قصة وقصيدة من الماضي
قصة وقصيدة
الفية ابن عمار
الشاعر محمد بن عمار صاحب الألفية المتوفى سنة 1351هـ كان لابد من وضع النقاط على الحروف وتوضيح سيرة هذا الشاعر للقراء لتعديل المفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بهذا الشاعر الذي ملأ الدنيا واشغل الناس من خلال قصيدة واحدة هي الألفية الشهيرة التي نهج فيها نهجا ميزه عن شعراء جيله, أحببت أيضاً أن أوضح بعض الأشياء التي لايعلمها الكثير من المتذوقين للشعر الشعبي وأخص الشاعر محمد بن راشد الـعـمار من أهالي بلدة ثـادق في نــجــد رحمه الله رحمةً واسعة وجميع موتى المسلمين ,,
أحـبـتـي ,, سـألت نفسي قبل أن أهم بكتابة هذه الكلمات:
هل نحن كمبتدئين للشعر الشعبي أو كهـواةٍ تهوى القصائد الشعبية القديمة أو كنقاد وأدباء لـبـحور الشعر الشعبي القديم ,, هل نحن كافة أعطينا وأنصفنا تراثنا الشعري الأصيل ؟ بمعنى آخر وأوضح وأدق ,, هل أنصفنا وأعطينا شعرنا الشعبي حقه كما أعطينا مايسمى بشعرنا الشعبي الحديث (المترهل) ؟ وعذراً لهذا المصطلح ,,
أين أدباءنا من تبني شعرنا الشعبي الأصيل ؟ قـد يقول قائل يوجد بالمكتبات شرح المفردات الشعبية والقصائد القديمة لكبار الشعراء وغيرها ,, وأنا أقول له قد تجد قصائد شعبية قديمة ولكن قد تفاجئ في بعض الأحيان لايعرف صاحب القصيدة ! وإذا عُرف صاحب القصيدة تجد بعض أبياتها محرفة أو محذوفٌ بعض الشيء منها!أنا بهذا الكلام أو النقد إن صح التعبير
لا أقلل من أدباءنا بل على العكس قـد أثروا المكتبات بالشعر الشعبي وما يحتويه من معاني جميلة وشرحٌ لمفرداتها ,, لكنها تعتبر شبه قليلة , ولك أخي القارئ الكريم أن تقارن بين تلك المجلدات وبين المجلات الشعبية التي قـد أجزم بأنك قـد تجدها في كل بيت! وقـد يقول قائل أو شاعر شعبي (حديث) أنه لا يريد أو لا يحب كتابة قصيدةٍ شعبية قديمة صعبة المفردات. وأنه دارعليها الزمن وأفـل ,,,! أقول له في هذه الحالة ياأخي لا تكتب المفردات الصعبة والغير مفهومة ! نحن نقصد أسلوب ونهج شعراءنا القدامى في سرد قصائدهم,, بمعنى آخر وهو أن تأخذ أسلوب القديم وتمزجه مع الحديث المتجدد لتخرج لنا قصيدة شعبية ( ثابتة الأركان مجددةً لفروعها ) في كل زمان .
أحبتي أنا عندما تطرقت لهذا الموضوع المهم لأنه هناك قصائد لكبار الشعار القدامى أمثال محمد القاضي ,, ومحمد الصفري ,, والشويعر ,, وبركات الشريف,, وعبيد الرشيد ,, وغيرهم كثير من شعراء الجزيرة العربية إلى أن تصل إلى الشاعر محمد الـعـمار وقـد أشتهر بألفيته المطولة بين أهالي نـجـد قديماً وحديثاً , ولكن قـد يخفى على كثيرٍ بل والكثير من الناس أن ألـفيـة محمد بن عـمار حُـرفـت بعض أبياتها وبعض حروفها على مر السنين , قـد تقول لي وكيف عرفت أنها حُـرّف فيها ولماذا كل هذه السنين لم يُدوّن أهل الشاعر قصيدته؟
فأقـول لك أن الـنـسخة الأصلية موجودة عـند أحفـاده في الرياض..وقـد ذكر الشاعر الشيخ عبد الله بن سعد العمار ويعتبر ممن عاصروا زمن الشاعر محمد إذ يبلغ من العمر مايقارب
95 و 96 سنة ذكر الشيخ عبد الله أن النسخة الأصلية مازالت موجودة ومحفوظة وذكر أنها سوف تنشر لكن في القريب العاجل ,, أمـا تحريفها يُـرجّح بسبب تغني بعض الفنانين بها من دون أخذ رأي أهل الشاعر وكان من أشهر من غناها الفنان ( سـالم الـحـويل ) وزادت شهرتها بعد ما تـنـاقلها الناس وعرفوها بهذه الكلمات,, ولكن تجد كبار السن وكبار الشعراء يعلمون بأنها محرفة . بل وزاد على ذالك أن القصيدة كادت أن تنسب إلى شخصٍ آخر لولا أن أهالي ثادق وخاصةً صديقه المقرب إليه يقال له ( بن دحوم أو الدحيم ) الذي كان يرافقه في غاره في أطراف البلدة الذي مازال موجودا هذا الغار ويعرف بغار بن عـمار أكد على أن القصيدة لابن عمار .
