شاعر وفنان مغربي يكرس أعماله لحماية البيئة ومعالجة الواقع
سمير السالمي: الشعر يعيد تشكيل المعنى والحقيقة.
الخميس 2024/02/15
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الهدف من الشعر والرسم يبقى واحدا
الفنان والشاعر المغربي سمير السالمي يمزج بشكل خلاق بين عالمي الشعر والفن التشكيلي، ولا يرى فروقات بين العالمين، بينما هدفه واحد هو رسالته الجمالية والفكرية التي تسعى إلى تشكيل واقع أفضل عبر نحت وعي مغاير. “العرب” كان لها هذا الحوار معه حول رؤاه في الشعر والفن وقضايا أخرى.
الرباط - يشارك الفنان المغربي سمير السالمي بقصيدة من ديوان يحمل اسم “أوزون” في برنامج “المعلقة 45” الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة ومؤسسة “أم.بي.سي”، إذ ترسم القصيدة في مقطعها الأول مشهد بهاء وسحر البحر بين غروب وشروق، وما تلبث في المقطع الثاني إلا أن تقلب المشهد وتعكس برمزية شعرية شفافة واقع تلوث البحر وما يتهدده من أخطار الاحتباس الحراري، جراء عبث الإنسان بالطبيعة وعدم اكتراثه بتغيرات المناخ ولا مبالاته بمآل الحياة على كوكبنا الأزرق.
كما يشارك السالمي في لجنة تحكيم جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، التي كان من بين الفائزين بها الناقد الفني أحمد لطف الله من المغرب، إذ تتنوع مجالاته الفنية كما نقرأ في هذا الحوار معه.
الشعر والرسم
للشعر والأدب والفن عموما دور حاسم في تشكيل الوعي وحشد الوجدان من أجل قضايا الإنسان وتطلعات الأمم
يمكن للفنان أن يجمع بين الجانب الإبداعي والرسالة الاجتماعية في أعماله، وأن يلعب الشاعر في ذلك دورا مهما في تحقيق هذا التوازن، وقد كشف عن هذا سمير السالمي في حديثه لـ”العرب” قائلا “أعتقد أن العمل الفني أو العمل الشعري، وهو ينخرط في سيرورة فعل الإبداع، مدعو إلى الإنصات إلى حركة الزمن وإلى مد وجزر تدفق قيمه ومعانيه، كما أن هذا العمل ملزم، في كل مرة، ببلورة وتجديد وتفعيل صوره ورموزه وأدواته، أي أن تفاعل الفن بمنطق الفن، أو الشعر بمنطق الشعر مع قضايا العصر، لا يصح أن يكون إلا عبر مقاربة إبداعية الهوية والأساس لغة وتصورا وتمثلا، والمقاربة هي غاية لوحة أو قصيدة متعددة الخطاب، ومنفتحة الرؤيا، وشفافة التصور، وحيوية الإيقاع”.
وانطلاقا من هذا الطرح التقديمي المختزل يرى أن العملين الفني التشكيلي والشعري الأدبي لم ولا ينفصلان بالنسبة إليه إلا من حيث اختلاف أدوات مباشرتهما للمعنى، اللوحة بأبعادها الفيزيائية والكيميائية، أي الفضاء المادي ثنائي الأبعاد مثلا، الأصباغ والألوان والمواد المحسوسة، والقصيدة بمجازاتها وصورها الذهنية، بإيقاع ونبر لغتها اللفظية تختلف الأدوات تلخيصا، لكن الهدف بما هو مشروع ورؤية يبقى واحدا، فيما تتوحد اللوحة، والقصيدة عنده في أبعاد المتخيل والرؤية، وتتمايزان في تجليات العمل الإبداعي، كصورة تستفز عبر البصر الذوق والإحساس وتفسح المجال الحر للتأمل والتأويل، أو كنص أدبي يفيض بالمعاني والأفكار وينعش الذهن والمخيلة.
ويتابع السالمي “إن المفهوم القيمي الأخلاقي لما يسمى برسالة الفنان أو الشاعر لا بد أن يمتثل لطبيعة الممارسة الإبداعية التي ينتمي إليها في اللوحة الفنية، كما بين السورياليون مند زمن لم يعد قريبا، كما أن الشعر بتواز مع الفن، من وجهة النظر هاته، يقوم على الإشارة والتلميح لا على التصريح والمباشرة، أي على قدرة الخيال الخلاق الحر على إعادة تشكيل المعنى وتمثل صور الواقع والحقيقة، حتى لا يتحول الشعر إلى منظومة أفكار ولا القصيدة إلى نشيد إنشائي التعبير والهوية، تلك معادلة الإبداع التي تفترض، في كل تجربة كل قصيدة، وجاهة الرؤيا وصواب المقاربة وجدارة استحقاق الانتماء إلى الإبداع”.
