الارادة والرغبة ، نظرية كوندياك .. العوامل النفسية .. حقيقة الإرادة
٣ ـ حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإرادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
آ - العوامل النفسية
لم يبحث الفلاسفة المدرسيون إلا في العوامل النفسية الفردية ، فمنهم من أرجع الإرادة إلى الفاعلية الابتدائية ، ومنهم من أرجعها إلى الانفعال ، ومنهم من أرجعها إلى الحياة العاقلة ، حق لقد زعم بعضهم انها قوة مستقلة بذاتها .
۱ - الارادة والرغبة ، نظرية كوندياك . - يظهر لأول وهلة أن الصفة المقومة للإرادة هي الفاعلية الابتدائية ، أي الرغبة . وفي الحق أن الرغائب أوائل الإرادات ، وكل إرادة فهي تتضمن شوقاً ورغبة . لذلك زعم ( كوندياك ) أن الرغبة جوهر الإرادة . قال : « إذا تذكر التمثال أن الرغبة التي يشعر بها الآن قد أورثته في الماضي لذة ، ازدادت قدرته على تخيلها بازدياد حاجته اليها ، فهناك إذن سببان يزيدان وثوقه بها ، وهما ذكرى إرضاء رغبته الماضية ، ومصلحته في إرضاء هذه الرغبة الآن ، وعند ذلك تنقلب رغبته إلى ارادة ، لأن الارادة ليست سوى رغبة مطلقة نشعر معها بإمكان حصولنا على الشيء المرغوب فيه
(Traite des sensations , 1 or parties ,cl )
المناقشة . - لا شك أن للرغبة تأثيراً في الارادة ، ولا وجود للإرادة الاحيث توجد الرغبة ، فهي إذن شرط ضروري في كل فعل إرادي ، ولكن هل هي " كافية لتوضيحه ؟ لقد ذكر ( كوندياك ) في كلامه هذا شرطين أساسيين لتوضيح الارادة ، قال :
۱ - يجب أن تكون الرغبة مطلقة .
۲ - ويجب أن يحكم المرء بامكان الشيء المرغوب فيه وهذا ضروري لأنك قد ترغب في المحال ، ولا تريد إلا الأشياء الممكنة .
ولكن الشرط الأساسي في نظرية ( كوندياك ) ليس الشرط الثاني ، وإنما هو الشرط الأول ، أي قوله : يجب أن تكون الرغبة مطلقة ، فما معنى الرغبة المطلقة ؟ ان الرغبة المطلقة هي الرغبة المسيطرة ، أي الرغبة التي تنفرد وحدها بالتأثير ، فرأي ) كوندياك في الارادة شبيه إذن برأيه في الانتباه ، لأنه كما ينقلب الاحساس إلى انتباه بانفراده وسيطرته على النفس ، فكذلك تنقلب الرغبة إلى إرادة عندما تسيطر على جميع الرغبات والنزعات . ولكن ما قيمة هذه النظرية ؟ ان هذه النظرية قد تصلح لتوضيح صور الارادة الابتدائية ، كنية الفعل التي ذكرناها في أول هذا البحث ، ولكنها لا تصلح لتعليل الارادة الحقيقية ، وفي وسعنا أن نأتي في الرد عليها يجميع البراهين التي ذكرناها في الرد على نظرية الانتباه الحسية ، فنقول : الرغبة عنصر بسيط من عناصر الشخصية ، وكثيراً ما تكون متبدلة ، أو تكون ضربا من الهوى ، وقد ينكر الانسان فيها نفسه ، ويعجب لانقياده لها ، ويصغر في عين نفسه بعد زوال عاصفتها . بخلاف الارادة التي يدرك الانسان فيها جماع شخصيته ، و ويعرف بهاذاته ، ويدرك حريته ، ويطلع على غايته . وكثيراً ما تكون الارادة مضادة للرغائب ، فقد أرغب في النزهة ، وأمنع نفسي منها ، فأتغلب بإرادتي على رغبتي ، وقد أشتهي طعاماً وأرفع يدي عنه ، ونفسي تشتهيه ، وقد يضحي العاشق بحبه ، ويسحق شوقه وعاطفته ، ويكره نفسه على إرادة ما لا تحب ، أو على حب مالا تريد في سبيل القيام بواجبه . فالرغبة تولد فينا وعلى الرغم منا ، وتسير بلا ترو ولا اختيار . أما الارادة فهي على نقيض ذلك حرة في أفعالها ، ومهمتها في الغالب مجاهدة الرغبة والوقوف بينها وبين مطالبها .