أمـا الحروف التي حُـرفت كثيرة وأسـتـطرد منها حرف ( الضاد ) كمثال واضح وشرح كيف تم التغيير بالمعنى وتفصيله,, عندما قال :
( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا صانعٍ لاتبينه
عـسى الولي يبلاه بصبي عـيـنه
عـساه يسهر من الليل ساعات
إلى آخـره,,,,,,
أما الصحيح هو :
( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا طامعٍ لا تـبـيـنـه
عسا الولي يبلاه في صبي عــيـنــه
يسهر ولا يمرح من الليل ساعات
إلى آخره,,,,
و أن ابن عمار صانعأً كما سلف كيف له أن يقول كلاماً حكيماً ونصائح بليغة في معانيها لايقولها إلا من له مواقف وتجارب كثيرة عاشها وعاصرها في حياته ؟ ولا يقولها صانعَ أغلب أوقاته ماكثاً في صناعة الحديد والسيوف والدروع والنحاس ؟ ولنفرض أنه صانع لـقـال ( الضاد ضدي حال بيني وبينه) ثم يقول بعدها ( يقول هذا صانعٍ لاتبينه ) أي أنه معروف بأصله بين الناس أنه من الصناع ومن ضمنهم محبوبته التي تعرف عن نسبه ! أي أن العيب منه وليس منها,,, ولكنه حذف الياء وجعلها (ضد) بتشديد الدال , بمعنى أن الذي وقف بينهما شيئـاً مجهولاً لم يحدد العيب إكراماً لمحبوبته,, فأدخل معهم طرفاً ثالثاً في تصوير خيالي تخلله كلمة (ضد) في تناغم متسلسل وبين أنه يريد التفريق بينهما بقوله ( يقول هذا طامعٍ لاتبينه ) فجعل العيب في هذا الواشي المجهول !! بأن يدعوا ربه على هذا المجهول بأن يسهر طوال الليل ويبتليه بعدم التمييز إلى أن وصل كالمسرف بسيئاته عند الحشر يوم القيامة
وكيف يكون ابن عــمار صانعاً أو ماشابه ذالك وقـد شارك ضمن فرسان الملك عبدالعزيز في معركة البكيرية عام 1322هـ. وقد كان من هواة ركوب الخيل بين قومه ومشهوراً بالجود والكرم وحسن الجوار وشديد الفراسة وهو الذي يقول في قصيدةٍ مطولة أذكر منها بيتين
أبــوك شــهــم يــكـرم الضـيــف والـجــار
وراعـي مـراجل با لمـكارم يـشـيـدي
وان كـنـت أنـا مـن عـرب الأنساب عـمار
لاحط قـصـرك با لمـشـارف مـشـيدي
هذا مثال بسيط ودليل قاطع على أن ألفيته أصابها شيئاً من التحريف الغير مباشر لأن من يعرف شعر ابن عمار يعرف طريقته في سرد الأبيات بتصورات فيها من خياله الواسع الذي يجذب به القارئ والمستمع إلى شعره فيدخله معه بالقصيدة , وكأنه بذالك يحاول تطبيق أسلوب الشاعر امرأ القيس الذي لم يستطع حداً أن يجاريه , لا في عصره ولا العصر الذي بعده ولا حتى في عصرنا هذا, والدليل أن شعر لازال يدرس بالجامعات والمدارس لأن طريقته في سرد القصيدة عندما يفتتح أول أبياتها بالشيء الواقعي ثم يترك للقصيدة المجال
لتجول في خياله وتكتب مابدا لها من صوراً خياليه غريبة وممتعة في نفس الوقت( خاصةً بالشعر الغزلي )
مثال ذالك :
فَـتـِلْكَ التي هَـــامَ الـفُــؤادُ بِـحُـبِّـها
مُـهَـفْـهَـفَةٌ بَـيْـضاءَ دُرّيــَةُ الـقُـبَــلْ
ولي وَلهَا في الناسْ قولٌ وَسُمْعَةٌ
ولي وَلَـهَـا في كُـلِّ نَـاحِـيَـةً مَــثــلْ
حِـجَـازِيةُ العَـيْـنَـيْن مَكّـيةُ الحَـشَا
عِـــراقِـــيّةُ الأَطــرَاف رُومِــيّةُ الــكَــفَــلْ
تِهَـامِـيّةُ الأَبْـدان عَـبْـسِـيّةُ اللّـمَـا
خُـــزَاعِـــيّـةُ الأَسْـــنَـانْ دُرّيــةُ الـقُــبَــلْ
فَـقَـبّـلْـتُها تِـسْـعَـاً وتِسعينَ قُـبـْلَةً
وَوَاحِــدَةً أخْـــرى وكُـــنْـتُ عـلى عَـجَــلْ
وعَانَقْـتُها حتى تَـقَـطّعَ عِـقـْدهــا
وحتى فُصوص الطوقِ مِنْ جيدها انفَصَلْ
كَأَنّ فُـصُوص الطوق لَمّا تَـنَاثَراً
ضِـيـاءُ مَـصـابيحٍ تَـطَـايَـرنَ عَـنْ شُـعَـــلْ
وقول ابن عمار في خياله :
الجيم جاني من عشيري سلامــي
ولا لـقـينـا من يـرد الكــــــــلامي
عليه زرع القلب هايف وظامـــي
مالي جدا كود البكاء والتنهـــات
ابكي على ما فاتني من زمانــي
. يــوم الحـبـيّـب زارنــي فـي مكانـي
وراي ماخـذت القـضـاء يـوم جانــي
توي عـرفـت البيض فيهن جــنــات
والأمثلة كثيرة في تصوير خيال لابن عمار
نأتي الآن إلى السبب الرئيس الذي جعل محمد بن عـمـار يكتب ألفية من نوع ( المثومنة ) هل كتبها تغزلا في محبوبته ,, أم لـغرضٍ آخر ؟؟
طبعاً الجميع يعتقد أن ابن عمار كتب هذه القصيدة عن قصة حب وهيام عاشها مع معشوقته ! وعاش أحداثها مثل كل عاشقٍ عاش أحداثها بكل تفاصيلها ولكن هناك سببٌ آخر مـغـايرٌ تماماً وقد أدهشني كما سوف يدهشكم الآن,
الألفية قصيدة غزلية برهن فيها ابن عمار على مقدرته الشعرية ولا يلزم ربطها بقصة حب حقيقية فمعظم الشعر يعتمد على الخيال ولقد قيل "أعذب الشعر أكذبه" ونظمها بعد ظهور الشيب في شعره، أي بعد تجاوزه الأربعين سنة غالبا بدليل قوله في الألفية:
اللام ليت العمر ينكس لـحله
قدر ثلاثين السنة في محله
الرجل قبل الشيب واحلو دله
وان لاح فيه الشيب ما فيه لذات
وقال في الألفية أيضا:
الغين غــاب الـعـقـل بأول شــبابي
وادمـيت مـن تـلعات الأرقـاب نـابي
واليوم شاب الراس والكيف طابي
ولاني على الفايت كثير الحسوفات
ومحمد بن عمار تزوج قبل أم أولاده خمسا من النساء فلو كان من مجانين العشاق فهل سيتزوج، وقد رزق بأول أولاده عام 1325هـ تقريبا.
