مرئي ومسموع.

    أما عن الأقدمية والأكثر رسوخًا والأب الروحي للراب في مصر فيؤكد عبدالحميد أنه أبيوسف، صاحب التاريخ الطويل الذي قد يصل إلى 15 سنة في تقديم الراب، اشتهر “أبيو” بقدرته علی تقديم الراب والتراب (Trap) والهجاء المعروف في عالم الراب بالدِس (Diss)، كما اشتهر أبيوسف بقدرته علی مدح نفسه وذم أعدائه وإبراز نقاط ضعفهم في معارك الراب المعروفة بالباتل (Battle)، وهي تعتمد علی النفس الطويل والقدرة علی الإتيان بمصطلحات جديدة يمدح بها نفسه ويناكف بها الآخرين.
    انتشار الراب



    سيد عبدالحميد: كتابي يهدف إلى تعريف المستمع المصري على الراب؛ بدايته وأسباب انتشاره والدوافع التي أدت إلى تصدره المشهد الموسيقي المصري


    يوضح عبدالحميد أن كتابه يتناول كتابة أغنية الراب في مصر، والمشهد الموسيقي العام الذي شهد تحولات كبرى خلال العقدين الماضيين. ويقول “استغرق عملي في الكتاب ثلاث سنوات من البحث والحذف والتدقيق في المعلومات حول النجوم الذين تناولت منتجهم الفني، بالإضافة إلى وضع بعض المقاربات بين المشهد المصري والعربي أو الأجنبي من حيث التطور والموضوعات التي يتم تناولها في متن الموضوع الغنائي”.

    ويتضمن الكتاب بعض التحليلات لبزوغ نجم بعض الأشخاص واختفاء البعض الآخر، بالإضافة إلى اختفاء لون موسيقي وصعود لون آخر، كما عددت العوامل التي ساهمت في انتشار الراب وتشمل السياسي والاجتماعي والثقافي.

    وانطلاقًا من عنصر التخييل في السرد الأدبي حاول المؤلف، كما يقول، تحليل الأغنية الفردية وبناء سيرة موازية لصاحبها مع الاعتماد على الوثائقيات الخاصة بكل مغنّ، وهو ما مكنه من تأليف كتاب يشبه في متنه الكولاج البصري.

    ويتابع صاحب الكتاب “بدأ مشروعي مع الانتباه لانتشار موسيقى الراب على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية المختلفة وانعكاس هذا على الشارع المصري، ومن ثم محاولة تحليل هذا الانتشار، وذكر عوامله التي لا يمكن إغفالها ومنها الإجتماعي والسياسي والثقافي، بالإضافة إلى اتباع مشروع كل مغني راب باعتباره متصدرا للمشهد في وقت ما، وللتأكيد على ارتباط هذه الأغاني بأصحابها باعتبارهم كُتابا”.

    ويخلص إلى أن الراب لا ينفصل بشكل خاص عن الأدب باعتباره كتابة بشكل مغاير تعتمد بالتأكيد على عوامل موسيقية تُساهم في خروجها في شكل نهائي كأغنية، ولكن صاحبها كاتب يعتمد على موضوع خاص أو عام ويستخدم آليات كتابة الأدب ليُقدم قصة من خلال قصيدة.

    ويضيف عبدالحميد “سعيت لإيجاد الفكرة القائم عليها مشروع كل مغني راب من خلال الاستقراء -أي إعادة قراءة كل أغنية باعتبارها قصة قصيرة أو تدوينة مهتمة بشأن ما- بالإضافة إلى ذلك حاولت مقاربة المشاهد الموسيقية ببعضها البعض، المصري بالعربي والمشهد العربي ككل بالعالمي من حيث ظروف النشأة والدوافع حتى إلى ما توصل إليه منتجو هذه الأعمال. وهنا يحتفظ الكتاب بمحليته ويقارب كل موجة بالتي تبعتها”.

    ويلفت إلى أنه من خلال الموجة الأولى من 2003 حتى 2007 ظهر أوائل المغنين الذين يعتمدون على كتابتهم وإمكانياتهم المحدودة في صناعة الموسيقى، ونجحوا في الظهور بشكل خافت، ثم جاءت الموجة الثانية من 2009 حتى 2014 وحملت ظهورا متجددا للرواد بعد انقطاع، بالإضافة إلى ظهور أسماء جديدة تحمل أفكارا أكثر حيوية نجحت في لفت انتباه أكبر مع بدايات صعود المنصات الموسيقية ومواقع التواصل الإجتماعي بعد الربيع العربي.


    فن متصل بالحياة الواقعية للمجتمع


    ويواصل عبدالحميد “ثم جاءت الموجة الأشهر والأكثر نضجا بداية من 2017 حيث بداية صعود وانتشار Trap music كلون موسيقي منبثق من Rap music ومن ثم بات علينا جميعًا الالتفات للفارق الجوهري بينهم، بالإضافة إلى الانتشار الأكثر عمقًا في حياة المستمع لأدوات مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الموسيقية، ما ساهم في الالتفات لهذه المشاريع الفنية وإدراجها في المشهد الموسيقي العام ثم اعتمادها كلون موسيقي خاص شق طريقه نحو الصدارة”.