وإذا قيل إن الارادة قد تحالف الرغبة وتسير معها ، قلنا أن هذا التحالف بينها لا يتم إلا بإنضمام كثير من عناصر الادراك إلى الرغبة الاولى . ولو كانت نظرية ( كوندياك ) صحيحة لكان أشد الناس رغبة وشوقاً أقواهم إرادة ، مع أن الأمر فيما نعلم على خلاف ذلك . إن الانقياد للرغائب سهل ، والتغلب عليها صعب ، ولكن الارادة لا تسير إلا في طريق المقاومة الشديدة . قال ( ويليم جيمس ) :
( ان المريض الذي يتكلف الصبر وهو تحت مبضع الجراح ، والشريف الذي يهزأ بما يقال فيه حرصاً على القيام بواجبه ، يتبعان في أعمالها طريق المقاومة الشديدة ، فيحد ثانك عن قهر الشهوات ، وكبح جماح النفس ، وهذان فعلان متعديان لا يستعملها الكسلان والسكران ، والجبان ، عندما يحدثونك عن أنفسهم ، فلا تسمع منهم شيئاً عن مجاهدة النفس ، والانتصار ، والقناعة ، والجهد ، والشجاعة . والذين تسيرهم الرغبات لا يستعملون إلا الأفعال اللازمة ، لا الأفعال المتعدية . فيقولون لك مثلاً : ان أملهم قد ضاع ، وان الدنيا قد أظلمت في وجوههم ، وان آذانهم لاتصفي لنداء الواجب . وجميع هذه الأفعال لا تدل على جهد ، ولا على أي قدرة معنوية ) .
٣ ـ حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإرادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
آ - العوامل النفسية
لم يبحث الفلاسفة المدرسيون إلا في العوامل النفسية الفردية ، فمنهم من أرجع الإرادة إلى الفاعلية الابتدائية ، ومنهم من أرجعها إلى الانفعال ، ومنهم من أرجعها إلى الحياة العاقلة ، حق لقد زعم بعضهم انها قوة مستقلة بذاتها .
۱ - الارادة والرغبة ، نظرية كوندياك . - يظهر لأول وهلة أن الصفة المقومة للإرادة هي الفاعلية الابتدائية ، أي الرغبة . وفي الحق أن الرغائب أوائل الإرادات ، وكل إرادة فهي تتضمن شوقاً ورغبة . لذلك زعم ( كوندياك ) أن الرغبة جوهر الإرادة . قال : « إذا تذكر التمثال أن الرغبة التي يشعر بها الآن قد أورثته في الماضي لذة ، ازدادت قدرته على تخيلها بازدياد حاجته اليها ، فهناك إذن سببان يزيدان وثوقه بها ، وهما ذكرى إرضاء رغبته الماضية ، ومصلحته في إرضاء هذه الرغبة الآن ، وعند ذلك تنقلب رغبته إلى ارادة ، لأن الارادة ليست سوى رغبة مطلقة نشعر معها بإمكان حصولنا على الشيء المرغوب فيه
(Traite des sensations , 1 or parties ,cl )
المناقشة . - لا شك أن للرغبة تأثيراً في الارادة ، ولا وجود للإرادة الاحيث توجد الرغبة ، فهي إذن شرط ضروري في كل فعل إرادي ، ولكن هل هي " كافية لتوضيحه ؟ لقد ذكر ( كوندياك ) في كلامه هذا شرطين أساسيين لتوضيح الارادة ، قال :
۱ - يجب أن تكون الرغبة مطلقة .