أما السبب الرئيسي وهو أن شاعـراً يـقال له ( العوني ) أتى إلى بلدة ثادق قاصداً الشاعر بن عمار مـعـلـناً تحديه له لما سـمع عن جزالة شعره في عصره وقال له :
يابن عمار: سـوف أكتب لك قصيدة (ألفـية مـروبـعة ) وأريدك أن تأتي بـمـثـلها وتجاريني في وصفها إن استطعت ! فـقال ابن عمار هات ماعندك ,وعندما انتهى العوني من ألفيته المروبعه
جاء دور ابن عمار فـقال :
ألـفٍ أولف من كلامٍ نـظـيــف
ودمـوع عـيني فـوق خـدي ذريـف
يالايمن في حب ذاك الـوليـف
دقـاق رمـش العـيـن سـيـد الخـوندات
واعتقد العوني أنه سيبدأ بحرف الباء .. فـفاجـئه ابن عمار بتكملة حرف الألف!!
خـونـدات ياللي مابـعـد عـاشرنه
قـله تـراهـن بالهـوى يـذبـحنه
قـلبي وقـلـبك من عـروقـه خـذنه
وعـزي لمـن مـثـلي تـعرض للآفــــــات
تلاحظ أخي القارئ أنه عندما أكمل حرف الألف أكمله بصيغة الجمع!!
فأطلق لخياله العنان على ذالك حتى انتهى وسميت ألفيته ( بالمـثومـنة ) ويعتبر أول من أتى بألفية مثومنة في عصره ولم يستطع أحـداً مجاراته . هذا هو السبب الحقيقي لكتابته الألفية المشهورة ,, هذا ماأردت توضيحه بشكلٍ موسع وشامل عن هذه الشخصية
وحول الفية ابن عمار كتب الاستاذ صلاح الزامل في جريدة الرياض عام 2010 م مقالا عن الفية ابن عمار عندما تطرق لها برنامج الخيمة الشعبية في اذاعة الرياض
وقال الاستاذ صلاح الزامل
في إحدى حلقات برنامج الخيمة الشعبية الذي يقدمه المذيع ناصر الراجح أثير موضوع ألفية ابن عمار وكان الضيف أبو قيس الأستاذ محمد الحمدان والسؤال الذي طرح هل أكمل الشاعر ابن عمار ألفيته أو عملها غيره ؟
فمن خلال اطلاعي المحدود و سماعي للرواة الشعبين لم أسمع منهم قائلاً يقول إن ابن عمار لم يكمل ألفيته؟ فما أدري من أين أتى الشك في إكمال الألفية، واعتقد أن هذا الكلام ليس له أدنى دليل صحيح يؤيده بل هو تخرص وتخمين وقول لا يعضده أي شيء من البراهين.
وإذا قلنا جدلاً أن الشاعر ابن عمار لم يكملها فما هو الحرف الهجائي الذي وقف عنده الشاعر ثم توفي ثم أكملها أحدهم ومن هذا الذي أكمل وكانت براعته وعبقريته في الشعر أن يكون مثل الشاعر محمد بن عمار في هذه الألفية التي يعدها الرواة وقيد الشعر النبطي أعظم ألفية على الإطلاق قيلت في هذا القرن بل هي من عيون الشعر الشعبي ولم أجد نصاً غزلياً رائعاً فيه معاناة وأسى وبعد وحزن ووصفاً دقيقاً مثل ما رسمه ابن عمار في هذه الألفية التي ابدع فيها -رحمه الله وعفا عنه.
ومن الممكن أن تقول إن هذه الألفية قد أكملها شخص بعد وفاة ابن عمار إذا وجدنا التفاوت في أسلوب القصيدة وسبكها ورصفها؟ ولعل هذا الكلام يذكرنا بقول الرواية الإخباري الشهير أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي رحمه الله تعالى حين ذكر قصيدة مالك بن الريب في رثائه لنفسه في قصيدته ذات الروعة والخالدة في ذاكرة الناس حيث اورد له الإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتابه الشعر والشعراء مقالة عن قصيدة ابن
الريب هذه هي أبيات معدودة والباقي نحلها الرواة ولفقوها على ابن الريب رحمه الله ولكن المصادر الأخرى تؤكد أن مالك بن الريب أطال النفس في قصيدته هذه وهي 58 بيتاً أوردها العلامة عبد القادر البغدادي رحمه الله تعالى كاملة في كتابه خزانة الأدب.
