الفعل الأرادي والفعل المنعكس - النظرية النفسية الفيزيولوجية .. العوامل العضوية .. حقيقة الإرادة
حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإرادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
ب - العوامل العضوية
۱ - الفعل الأرادي والفعل المنعكس - النظرية النفسية الفيزيولوجية .
ينتج من كل ما تقدم أن النظرية المدرسية أخطأت في قولها أن الارادة قوة مجردة عن البواعث والدوافع ، لذلك انصرف علماء النفس المعاصرون الى معالجة المسألة من وجهة نظر ثانية . فمما قاله ( ريبو ) : ( ان الارادة هي العمل ، أو الانتقال من القوة الى الفعل ، وان الاختيار آن من آونة الارادة ، فإذا لم ينقلب مباشرة أو في الوقت المناسب الى الفعل ، لم يتميز عن العمليات الذهنية المنطقية ، 37 , Ribot , Maladies de la volonté , 10 ed ) . وأبسط صور الفاعلية في الأجسام الممضاة العالية هي الحركة المنعكسة ، و فالارادة هي الحد النهائي لتطور تدريجي أول مرحلة فيه مرحلة الفعل المنعكس البسيط ) .
وقد زعم ( بين ) وغيره من فلاسفة التداعي أن الارادة مجموعة آلية ركبت أجزاؤها قطعة قطعة وفقاً لقوانين التداعي النفسية ، والفيزيولوجية . وزعم ( سبنسر ) أيضاً : أن الارادة كالغريزة ، فعل منعكس مركب ، وعلل هـذا التركيب بقوانين التداعي ، والتطور ، والوراثة . فاتبعه ( ريبو ) في ذلك وقال : ان الفعل الارادي ينحل الى أمرين : الأول هو ( الأنا ) المريد الذي يدرك الأحوال من غير أن يكون له تأثير فيها ، والثاني هـو النفسية الفيزيولوجية المركبة التي تتضمن القوة الدافعة الى الفعل ، أو المانعة عنه . فالارادة اذن قوة اندفاعية ( Pouvoir impulsif ) ، لا بل هي مرحلة من مراحل التطور الساعد الذي ينتقل من المنعكس البسيط الى المعنى المجرد . فالنزوع في المنعكس البسيط يكون في اعلى الدرجات ، أما في المعنى المجرد فيكون في أدناها ، لذلك قال ( مودسلي ) : في تعريف الارادة أنها اندفاع صادر عن فكرة ( Impulse by ideas ) . و . ولكن هذا التعريف ناقص ، لأن الارادة ليست قوة اندفاع فحسب ، وانما هي في الوقت نفسه قوة توقف ( Pouvoir d'arrêt ) ، وهي مصحوبة بجميع الحركات الفيزيولوجية المقومة لظاهرة ( Inbibition ) ، ونضيف الى ذلك أيضاً أن الارادة عندهم انعكاس خاص مفرد . الكف و لهذا القول معنى إيجابي حقيقي من الوجهتين النفسية والفيزيولوجية ، فمن الوجهة الفيزيولوجية نقول : ان الفعل الارادي يختلف عن الفعل المنعكس ، لأن المنبه في الفعل المنعكس البسيط متبوع يجملة من الحركات المحدودة ، ويختلف أيضاً عن الانعكاسات المركبة ، لأنه ناشيء عن التنظيم العصبى كله ، تابع لمجموع طبيعة الجد ومن الوجهة النفسية نقول : ان حالة الشعور المقارنة للفعل الارادي نتيجة عملية نفسية فيزيولوجية ، وانها ليست علة حدوث الفعل . لأن ( الأنا ) المريد يشاهد الأحوال ، ولا يبدعها ، فالارادة ليست اذن جوهراً بسيطاً ، وانما هي نتيجة مركبة من جميع ا العمليات النفسية والفيزيولوجية المتقدمة عليها .
المناقشة .
