هذه الأرض التي تعيش عليها .. كم تعرف عنها وكم تريد ان تستزيد
جواب هذا السؤال يتوقف على من أنت ؟
- زارع الأرض اكتفى من علم الأرض بعلم تربتها
هذا زارع يزرع الارض ، للحب تارة ، وللبقل تارة ، وللشجر تارة .
فهذا لا يهمه من علم الارض الا علم تربتها ، بالمقدار الذي تسلكه تلك الجذور ، عميقة او ضحلة ، في الارض . أما ما تحت ذلك فلا يعنيه منه ان يكون ما يكون ، الا أن يتصل ذلك بتصريف ماء سقی به ارضه . وهو لاشك اكثر طلبا لمعرفة ما في السماء بعد ذلك القدر الذي عرفه من الأرض ، لأن السماء تمطر فتسقي زرعه . وهو يريد علم السماء بمقدار ما تسقي او تمنع من سقيا ، فهو لا يريد فوق السحاب ذهابا .
قشرة رقيقة جدا ، بضعة أمتار ، هي کل هم الانسان الاول من علم الارض ، لطعامه وكسائه ، ولتربية حيوانه . وقد يزيد عمقا في الأرض يطلب الماء حين يعز الماء .
- وباني البيت اكتفى من علم الارض باستخلاص الحجر من قشرتها
وجاء الرجل يبني مساكنه فوجد في حجر تلك القشرة الغاية ، او هو وجدها في تربتها ، في طينها ، محروقا او غير محروق . لم تهبط به حاجة المسكن دون ما هبطت به في الارض حاجة الطعام والشراب .
( ۱ ) هذه كلها خطوات نقلت العيش من بساطته التي كانت الى تعقده الذي هو كائن . وهنا يتبادر السؤال : هل صار الانسان بهذا أحسن حالا ؟
وليس من أحد يستطيع أن يجيب على هذا جوابا شافيا صادقا . لان الجواب الصادق الشافي لا يمكن أن يصدر الا عن رجل مارس هذا .
- ثم حفر الانسان عن المعدن والفحم والزيت
ووقع هذا الانسان على الوان من الأرض ، وجدها تعالج فتخرج ما أسماه المعادن : الحديد والنحاس واشباه لهما ووجدها أول الأمر عند سطح الأرض . ثم وجدها تغوص فغاص وراءها .. وبدا يتعلم كيف يحفر وكيف يتعمق .
ثم جاء الحفر وراء الزيت آخر الامر وامتد زمانه وبالمعادن ، ومنها اجسام الآلات والمكنات ، وبالفحم والزيت ، ومنهما طاقة المحركات وروح هذه الآلات والمكنات ، قامت الصناعات الميكانيكية ، وعلى الصناعات قامت هذه المدنية .
يتراءى من ذلك ، ولو ظاهرا ، ان هدف الانسان الأول كان النفع والفائدة يجنيها من تعمقه في الأرض .
- ورجال طلبوا علما خالصا
تلك ولكن الى جانب هؤلاء الرجال ، كان رجال هدفهم الاول علم هذه الارض . . علم هذه القشرة الارضية ، كان من ذلك نفع او لم يكن نفع . وساحوا في الارض فوجدوا السهول ، ووجدوا الهضاب ، ووجدوا الجبال ووجدوا الوديان . ووجدوا ان الارض ، في كثير من المواقع ، في القديم من الازمان ، قد تكسرت قشرتها ، وعلا منها ما علا ، وهبط ما هبط ، وبقي قائما على سيفه ما بقي فكشفت الارض بذلك عن طبقات في قشرتها عميقة ما كان في مقدور الانسان ان يقلبها هذا القلب ، او ان يزعجها هذا الازعاج ، كما فعلت هذه القرى الهائلة المزلزلة للطبيعة .
ثم هذا . وهذا لم يقع لانسان والذين يتخلون من حياة المدنية المعقدة الحاضرة ، الى حياة القرية المبسطة ، يحسبون انهم انتقلوا من حال الى حال ، وما فعلوا . ففي الريف الذي انتقلوا اليه امتدت ثمرات المدنية أصفى ما تكون ، وأهدأ ما تكون ، ولكن كذلك اعقد ما تكون . والفرق هو في انهم خلفوا عقدها في المدينة ، ونعموا في القرية بثمرات هذه العقد من بعيد .
وفي القرن الماضي ، القرن التاسع عشر ، تفرغ رجال من أهل العلم لدراسة ما انقلب هكذا رأسا على عقب من طبقات سطح الأرض ، وما عراه من سطح الأرض الماء ، وما عراه الريح والهواء . وبدأ علم الأرض .. علم طبقاتها .. علم الجيولوجيا ، بدا يتشكل علما مفصلا له برنامجه ، وله الأسلوب العلمي الذي كان قد صار لسائر فروع . العلم أسلوبا .