۲ - ويجب أن يحكم المرء بامكان الشيء المرغوب فيه وهذا ضروري لأنك قد ترغب في المحال ، ولا تريد إلا الأشياء الممكنة .
ولكن الشرط الأساسي في نظرية ( كوندياك ) ليس الشرط الثاني ، وإنما هو الشرط الأول ، أي قوله : يجب أن تكون الرغبة مطلقة ، فما معنى الرغبة المطلقة ؟ ان الرغبة المطلقة هي الرغبة المسيطرة ، أي الرغبة التي تنفرد وحدها بالتأثير ، فرأي ) كوندياك في الارادة شبيه إذن برأيه في الانتباه ، لأنه كما ينقلب الاحساس إلى انتباه بانفراده وسيطرته على النفس ، فكذلك تنقلب الرغبة إلى إرادة عندما تسيطر على جميع الرغبات والنزعات . ولكن ما قيمة هذه النظرية ؟ ان هذه النظرية قد تصلح لتوضيح صور الارادة الابتدائية ، كنية الفعل التي ذكرناها في أول هذا البحث ، ولكنها لا تصلح لتعليل الارادة الحقيقية ، وفي وسعنا أن نأتي في الرد عليها يجميع البراهين التي ذكرناها في الرد على نظرية الانتباه الحسية ، فنقول : الرغبة عنصر بسيط من عناصر الشخصية ، وكثيراً ما تكون متبدلة ، أو تكون ضربا من الهوى ، وقد ينكر الانسان فيها نفسه ، ويعجب لانقياده لها ، ويصغر في عين نفسه بعد زوال عاصفتها . بخلاف الارادة التي يدرك الانسان فيها جماع شخصيته ، و ويعرف بهاذاته ، ويدرك حريته ، ويطلع على غايته . وكثيراً ما تكون الارادة مضادة للرغائب ، فقد أرغب في النزهة ، وأمنع نفسي منها ، فأتغلب بإرادتي على رغبتي ، وقد أشتهي طعاماً وأرفع يدي عنه ، ونفسي تشتهيه ، وقد يضحي العاشق بحبه ، ويسحق شوقه وعاطفته ، ويكره نفسه على إرادة ما لا تحب ، أو على حب مالا تريد في سبيل القيام بواجبه . فالرغبة تولد فينا وعلى الرغم منا ، وتسير بلا ترو ولا اختيار . أما الارادة فهي على نقيض ذلك حرة في أفعالها ، ومهمتها في الغالب مجاهدة الرغبة والوقوف بينها وبين مطالبها .
وإذا قيل إن الارادة قد تحالف الرغبة وتسير معها ، قلنا أن هذا التحالف بينها لا يتم إلا بإنضمام كثير من عناصر الادراك إلى الرغبة الاولى . ولو كانت نظرية ( كوندياك ) صحيحة لكان أشد الناس رغبة وشوقاً أقواهم إرادة ، مع أن الأمر فيما نعلم على خلاف ذلك . إن الانقياد للرغائب سهل ، والتغلب عليها صعب ، ولكن الارادة لا تسير إلا في طريق المقاومة الشديدة . قال ( ويليم جيمس ) :
( ان المريض الذي يتكلف الصبر وهو تحت مبضع الجراح ، والشريف الذي يهزأ بما يقال فيه حرصاً على القيام بواجبه ، يتبعان في أعمالها طريق المقاومة الشديدة ، فيحد ثانك عن قهر الشهوات ، وكبح جماح النفس ، وهذان فعلان متعديان لا يستعملها الكسلان والسكران ، والجبان ، عندما يحدثونك عن أنفسهم ، فلا تسمع منهم شيئاً عن مجاهدة النفس ، والانتصار ، والقناعة ، والجهد ، والشجاعة . والذين تسيرهم الرغبات لا يستعملون إلا الأفعال اللازمة ، لا الأفعال المتعدية . فيقولون لك مثلاً : ان أملهم قد ضاع ، وان الدنيا قد أظلمت في وجوههم ، وان آذانهم لاتصفي لنداء الواجب . وجميع هذه الأفعال لا تدل على جهد ، ولا على أي قدرة معنوية ) .
تعليق