بوادر التجميع بعد التفريق .. قصة الخَلق ..
بوادر التجميع بعد التفريق
ان الشعوب التي عبدت الآلهة قديما ، كان منها البابليون ، ومنها الأغارقة ، ومنها المصريون ، وكذا أهل الهند . نظروا الى ظواهر الكون ففر قوها تفريقا ، فالرعد والبرق عندهم شيء . والمد والجزر عندهم شيء آخر .
والزلزلة وخروج البراكين الى سطح الأرض بأفواهها المليئة نارا ، شيء وحده . ووحده كذلك الربيع ، ووحده والشمس شيء في السماء وحده ، ووحدها الخريف . كذلك النجوم .
وأبرقت السماء ، وأرعدت ، فخال الانسان أن الها غضب ، فكان من أمره ما كان .
ولكن كل هذه الظواهر مرتبطة ارتباطا وثيقا ، فهي لا تعيش وحدها . كلها وجه من وجوه الكون الواحد .
فلو أن هؤلاء الأقدمين دروا من أمر هذا الكون ما درى الأحدثون ، لأحلوا التجميع محل التفريق ، ولأقاموا في مكان هذه الكثرة من الآلهة ، الها واحدا .
على أن هذه الشعوب بدرت منها بوادر هدفت بها ناحية الجمع . كأنها أحست بوحدة هذه الظواهر احساسا مبهما ، فظهر هذا الاحساس بأن مال بهم الى شيء من التجميع مكان التفريق .
فنحن نشاهد في آلهة الاغريق أنهم جعلوا منهم واحدا سيدا ، يأمر فيطاع الها .
وقدماء المصريين تعددت فيهم الآلهة .
ولكن حدث في منتصف الأسرة الوسطى من حكم فراعنة مصر القديمة ، أن شاع بين رجال الدين أن الاله رع ، اله الشمس ، هو الاله الأول والأوحد ، وما كان سائر الآلهة عندهم الا وجوها مختلفة من
ذلك الإله الأكبر .
وأخناتون ، فرعون مصر ، ورث عرش أبيه ، وأبى والى جانبه آلهة للشمس • وهو أن يرث أربابه . كان اله الآلهة زمان أبيه الاله « آمون » فجاء الابن الشاب بدين جديد . أعطى اسما لها قديما . سماها « آتون » . رسمه قرصا يمد بأشعته ، أشعة الحياة الى الارض خرج عن معنى الشمس الكياني الى معناها الروحي ، فجعل من آتون الها ، جب به الآلهة جميعا . وقام على كل التماثيل ، في المعابد والقصور ، وما كان أكثرها في طيبة ، العاصمة ( الأقصر اليوم ) ، يمحو منها اسم آمون وأربابه . ونفى منها صيغ الجمع فجعل الارباب ربا مفردا .
وواضح من أقوال أخناتون أنه كان يرمي ، فيما يرمي اليه ، الى تقديس الحرارة ، وتقديس النور ، وتقديس الحياة التي نمت وازدهرت بسببهما على سطح هذه الأرض .
ويقول النقاد انه في تلك العصور ما كان يفقه الناس قوانين الطبيعة في أعماق تفاصيلها كما نفهمها اليوم .
وصدق النقاد فما فهمها أخناتون ذلك الفهم ، ولكن لاشك انه هالته سيطرة الشمس على حياة هذه الارض ، وأدرك بحسه الباطني أن منها الحياة ومنها الموت وهو خاطبها ، رمزا ، كما نخاطب نحن اليوم الرب الأوحد الصمد ، في مزامير رائعة ، أشبه بمزامير التوراة . خاطب فيها آتون ، « صانع الليل والنهار » . و « خالق الانسان والحيوان » ، و
« مبدع الخلق جميعا » .
تجميع من بعد تفريق .
فرق آباؤه ، وفرّق أجداده الاله ، وجمعهم هو في اله واحد أحد .
- وفي الهند وفي الصين
وكما في اليونان ، وكما في مصر القديمة ، فكذلك
كان في سائر الأمم . في الهند والصين . وحيثما تعددت الآلهة كان هذا التعدد شيوع مبدأ الشمول المحتوي مع لهذا الوجود ، ذلك الذي لا تكاد تجمعه الى العقيدة التي تقول بتعدد الآلهة ، حتى يولد في رؤوس معتقديها فكرة أنه يوجد وراء هذه الآلهة المتعددة قوة جديدة ، مشتركة ، واذن هي تقودهم الى أن هؤلاء الآلهة ، ليسوا الحقيقة الأزلية الأبدية الواحدة ، الا هي وجوها مختلفة من تلك التي نسميها نحن الله .