ونعود ونؤكد أن أساطين و رواة الأدب الشعبي الذين دونوا الشعر وافنوا الكثير من أعمارهم قد حبروا القصيدة كاملة ولم يشروا أنها ناقصة، وهم :
أولاً: الراوية محمد بن يحيى ت 1414ه رحمه الله تعالى في مخطوطته لباب الأفكار في غرائب الأشعار أوردها كاملة من حرف الألف إلى الحرف الأخير الياء،... هكذا ألفية محمد بن راشد بن عمار من أهل ثادق ومن المعلوم أن ابن يحيى معاصر لابن عمار وبلدته حوطة سدير ليست بعيدة عن ثادق واحتمال أنه شاهده وراه وميلاد ابن يحيى عام 1330ه وتوفي ابن عمار عام 1367ه على ما حققه الأستاذ سليمان النقيدان رحمه الله في كتابه شعراء بريدة بناء على تصحيح فهد العريفي رحمه الله الذي شاهده في حائل وهو انذاك صغير السن وعمر ابن يحيى حينما توفي ابن عمار في ثادق 37 سنة وهذا العمر سن رجل في نهاية عقده الرابع وقريب من أشده وهو الأربعين وليس ببعيد أن ابن يحيى كان يحفظ هذه الألفية في سنة هذا ودونها قد انتشرت في نجد بين الحاضرة والبادية وأصبح الشاعر ابن عمار رحمه الله مضرب المثل في حالته هذه عفى الله عنه وسامحه ورحمه، والراوية ابن يحيى ثقة فيما ينقل من الرواية لا يمكن ان يغير في القصيدة أو يبدل ويغير، يروي كما سمع من الشاعر أو من الراوية التي سمع منه القصيدة والراوية روى ألفية ابن عمار في مخطوطته البحر الزاخر ولم يذكر أن ابن عمار توفي ولم يكملها وأكمله غيره .
ثانياً:الربيعي، وهو معاصر لابن عمار إذ أنه من مواليد سنة 1309ه بعنيزة وقد ذكر الرواية والباحث سليمان النقيدان رحمه الله أن الشاعر ابن عمار قدم إلى بريدة سنة 1330ه وتزوج في بريدة من أبناء عمومته وله ابناء عمومة في عنيزة والبكيرية وقد وفد الشاعر ابن عمار إلى ابناء عمومته كذلك في عنيزة وليست ببعيد أن الربيعي شاهده وأخذ عنه أو أخذ القصيدة من أبناء عمومته والربيعي لا يقل مكانة في النقل والتوثيق عن ابن يحيى والحرص على تدوين الرواية كما تلقاها رحمه الله تعالى.
ثالثاً: جماع الشعر الشعبي من المؤلفين القدامى الذين نشروا قصيدة ابن عمار لم يلمحوا إلى احتمال ان ابن عمار لم يكمل قصيدته فهذا الأديب والشاعر عبد المحسن ابابطين الذي طبع كتابه المجموعة البهية سنة 1981م اورد الألفية بدون أن يذكر أن الألفية قد أكملت بعد ابن عمار ، وابن بطين رجل خضرم ومعاصر لابن عمار فهو من مواليد سنة 1337ه أو قريب منها في بلدة روضة سدير ولديه رواية في الشعر الشعبي وطالب علم ومربي واشتغل بالتأليف منذ وقت مبكر رحمه الله.
ومن الكتب الشعبية التي روت الألفية وطبعت بوقت مبكر الفنون الشعبية برواية الرواية محمد بن عيد الضويحي وتأليف وتنسيق محمد بن أحمد الثميري ونشر هذا الكتاب سنة 1392ه والضويحي والثميري من أهالي المجمعة والمجمعة ليست بعيدة عن ثادق وعن أخبار ابن عمار والضويحي بالذات معاصر لابن عمار وقريب من المنطقة وأهلها وقد روى قصائد وأشعار عن شعراء من أهالي ثادق أمثال الدحام وقصصه وابن عمير فلا ريب أنه التقى بهم وأخذ عنهم وليس بمنكر ان يكون أخذ الألفية من صاحبها ابن عمار وقد رواها كاملة في هذا الكتاب ومن الرواة الذين كتبوها ونشرها المتأخرون الشاعر سليمان النقيدان فقد حقق روايات القصيدة وأتى بها كاملة بناء على رواية فهد العلي العريفي رحمه الله التي ارسلها له وهي رواية توافق رواية ابن يحيى والربيعي والضويحي تقريباً فهذه رواياتهم قد توافقت ونشراتهم اتحدت في ابن عمار قد قال قصيدته كاملة ويذكر لي الرواية الأستاذ محمد القويعي ان لديه قصيدة ابن عمار الالفية مخطوطة في سنة 1360ه أي في حياة الشاعر وهذا يؤكد يقيناً بل دليل على أن القصيدة والألفية قد قالها ابن عمار كاملة ومن المؤلفين المتأخرين ولعله آخر من نشرها في كتابه الاستاذ والأديب احمد الدامغ في كتابه الألفيات وقد رواها كاملة وكتابه هذا لم يسبق إليه أحد إذا أنه لم يكن أحد قد جمع شتات الألفيات في ديوان واحد وإن كان قد فاته منها شيء ولكنه ليس بكثير وقد سألته عمن أخذ الألفية فأجاب من شخص رواية من أهالي عودة سدير نسيت أسمه إذا هذه هي الأدلة المنطقية دليل على أن الشاعر محمد بن راشد بن عمار رحمه الله قد أكمل القصيدة في آخر حرف من حروف الهجاء وبهذا يظهر بطلان في من قال إن الالفية لم يكملها ابن عمار وأكملها غيره. ولكن اين قال هذه الألفية هل قالها في بلدته ثادق أم القصيم أو حائل أو بلدة أخرى قصد المعاناة والهيام والعشق الذي وصل به إلى هذه الحال أين كان ؟ بعضهم يؤكد أن هذا حصل في حائل وهذا يؤكده الأستاذ محمد القويعي على ما حدثني به وفقه الله والقصيدة ليست فيها تحرير المكان أو المحبوبة أثرت فيه هذا التأثر البليغ وحتى الذين كتبوا عن ابن عمار لم يشيروا إلى مكان القصيدة سوى ابن نقيدان حيث تحدث عن حالته النفسية وهذا بعد القصيدة قطعاً رحمه الله تعالى ويذكر الدامغ الأديب في ديوان الألفيات عن ابن عمار نقلاً عن عبد الكريم بن عمير وهو ممن شاهد ابن عمار رحمه الله وغفر الله له.
