تجارة رهيبة في عِظام لأقوام ذهَبوا لينتفع بها اقوام حَضَروا ..
كان هذا لسنين خلون .
كنت بمدينة شيكاغو ، أدور وأزور .
قال صاحب ضيافتي : عندنا اليوم ساعتان من فراغ ، نزور فيهما معهدا يتصل بما أنت فيه من قريب .
وفي الموعد المضروب كنا هناك .
كان المكان شيئا ، بين المعهد والمصنع ، ولست اسمیه ، لسبب ظاهر وهو لا يزال قائما الى اليوم .
وهو أحد معهدين مشهورين كبيرين في الولايات المتحدة . يصنعان هياكل من عظام بني آدم ، يبيعانها لتدرس عليها طوائف من بني آدم حاضرة ، كيف صنع ويصنع الله هياكل لطوائف من بني آدم غابرة .
والمفروض بالطبع أن الله لا يغير في هياكل الناس بين جيل وجيل ، والا لفسدت الدراسة .
- وشرد ذهني
وكان رجل المصنع يحدثنا عن هذه الهياكل كيف يهيئها ، وكيف يجمعها ، وكان فكري شاردا فيما وراء ما يقول ، وزاده شرودا قولة ، قالها صاحبنا هذا :
قال : ليس في هذه الهياكل هيكل امريكي واحد .
وتوقف ذهني . ماذا يريد أن يقول الرجل . ايريد أن يقول ان استخدام هياكل الموتى عـلى هـذا النحو امتهان ، وان الهيكل الأمريكي اعفاه هذا المصنع من ان يكون موضع امتهان ؟ !
ولكن رجل المصنع ما لبث أن قال : ان القانون الأمريكي يحرم التجارة بهياكل الموتى الأمريكيين .
وسألت : فمن اين لكم هذه الهياكل اذن ؟
قال : كانت تأتينا قبلا مباشرة من هنغاريا ، ومن
، النمسا ، ومن المكسيك ، ومن الهند ، ومن كل مكان . يحتمل في الأرض ، الا الولايات المتحدة اما الآن فقد تهيأت لاستيرادها اسواق اخرى .
من تلك العقد الكثيرة التي عقدة عندئذ تراءت لي اجدها عندما أنظر فيما يفكر فيه الناس ، وفي الأسلوب الذي به يفكرون ، وفي النتائج التي اليها بالفكر ينتهون . نقائض احتار في تفسيرها ، كيف تجوز على العقول .
منع الاتجار بهياكل الانسان ، استطيع ان افهم انه احترام للانسان ، واقبل هذا على علاته . ولكن أن تتدخل الوطنية بعد ذلك ، فتمنع ما تراه امتهانا للعظم الأمريكي ، في حين أنها تستبيحه فيما يتصل بالعظم الأجنبي ، فأمر لم يسفه عقلي ، على كثرة ما يسيغ ويبلع غصبا من آراء .
- لمن هذا الهيكل ؟ ثم هذا ؟
وسألت صاحبي : لمن هذا الهيكل ؟ ثم لمن هذا ؟ وهذا ؟
واضطر صاحبنا الى الرجوع الى سجلاته . لم يتبين على الفور لمن هي . تفارقت الأوطان .. وتشابهت العظام وتمثلت في كل هيكل من كل هذه الهياكل حياة ، اختلفت شمسا ، واختلفت أرضا ، واختلفت سحنة ، واختلفت لسانا ، واختلفت افكارا وأعمالا ، واختلفت حظوظا ، مكاسب ، ومخاسر ، وتجمع من كل حياة سجل يحكي عن أحداثها عظيم . ثم جاء الموت . فاحترقت بذلك السجلات المختلفة كل الاختلاف ، ولم يبق منها جميعا الا رماد .
وتشابهت الأرمدة ، لأنها أرمدة أوراق وأحبار سواء .
فهذه هي الهياكل الباقية .
عظام لأقوام ذهبوا لينتفع بها اقوام حضروا .