حضور ساحر لألوان البحر
ويمكن أن نرى قصائد مجموعته الشعرية “البحر حمى وقلق” التي تختص بالبحر كجزء من مساهمته في نشر الوعي البيئي، يعلق السالمي “كان فردينان دو سوسير واضع علم اللسانيات وواضع علم المنهج أيضا، يرى أن وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع، وهو ما يعني في سياق سؤالك أن الرؤية الشعرية لموضوع البحر والبيئة مثلا، هي شاهد الجدارة الإبداعية للقصيدة عبر الإيقاع وقوة الخيال، إذ يتواجه في قصائد ‘البحر حمى وقلق’ وجهان متصادمان للبحر بامتدادات سحره وبهائه من جهة، وبعواصف وكوارث الأخطار التي تتهدده، بل وتتهدد الكوكب الأزرق الأرضي كله من جهة ثانية، كل ذلك بمنطق شعري يسلك طريقة الأقل من الإشارة لتفجير وتفعيل الأكثر الأبعد من الدلالة والإيحاء”.
ويضيف “علينا أن ننتبه هنا، للأهم وهو أن البحر في القصائد يتجلى وتتدفق موجاته من خلال الخيال والصور والمعجم، والإيقاع الذي يسوس مجموع الدوال الشعرية، ولا تنوب القصائد أبدا عن الخطب، ولا تسلك مسلك التقارير والمقالات حفاظا منها على هوية الشعر، كإبداع حياته التفرد والتجدد والمغايرة. والقصائد بهذا الفهم، قصائد إيقاع حر هادر متموج بأصواته وصوره ورموزه، وهي بالتالي شفافة المعنى بسيطة وعميقة، صريحة وملمحة، وليست عريضة بنود ومطالب ولا بيان شعارات وتوجهات، بل هي قصائد شعر بالمعنى الإبداعي الحديث للشعر اليوم”.
ويبين السالمي أن “في ‘البحر حمى وقلق’ يلتئم مد إيقاع دوال القصائد ويعلو مدى انسياب موجات دلالياتها عندما يتوجه الخطاب فيها، إلى الإنسان مباشرة باعتباره حامل أمانة الكوكب الأرضي كله وهو يواجه الواقع الصادم وفتح عينه على دمار شامل”.
الفن والوعي
في حديثنا عن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي وكيفية تقيمه لأهمية مشاركته في تلك اللجنة يقول سمير السالمي “هي مبادرة استثنائية لأن جائزة الشارقة هاته هي الوحيدة في مجالها التي تخص الباحثين في نقد التشكيل بهذا الاهتمام وهذه الرعاية، ونحن نلمس إيزاء تطور الفن الثشكيلي العربي وكثرة أعداد الفنانين الخصاص الكبير الذي يعرفه مجال المواكبة النقدية والحاجة العاجلة الملحة إلى نقاد متخصصين مهتمين بدراسة وتقييم هذا التراكم التشكيلي النوعي والمسهامة في تقريب هذا الفن من الجمهور”.
ويضيف “شخصيا يمكنني القول بأن مشاركتي في لجنة تحكيم دورة جائزة هذه السنة التي تركزت حول موضوع حيوي هام هو ‘دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث’ قد مكنتني من الاطلاع على عمل قاعدة لافتة هامة من الباحثين ونقاد الفن من مختلف أقطار العالم العربي.
ودعمت هذه المشاركة القناعة بضرورة السمو بالخطاب النقدي التشكيلي العربي إلى مستوى الملاءمة لغة واصطلاحا، مع خصوصيات الفن التشكيلي كممارسة إبداعية لها أدواتها وطرائقها وضوابطها العلمية المبدئية، التي من شأنها أن ترقى بالخطاب العربي في هذا الموضوع إلى مستوى التناسب مع الخطاب النقدي التشكيلي العالمي من حيث الاختيارات الاصطلاحية والمنهجية العامة، وهي القناعة التي عكستها كلمة التقرير التي قدمتها في حفل تكريم الفائزين بجائزة الدورة الـ14 باسم لجنة تحكيم ضمت إلى جانبي الدكتور معتز إسماعيل والدكتورة هويدا صالح”.
