هل الارادة قوة قائمة بذاتها .. العوامل النفسية .. حقيقة الإرادة
٤ - هل الارادة قوة قائمة بذاتها : المذهب الارادي . - ان أكثر علماء النفس المدرسيين لم يسلموا بهذه الحلول ، لاعتقادهم أن العناصر العقلية والانفعالية لا تكفي لتكوين الارادة ، قالوا : إن الارادة مفارقة لهذه المناصر ، وأنها قوة مستقلة عن غيرها من قوى النفس ، وأنها جوهر بسيط يفعل بكليته من غير أن يكون فعله قابلا للزيادة ، أو النقصان ، حق لقد زعم ( ديكارت ) أن ارادة الانسان كإرادة الله لا حدو ولا نهاية لها ( كتاب التأملات - القسم الرابع ) . ومما دعاهم الى ذلك أيضاً : ما وجدوه في : الفعل الارادي من المراحل : كتصور الهدف ، والمناقشة ، والعزم ، والتنفيذ ، فبينوا أولاً أن تصور الهدف والمناقشة عمليتان عقليان تهيئان الفعل الارادي ، ولكنها لا تقومانه ، وزعموا ثانياً أن العزم أمر مستقل عن المناقشة ، وانه يرجع إلى الإرادة وحدها . فالإرادة إذن قوة قادرة على العزم ، أي على اتخاذ القرارات من غير قيد ولا شرط ، وهي مجردة عن تأثير الدوافع والبواعث ، لا بل هي بداية مطلقة ، وعلة اولى .
ولعل ( ويليم جيمس ) أكثر علماء النفس ميلا إلى اعتبار الارادة قوة قائمة بذاتها ( Sui generis ) . إن الأصل في الارادة عنده يرجع إلى الفعل التصوري الحركي . وهذا الفعل يظهر لنا لأول وهلة مختلفاً عن الفعل الارادي ، إلا أننا إذا تعمقنا في التحليل تبين لنا أن الفرق بين هذين الفعلين ليس عظيما . إن الحركة تتبع التصور مباشرة في الفعل التصوري الحركي ، ولكنها في الفعل الارادى لا تبدأ إلا بعد المناقشة ، إذ يلاقي التصور الجديد في طريقه كثيراً من التصورات الموالية ، أو المعارضة ، فيتفق معها ، أو يقاومها ، وتتردد النفس بين الجهات المختلفة ، وهي في الحقيقة لم تتردد إلا لأن هناك نزاعاً بين التصورات ، ولا تزال هذه التصورات تتآلف وتتعارض حق ينتصر بعضها على الآخر ، ويتغلب عليه يجهد الانتباه . وهذا الجهد الارادي المقرر هو الذي يقول للشيء كن فيكون ( Fiat volonlaire ) ؛ فيضمن للتصور المحرك الغلبة على غيره من التصورات المعارضة له . وهو مختلف عن الجهد العضلي ، لا بل هو قوة فريدة النوع ، تدفع التصور الضعيف إلى التغلب على التصور القوي . قال ( ويليم جيمس ) : إن الارادة توجه الانتباه إلى التصورات الصعبة ، وتجمع هذه التصورات في مركز الشعور ، وهذا كله يقتضي جهداً وانتباها . ولا يوجد هذا الجهد إلا حيث يطمح المرء ببصره إلى الامور السامية التي ترفعه عن حضيض العادة ، والغريزة وتسمو به إلى يفاع الاستبصار ، وتجعله يشعر معها بأنه قادر على مخالفة الشهوات ، ومجاهدة الهوى ، والسير في طريق المقاومة الشديدة .
المناقشة .
- لا شك أن في هذه النظريات إيضاحاً لبعض صفات الجهد الارادي ، ولا جدال في أن الارادة لا تنحل إلى أجزاء فردة بسيطة . فكما أن تيار النهر لا ينحل إلى المناصر التي يتألف منها الماء ، كذلك لا ينحل الجهد الارادي إلى البواعث العقلية ، والدوافع الانفعالية الداخلة في تركيبه . ولكن القول أن الارادة قوة قائمة بذاتها اليس سوى حل لفظي محض لمسألة معقدة عويصة . ليست الارادة فاعلية نفسية بسيطة ، ولا قوة ثابتة لا تتغير ، وإنما هي في الواقع جملة من الأفعال المشتملة على كثير من العناصر ، وهذه العناصر تولد بتشابهها مفهوماً عاماً مجرداً ، يطلق عليه اسم الارادة . ( ابينغوس ، كتاب علم النفس ، ص ۱۱۷ ) .
