وحدة الله تتراءى في وحدة خلقه
لا أحسب أن أحدا ، عاش هذه الحياة التي نعيشها ، الا وأدرك أن هذا الوجود غامض .
إن الطفل يدرك غموضه وهو لم يعرف بعد منه الا قليلا ، وهو يبدأ يسأل الأسئلة التي تنبىء عن ذكاء تلك التي نعتبرها أحيانا « فوق قدر نموه » ، ونجيبه عليها بمقدار ما يفهم . ولكنه كثيرا ما يسأل الاسئلة المحرجة التي يجب أن نعترف بأنها « فوق نمونا نحن » ، ونجيبه عليها بمقدار ما نفهم ، وما أقل في هذه الأمور ما نفهم .
وينشأ الطفل فيصبح صبيا ، واذا بالصبي يافع ، واذا اليافع شاب ورجل . ويقل سؤاله ايانا نحن الآباء أولا لأنا عودناه على أن يكتفي في الأمور المتصلة بأصول هذا الوجود بالجواب غير الشافي ، ثم انه أصبح هو قادرا بحكم النمو على استخراج الجواب غير الشافي . وثانيا ، لأنه باشتغاله بالعيش ، تلهى ، وأصبحت أسئلته التي تتصل بواقع العيش ، الذي هو حاضر هذا الوجود ، أخطر عنده وأملاً لزمانه ، من أسئلة تتصل بماضي هذا الوجود ، بأزله ، وكذا بمستقبل هذا الوجود ، وأبده .
- في الأزمات
الاَّ في الأزمات ، فهو يتنبه من تلهيه ويستيقظ من
غفوته .
في موت ابن له أو ابنة ، أو موت أب أو أم • أو موت أخ أو أخت . أو موت زوجة حبيبة وأحيانا الصديق . موت من كان ارتبط بالقلب بوثاق شديد ، ثم انكسر الوثاق بغتة .
أزمات يقف أمامها العقل يسأل . . ويسأل ، ويريد أن يعلم . والعلم درجات . وهي تبدأ بعلم كالجهل .
صيغ من كلام لا هدف له الا التعليل . كالمرأة الفقيرة التي فوجدها تعلل أبناءها الجياع بالماء يغلي فوق جاءها عمر النار ولا طعام فيه . والعلم تنتهي درجاته بما تطمئن به القلوب ، ذلك الاطمئنان الذي حكاه القرآن عن ابراهيم وهو يخاطب ربه : « واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أولم تؤمن ، قال بلى ، ولكن ليطمئن قلبي » . ( سورة البقرة ٢٦٠ ) .
ومن الأزمات التي يتنبه فيها الانسان من تلهيه
بعيشه ، ويستيقظ فيها من غفوته ، المرض الذي يصيب عزيزا عليه يهدد بالفراق ، أو يصيبه هو فتأخذه الرهبة من نهاية لم يكن يذكرها على الصحة قط ، وكانت من البعد عن الفكر بحيث تهون ، فاذا بها حاضرة . واذا به يفكر في غد لا يكون هو فيه ، ويكون فيه وحدهم أولاد له وبنات ، أو أخوة صغار له أو أخوات .
ومن الأزمات مصائب الدهر . وأحداث الزمان مريبة ، نسميها أقدارا ، ونضعها في كفة ميزان للعدالة فيتراءى لنا أن الميزان لا يستقيم . وقد كنا نحسب هذا الوجود عدالة واستقامة .
- وعلى الراحة في غير الأزمات
وفي غير الأزمات ، وحتى على الراحة والدعة ، قد يفرغ الانسان من هموم الرزق ، ومتاعب العيش ، فتتفتح في رأسه طاقات للفكر تنطلق منها أشعة نفاذة ، تنفذ في باطن الأشياء ، فلا تقف عند ظواهرها ، ولا يعوقها في مسيرها في أعماق الأمور عائق .