ويشير إلى أن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي قد توجت وكرمت على مدى مسارها الحافل بالإنجاز عددا هاما من الباحثين المغاربة في المجال، كان من بينهم هذه السنة الناقد أحمد لطف الله إلى جانب ناقدين، من مصر شادي أبوريده ومن الجزائر زيتوني عبدالرزاق.
يذكر السالمي أن “في لقاء صباحي بمحمود درويش دعاني إليه أستاذي الشاعر محمد بنيس بالعاصمة الرباط، طرحت السؤال على شاعر القصيدة والقضية: كيف تحصل قصيدة حديثة على بطاقة هوية شعرية عربية؟ أجاب درويش: إن القصيدة العربية لا يمكن أن تكون إلا قصيدة إيقاعية وإن تعددت واختلفت تجليات هذا الإيقاع فيها، لأن الأذن العربية تمرست عبر الزمن على جدل التوازنات والتجاوبات الصوتية، والشعر العربي في غنائيته العامة شعر افتتن بالمعنى وتعلق بصور الحكمة والحماسة، ومن هذه البوابة ذات المداخل منحت القصيدة الفلسطينية للقصيدة الحديثة رخصة الانتشار ووفرت عليها كثيرا من الضحايا والشهداء”.
تفاعل الفن بمنطق الفن، أو الشعر بمنطق الشعر مع قضايا العصر، لا يصح أن يكون إلا عبر مقاربة إبداعية الهوية
ويعتقد السالمي أن الانتصار للشعر وانتزاع الحق فيه، لا يكون إلا من خلال مقاربة فريدة في كل مرة لا تستسلم لعبث اللامعنى، ووهن الإيقاع اللذين يسحقان يوما بعد يوم الشعر العربي ويصيبانه في مقتله أي في هويته كصوت ومعنى.
ويقول “إن أساس العمل الإبداعي يتمثل في رأيي في نوعية المقاربة التي يتبناها هذا العمل للموضوع أو حتى لما يمكن أن ننعته شعريا وفلسفيا باللاموضوع. إن للشعر كما أسلفت مقاربة خاصة لا تمارسها القصيدة إلا كخطاب إبداعي محض، مقاربة نوعية فنية تختلف في النوع والطريقة من دون أن تخطئ الهدف، وأعتقد أن للشعر والأدب والفن عموما دورا حاسما في تشكيل الوعي وحشد الوجدان من أجل قضايا الإنسان وتطلعات الأمم”.
وفي حديثنا عن النظم التي استخدمها في قصائده وأعماله الفنية، والأبعاد التي انفتحت عليها تجربته، يقول الشاعر المغربي “أريد أن أشدد التأكيد أن أعمالي في موضوع أو تيمة البحر تمثل مجموعة بالنسبة لي، قصيدة كبيرة واحدة ذات صياغة حيوية بسيطة تواصليا ومركبة فنيا، وهي في اعتباري بمثابة بطاقة تعريف بالمنحى العام لأعمال شعرية فنية تنتعش بنسائم عبير البحر وأجواء الطبيعة الحية، وتحلق مستشرفة أبعاد قضية من أهم قضايا الحاضر والمستقبل البيئي لكوكبنا الأزرق، قضية التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وتعدد مظاهر وأنواع التلوث التي تستلزم إجمالا تعبئة شاملة تنهض بها كل طاقات الإنسان العلمية والفكرية والإبداعية كل من جهته وبحسب مقاربته لهذه المعضلة الكونية”.
ويضيف “لقد سبق لي أن شاركت في فعاليات متعددة للمجتمع المدني في إطار التنبيه إلى واقع التلوث المتعدد للبيئة الطبيعية والعمرانية، ولعموم أنظمة وظروف عيشنا اليوم، ناهيك عن تلوث البحر بالنفايات وخاصة بمادة البلاستيك، وقد لاقت جهودي الحثيتة على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمن، في مجال الاشتغال الفني والشعري على البيئة والبحر، دعما تمثل في حصولي على جوائز وطنية ودولية فنية بيئية هامة لعل أقربها إلى نفسي هي جائزة الحسن الثاني للبيئة في الفن والأدب عن اشتغالي على إدماج المؤثرات الطبيعية في العمل الفني”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي
سمير السالمي: الشعر يعيد تشكيل المعنى والحقيقة.