- ان هذه النظريات ناقصة من الوجهة الفيزيولوجية ، ولا تزال الى أيامنا هذه - رغم جهود العلماء . مشتملة على كثير من المسائل الخلافية ، ومع ذلك فنحن لانجد في الاعتراضات التي وجهت اليها اعتراضاً حاسما ، بل نجد أن في تقدم الفيزيولوجيا العصبية ما يدعو الى تأييدها . من ذلك أن دراسة المنعكس الشرطي قد أكملت علمنــا بحقيقة الفعل التصوري الحركي . كما أن آلية الكف - وهي حادثة تداخل عصبي ( Interference nerveuse ) - قد أصبحت اليوم بفضل مباحث ( لابيك ) واضحة تماماً . ان تصورتا لبنية الجملة العصبية وتأثيرها ، وعلمنا بوظائف المخ ومراكزه المحركة ، كل ذلك قد أيد فكرة تناسق الظواهر العصبية ، وترتيبها ، وتعلقها بعضها ببعض ، وتسلسلها من المنعكس الابتدائي البسيط ، الى الفعل الارادي المركب . ولكن هذه النظريات الفيزيولوجية ، لا تخلو في بعض نواحيها من النقص ، لأنها اعتبرت الشعور ظاهرة ثانوية زائدة ، لا قيمة لها ( Epiphénomène ) ، وهذه النظريات توقعنا في كثير من الشبه ، وتنكر خطورة تفتح الشعور ( Prise de Concience ) وأثره في مراحل التطور النفسي .
و قصارى القول إن إيضاح الفاعلية النفسية العالية بالعوامل الفيزيولوجية يذكرنا يجميع النظريات المادية التي فندناها في أول هذا الكتاب عند الكلام على علاقة النفس بالجسد . فالعوامل الفيزيولوجية ضرورية للفعل الإرادي ، إلا أنها لا تكفي لتفسيره ، كأن هناك فاعلية زائدة على المخ لا تظهر إلا به ، ولكنها رغم احتياجها اليه غير مجموعة فيه . وكلما حاول العلماء أن يفسروا هذه الفاعلية المركبة بالعوامل الفيزيولوجية ، خرجوا في نهاية تفسيرهم عن نطاق البحث العلمي الدقيق ، ووقعوا في فرضيات ، وشبه بعيدة عن الواقع ، على النحو الذي فعله ) ويليم جيمس ( عند شرح الشرائط الفيزيولوجية والنفسية للفعل التصوري الحركي ، فإنه بعد أن أرجع الفعل الإرادي إلى الفعل التصوري الحركي ، وقع في الشبه التي وقع فيها غيره من العلماء الخياليين الذين يتفلسفون على حساب العلم ، فأضاف إلى تحليله العميق فكرة الجهد النفسي الذي يقرر الفعل ، ويقول للشيء كن فيكون ( Fiat volontaire ) ، ولولا نقص التفسير الفيزيولوجي لما احتاج ( ويليم جيمس ) إلى هذه الفكرة العجيبة .
حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإرادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
ب - العوامل العضوية
۱ - الفعل الأرادي والفعل المنعكس - النظرية النفسية الفيزيولوجية .
ينتج من كل ما تقدم أن النظرية المدرسية أخطأت في قولها أن الارادة قوة مجردة عن البواعث والدوافع ، لذلك انصرف علماء النفس المعاصرون الى معالجة المسألة من وجهة نظر ثانية . فمما قاله ( ريبو ) : ( ان الارادة هي العمل ، أو الانتقال من القوة الى الفعل ، وان الاختيار آن من آونة الارادة ، فإذا لم ينقلب مباشرة أو في الوقت المناسب الى الفعل ، لم يتميز عن العمليات الذهنية المنطقية ، 37 , Ribot , Maladies de la volonté , 10 ed ) . وأبسط صور الفاعلية في الأجسام الممضاة العالية هي الحركة المنعكسة ، و فالارادة هي الحد النهائي لتطور تدريجي أول مرحلة فيه مرحلة الفعل المنعكس البسيط ) .