وخرج لنا هؤلاء العلماء ، علماء القرن الماضي ، بأشياء كثيرة عن قشرة هذه الأرض القريبة ، ليس من أقلها أن الكثير منها رواسب تكونت في قيعان بحار ، وبعضها تحول . والكثير من هذه الطبقات احتوى بقايا من تلك الأحياء التي عاشت في تلك الأزمان ، وحفظتها الطبقات زمنا بعد زمن . ومن هذه خرج العلماء بتاريخ سطح الأرض ، والأحياء التي عاشت على سطح الأرض ، مرتبة عصرا من فوق عصر ، في حقبة من الزمان امتدت الى نحو ٥٠٠ مليون عام .
ومن مقارنة هذه الاحياء ، ومن تتابعها ، خرج العلماء بنظرية النشوء والارتقاء .
- نتائج نافعة وغير نافعة
ستقول نتائج غير نافعة لا تشبع من جوع .
واقول نعم ، بالرغم مما كان لها من نتائج ، نافعة تشبع من جوع ، خرجت من جوانبها لا تمت الى هدفها الكبير بالشيء الكثير .
اقول نعم ، انها غير نافعة ، بمعنى ذلك النفع الذي لا يكون الا اذا هو اتصل بغذاء أو كساء أو مسكن ، أو بلذة من لذائذ الأجسام .
ثم أقول بل هي نافعة نفعا فوق كل هذه المنافع لانها تتصل بلذة من لذائذ العقل والروح ، ذلك التطلع الطبيعي الذي تتطلعه عقول بني الناس بحكم فطرتهم وفي درجات من الرقي الانساني معلومة ، الى المعرفة ولو لم تشبع بطنا او تدفىء ظهرا .
وهنا أعود الى السؤال : كم تعرف من الأرض التي انت عليها ، وكم تريد ان تستزيد ؟
الجواب : هذا يتوقف على من انت ؟
فانت ، ان كنت ممن يرى أن المعرفة يجب أن تقف حيث يقف النفع ، فلك ذلك .
وانت وان كنت ممن يرى أن المعرفة لا تقف عنــد ذلك ، بل لها الكون أجمع موضعا يجول فيه العقل ويصول ، فلك ذلك .
وأنت تكون بهذا مع الرعيل الذي لا يكتفي بممارسة الحياة ، ويريد ان يكشف عن سر الحياة ، وسر الوجود ، وسر هذا الكون ، وما وراءه .
- يحرقون الأرض ليروا بأعينهم ما فيها وليطمَئِن قلبي .
جواب هذا السؤال يتوقف على من أنت ؟
- زارع الأرض اكتفى من علم الأرض بعلم تربتها
هذا زارع يزرع الارض ، للحب تارة ، وللبقل تارة ، وللشجر تارة .
فهذا لا يهمه من علم الارض الا علم تربتها ، بالمقدار الذي تسلكه تلك الجذور ، عميقة او ضحلة ، في الارض . أما ما تحت ذلك فلا يعنيه منه ان يكون ما يكون ، الا أن يتصل ذلك بتصريف ماء سقی به ارضه . وهو لاشك اكثر طلبا لمعرفة ما في السماء بعد ذلك القدر الذي عرفه من الأرض ، لأن السماء تمطر فتسقي زرعه . وهو يريد علم السماء بمقدار ما تسقي او تمنع من سقيا ، فهو لا يريد فوق السحاب ذهابا .
قشرة رقيقة جدا ، بضعة أمتار ، هي کل هم الانسان الاول من علم الارض ، لطعامه وكسائه ، ولتربية حيوانه . وقد يزيد عمقا في الأرض يطلب الماء حين يعز الماء .
- وباني البيت اكتفى من علم الارض باستخلاص الحجر من قشرتها
وجاء الرجل يبني مساكنه فوجد في حجر تلك القشرة الغاية ، او هو وجدها في تربتها ، في طينها ، محروقا او غير محروق . لم تهبط به حاجة المسكن دون ما هبطت به في الارض حاجة الطعام والشراب .
( ۱ ) هذه كلها خطوات نقلت العيش من بساطته التي كانت الى تعقده الذي هو كائن . وهنا يتبادر السؤال : هل صار الانسان بهذا أحسن حالا ؟
وليس من أحد يستطيع أن يجيب على هذا جوابا شافيا صادقا . لان الجواب الصادق الشافي لا يمكن أن يصدر الا عن رجل مارس هذا .
- ثم حفر الانسان عن المعدن والفحم والزيت
ووقع هذا الانسان على الوان من الأرض ، وجدها تعالج فتخرج ما أسماه المعادن : الحديد والنحاس واشباه لهما ووجدها أول الأمر عند سطح الأرض . ثم وجدها تغوص فغاص وراءها .. وبدا يتعلم كيف يحفر وكيف يتعمق .