- الوحدة الكونية تصبح مذهبا
كل هذا الذي وصفنا من تدرج الى معنى الاله الواحد ، دفع اليه نظر الانسان في الكون ، وتأمله في هذا الوجود .
وما العلم الحديث الا نظر في الكون وتأمل فيه .
ولم يكن حظ الأمم القديمة من العلم بالشيء الكثير . فتحقیق معنى الوحدة القائمة في الكون ، التي هي سبيل الفكر الى وحدة الله ، لم يكن عندهم من الثبوت الا بمقدار ما ثبت عندهم من علم .
و ممن تحققت عندهم فكرة الوحدة الكونية ، جماعة فئة الرواقيين ، وهي من فلاسفة الاغريق ، وهي تحققت في وقت لم يكن فيه علم الاغريق الطبيعي كثيرا ، ولكن كان حد سهم شديدا ونظرات لهم ثاقبة كانت كثيرا ما تصيب .
وممن آمن بوحدة الكون في القرون الوسطى وكتبوا فيها ، كتاب من الأديان الثلاثة الكبرى ، اليهودية والمسيحية والاسلام من اليهود القبائيون Kabbalists ومن المسيحيين عدة ، ومن المسلمين ابن رشد ( ١١٢٦ - ۱۱۹۸ ) .
وجاء عصر النهضة بأوروبا فأحيا مبدأ الوحدة الكونية بين أهلها . أحبوه متأثرين بالفلسفة الافلاطونية الجديدة ، وكان من أكمل فلاسفة هذا العهد دراسة لها الفيلسوف الهولندي اسبينوزا Spinoza ( ١٦٣١ - ١٦٧٧ ) .
وتأثر بالوحدة الكونية الأدب الأوروبي بعد ذلك ، - ( ١٧٤٩ - ۱۸۳۲ ) نجد أثرها في شعر جوته Goethe شاعر الألمان ، ووردورث Wordworth الشاعر الانجليزي ( ۱۷۷۰ - ١٨٥٠ م ) .
وتأثر بها فلاسفة القرن التاسع عشر . وفلسفة فیشته Fichte ، وفلسفة هيجل Hegel ، وفيهما اقترب كلاهما من مبدأ الوحدة الكونية اقترابا كبيرا .
هاديس رب عالم الأموات تحت الأرض ،
يحمل الفتاة الجميلة برسيفون ، بعد أن خطفها من أمها ، من فوق سطح الأرض . أسطورة من أساطير الأغريق رائعة لا مجال هنا لسردها .
بوادر التجميع بعد التفريق
ان الشعوب التي عبدت الآلهة قديما ، كان منها البابليون ، ومنها الأغارقة ، ومنها المصريون ، وكذا أهل الهند . نظروا الى ظواهر الكون ففر قوها تفريقا ، فالرعد والبرق عندهم شيء . والمد والجزر عندهم شيء آخر .
والزلزلة وخروج البراكين الى سطح الأرض بأفواهها المليئة نارا ، شيء وحده . ووحده كذلك الربيع ، ووحده والشمس شيء في السماء وحده ، ووحدها الخريف . كذلك النجوم .
وأبرقت السماء ، وأرعدت ، فخال الانسان أن الها غضب ، فكان من أمره ما كان .
ولكن كل هذه الظواهر مرتبطة ارتباطا وثيقا ، فهي لا تعيش وحدها . كلها وجه من وجوه الكون الواحد .
فلو أن هؤلاء الأقدمين دروا من أمر هذا الكون ما درى الأحدثون ، لأحلوا التجميع محل التفريق ، ولأقاموا في مكان هذه الكثرة من الآلهة ، الها واحدا .
على أن هذه الشعوب بدرت منها بوادر هدفت بها ناحية الجمع . كأنها أحست بوحدة هذه الظواهر احساسا مبهما ، فظهر هذا الاحساس بأن مال بهم الى شيء من التجميع مكان التفريق .
فنحن نشاهد في آلهة الاغريق أنهم جعلوا منهم واحدا سيدا ، يأمر فيطاع الها .
وقدماء المصريين تعددت فيهم الآلهة .
ولكن حدث في منتصف الأسرة الوسطى من حكم فراعنة مصر القديمة ، أن شاع بين رجال الدين أن الاله رع ، اله الشمس ، هو الاله الأول والأوحد ، وما كان سائر الآلهة عندهم الا وجوها مختلفة من
ذلك الإله الأكبر .
وأخناتون ، فرعون مصر ، ورث عرش أبيه ، وأبى والى جانبه آلهة للشمس • وهو أن يرث أربابه . كان اله الآلهة زمان أبيه الاله « آمون » فجاء الابن الشاب بدين جديد . أعطى اسما لها قديما . سماها « آتون » . رسمه قرصا يمد بأشعته ، أشعة الحياة الى الارض خرج عن معنى الشمس الكياني الى معناها الروحي ، فجعل من آتون الها ، جب به الآلهة جميعا . وقام على كل التماثيل ، في المعابد والقصور ، وما كان أكثرها في طيبة ، العاصمة ( الأقصر اليوم ) ، يمحو منها اسم آمون وأربابه . ونفى منها صيغ الجمع فجعل الارباب ربا مفردا .