الخميس 2024/02/15
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الهدف من الشعر والرسم يبقى واحدا
الفنان والشاعر المغربي سمير السالمي يمزج بشكل خلاق بين عالمي الشعر والفن التشكيلي، ولا يرى فروقات بين العالمين، بينما هدفه واحد هو رسالته الجمالية والفكرية التي تسعى إلى تشكيل واقع أفضل عبر نحت وعي مغاير. “العرب” كان لها هذا الحوار معه حول رؤاه في الشعر والفن وقضايا أخرى.
الرباط - يشارك الفنان المغربي سمير السالمي بقصيدة من ديوان يحمل اسم “أوزون” في برنامج “المعلقة 45” الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة ومؤسسة “أم.بي.سي”، إذ ترسم القصيدة في مقطعها الأول مشهد بهاء وسحر البحر بين غروب وشروق، وما تلبث في المقطع الثاني إلا أن تقلب المشهد وتعكس برمزية شعرية شفافة واقع تلوث البحر وما يتهدده من أخطار الاحتباس الحراري، جراء عبث الإنسان بالطبيعة وعدم اكتراثه بتغيرات المناخ ولا مبالاته بمآل الحياة على كوكبنا الأزرق.
كما يشارك السالمي في لجنة تحكيم جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، التي كان من بين الفائزين بها الناقد الفني أحمد لطف الله من المغرب، إذ تتنوع مجالاته الفنية كما نقرأ في هذا الحوار معه.
الشعر والرسم
للشعر والأدب والفن عموما دور حاسم في تشكيل الوعي وحشد الوجدان من أجل قضايا الإنسان وتطلعات الأمم
يمكن للفنان أن يجمع بين الجانب الإبداعي والرسالة الاجتماعية في أعماله، وأن يلعب الشاعر في ذلك دورا مهما في تحقيق هذا التوازن، وقد كشف عن هذا سمير السالمي في حديثه لـ”العرب” قائلا “أعتقد أن العمل الفني أو العمل الشعري، وهو ينخرط في سيرورة فعل الإبداع، مدعو إلى الإنصات إلى حركة الزمن وإلى مد وجزر تدفق قيمه ومعانيه، كما أن هذا العمل ملزم، في كل مرة، ببلورة وتجديد وتفعيل صوره ورموزه وأدواته، أي أن تفاعل الفن بمنطق الفن، أو الشعر بمنطق الشعر مع قضايا العصر، لا يصح أن يكون إلا عبر مقاربة إبداعية الهوية والأساس لغة وتصورا وتمثلا، والمقاربة هي غاية لوحة أو قصيدة متعددة الخطاب، ومنفتحة الرؤيا، وشفافة التصور، وحيوية الإيقاع”.
وانطلاقا من هذا الطرح التقديمي المختزل يرى أن العملين الفني التشكيلي والشعري الأدبي لم ولا ينفصلان بالنسبة إليه إلا من حيث اختلاف أدوات مباشرتهما للمعنى، اللوحة بأبعادها الفيزيائية والكيميائية، أي الفضاء المادي ثنائي الأبعاد مثلا، الأصباغ والألوان والمواد المحسوسة، والقصيدة بمجازاتها وصورها الذهنية، بإيقاع ونبر لغتها اللفظية تختلف الأدوات تلخيصا، لكن الهدف بما هو مشروع ورؤية يبقى واحدا، فيما تتوحد اللوحة، والقصيدة عنده في أبعاد المتخيل والرؤية، وتتمايزان في تجليات العمل الإبداعي، كصورة تستفز عبر البصر الذوق والإحساس وتفسح المجال الحر للتأمل والتأويل، أو كنص أدبي يفيض بالمعاني والأفكار وينعش الذهن والمخيلة.
ويتابع السالمي “إن المفهوم القيمي الأخلاقي لما يسمى برسالة الفنان أو الشاعر لا بد أن يمتثل لطبيعة الممارسة الإبداعية التي ينتمي إليها في اللوحة الفنية، كما بين السورياليون مند زمن لم يعد قريبا، كما أن الشعر بتواز مع الفن، من وجهة النظر هاته، يقوم على الإشارة والتلميح لا على التصريح والمباشرة، أي على قدرة الخيال الخلاق الحر على إعادة تشكيل المعنى وتمثل صور الواقع والحقيقة، حتى لا يتحول الشعر إلى منظومة أفكار ولا القصيدة إلى نشيد إنشائي التعبير والهوية، تلك معادلة الإبداع التي تفترض، في كل تجربة كل قصيدة، وجاهة الرؤيا وصواب المقاربة وجدارة استحقاق الانتماء إلى الإبداع”.