انه الفكر الذي يقف امام غوامض هذا الكون وجها لوجه .
انه الفكر الذي يعمل ، لا ليكسب وجبة من الطعام شهية ، ولكن وجبة من المعرفة ثرية .
ان الانسان ، بالجسم ، والصنعة الرائعة التي فيه تميز عن سائر الحيوان وهو بالفكر ازداد تميزا . وهو بالفكر في ممارسة العيش نفع وانتفع . ولكنه عمل فيما بان من الأشياء وظهر . • وغير ذلك الفكر فيما هو اخفى ، فيما لا تراه عين ولا تسمعه اذن . الفكر فيما وراء الستائر والحجب . فهذا هو الفكر في أعلى مراقيه ، وأصعب مراقيه ، ولسنا نعلم مخلوقا غير الانسان يستطيع ان يرقى هذه المراقي ولو خطوات معدودة .
- وقديما حاول الانسان أن يفسر وهو الى اليوم لم ينته من تفسير
وحاول الانسان أن يفسر هذا الوجود ، الذي هو فيه موجود ، منذ القدم : الحياة والموت . الغنى والفقر .
سعادة العيش لقوم والشقاء لقوم . رجل يعمل الخير فیلقى شرا ، ورجل يعمل الشر فيلقى خيرا . امراض تعيث في الناس فلا تكاد تبقي على احد ، ثم هي تقلع . وتأتي بغير استئذان ، وتقلع بغير استئذان ايجاد وافناء مختلطان ، هدفان متناقضان . وزلزلة تحيق ببلد فتجعل عالیه سافلا بدون حكم قضاء ظاهر . وطوفان من السماء يغرق الناس بغير ذنب بين جنوه .
بركان يحرق ، وبحر يفيض ويغرق ویرفع الانسان يديه الى السماء ، ودائما الى السماء ، يسأل : لماذا ، لماذا ؟ ولا يأتيه جواب .
والزمن ؟ يفكر الانسان ، في خلوته ، في الزمن .
ما الزمن ؟ فلا يدري ما الزمن ، ومع هذا هو يتحدث عن الزمن ، عن أيامه وساعاته وسنواته ، حدیث الأشياء التي هو أكثر معرفة لها واكثر الفة بها . انه الجهل الذي تقوم عليه الألفاظ فتفلفه بحروف تقرأ وتقال وتسمع هي الأسماء ، فيظهر بذلك كأنه العلم ، اوثق العلم ، وما هو بذاك .
ويربط الانسان الزمن بدوران الأرض . لا ، عفوا ، فالأرض ما تدور في عينيه ظاهرا . ان هذا علم سبيله الفكر العميق . الفكر الذي يحاول أن ينفذ فيما وراء الحجب ، فيكشف عن خبايا الوجود .
أقول ويربط الانسان الزمن بالسماء . بنورها وظلمتها ، هذا نهارا ، وتلك ليلا . ويربط الزمن ويسمي بالقمر ، فينشأ عنده معنى الشهر . ثم يربطه بمجرى الشمس في أبراجها بين النجوم ، واختلاف الفصول ، فينشأ عنده معنى العام .
قاس الزمن ، وهو ما دری ما الزمن .
كذلك قاس الانسان الكهرباء ، قبل أن يعرف ما الكهرباء .
- وبقيت السماء أشد شيء دغدغة للفكر
وبقيت السماء أروع شيء في فكر الانسان ، وبقيت أخفى شيء . وبقيت أشد شيء دغدغة للفكر . والصواعق السماء ، ونزل منها الماء ومعه الفرق ، وخال نزلت من الانسان القديم أن منها هبت الزوابع . فأصبحت السماء أكثر أشياء الوجود رهبة .
ونجوم السماء ، مصابيح الليل ، انتثرت على سقف أسود ، فهال الانسان جمالها .