وواضح من أقوال أخناتون أنه كان يرمي ، فيما يرمي اليه ، الى تقديس الحرارة ، وتقديس النور ، وتقديس الحياة التي نمت وازدهرت بسببهما على سطح هذه الأرض .
ويقول النقاد انه في تلك العصور ما كان يفقه الناس قوانين الطبيعة في أعماق تفاصيلها كما نفهمها اليوم .
وصدق النقاد فما فهمها أخناتون ذلك الفهم ، ولكن لاشك انه هالته سيطرة الشمس على حياة هذه الارض ، وأدرك بحسه الباطني أن منها الحياة ومنها الموت وهو خاطبها ، رمزا ، كما نخاطب نحن اليوم الرب الأوحد الصمد ، في مزامير رائعة ، أشبه بمزامير التوراة . خاطب فيها آتون ، « صانع الليل والنهار » . و « خالق الانسان والحيوان » ، و
« مبدع الخلق جميعا » .
تجميع من بعد تفريق .
فرق آباؤه ، وفرّق أجداده الاله ، وجمعهم هو في اله واحد أحد .
- وفي الهند وفي الصين
وكما في اليونان ، وكما في مصر القديمة ، فكذلك
كان في سائر الأمم . في الهند والصين . وحيثما تعددت الآلهة كان هذا التعدد شيوع مبدأ الشمول المحتوي مع لهذا الوجود ، ذلك الذي لا تكاد تجمعه الى العقيدة التي تقول بتعدد الآلهة ، حتى يولد في رؤوس معتقديها فكرة أنه يوجد وراء هذه الآلهة المتعددة قوة جديدة ، مشتركة ، واذن هي تقودهم الى أن هؤلاء الآلهة ، ليسوا الحقيقة الأزلية الأبدية الواحدة ، الا هي وجوها مختلفة من تلك التي نسميها نحن الله .
- الوحدة الكونية تصبح مذهبا
كل هذا الذي وصفنا من تدرج الى معنى الاله الواحد ، دفع اليه نظر الانسان في الكون ، وتأمله في هذا الوجود .
وما العلم الحديث الا نظر في الكون وتأمل فيه .
ولم يكن حظ الأمم القديمة من العلم بالشيء الكثير . فتحقیق معنى الوحدة القائمة في الكون ، التي هي سبيل الفكر الى وحدة الله ، لم يكن عندهم من الثبوت الا بمقدار ما ثبت عندهم من علم .
و ممن تحققت عندهم فكرة الوحدة الكونية ، جماعة فئة الرواقيين ، وهي من فلاسفة الاغريق ، وهي تحققت في وقت لم يكن فيه علم الاغريق الطبيعي كثيرا ، ولكن كان حد سهم شديدا ونظرات لهم ثاقبة كانت كثيرا ما تصيب .
وممن آمن بوحدة الكون في القرون الوسطى وكتبوا فيها ، كتاب من الأديان الثلاثة الكبرى ، اليهودية والمسيحية والاسلام من اليهود القبائيون Kabbalists ومن المسيحيين عدة ، ومن المسلمين ابن رشد ( ١١٢٦ - ۱۱۹۸ ) .
وجاء عصر النهضة بأوروبا فأحيا مبدأ الوحدة الكونية بين أهلها . أحبوه متأثرين بالفلسفة الافلاطونية الجديدة ، وكان من أكمل فلاسفة هذا العهد دراسة لها الفيلسوف الهولندي اسبينوزا Spinoza ( ١٦٣١ - ١٦٧٧ ) .
وتأثر بالوحدة الكونية الأدب الأوروبي بعد ذلك ، - ( ١٧٤٩ - ۱۸۳۲ ) نجد أثرها في شعر جوته Goethe شاعر الألمان ، ووردورث Wordworth الشاعر الانجليزي ( ۱۷۷۰ - ١٨٥٠ م ) .
وتأثر بها فلاسفة القرن التاسع عشر . وفلسفة فیشته Fichte ، وفلسفة هيجل Hegel ، وفيهما اقترب كلاهما من مبدأ الوحدة الكونية اقترابا كبيرا .
هاديس رب عالم الأموات تحت الأرض ،
يحمل الفتاة الجميلة برسيفون ، بعد أن خطفها من أمها ، من فوق سطح الأرض . أسطورة من أساطير الأغريق رائعة لا مجال هنا لسردها .
تعليق