ومع هذا ، فلا نفتأ نلاحق هذه الهياكل بنزوات الانسان ، فهذا هيكل أمريكي فله احترام ، وهذا آخر الماني أو هندي او مكسيكي ، فلا نبالي ان يكون له احترام ونتجر به لينتفع أولادنا في علم وفي طب ، أو امتهان . ولينتفع من علمهم بعد ذلك الأحياء .
وعدت الاحق رجل المصنع فيما يحكي .
افکار مرت بخاطري وصاحب زيارتنا يشرح لنا من هذه الهياكل ما يشرح . والخاطر يمر بالذهن فلا يلبث الا ثواني ، فاذا انت كتبته لبث دقائق قد تمتد ساعات .
سرحت بي هذه الأفكار ، ثم ما لبثت أن عدت الاحق رجل المصنع فيما يقول .
- عند صندوق من عظام
كان الرجل هدف إلى صندوق مليء بالعظام .
وقف عند هذا الصندوق يقول : ان المصنع يشترط عند التوريد أن يصله الصندوق الواحد وبه كل عظام الهيكل الانساني كاملة ويشترط كذلك أن تكون كل العظام لانسان واحد ، والا تباينت الاجزاء ، واختلفت أطوالها عند التجميع .
- و عظام على مائدة منثورة
وسار بنا الى مائدة عليها العظام منثورة .
ولفتنا أول ما لفتنا لون العظام لقد كانت بيضاء لا شية فيها ، أقرب ما تكون الى لون الطباشير .
قال : اننا نعالج العظام جميعا عندما تأتينا بفوق الاكسيد ، وهي مادة كيماوية ، تعمل على تنظيف العظم ، وازالة ما قد يكون علق به من لحم ، ثم تبيضه هذا البياض الذي ترون .
وقال : وهذه العظام التي على هذه المائدة تؤلف هيكلا كاملا . والهيكل الكامل به اكثر من مائتي قطعة من عظم .
- ثم الى حيث الجماجم
وذهب بنا الرجل الى حيث الجماجم .
قال : ان للجمجمة وحدها سوقا . والجمجمة تتألف من ثماني قطع من العظام ، تشتبك واحدة بالاخرى اشتباكا ، والمخ في داخلها . ان المخ شيء عظيم . ولكنه شيء رقيق ، سهل التصدع ، لهذا هو في هذه الخزانة التي نسميها الجمجمة محفوظ .
والجمجمة غير الراس . فالرأس يحتوي على الجمجمة والوجه . والوجه به أربع عشرة عظمة ، لا يتحرك منها غير الفك الأسفل . أما سائرها فمشدود بعضه الى بعض .
و من الرأس ذهب بنا الرجل الى الهيكل الكامل ، وقد تعلق من جمجمته تعلق الرجل المشنوق .
وراح يصف ما في هذا الهيكل من صنع هادف .
فهو محوري البناء . محوره العمود الفقاري ، وهو يصل من الرأس الى الدبر و به مرونة حتى لا ينفصم ، وعليه يحمل الرأس ويدور . ومنه تخرج الاضلاع الاثنتا عشرة . ومن الأضلاع يصنع القفص ، القفص الذي يحمي محرك الجسم الأكبر : القلب .
- وشابه بين اليد والرجل
وذكر لنا رجل المصنع الأطراف . وقابل بين اليد والرجل ، وشابه بينهما . ففي العضد عظمة واحدة .
وفي الفخذ عظمة واحدة كذلك ، هي أكبر عظام الجسم .
وفي الساعد عظمتان . وكذا في الساق . ثم ما أشبه الكف ، عظاما ، بالقدم .
وسألنا الرجل عمن ينتفع بهذه الهياكل .
قال : الجامعات والمدارس اصلا . والمسارح أحيانا نادرة ، والمتاحف .
وسألنا : ومن يقوم على تجميع هذه العظام ؟
قال : شبان فنانون مختصون ، لهم بالتشريح علم واسع . ولو أنك أتيت لهم بقطعة صغيرة من عظم انسان ، لعرفوها وسموها على الفور . والحق أن منهم من يعمل في كليات الطب بالجامعات ، في صالات التشريح ، يساعد الأساتذة على التعليم .
قلنا : وهل هم سعداء : أحياء يعملون في جثث الموتى ؟
فابتسم صاحبنا ، ولم يقل شيئا .