قصة وقصيدة
الفية ابن عمار
الشاعر محمد بن عمار صاحب الألفية المتوفى سنة 1351هـ كان لابد من وضع النقاط على الحروف وتوضيح سيرة هذا الشاعر للقراء لتعديل المفاهيم الخاطئة التي ارتبطت بهذا الشاعر الذي ملأ الدنيا واشغل الناس من خلال قصيدة واحدة هي الألفية الشهيرة التي نهج فيها نهجا ميزه عن شعراء جيله, أحببت أيضاً أن أوضح بعض الأشياء التي لايعلمها الكثير من المتذوقين للشعر الشعبي وأخص الشاعر محمد بن راشد الـعـمار من أهالي بلدة ثـادق في نــجــد رحمه الله رحمةً واسعة وجميع موتى المسلمين ,,
أحـبـتـي ,, سـألت نفسي قبل أن أهم بكتابة هذه الكلمات:
هل نحن كمبتدئين للشعر الشعبي أو كهـواةٍ تهوى القصائد الشعبية القديمة أو كنقاد وأدباء لـبـحور الشعر الشعبي القديم ,, هل نحن كافة أعطينا وأنصفنا تراثنا الشعري الأصيل ؟ بمعنى آخر وأوضح وأدق ,, هل أنصفنا وأعطينا شعرنا الشعبي حقه كما أعطينا مايسمى بشعرنا الشعبي الحديث (المترهل) ؟ وعذراً لهذا المصطلح ,,
أين أدباءنا من تبني شعرنا الشعبي الأصيل ؟ قـد يقول قائل يوجد بالمكتبات شرح المفردات الشعبية والقصائد القديمة لكبار الشعراء وغيرها ,, وأنا أقول له قد تجد قصائد شعبية قديمة ولكن قد تفاجئ في بعض الأحيان لايعرف صاحب القصيدة ! وإذا عُرف صاحب القصيدة تجد بعض أبياتها محرفة أو محذوفٌ بعض الشيء منها!أنا بهذا الكلام أو النقد إن صح التعبير
لا أقلل من أدباءنا بل على العكس قـد أثروا المكتبات بالشعر الشعبي وما يحتويه من معاني جميلة وشرحٌ لمفرداتها ,, لكنها تعتبر شبه قليلة , ولك أخي القارئ الكريم أن تقارن بين تلك المجلدات وبين المجلات الشعبية التي قـد أجزم بأنك قـد تجدها في كل بيت! وقـد يقول قائل أو شاعر شعبي (حديث) أنه لا يريد أو لا يحب كتابة قصيدةٍ شعبية قديمة صعبة المفردات. وأنه دارعليها الزمن وأفـل ,,,! أقول له في هذه الحالة ياأخي لا تكتب المفردات الصعبة والغير مفهومة ! نحن نقصد أسلوب ونهج شعراءنا القدامى في سرد قصائدهم,, بمعنى آخر وهو أن تأخذ أسلوب القديم وتمزجه مع الحديث المتجدد لتخرج لنا قصيدة شعبية ( ثابتة الأركان مجددةً لفروعها ) في كل زمان .
أحبتي أنا عندما تطرقت لهذا الموضوع المهم لأنه هناك قصائد لكبار الشعار القدامى أمثال محمد القاضي ,, ومحمد الصفري ,, والشويعر ,, وبركات الشريف,, وعبيد الرشيد ,, وغيرهم كثير من شعراء الجزيرة العربية إلى أن تصل إلى الشاعر محمد الـعـمار وقـد أشتهر بألفيته المطولة بين أهالي نـجـد قديماً وحديثاً , ولكن قـد يخفى على كثيرٍ بل والكثير من الناس أن ألـفيـة محمد بن عـمار حُـرفـت بعض أبياتها وبعض حروفها على مر السنين , قـد تقول لي وكيف عرفت أنها حُـرّف فيها ولماذا كل هذه السنين لم يُدوّن أهل الشاعر قصيدته؟
فأقـول لك أن الـنـسخة الأصلية موجودة عـند أحفـاده في الرياض..وقـد ذكر الشاعر الشيخ عبد الله بن سعد العمار ويعتبر ممن عاصروا زمن الشاعر محمد إذ يبلغ من العمر مايقارب
95 و 96 سنة ذكر الشيخ عبد الله أن النسخة الأصلية مازالت موجودة ومحفوظة وذكر أنها سوف تنشر لكن في القريب العاجل ,, أمـا تحريفها يُـرجّح بسبب تغني بعض الفنانين بها من دون أخذ رأي أهل الشاعر وكان من أشهر من غناها الفنان ( سـالم الـحـويل ) وزادت شهرتها بعد ما تـنـاقلها الناس وعرفوها بهذه الكلمات,, ولكن تجد كبار السن وكبار الشعراء يعلمون بأنها محرفة . بل وزاد على ذالك أن القصيدة كادت أن تنسب إلى شخصٍ آخر لولا أن أهالي ثادق وخاصةً صديقه المقرب إليه يقال له ( بن دحوم أو الدحيم ) الذي كان يرافقه في غاره في أطراف البلدة الذي مازال موجودا هذا الغار ويعرف بغار بن عـمار أكد على أن القصيدة لابن عمار .