وقد زعم ( بين ) وغيره من فلاسفة التداعي أن الارادة مجموعة آلية ركبت أجزاؤها قطعة قطعة وفقاً لقوانين التداعي النفسية ، والفيزيولوجية . وزعم ( سبنسر ) أيضاً : أن الارادة كالغريزة ، فعل منعكس مركب ، وعلل هـذا التركيب بقوانين التداعي ، والتطور ، والوراثة . فاتبعه ( ريبو ) في ذلك وقال : ان الفعل الارادي ينحل الى أمرين : الأول هو ( الأنا ) المريد الذي يدرك الأحوال من غير أن يكون له تأثير فيها ، والثاني هـو النفسية الفيزيولوجية المركبة التي تتضمن القوة الدافعة الى الفعل ، أو المانعة عنه . فالارادة اذن قوة اندفاعية ( Pouvoir impulsif ) ، لا بل هي مرحلة من مراحل التطور الساعد الذي ينتقل من المنعكس البسيط الى المعنى المجرد . فالنزوع في المنعكس البسيط يكون في اعلى الدرجات ، أما في المعنى المجرد فيكون في أدناها ، لذلك قال ( مودسلي ) : في تعريف الارادة أنها اندفاع صادر عن فكرة ( Impulse by ideas ) . و . ولكن هذا التعريف ناقص ، لأن الارادة ليست قوة اندفاع فحسب ، وانما هي في الوقت نفسه قوة توقف ( Pouvoir d'arrêt ) ، وهي مصحوبة بجميع الحركات الفيزيولوجية المقومة لظاهرة ( Inbibition ) ، ونضيف الى ذلك أيضاً أن الارادة عندهم انعكاس خاص مفرد . الكف و لهذا القول معنى إيجابي حقيقي من الوجهتين النفسية والفيزيولوجية ، فمن الوجهة الفيزيولوجية نقول : ان الفعل الارادي يختلف عن الفعل المنعكس ، لأن المنبه في الفعل المنعكس البسيط متبوع يجملة من الحركات المحدودة ، ويختلف أيضاً عن الانعكاسات المركبة ، لأنه ناشيء عن التنظيم العصبى كله ، تابع لمجموع طبيعة الجد ومن الوجهة النفسية نقول : ان حالة الشعور المقارنة للفعل الارادي نتيجة عملية نفسية فيزيولوجية ، وانها ليست علة حدوث الفعل . لأن ( الأنا ) المريد يشاهد الأحوال ، ولا يبدعها ، فالارادة ليست اذن جوهراً بسيطاً ، وانما هي نتيجة مركبة من جميع ا العمليات النفسية والفيزيولوجية المتقدمة عليها .
المناقشة .
- ان هذه النظريات ناقصة من الوجهة الفيزيولوجية ، ولا تزال الى أيامنا هذه - رغم جهود العلماء . مشتملة على كثير من المسائل الخلافية ، ومع ذلك فنحن لانجد في الاعتراضات التي وجهت اليها اعتراضاً حاسما ، بل نجد أن في تقدم الفيزيولوجيا العصبية ما يدعو الى تأييدها . من ذلك أن دراسة المنعكس الشرطي قد أكملت علمنــا بحقيقة الفعل التصوري الحركي . كما أن آلية الكف - وهي حادثة تداخل عصبي ( Interference nerveuse ) - قد أصبحت اليوم بفضل مباحث ( لابيك ) واضحة تماماً . ان تصورتا لبنية الجملة العصبية وتأثيرها ، وعلمنا بوظائف المخ ومراكزه المحركة ، كل ذلك قد أيد فكرة تناسق الظواهر العصبية ، وترتيبها ، وتعلقها بعضها ببعض ، وتسلسلها من المنعكس الابتدائي البسيط ، الى الفعل الارادي المركب . ولكن هذه النظريات الفيزيولوجية ، لا تخلو في بعض نواحيها من النقص ، لأنها اعتبرت الشعور ظاهرة ثانوية زائدة ، لا قيمة لها ( Epiphénomène ) ، وهذه النظريات توقعنا في كثير من الشبه ، وتنكر خطورة تفتح الشعور ( Prise de Concience ) وأثره في مراحل التطور النفسي .
و قصارى القول إن إيضاح الفاعلية النفسية العالية بالعوامل الفيزيولوجية يذكرنا يجميع النظريات المادية التي فندناها في أول هذا الكتاب عند الكلام على علاقة النفس بالجسد . فالعوامل الفيزيولوجية ضرورية للفعل الإرادي ، إلا أنها لا تكفي لتفسيره ، كأن هناك فاعلية زائدة على المخ لا تظهر إلا به ، ولكنها رغم احتياجها اليه غير مجموعة فيه . وكلما حاول العلماء أن يفسروا هذه الفاعلية المركبة بالعوامل الفيزيولوجية ، خرجوا في نهاية تفسيرهم عن نطاق البحث العلمي الدقيق ، ووقعوا في فرضيات ، وشبه بعيدة عن الواقع ، على النحو الذي فعله ) ويليم جيمس ( عند شرح الشرائط الفيزيولوجية والنفسية للفعل التصوري الحركي ، فإنه بعد أن أرجع الفعل الإرادي إلى الفعل التصوري الحركي ، وقع في الشبه التي وقع فيها غيره من العلماء الخياليين الذين يتفلسفون على حساب العلم ، فأضاف إلى تحليله العميق فكرة الجهد النفسي الذي يقرر الفعل ، ويقول للشيء كن فيكون ( Fiat volontaire ) ، ولولا نقص التفسير الفيزيولوجي لما احتاج ( ويليم جيمس ) إلى هذه الفكرة العجيبة .
تعليق