حضور ساحر لألوان البحر
ويمكن أن نرى قصائد مجموعته الشعرية “البحر حمى وقلق” التي تختص بالبحر كجزء من مساهمته في نشر الوعي البيئي، يعلق السالمي “كان فردينان دو سوسير واضع علم اللسانيات وواضع علم المنهج أيضا، يرى أن وجهة النظر هي التي تخلق الموضوع، وهو ما يعني في سياق سؤالك أن الرؤية الشعرية لموضوع البحر والبيئة مثلا، هي شاهد الجدارة الإبداعية للقصيدة عبر الإيقاع وقوة الخيال، إذ يتواجه في قصائد ‘البحر حمى وقلق’ وجهان متصادمان للبحر بامتدادات سحره وبهائه من جهة، وبعواصف وكوارث الأخطار التي تتهدده، بل وتتهدد الكوكب الأزرق الأرضي كله من جهة ثانية، كل ذلك بمنطق شعري يسلك طريقة الأقل من الإشارة لتفجير وتفعيل الأكثر الأبعد من الدلالة والإيحاء”.
ويضيف “علينا أن ننتبه هنا، للأهم وهو أن البحر في القصائد يتجلى وتتدفق موجاته من خلال الخيال والصور والمعجم، والإيقاع الذي يسوس مجموع الدوال الشعرية، ولا تنوب القصائد أبدا عن الخطب، ولا تسلك مسلك التقارير والمقالات حفاظا منها على هوية الشعر، كإبداع حياته التفرد والتجدد والمغايرة. والقصائد بهذا الفهم، قصائد إيقاع حر هادر متموج بأصواته وصوره ورموزه، وهي بالتالي شفافة المعنى بسيطة وعميقة، صريحة وملمحة، وليست عريضة بنود ومطالب ولا بيان شعارات وتوجهات، بل هي قصائد شعر بالمعنى الإبداعي الحديث للشعر اليوم”.
ويبين السالمي أن “في ‘البحر حمى وقلق’ يلتئم مد إيقاع دوال القصائد ويعلو مدى انسياب موجات دلالياتها عندما يتوجه الخطاب فيها، إلى الإنسان مباشرة باعتباره حامل أمانة الكوكب الأرضي كله وهو يواجه الواقع الصادم وفتح عينه على دمار شامل”.
الفن والوعي
في حديثنا عن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي وكيفية تقيمه لأهمية مشاركته في تلك اللجنة يقول سمير السالمي “هي مبادرة استثنائية لأن جائزة الشارقة هاته هي الوحيدة في مجالها التي تخص الباحثين في نقد التشكيل بهذا الاهتمام وهذه الرعاية، ونحن نلمس إيزاء تطور الفن الثشكيلي العربي وكثرة أعداد الفنانين الخصاص الكبير الذي يعرفه مجال المواكبة النقدية والحاجة العاجلة الملحة إلى نقاد متخصصين مهتمين بدراسة وتقييم هذا التراكم التشكيلي النوعي والمسهامة في تقريب هذا الفن من الجمهور”.
ويضيف “شخصيا يمكنني القول بأن مشاركتي في لجنة تحكيم دورة جائزة هذه السنة التي تركزت حول موضوع حيوي هام هو ‘دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث’ قد مكنتني من الاطلاع على عمل قاعدة لافتة هامة من الباحثين ونقاد الفن من مختلف أقطار العالم العربي.
ودعمت هذه المشاركة القناعة بضرورة السمو بالخطاب النقدي التشكيلي العربي إلى مستوى الملاءمة لغة واصطلاحا، مع خصوصيات الفن التشكيلي كممارسة إبداعية لها أدواتها وطرائقها وضوابطها العلمية المبدئية، التي من شأنها أن ترقى بالخطاب العربي في هذا الموضوع إلى مستوى التناسب مع الخطاب النقدي التشكيلي العالمي من حيث الاختيارات الاصطلاحية والمنهجية العامة، وهي القناعة التي عكستها كلمة التقرير التي قدمتها في حفل تكريم الفائزين بجائزة الدورة الـ14 باسم لجنة تحكيم ضمت إلى جانبي الدكتور معتز إسماعيل والدكتورة هويدا صالح”.