أمـا الحروف التي حُـرفت كثيرة وأسـتـطرد منها حرف ( الضاد ) كمثال واضح وشرح كيف تم التغيير بالمعنى وتفصيله,, عندما قال :
( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا صانعٍ لاتبينه
عـسى الولي يبلاه بصبي عـيـنه
عـساه يسهر من الليل ساعات
إلى آخـره,,,,,,
أما الصحيح هو :
( الضاد ) ضـدٍ حال بيني وبينه
يقول هذا طامعٍ لا تـبـيـنـه
عسا الولي يبلاه في صبي عــيـنــه
يسهر ولا يمرح من الليل ساعات
إلى آخره,,,,
و أن ابن عمار صانعأً كما سلف كيف له أن يقول كلاماً حكيماً ونصائح بليغة في معانيها لايقولها إلا من له مواقف وتجارب كثيرة عاشها وعاصرها في حياته ؟ ولا يقولها صانعَ أغلب أوقاته ماكثاً في صناعة الحديد والسيوف والدروع والنحاس ؟ ولنفرض أنه صانع لـقـال ( الضاد ضدي حال بيني وبينه) ثم يقول بعدها ( يقول هذا صانعٍ لاتبينه ) أي أنه معروف بأصله بين الناس أنه من الصناع ومن ضمنهم محبوبته التي تعرف عن نسبه ! أي أن العيب منه وليس منها,,, ولكنه حذف الياء وجعلها (ضد) بتشديد الدال , بمعنى أن الذي وقف بينهما شيئـاً مجهولاً لم يحدد العيب إكراماً لمحبوبته,, فأدخل معهم طرفاً ثالثاً في تصوير خيالي تخلله كلمة (ضد) في تناغم متسلسل وبين أنه يريد التفريق بينهما بقوله ( يقول هذا طامعٍ لاتبينه ) فجعل العيب في هذا الواشي المجهول !! بأن يدعوا ربه على هذا المجهول بأن يسهر طوال الليل ويبتليه بعدم التمييز إلى أن وصل كالمسرف بسيئاته عند الحشر يوم القيامة
وكيف يكون ابن عــمار صانعاً أو ماشابه ذالك وقـد شارك ضمن فرسان الملك عبدالعزيز في معركة البكيرية عام 1322هـ. وقد كان من هواة ركوب الخيل بين قومه ومشهوراً بالجود والكرم وحسن الجوار وشديد الفراسة وهو الذي يقول في قصيدةٍ مطولة أذكر منها بيتين
أبــوك شــهــم يــكـرم الضـيــف والـجــار
وراعـي مـراجل با لمـكارم يـشـيـدي
وان كـنـت أنـا مـن عـرب الأنساب عـمار
لاحط قـصـرك با لمـشـارف مـشـيدي
هذا مثال بسيط ودليل قاطع على أن ألفيته أصابها شيئاً من التحريف الغير مباشر لأن من يعرف شعر ابن عمار يعرف طريقته في سرد الأبيات بتصورات فيها من خياله الواسع الذي يجذب به القارئ والمستمع إلى شعره فيدخله معه بالقصيدة , وكأنه بذالك يحاول تطبيق أسلوب الشاعر امرأ القيس الذي لم يستطع حداً أن يجاريه , لا في عصره ولا العصر الذي بعده ولا حتى في عصرنا هذا, والدليل أن شعر لازال يدرس بالجامعات والمدارس لأن طريقته في سرد القصيدة عندما يفتتح أول أبياتها بالشيء الواقعي ثم يترك للقصيدة المجال
لتجول في خياله وتكتب مابدا لها من صوراً خياليه غريبة وممتعة في نفس الوقت( خاصةً بالشعر الغزلي )
مثال ذالك :
فَـتـِلْكَ التي هَـــامَ الـفُــؤادُ بِـحُـبِّـها
مُـهَـفْـهَـفَةٌ بَـيْـضاءَ دُرّيــَةُ الـقُـبَــلْ
ولي وَلهَا في الناسْ قولٌ وَسُمْعَةٌ
ولي وَلَـهَـا في كُـلِّ نَـاحِـيَـةً مَــثــلْ
حِـجَـازِيةُ العَـيْـنَـيْن مَكّـيةُ الحَـشَا
عِـــراقِـــيّةُ الأَطــرَاف رُومِــيّةُ الــكَــفَــلْ
تِهَـامِـيّةُ الأَبْـدان عَـبْـسِـيّةُ اللّـمَـا
خُـــزَاعِـــيّـةُ الأَسْـــنَـانْ دُرّيــةُ الـقُــبَــلْ
فَـقَـبّـلْـتُها تِـسْـعَـاً وتِسعينَ قُـبـْلَةً
وَوَاحِــدَةً أخْـــرى وكُـــنْـتُ عـلى عَـجَــلْ
وعَانَقْـتُها حتى تَـقَـطّعَ عِـقـْدهــا
وحتى فُصوص الطوقِ مِنْ جيدها انفَصَلْ
كَأَنّ فُـصُوص الطوق لَمّا تَـنَاثَراً
ضِـيـاءُ مَـصـابيحٍ تَـطَـايَـرنَ عَـنْ شُـعَـــلْ
وقول ابن عمار في خياله :
الجيم جاني من عشيري سلامــي
ولا لـقـينـا من يـرد الكــــــــلامي
عليه زرع القلب هايف وظامـــي
مالي جدا كود البكاء والتنهـــات
ابكي على ما فاتني من زمانــي
. يــوم الحـبـيّـب زارنــي فـي مكانـي
وراي ماخـذت القـضـاء يـوم جانــي
توي عـرفـت البيض فيهن جــنــات
والأمثلة كثيرة في تصوير خيال لابن عمار
نأتي الآن إلى السبب الرئيس الذي جعل محمد بن عـمـار يكتب ألفية من نوع ( المثومنة ) هل كتبها تغزلا في محبوبته ,, أم لـغرضٍ آخر ؟؟
طبعاً الجميع يعتقد أن ابن عمار كتب هذه القصيدة عن قصة حب وهيام عاشها مع معشوقته ! وعاش أحداثها مثل كل عاشقٍ عاش أحداثها بكل تفاصيلها ولكن هناك سببٌ آخر مـغـايرٌ تماماً وقد أدهشني كما سوف يدهشكم الآن,
الألفية قصيدة غزلية برهن فيها ابن عمار على مقدرته الشعرية ولا يلزم ربطها بقصة حب حقيقية فمعظم الشعر يعتمد على الخيال ولقد قيل "أعذب الشعر أكذبه" ونظمها بعد ظهور الشيب في شعره، أي بعد تجاوزه الأربعين سنة غالبا بدليل قوله في الألفية:
اللام ليت العمر ينكس لـحله
قدر ثلاثين السنة في محله
الرجل قبل الشيب واحلو دله
وان لاح فيه الشيب ما فيه لذات
وقال في الألفية أيضا:
الغين غــاب الـعـقـل بأول شــبابي
وادمـيت مـن تـلعات الأرقـاب نـابي
واليوم شاب الراس والكيف طابي
ولاني على الفايت كثير الحسوفات
ومحمد بن عمار تزوج قبل أم أولاده خمسا من النساء فلو كان من مجانين العشاق فهل سيتزوج، وقد رزق بأول أولاده عام 1325هـ تقريبا.