وأصبحت السماء موضع الجمال والرهبة معا موضع الاغراء والخوف ، وموضع الرجاء واليأس •
لا أحسب أن أحدا ، عاش هذه الحياة التي نعيشها ، الا وأدرك أن هذا الوجود غامض .
إن الطفل يدرك غموضه وهو لم يعرف بعد منه الا قليلا ، وهو يبدأ يسأل الأسئلة التي تنبىء عن ذكاء تلك التي نعتبرها أحيانا « فوق قدر نموه » ، ونجيبه عليها بمقدار ما يفهم . ولكنه كثيرا ما يسأل الاسئلة المحرجة التي يجب أن نعترف بأنها « فوق نمونا نحن » ، ونجيبه عليها بمقدار ما نفهم ، وما أقل في هذه الأمور ما نفهم .
وينشأ الطفل فيصبح صبيا ، واذا بالصبي يافع ، واذا اليافع شاب ورجل . ويقل سؤاله ايانا نحن الآباء أولا لأنا عودناه على أن يكتفي في الأمور المتصلة بأصول هذا الوجود بالجواب غير الشافي ، ثم انه أصبح هو قادرا بحكم النمو على استخراج الجواب غير الشافي . وثانيا ، لأنه باشتغاله بالعيش ، تلهى ، وأصبحت أسئلته التي تتصل بواقع العيش ، الذي هو حاضر هذا الوجود ، أخطر عنده وأملاً لزمانه ، من أسئلة تتصل بماضي هذا الوجود ، بأزله ، وكذا بمستقبل هذا الوجود ، وأبده .
- في الأزمات
الاَّ في الأزمات ، فهو يتنبه من تلهيه ويستيقظ من
غفوته .
في موت ابن له أو ابنة ، أو موت أب أو أم • أو موت أخ أو أخت . أو موت زوجة حبيبة وأحيانا الصديق . موت من كان ارتبط بالقلب بوثاق شديد ، ثم انكسر الوثاق بغتة .
أزمات يقف أمامها العقل يسأل . . ويسأل ، ويريد أن يعلم . والعلم درجات . وهي تبدأ بعلم كالجهل .
صيغ من كلام لا هدف له الا التعليل . كالمرأة الفقيرة التي فوجدها تعلل أبناءها الجياع بالماء يغلي فوق جاءها عمر النار ولا طعام فيه . والعلم تنتهي درجاته بما تطمئن به القلوب ، ذلك الاطمئنان الذي حكاه القرآن عن ابراهيم وهو يخاطب ربه : « واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أولم تؤمن ، قال بلى ، ولكن ليطمئن قلبي » . ( سورة البقرة ٢٦٠ ) .
ومن الأزمات التي يتنبه فيها الانسان من تلهيه
بعيشه ، ويستيقظ فيها من غفوته ، المرض الذي يصيب عزيزا عليه يهدد بالفراق ، أو يصيبه هو فتأخذه الرهبة من نهاية لم يكن يذكرها على الصحة قط ، وكانت من البعد عن الفكر بحيث تهون ، فاذا بها حاضرة . واذا به يفكر في غد لا يكون هو فيه ، ويكون فيه وحدهم أولاد له وبنات ، أو أخوة صغار له أو أخوات .
ومن الأزمات مصائب الدهر . وأحداث الزمان مريبة ، نسميها أقدارا ، ونضعها في كفة ميزان للعدالة فيتراءى لنا أن الميزان لا يستقيم . وقد كنا نحسب هذا الوجود عدالة واستقامة .
- وعلى الراحة في غير الأزمات
وفي غير الأزمات ، وحتى على الراحة والدعة ، قد يفرغ الانسان من هموم الرزق ، ومتاعب العيش ، فتتفتح في رأسه طاقات للفكر تنطلق منها أشعة نفاذة ، تنفذ في باطن الأشياء ، فلا تقف عند ظواهرها ، ولا يعوقها في مسيرها في أعماق الأمور عائق .
انه الفكر الذي يقف امام غوامض هذا الكون وجها لوجه .