ويشير إلى أن جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي قد توجت وكرمت على مدى مسارها الحافل بالإنجاز عددا هاما من الباحثين المغاربة في المجال، كان من بينهم هذه السنة الناقد أحمد لطف الله إلى جانب ناقدين، من مصر شادي أبوريده ومن الجزائر زيتوني عبدالرزاق.
يذكر السالمي أن “في لقاء صباحي بمحمود درويش دعاني إليه أستاذي الشاعر محمد بنيس بالعاصمة الرباط، طرحت السؤال على شاعر القصيدة والقضية: كيف تحصل قصيدة حديثة على بطاقة هوية شعرية عربية؟ أجاب درويش: إن القصيدة العربية لا يمكن أن تكون إلا قصيدة إيقاعية وإن تعددت واختلفت تجليات هذا الإيقاع فيها، لأن الأذن العربية تمرست عبر الزمن على جدل التوازنات والتجاوبات الصوتية، والشعر العربي في غنائيته العامة شعر افتتن بالمعنى وتعلق بصور الحكمة والحماسة، ومن هذه البوابة ذات المداخل منحت القصيدة الفلسطينية للقصيدة الحديثة رخصة الانتشار ووفرت عليها كثيرا من الضحايا والشهداء”.
تفاعل الفن بمنطق الفن، أو الشعر بمنطق الشعر مع قضايا العصر، لا يصح أن يكون إلا عبر مقاربة إبداعية الهوية
ويعتقد السالمي أن الانتصار للشعر وانتزاع الحق فيه، لا يكون إلا من خلال مقاربة فريدة في كل مرة لا تستسلم لعبث اللامعنى، ووهن الإيقاع اللذين يسحقان يوما بعد يوم الشعر العربي ويصيبانه في مقتله أي في هويته كصوت ومعنى.
ويقول “إن أساس العمل الإبداعي يتمثل في رأيي في نوعية المقاربة التي يتبناها هذا العمل للموضوع أو حتى لما يمكن أن ننعته شعريا وفلسفيا باللاموضوع. إن للشعر كما أسلفت مقاربة خاصة لا تمارسها القصيدة إلا كخطاب إبداعي محض، مقاربة نوعية فنية تختلف في النوع والطريقة من دون أن تخطئ الهدف، وأعتقد أن للشعر والأدب والفن عموما دورا حاسما في تشكيل الوعي وحشد الوجدان من أجل قضايا الإنسان وتطلعات الأمم”.
وفي حديثنا عن النظم التي استخدمها في قصائده وأعماله الفنية، والأبعاد التي انفتحت عليها تجربته، يقول الشاعر المغربي “أريد أن أشدد التأكيد أن أعمالي في موضوع أو تيمة البحر تمثل مجموعة بالنسبة لي، قصيدة كبيرة واحدة ذات صياغة حيوية بسيطة تواصليا ومركبة فنيا، وهي في اعتباري بمثابة بطاقة تعريف بالمنحى العام لأعمال شعرية فنية تنتعش بنسائم عبير البحر وأجواء الطبيعة الحية، وتحلق مستشرفة أبعاد قضية من أهم قضايا الحاضر والمستقبل البيئي لكوكبنا الأزرق، قضية التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وتعدد مظاهر وأنواع التلوث التي تستلزم إجمالا تعبئة شاملة تنهض بها كل طاقات الإنسان العلمية والفكرية والإبداعية كل من جهته وبحسب مقاربته لهذه المعضلة الكونية”.
ويضيف “لقد سبق لي أن شاركت في فعاليات متعددة للمجتمع المدني في إطار التنبيه إلى واقع التلوث المتعدد للبيئة الطبيعية والعمرانية، ولعموم أنظمة وظروف عيشنا اليوم، ناهيك عن تلوث البحر بالنفايات وخاصة بمادة البلاستيك، وقد لاقت جهودي الحثيتة على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمن، في مجال الاشتغال الفني والشعري على البيئة والبحر، دعما تمثل في حصولي على جوائز وطنية ودولية فنية بيئية هامة لعل أقربها إلى نفسي هي جائزة الحسن الثاني للبيئة في الفن والأدب عن اشتغالي على إدماج المؤثرات الطبيعية في العمل الفني”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عبدالرحيم الشافعي
كاتب مغربي