أما السبب الرئيسي وهو أن شاعـراً يـقال له ( العوني ) أتى إلى بلدة ثادق قاصداً الشاعر بن عمار مـعـلـناً تحديه له لما سـمع عن جزالة شعره في عصره وقال له :
يابن عمار: سـوف أكتب لك قصيدة (ألفـية مـروبـعة ) وأريدك أن تأتي بـمـثـلها وتجاريني في وصفها إن استطعت ! فـقال ابن عمار هات ماعندك ,وعندما انتهى العوني من ألفيته المروبعه
جاء دور ابن عمار فـقال :
ألـفٍ أولف من كلامٍ نـظـيــف
ودمـوع عـيني فـوق خـدي ذريـف
يالايمن في حب ذاك الـوليـف
دقـاق رمـش العـيـن سـيـد الخـوندات
واعتقد العوني أنه سيبدأ بحرف الباء .. فـفاجـئه ابن عمار بتكملة حرف الألف!!
خـونـدات ياللي مابـعـد عـاشرنه
قـله تـراهـن بالهـوى يـذبـحنه
قـلبي وقـلـبك من عـروقـه خـذنه
وعـزي لمـن مـثـلي تـعرض للآفــــــات
تلاحظ أخي القارئ أنه عندما أكمل حرف الألف أكمله بصيغة الجمع!!
فأطلق لخياله العنان على ذالك حتى انتهى وسميت ألفيته ( بالمـثومـنة ) ويعتبر أول من أتى بألفية مثومنة في عصره ولم يستطع أحـداً مجاراته . هذا هو السبب الحقيقي لكتابته الألفية المشهورة ,, هذا ماأردت توضيحه بشكلٍ موسع وشامل عن هذه الشخصية
===
وحول الفية ابن عمار كتب الاستاذ صلاح الزامل في جريدة الرياض عام 2010 م مقالا عن الفية ابن عمار عندما تطرق لها برنامج الخيمة الشعبية في اذاعة الرياض
وقال الاستاذ صلاح الزامل
في إحدى حلقات برنامج الخيمة الشعبية الذي يقدمه المذيع ناصر الراجح أثير موضوع ألفية ابن عمار وكان الضيف أبو قيس الأستاذ محمد الحمدان والسؤال الذي طرح هل أكمل الشاعر ابن عمار ألفيته أو عملها غيره ؟
فمن خلال اطلاعي المحدود و سماعي للرواة الشعبين لم أسمع منهم قائلاً يقول إن ابن عمار لم يكمل ألفيته؟ فما أدري من أين أتى الشك في إكمال الألفية، واعتقد أن هذا الكلام ليس له أدنى دليل صحيح يؤيده بل هو تخرص وتخمين وقول لا يعضده أي شيء من البراهين.
وإذا قلنا جدلاً أن الشاعر ابن عمار لم يكملها فما هو الحرف الهجائي الذي وقف عنده الشاعر ثم توفي ثم أكملها أحدهم ومن هذا الذي أكمل وكانت براعته وعبقريته في الشعر أن يكون مثل الشاعر محمد بن عمار في هذه الألفية التي يعدها الرواة وقيد الشعر النبطي أعظم ألفية على الإطلاق قيلت في هذا القرن بل هي من عيون الشعر الشعبي ولم أجد نصاً غزلياً رائعاً فيه معاناة وأسى وبعد وحزن ووصفاً دقيقاً مثل ما رسمه ابن عمار في هذه الألفية التي ابدع فيها -رحمه الله وعفا عنه.
ومن الممكن أن تقول إن هذه الألفية قد أكملها شخص بعد وفاة ابن عمار إذا وجدنا التفاوت في أسلوب القصيدة وسبكها ورصفها؟ ولعل هذا الكلام يذكرنا بقول الرواية الإخباري الشهير أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي رحمه الله تعالى حين ذكر قصيدة مالك بن الريب في رثائه لنفسه في قصيدته ذات الروعة والخالدة في ذاكرة الناس حيث اورد له الإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتابه الشعر والشعراء مقالة عن قصيدة ابن
الريب هذه هي أبيات معدودة والباقي نحلها الرواة ولفقوها على ابن الريب رحمه الله ولكن المصادر الأخرى تؤكد أن مالك بن الريب أطال النفس في قصيدته هذه وهي 58 بيتاً أوردها العلامة عبد القادر البغدادي رحمه الله تعالى كاملة في كتابه خزانة الأدب.