انه الفكر الذي يعمل ، لا ليكسب وجبة من الطعام شهية ، ولكن وجبة من المعرفة ثرية .
ان الانسان ، بالجسم ، والصنعة الرائعة التي فيه تميز عن سائر الحيوان وهو بالفكر ازداد تميزا . وهو بالفكر في ممارسة العيش نفع وانتفع . ولكنه عمل فيما بان من الأشياء وظهر . • وغير ذلك الفكر فيما هو اخفى ، فيما لا تراه عين ولا تسمعه اذن . الفكر فيما وراء الستائر والحجب . فهذا هو الفكر في أعلى مراقيه ، وأصعب مراقيه ، ولسنا نعلم مخلوقا غير الانسان يستطيع ان يرقى هذه المراقي ولو خطوات معدودة .
- وقديما حاول الانسان أن يفسر وهو الى اليوم لم ينته من تفسير
وحاول الانسان أن يفسر هذا الوجود ، الذي هو فيه موجود ، منذ القدم : الحياة والموت . الغنى والفقر .
سعادة العيش لقوم والشقاء لقوم . رجل يعمل الخير فیلقى شرا ، ورجل يعمل الشر فيلقى خيرا . امراض تعيث في الناس فلا تكاد تبقي على احد ، ثم هي تقلع . وتأتي بغير استئذان ، وتقلع بغير استئذان ايجاد وافناء مختلطان ، هدفان متناقضان . وزلزلة تحيق ببلد فتجعل عالیه سافلا بدون حكم قضاء ظاهر . وطوفان من السماء يغرق الناس بغير ذنب بين جنوه .
بركان يحرق ، وبحر يفيض ويغرق ویرفع الانسان يديه الى السماء ، ودائما الى السماء ، يسأل : لماذا ، لماذا ؟ ولا يأتيه جواب .
والزمن ؟ يفكر الانسان ، في خلوته ، في الزمن .
ما الزمن ؟ فلا يدري ما الزمن ، ومع هذا هو يتحدث عن الزمن ، عن أيامه وساعاته وسنواته ، حدیث الأشياء التي هو أكثر معرفة لها واكثر الفة بها . انه الجهل الذي تقوم عليه الألفاظ فتفلفه بحروف تقرأ وتقال وتسمع هي الأسماء ، فيظهر بذلك كأنه العلم ، اوثق العلم ، وما هو بذاك .
ويربط الانسان الزمن بدوران الأرض . لا ، عفوا ، فالأرض ما تدور في عينيه ظاهرا . ان هذا علم سبيله الفكر العميق . الفكر الذي يحاول أن ينفذ فيما وراء الحجب ، فيكشف عن خبايا الوجود .
أقول ويربط الانسان الزمن بالسماء . بنورها وظلمتها ، هذا نهارا ، وتلك ليلا . ويربط الزمن ويسمي بالقمر ، فينشأ عنده معنى الشهر . ثم يربطه بمجرى الشمس في أبراجها بين النجوم ، واختلاف الفصول ، فينشأ عنده معنى العام .
قاس الزمن ، وهو ما دری ما الزمن .
كذلك قاس الانسان الكهرباء ، قبل أن يعرف ما الكهرباء .
- وبقيت السماء أشد شيء دغدغة للفكر
وبقيت السماء أروع شيء في فكر الانسان ، وبقيت أخفى شيء . وبقيت أشد شيء دغدغة للفكر . والصواعق السماء ، ونزل منها الماء ومعه الفرق ، وخال نزلت من الانسان القديم أن منها هبت الزوابع . فأصبحت السماء أكثر أشياء الوجود رهبة .
ونجوم السماء ، مصابيح الليل ، انتثرت على سقف أسود ، فهال الانسان جمالها .
وأصبحت السماء موضع الجمال والرهبة معا موضع الاغراء والخوف ، وموضع الرجاء واليأس •
تعليق