    ويؤكد مؤلف كتاب “فن الشارع.. حكايات عن كتابة الراب والموسيقى” أنه حاول طرح الأسئلة حول الأسباب، وتحليل الانتشار الذي بدأ منذ سنوات طويلة ببطء ثم ظهر في صورة صدارة.

    يقول “يقف الكتاب على عتبة المشاريع الفنية ويُحلل أسباب رواج كل مشروع فني بشكل مستقل. تتبع المشهد الاجتماعي والعلامات المُسجلة هو أحد أسباب كتابة هذا الكتاب باعتباره تأريخا لما حدث سابقًا. فن الشارع هو كتاب يهدف إلى تعريف المستمع المصري على الراب، بدايته وأسباب انتشاره، وما هي الدوافع التي أدت إلى تصدره المشهد الموسيقي المصري. من خلال قراءة دقيقة في عمق المشاهد الاجتماعية والسياسية المصرية خلال عشرين عاما أسعى لتحليل المشهد عن قرب، والاشتباك مع مفاهيم الصدارة والجودة، والاستمرارية بالاعتماد على ما قدمه الآخرون سابقًا وما قاله هؤلاء المتصدرون في وقتنا الحالي عن أنفسهم في البداية”.

    ويوضح عبدالحميد أن “الراب لا ينفصل عن الحياة الواقعية في أي مجتمع، تنعكس التجربة الحياتية لكل شخص منا على فنِّه أيًّا كان نوع هذا الفن، وبما أن الراب يعتمد على الكتابة الذاتية في الأصل، فإن حميمية العلاقة بين النص وصاحبه تدفع المتلقي إلى الغوص أكثر داخل تفاصيل العالم الموسيقي أو المرموز له في كل أغنية، على سبيل التلصص والتقصي في البداية وصولًا إلى مرحلة الإعجاب بالمشروع الفني ككل، أو تجاهله ورفضه إذا لم يكن مُعبرًا بشكل كافٍ”.
    موسيقى ما بعد الثورة


    موسيقى ما بعد الثورة جاءت شبابية صاخبة، ورغم اتهامها بإفساد الذوق العام إلا أنها حققت انتشارا واسعا

    يشير عبدالحميد إلى أن الكتاب يحمل طبقات متعددة من القراء المهتمين بالشأن الموسيقي أو الاجتماعي الذي أدى إلى صعود الراب قمة هرم المشهد الموسيقي، بالإضافة إلى تقديم تعريفات هامة عن الفوارق الفنية في الألوان المتعددة المتفرعة من موسيقى الراب. ويستهدف الكتاب القراء والكُتاب باعتبار كل مغني راب كاتبا في الأساس، لذا فإن قراءة الأغنية ليست شيئا مختلفا عن قراءة الأدب.

    ويضيف “أكتب لأنني أسعى لوصول الكتاب إلى عدد أكبر من المهتمين بمعرفة تفاصيل المشهد الموسيقي الحالي أو الأسباب التي ساهمت في صعود الراب إلى الصدارة ومقاربة بين المشهد الحالي ومشاهد سابقة حل فيها لون موسيقي بدل الآخر، وفنان محل آخر في نفس اللون أو بلون موسيقي مختلف. ويستهدف الكتاب موسيقيين وشبابا وكُتابا وباحثين أكاديميين وكل من يحب هذا اللون أو يُعارضه”.

    ويكشف عبدالحميد أنه تتبع أثر ثورة 25 يناير على الأصعدة الفنية فيما يمكن تعريفه بفن ما بعد الثورات، وهي ظاهرة تتجلى في كل نواحي الفنون بعد الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى لتأثيرها الكبير على صُناع الفن وعلى المُتلقي، لذلك كان من الطبيعي أن تخرج الموسيقى تحديدًا بكل هذا الصخب الغاضب والعنفوان الذي لم يكن يُشير فقط إلى الأحداث الكبرى، ولكنه أشار أيضًا إلى الصراعات النفسية والداخلية لكاتب الراب الذي يكتب باستمرار ما يعبر عنه وعن محيطه.

    ويؤكد أن موسيقى ما بعد الثورة التي جاءت بكل هذا الصخب والذي صاحبها لوقتٍ طويل النقد الهدَّام، وكل اتهامات إفساد الذوق العام، كان لا بد لها أن تأتي شبابية وفي كامل عنفوانها، صاخبة تحتوي ضجيجًا قد يبدو مبالغًا فيه، تحتوي خطابًا توجيهيًّا لفئات عمرية أصغر باعتبار أن معايشة الثورات تجربة قد لا يحظى بها كل الناس، وتحتوي تفاصيل حياتية شخصية باعتبارها محاولات للتعبير عن الذات التي لا يحتويها أحد، ومتفاخرة ممتلئة بهِجاء لأعداء ربما لا وجود لهم، في محاولة لتخطي الاكتئاب أو الإحباط العام أو كتعبير عكسي عن اضطراب ما بعد الصدمات الكبرى.


    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X