ونعود ونؤكد أن أساطين و رواة الأدب الشعبي الذين دونوا الشعر وافنوا الكثير من أعمارهم قد حبروا القصيدة كاملة ولم يشروا أنها ناقصة، وهم :
أولاً: الراوية محمد بن يحيى ت 1414ه رحمه الله تعالى في مخطوطته لباب الأفكار في غرائب الأشعار أوردها كاملة من حرف الألف إلى الحرف الأخير الياء،... هكذا ألفية محمد بن راشد بن عمار من أهل ثادق ومن المعلوم أن ابن يحيى معاصر لابن عمار وبلدته حوطة سدير ليست بعيدة عن ثادق واحتمال أنه شاهده وراه وميلاد ابن يحيى عام 1330ه وتوفي ابن عمار عام 1367ه على ما حققه الأستاذ سليمان النقيدان رحمه الله في كتابه شعراء بريدة بناء على تصحيح فهد العريفي رحمه الله الذي شاهده في حائل وهو انذاك صغير السن وعمر ابن يحيى حينما توفي ابن عمار في ثادق 37 سنة وهذا العمر سن رجل في نهاية عقده الرابع وقريب من أشده وهو الأربعين وليس ببعيد أن ابن يحيى كان يحفظ هذه الألفية في سنة هذا ودونها قد انتشرت في نجد بين الحاضرة والبادية وأصبح الشاعر ابن عمار رحمه الله مضرب المثل في حالته هذه عفى الله عنه وسامحه ورحمه، والراوية ابن يحيى ثقة فيما ينقل من الرواية لا يمكن ان يغير في القصيدة أو يبدل ويغير، يروي كما سمع من الشاعر أو من الراوية التي سمع منه القصيدة والراوية روى ألفية ابن عمار في مخطوطته البحر الزاخر ولم يذكر أن ابن عمار توفي ولم يكملها وأكمله غيره .
ثانياً:الربيعي، وهو معاصر لابن عمار إذ أنه من مواليد سنة 1309ه بعنيزة وقد ذكر الرواية والباحث سليمان النقيدان رحمه الله أن الشاعر ابن عمار قدم إلى بريدة سنة 1330ه وتزوج في بريدة من أبناء عمومته وله ابناء عمومة في عنيزة والبكيرية وقد وفد الشاعر ابن عمار إلى ابناء عمومته كذلك في عنيزة وليست ببعيد أن الربيعي شاهده وأخذ عنه أو أخذ القصيدة من أبناء عمومته والربيعي لا يقل مكانة في النقل والتوثيق عن ابن يحيى والحرص على تدوين الرواية كما تلقاها رحمه الله تعالى.
ثالثاً: جماع الشعر الشعبي من المؤلفين القدامى الذين نشروا قصيدة ابن عمار لم يلمحوا إلى احتمال ان ابن عمار لم يكمل قصيدته فهذا الأديب والشاعر عبد المحسن ابابطين الذي طبع كتابه المجموعة البهية سنة 1981م اورد الألفية بدون أن يذكر أن الألفية قد أكملت بعد ابن عمار ، وابن بطين رجل خضرم ومعاصر لابن عمار فهو من مواليد سنة 1337ه أو قريب منها في بلدة روضة سدير ولديه رواية في الشعر الشعبي وطالب علم ومربي واشتغل بالتأليف منذ وقت مبكر رحمه الله.
ومن الكتب الشعبية التي روت الألفية وطبعت بوقت مبكر الفنون الشعبية برواية الرواية محمد بن عيد الضويحي وتأليف وتنسيق محمد بن أحمد الثميري ونشر هذا الكتاب سنة 1392ه والضويحي والثميري من أهالي المجمعة والمجمعة ليست بعيدة عن ثادق وعن أخبار ابن عمار والضويحي بالذات معاصر لابن عمار وقريب من المنطقة وأهلها وقد روى قصائد وأشعار عن شعراء من أهالي ثادق أمثال الدحام وقصصه وابن عمير فلا ريب أنه التقى بهم وأخذ عنهم وليس بمنكر ان يكون أخذ الألفية من صاحبها ابن عمار وقد رواها كاملة في هذا الكتاب ومن الرواة الذين كتبوها ونشرها المتأخرون الشاعر سليمان النقيدان فقد حقق روايات القصيدة وأتى بها كاملة بناء على رواية فهد العلي العريفي رحمه الله التي ارسلها له وهي رواية توافق رواية ابن يحيى والربيعي والضويحي تقريباً فهذه رواياتهم قد توافقت ونشراتهم اتحدت في ابن عمار قد قال قصيدته كاملة ويذكر لي الرواية الأستاذ محمد القويعي ان لديه قصيدة ابن عمار الالفية مخطوطة في سنة 1360ه أي في حياة الشاعر وهذا يؤكد يقيناً بل دليل على أن القصيدة والألفية قد قالها ابن عمار كاملة ومن المؤلفين المتأخرين ولعله آخر من نشرها في كتابه الاستاذ والأديب احمد الدامغ في كتابه الألفيات وقد رواها كاملة وكتابه هذا لم يسبق إليه أحد إذا أنه لم يكن أحد قد جمع شتات الألفيات في ديوان واحد وإن كان قد فاته منها شيء ولكنه ليس بكثير وقد سألته عمن أخذ الألفية فأجاب من شخص رواية من أهالي عودة سدير نسيت أسمه إذا هذه هي الأدلة المنطقية دليل على أن الشاعر محمد بن راشد بن عمار رحمه الله قد أكمل القصيدة في آخر حرف من حروف الهجاء وبهذا يظهر بطلان في من قال إن الالفية لم يكملها ابن عمار وأكملها غيره. ولكن اين قال هذه الألفية هل قالها في بلدته ثادق أم القصيم أو حائل أو بلدة أخرى قصد المعاناة والهيام والعشق الذي وصل به إلى هذه الحال أين كان ؟ بعضهم يؤكد أن هذا حصل في حائل وهذا يؤكده الأستاذ محمد القويعي على ما حدثني به وفقه الله والقصيدة ليست فيها تحرير المكان أو المحبوبة أثرت فيه هذا التأثر البليغ وحتى الذين كتبوا عن ابن عمار لم يشيروا إلى مكان القصيدة سوى ابن نقيدان حيث تحدث عن حالته النفسية وهذا بعد القصيدة قطعاً رحمه الله تعالى ويذكر الدامغ الأديب في ديوان الألفيات عن ابن عمار نقلاً عن عبد الكريم بن عمير وهو ممن شاهد ابن عمار رحمه الله وغفر الله له.