ولعل أكبر خطأ وقع فيه أصحاب النظرية المدرسية يرجع إلى اعتقادهم أن لهذا المفهوم وجوداً واقعياً ، حق لقد دفعهم هذا الاعتقاد - كما رأيت – إلى تقسيم الفعل الارادي أقساماً مختلفة متتابعة ، فقطعوا كل صلة بين العزم والمناقشة ، وجعلوا الارادة قوة مسيطرة ، والعزم معجزة لا علم لنا بأسبابها ! و لهذه النظرية كما سنبين في فصل الحرية - خطر أخلاقي عظيم ، وفيها أيضاً خطأ علمي شنيع ، لأنها تجرد العزم الارادي عن البواعث والدوافع ، وتفصل المناقشة عن تصور الهدف ، وتصور الهدف عن العزم ، مع أن الحق على خلاف ذلك ، لأن المناقشة تبدأ عند تصور الهدف ، والهدف ملازم للعزم والعزم متصل بالعمل . فمن الجهل إذن فصل العزم عن البواعث والدوافع ، والمناقشة عن التنفيذ . وسنرى في الفصل الرابع أن معنى الحرية الذي تتضمنه هذه النظرية مخالف لمسلمات العلم .
أما ( ويليم جيمس ) فقد أصاب في تحليل الفعل الارادي ، وتشبيهه بالفعل التصوري الحركي ، إلا أنه أخطأ في إرجاع الارادة إلى الجهد المقرر ، وفي عدها ، العزم قوة مسيطرة تقول للشيء كن فيكون ، من غير أن يكون تابعاً لغيره من العوامل ) . قال ( الفردبينه ) . إن أكبر خطأ وقع فيه ) ويليم جيمس ( هو قوله : ان الارادة قوة مسيطرة حاكمة ، تقول للشيء كن فيكون ، وانها تتدخل في حدوث الأشياء ، كاله التوراة الذي يقول ليكن نور فيكون النور ) . فنحن لا نفهم كيف يؤدي تأثير الارادة إلى اتباع طريق المقاومة الشديدة ، ومن أين تستمد الارادة هذا السحر العجيب الذي يجعل العامل الضعيف يتغلب على العامل القوي . وما ذكروه في ذلك انما هو تحكمات ، أو هو على التحقيق ظلمات فوق ظلمات .
٤ - هل الارادة قوة قائمة بذاتها : المذهب الارادي . - ان أكثر علماء النفس المدرسيين لم يسلموا بهذه الحلول ، لاعتقادهم أن العناصر العقلية والانفعالية لا تكفي لتكوين الارادة ، قالوا : إن الارادة مفارقة لهذه المناصر ، وأنها قوة مستقلة عن غيرها من قوى النفس ، وأنها جوهر بسيط يفعل بكليته من غير أن يكون فعله قابلا للزيادة ، أو النقصان ، حق لقد زعم ( ديكارت ) أن ارادة الانسان كإرادة الله لا حدو ولا نهاية لها ( كتاب التأملات - القسم الرابع ) . ومما دعاهم الى ذلك أيضاً : ما وجدوه في : الفعل الارادي من المراحل : كتصور الهدف ، والمناقشة ، والعزم ، والتنفيذ ، فبينوا أولاً أن تصور الهدف والمناقشة عمليتان عقليان تهيئان الفعل الارادي ، ولكنها لا تقومانه ، وزعموا ثانياً أن العزم أمر مستقل عن المناقشة ، وانه يرجع إلى الإرادة وحدها . فالإرادة إذن قوة قادرة على العزم ، أي على اتخاذ القرارات من غير قيد ولا شرط ، وهي مجردة عن تأثير الدوافع والبواعث ، لا بل هي بداية مطلقة ، وعلة اولى .