ثم جاء الحفر وراء الزيت آخر الامر وامتد زمانه وبالمعادن ، ومنها اجسام الآلات والمكنات ، وبالفحم والزيت ، ومنهما طاقة المحركات وروح هذه الآلات والمكنات ، قامت الصناعات الميكانيكية ، وعلى الصناعات قامت هذه المدنية .
يتراءى من ذلك ، ولو ظاهرا ، ان هدف الانسان الأول كان النفع والفائدة يجنيها من تعمقه في الأرض .
- ورجال طلبوا علما خالصا
تلك ولكن الى جانب هؤلاء الرجال ، كان رجال هدفهم الاول علم هذه الارض . . علم هذه القشرة الارضية ، كان من ذلك نفع او لم يكن نفع . وساحوا في الارض فوجدوا السهول ، ووجدوا الهضاب ، ووجدوا الجبال ووجدوا الوديان . ووجدوا ان الارض ، في كثير من المواقع ، في القديم من الازمان ، قد تكسرت قشرتها ، وعلا منها ما علا ، وهبط ما هبط ، وبقي قائما على سيفه ما بقي فكشفت الارض بذلك عن طبقات في قشرتها عميقة ما كان في مقدور الانسان ان يقلبها هذا القلب ، او ان يزعجها هذا الازعاج ، كما فعلت هذه القرى الهائلة المزلزلة للطبيعة .
ثم هذا . وهذا لم يقع لانسان والذين يتخلون من حياة المدنية المعقدة الحاضرة ، الى حياة القرية المبسطة ، يحسبون انهم انتقلوا من حال الى حال ، وما فعلوا . ففي الريف الذي انتقلوا اليه امتدت ثمرات المدنية أصفى ما تكون ، وأهدأ ما تكون ، ولكن كذلك اعقد ما تكون . والفرق هو في انهم خلفوا عقدها في المدينة ، ونعموا في القرية بثمرات هذه العقد من بعيد .
وفي القرن الماضي ، القرن التاسع عشر ، تفرغ رجال من أهل العلم لدراسة ما انقلب هكذا رأسا على عقب من طبقات سطح الأرض ، وما عراه من سطح الأرض الماء ، وما عراه الريح والهواء . وبدأ علم الأرض .. علم طبقاتها .. علم الجيولوجيا ، بدا يتشكل علما مفصلا له برنامجه ، وله الأسلوب العلمي الذي كان قد صار لسائر فروع . العلم أسلوبا .
وخرج لنا هؤلاء العلماء ، علماء القرن الماضي ، بأشياء كثيرة عن قشرة هذه الأرض القريبة ، ليس من أقلها أن الكثير منها رواسب تكونت في قيعان بحار ، وبعضها تحول . والكثير من هذه الطبقات احتوى بقايا من تلك الأحياء التي عاشت في تلك الأزمان ، وحفظتها الطبقات زمنا بعد زمن . ومن هذه خرج العلماء بتاريخ سطح الأرض ، والأحياء التي عاشت على سطح الأرض ، مرتبة عصرا من فوق عصر ، في حقبة من الزمان امتدت الى نحو ٥٠٠ مليون عام .
ومن مقارنة هذه الاحياء ، ومن تتابعها ، خرج العلماء بنظرية النشوء والارتقاء .
- نتائج نافعة وغير نافعة
ستقول نتائج غير نافعة لا تشبع من جوع .
واقول نعم ، بالرغم مما كان لها من نتائج ، نافعة تشبع من جوع ، خرجت من جوانبها لا تمت الى هدفها الكبير بالشيء الكثير .
اقول نعم ، انها غير نافعة ، بمعنى ذلك النفع الذي لا يكون الا اذا هو اتصل بغذاء أو كساء أو مسكن ، أو بلذة من لذائذ الأجسام .
ثم أقول بل هي نافعة نفعا فوق كل هذه المنافع لانها تتصل بلذة من لذائذ العقل والروح ، ذلك التطلع الطبيعي الذي تتطلعه عقول بني الناس بحكم فطرتهم وفي درجات من الرقي الانساني معلومة ، الى المعرفة ولو لم تشبع بطنا او تدفىء ظهرا .
وهنا أعود الى السؤال : كم تعرف من الأرض التي انت عليها ، وكم تريد ان تستزيد ؟
الجواب : هذا يتوقف على من انت ؟
فانت ، ان كنت ممن يرى أن المعرفة يجب أن تقف حيث يقف النفع ، فلك ذلك .
وانت وان كنت ممن يرى أن المعرفة لا تقف عنــد ذلك ، بل لها الكون أجمع موضعا يجول فيه العقل ويصول ، فلك ذلك .
وأنت تكون بهذا مع الرعيل الذي لا يكتفي بممارسة الحياة ، ويريد ان يكشف عن سر الحياة ، وسر الوجود ، وسر هذا الكون ، وما وراءه .
- يحرقون الأرض ليروا بأعينهم ما فيها وليطمَئِن قلبي .
تعليق