كان هذا لسنين خلون .
كنت بمدينة شيكاغو ، أدور وأزور .
قال صاحب ضيافتي : عندنا اليوم ساعتان من فراغ ، نزور فيهما معهدا يتصل بما أنت فيه من قريب .
وفي الموعد المضروب كنا هناك .
كان المكان شيئا ، بين المعهد والمصنع ، ولست اسمیه ، لسبب ظاهر وهو لا يزال قائما الى اليوم .
وهو أحد معهدين مشهورين كبيرين في الولايات المتحدة . يصنعان هياكل من عظام بني آدم ، يبيعانها لتدرس عليها طوائف من بني آدم حاضرة ، كيف صنع ويصنع الله هياكل لطوائف من بني آدم غابرة .
والمفروض بالطبع أن الله لا يغير في هياكل الناس بين جيل وجيل ، والا لفسدت الدراسة .
- وشرد ذهني
وكان رجل المصنع يحدثنا عن هذه الهياكل كيف يهيئها ، وكيف يجمعها ، وكان فكري شاردا فيما وراء ما يقول ، وزاده شرودا قولة ، قالها صاحبنا هذا :
قال : ليس في هذه الهياكل هيكل امريكي واحد .
وتوقف ذهني . ماذا يريد أن يقول الرجل . ايريد أن يقول ان استخدام هياكل الموتى عـلى هـذا النحو امتهان ، وان الهيكل الأمريكي اعفاه هذا المصنع من ان يكون موضع امتهان ؟ !
ولكن رجل المصنع ما لبث أن قال : ان القانون الأمريكي يحرم التجارة بهياكل الموتى الأمريكيين .
وسألت : فمن اين لكم هذه الهياكل اذن ؟
قال : كانت تأتينا قبلا مباشرة من هنغاريا ، ومن
، النمسا ، ومن المكسيك ، ومن الهند ، ومن كل مكان . يحتمل في الأرض ، الا الولايات المتحدة اما الآن فقد تهيأت لاستيرادها اسواق اخرى .
من تلك العقد الكثيرة التي عقدة عندئذ تراءت لي اجدها عندما أنظر فيما يفكر فيه الناس ، وفي الأسلوب الذي به يفكرون ، وفي النتائج التي اليها بالفكر ينتهون . نقائض احتار في تفسيرها ، كيف تجوز على العقول .
منع الاتجار بهياكل الانسان ، استطيع ان افهم انه احترام للانسان ، واقبل هذا على علاته . ولكن أن تتدخل الوطنية بعد ذلك ، فتمنع ما تراه امتهانا للعظم الأمريكي ، في حين أنها تستبيحه فيما يتصل بالعظم الأجنبي ، فأمر لم يسفه عقلي ، على كثرة ما يسيغ ويبلع غصبا من آراء .
- لمن هذا الهيكل ؟ ثم هذا ؟
وسألت صاحبي : لمن هذا الهيكل ؟ ثم لمن هذا ؟ وهذا ؟
واضطر صاحبنا الى الرجوع الى سجلاته . لم يتبين على الفور لمن هي . تفارقت الأوطان .. وتشابهت العظام وتمثلت في كل هيكل من كل هذه الهياكل حياة ، اختلفت شمسا ، واختلفت أرضا ، واختلفت سحنة ، واختلفت لسانا ، واختلفت افكارا وأعمالا ، واختلفت حظوظا ، مكاسب ، ومخاسر ، وتجمع من كل حياة سجل يحكي عن أحداثها عظيم . ثم جاء الموت . فاحترقت بذلك السجلات المختلفة كل الاختلاف ، ولم يبق منها جميعا الا رماد .
وتشابهت الأرمدة ، لأنها أرمدة أوراق وأحبار سواء .
فهذه هي الهياكل الباقية .
عظام لأقوام ذهبوا لينتفع بها اقوام حضروا .
ومع هذا ، فلا نفتأ نلاحق هذه الهياكل بنزوات الانسان ، فهذا هيكل أمريكي فله احترام ، وهذا آخر الماني أو هندي او مكسيكي ، فلا نبالي ان يكون له احترام ونتجر به لينتفع أولادنا في علم وفي طب ، أو امتهان . ولينتفع من علمهم بعد ذلك الأحياء .