ولعل ( ويليم جيمس ) أكثر علماء النفس ميلا إلى اعتبار الارادة قوة قائمة بذاتها ( Sui generis ) . إن الأصل في الارادة عنده يرجع إلى الفعل التصوري الحركي . وهذا الفعل يظهر لنا لأول وهلة مختلفاً عن الفعل الارادي ، إلا أننا إذا تعمقنا في التحليل تبين لنا أن الفرق بين هذين الفعلين ليس عظيما . إن الحركة تتبع التصور مباشرة في الفعل التصوري الحركي ، ولكنها في الفعل الارادى لا تبدأ إلا بعد المناقشة ، إذ يلاقي التصور الجديد في طريقه كثيراً من التصورات الموالية ، أو المعارضة ، فيتفق معها ، أو يقاومها ، وتتردد النفس بين الجهات المختلفة ، وهي في الحقيقة لم تتردد إلا لأن هناك نزاعاً بين التصورات ، ولا تزال هذه التصورات تتآلف وتتعارض حق ينتصر بعضها على الآخر ، ويتغلب عليه يجهد الانتباه . وهذا الجهد الارادي المقرر هو الذي يقول للشيء كن فيكون ( Fiat volonlaire ) ؛ فيضمن للتصور المحرك الغلبة على غيره من التصورات المعارضة له . وهو مختلف عن الجهد العضلي ، لا بل هو قوة فريدة النوع ، تدفع التصور الضعيف إلى التغلب على التصور القوي . قال ( ويليم جيمس ) : إن الارادة توجه الانتباه إلى التصورات الصعبة ، وتجمع هذه التصورات في مركز الشعور ، وهذا كله يقتضي جهداً وانتباها . ولا يوجد هذا الجهد إلا حيث يطمح المرء ببصره إلى الامور السامية التي ترفعه عن حضيض العادة ، والغريزة وتسمو به إلى يفاع الاستبصار ، وتجعله يشعر معها بأنه قادر على مخالفة الشهوات ، ومجاهدة الهوى ، والسير في طريق المقاومة الشديدة .
المناقشة .
- لا شك أن في هذه النظريات إيضاحاً لبعض صفات الجهد الارادي ، ولا جدال في أن الارادة لا تنحل إلى أجزاء فردة بسيطة . فكما أن تيار النهر لا ينحل إلى المناصر التي يتألف منها الماء ، كذلك لا ينحل الجهد الارادي إلى البواعث العقلية ، والدوافع الانفعالية الداخلة في تركيبه . ولكن القول أن الارادة قوة قائمة بذاتها اليس سوى حل لفظي محض لمسألة معقدة عويصة . ليست الارادة فاعلية نفسية بسيطة ، ولا قوة ثابتة لا تتغير ، وإنما هي في الواقع جملة من الأفعال المشتملة على كثير من العناصر ، وهذه العناصر تولد بتشابهها مفهوماً عاماً مجرداً ، يطلق عليه اسم الارادة . ( ابينغوس ، كتاب علم النفس ، ص ۱۱۷ ) .
ولعل أكبر خطأ وقع فيه أصحاب النظرية المدرسية يرجع إلى اعتقادهم أن لهذا المفهوم وجوداً واقعياً ، حق لقد دفعهم هذا الاعتقاد - كما رأيت – إلى تقسيم الفعل الارادي أقساماً مختلفة متتابعة ، فقطعوا كل صلة بين العزم والمناقشة ، وجعلوا الارادة قوة مسيطرة ، والعزم معجزة لا علم لنا بأسبابها ! و لهذه النظرية كما سنبين في فصل الحرية - خطر أخلاقي عظيم ، وفيها أيضاً خطأ علمي شنيع ، لأنها تجرد العزم الارادي عن البواعث والدوافع ، وتفصل المناقشة عن تصور الهدف ، وتصور الهدف عن العزم ، مع أن الحق على خلاف ذلك ، لأن المناقشة تبدأ عند تصور الهدف ، والهدف ملازم للعزم والعزم متصل بالعمل . فمن الجهل إذن فصل العزم عن البواعث والدوافع ، والمناقشة عن التنفيذ . وسنرى في الفصل الرابع أن معنى الحرية الذي تتضمنه هذه النظرية مخالف لمسلمات العلم .
أما ( ويليم جيمس ) فقد أصاب في تحليل الفعل الارادي ، وتشبيهه بالفعل التصوري الحركي ، إلا أنه أخطأ في إرجاع الارادة إلى الجهد المقرر ، وفي عدها ، العزم قوة مسيطرة تقول للشيء كن فيكون ، من غير أن يكون تابعاً لغيره من العوامل ) . قال ( الفردبينه ) . إن أكبر خطأ وقع فيه ) ويليم جيمس ( هو قوله : ان الارادة قوة مسيطرة حاكمة ، تقول للشيء كن فيكون ، وانها تتدخل في حدوث الأشياء ، كاله التوراة الذي يقول ليكن نور فيكون النور ) . فنحن لا نفهم كيف يؤدي تأثير الارادة إلى اتباع طريق المقاومة الشديدة ، ومن أين تستمد الارادة هذا السحر العجيب الذي يجعل العامل الضعيف يتغلب على العامل القوي . وما ذكروه في ذلك انما هو تحكمات ، أو هو على التحقيق ظلمات فوق ظلمات .
تعليق