وعدت الاحق رجل المصنع فيما يحكي .
افکار مرت بخاطري وصاحب زيارتنا يشرح لنا من هذه الهياكل ما يشرح . والخاطر يمر بالذهن فلا يلبث الا ثواني ، فاذا انت كتبته لبث دقائق قد تمتد ساعات .
سرحت بي هذه الأفكار ، ثم ما لبثت أن عدت الاحق رجل المصنع فيما يقول .
- عند صندوق من عظام
كان الرجل هدف إلى صندوق مليء بالعظام .
وقف عند هذا الصندوق يقول : ان المصنع يشترط عند التوريد أن يصله الصندوق الواحد وبه كل عظام الهيكل الانساني كاملة ويشترط كذلك أن تكون كل العظام لانسان واحد ، والا تباينت الاجزاء ، واختلفت أطوالها عند التجميع .
- و عظام على مائدة منثورة
وسار بنا الى مائدة عليها العظام منثورة .
ولفتنا أول ما لفتنا لون العظام لقد كانت بيضاء لا شية فيها ، أقرب ما تكون الى لون الطباشير .
قال : اننا نعالج العظام جميعا عندما تأتينا بفوق الاكسيد ، وهي مادة كيماوية ، تعمل على تنظيف العظم ، وازالة ما قد يكون علق به من لحم ، ثم تبيضه هذا البياض الذي ترون .
وقال : وهذه العظام التي على هذه المائدة تؤلف هيكلا كاملا . والهيكل الكامل به اكثر من مائتي قطعة من عظم .
- ثم الى حيث الجماجم
وذهب بنا الرجل الى حيث الجماجم .
قال : ان للجمجمة وحدها سوقا . والجمجمة تتألف من ثماني قطع من العظام ، تشتبك واحدة بالاخرى اشتباكا ، والمخ في داخلها . ان المخ شيء عظيم . ولكنه شيء رقيق ، سهل التصدع ، لهذا هو في هذه الخزانة التي نسميها الجمجمة محفوظ .
والجمجمة غير الراس . فالرأس يحتوي على الجمجمة والوجه . والوجه به أربع عشرة عظمة ، لا يتحرك منها غير الفك الأسفل . أما سائرها فمشدود بعضه الى بعض .
و من الرأس ذهب بنا الرجل الى الهيكل الكامل ، وقد تعلق من جمجمته تعلق الرجل المشنوق .
وراح يصف ما في هذا الهيكل من صنع هادف .
فهو محوري البناء . محوره العمود الفقاري ، وهو يصل من الرأس الى الدبر و به مرونة حتى لا ينفصم ، وعليه يحمل الرأس ويدور . ومنه تخرج الاضلاع الاثنتا عشرة . ومن الأضلاع يصنع القفص ، القفص الذي يحمي محرك الجسم الأكبر : القلب .
- وشابه بين اليد والرجل
وذكر لنا رجل المصنع الأطراف . وقابل بين اليد والرجل ، وشابه بينهما . ففي العضد عظمة واحدة .
وفي الفخذ عظمة واحدة كذلك ، هي أكبر عظام الجسم .
وفي الساعد عظمتان . وكذا في الساق . ثم ما أشبه الكف ، عظاما ، بالقدم .
وسألنا الرجل عمن ينتفع بهذه الهياكل .
قال : الجامعات والمدارس اصلا . والمسارح أحيانا نادرة ، والمتاحف .
وسألنا : ومن يقوم على تجميع هذه العظام ؟
قال : شبان فنانون مختصون ، لهم بالتشريح علم واسع . ولو أنك أتيت لهم بقطعة صغيرة من عظم انسان ، لعرفوها وسموها على الفور . والحق أن منهم من يعمل في كليات الطب بالجامعات ، في صالات التشريح ، يساعد الأساتذة على التعليم .
قلنا : وهل هم سعداء : أحياء يعملون في جثث الموتى ؟
فابتسم صاحبنا ، ولم يقل شيئا .
تعليق