النتيجة .. حقيقة العادة من الوجهة الحيوية والنفسية
ج - النتيجة
ينبغي لنا الآن بعد مناقشة هذه النظريات أن نقيد حقيقة العادة بالتنبيهين التاليين :
۱ - العادة من الوجهة الحيوية .
- ان للعادات من الوجهة الحيوية وحدة عميقة ، ومنحني الاكتساب في العادات ، مهما يكن نوعها ، لا يختلف عن منحني التكيف الحيوى كما أن قانون النضج لا يختلف باختلاف العادات .
ينتج من ذلك :
آ - لا وجود للعادات التي سماها ( مين دوبيران ) بالعادات المنفعلة ، لأن العادة الحيوية نفسها تستلزم شيئا من الفاعلية ، ولولا هذه الفاعلية لما تم التكيف . فالجسم الحي يؤالف الأماكن المرتفعة بتزييد كرياته الحمر ، ويقاوم السموم بصنع مواد مضادة لها ، ثم ان المناعة نفسها مجموع من الظواهر الدالة على فاعلية الخلايا العضوية . فبين العادات الحيوية ، والعادات الفاعلة صلة وثيقة ، والانعكاسات الحيوية الاولى تحدث تبدلاً في السلوك العام . قال ( بيرون ) : ( ألقيت أمام بعض الحيوانات النقيعية أجزاءاً من اللمل ، فأحاطت بها أولاً ثم دفعتها ، ولكني عندما أعدت التجربة امتنعت هذه النقيعيات عن التقرب منها . وكذلك الكريات البيض فهي تدنو من الجراثيم وتحيط بها في أول الأمر ، ولكنها بعد تكرار التجربة تفرز عليها بعض المواد المحللة و من الصفات المميزة للعادات العالية ، تدخل المخ ، والجملة العصبية . ان علماء زماننا يعللون العادات الحركية على طريقة ( دیکارت ) ، ويقولون ان التيار العصي يحفر لنفسه طريقاً في المسالك العصبية ، وان هذا الطريق يقوم على تكيف الخلايا العصبية ، واتصالها بعضها ببعض .
ب - ثم ان علماء العصر يعتقدون أيضاً أن الانعكاسات الأولية للخلايا الحية وضروب التكيف الخاصة بالخلايا العصبية ، تنشأ عن آلية فيزيائية كيماوية . فلا فرق إذن عندهم بين الحياة والمادة ، والطاقة . فإذا كانت العادة ناشئة عن هذه الانعكاسات الخلوية أمكن انحلالها ، كالحياة إلى الآلية الفيزيائية ، والكيماوية ، وقد وجد العلماء بين العادة والظواهر الفيزيائية ، والكيماوية ، كثيراً من التشابه . فالمادة الحية مادة غرائية ( Colloide ) ، ومن خواص المادة الغرائية أنها مركبة من مجموعات ذرية تسمى بالذرات الضخمة ( Micelles ) تصلح لاكتساب العادات ، فتتحمل مقادير متزايدة من السوائل المحللة بالكهرباء ( Electrolyte ) مع أن تعرضها لهذه المقادير دفعة واحدة قد يسبب انحلالها ، ولكن بقاء الماضي في الحاضر لا يظهر في الأجسام الغرائية فحسب ، بل يظهر في الأجسام الصلبة أيضاً . ان قطعة الحديد المغموسة في حمض الازوت الشديد تقاوم بسهولة حمض الازوت الخفيف ، مع انها لو وضعت في حمض الازوت الخفيف أولاً لما استطاعت مقاومته . وقد بين العلماء ان التماس الذاتي ) Autocatalyse ) في الكيمياء ، وظاهرة التباطؤ ) Hysterosis ( في الفيزياء ، وبعض الظواهر الميكانيكية ( كسير المحرك ، أو وقوفه ) ترسم منحنيات مشابهة لمنحنيات اكتساب العادات .
٢ - العادة من الوجهة النفسية .
- والعادات لا تختلف بعضها عن بعض من الوجهة النفسية ، لأنه لافرق في صفاتها المقومة بين الحيوان ، والإنسان ، كبقاء الماضي في الحاضر ، وتكرره كما هو ، وزوال الشعور عن الفعل بعد التكيف التام . فالعادة إذن حالة من حالات الفاعلية المحافظة التي ذكرناها في بحث الغريزة . وقد رأينا أنها تتكون كالفريزة بتكرار التمارين ، وتصحيح الأخطاء .
على أن ( اوتوماتية ) العادة أكثر ميلا إلى التحرر من الماضي ، من ( اوتوماتية ) الغريزة . لأنها ( اوتوماتية ) حديثة مكتسبة للفرد ، أما ( اوتوماتية ) الغريزة فقديمة . وقد رأينا أن هذه الآلية تؤدي إلى حذف الانعكاسات غير الصالحة ، والحركات غير النافعة ، فهي إذن قد تحررنا بعض الشيء من قيود الماضي ، أضف إلى ذلك أن في العادة ، إلى جانب الفاعلية المحافظة ، فاعلية ثانية يسميها العلماء بفاعلية الانتخاب ، وهي لا تحفظ من الماضي إلا ما كان نافعاً ، ولا تبقي منه إلا ما كان مطابقاً لضرورات العمل .
وأخيراً ان هذا الاصطفاء خاضع عند الإنسان لتأثير العقل . ان تأثير العقل في الغريزة ضئيل ، أما تأثيره في العادة فعظيم جداً ، وهو يوفر على المبتدىء عناء التكرار الفاسد ، ويسهل مؤ الفته للحاضر ، ويجعله يتفرغ لاكتساب الامور الجديدة . والعادات التي يكتسبها الإنسان ليست مجرد عادات بسيطة ، لأن الاصطفاء الميكانيكي ينقلب عنده إلى انتخاب إرادي .
ج - النتيجة
ينبغي لنا الآن بعد مناقشة هذه النظريات أن نقيد حقيقة العادة بالتنبيهين التاليين :
۱ - العادة من الوجهة الحيوية .
- ان للعادات من الوجهة الحيوية وحدة عميقة ، ومنحني الاكتساب في العادات ، مهما يكن نوعها ، لا يختلف عن منحني التكيف الحيوى كما أن قانون النضج لا يختلف باختلاف العادات .
ينتج من ذلك :
آ - لا وجود للعادات التي سماها ( مين دوبيران ) بالعادات المنفعلة ، لأن العادة الحيوية نفسها تستلزم شيئا من الفاعلية ، ولولا هذه الفاعلية لما تم التكيف . فالجسم الحي يؤالف الأماكن المرتفعة بتزييد كرياته الحمر ، ويقاوم السموم بصنع مواد مضادة لها ، ثم ان المناعة نفسها مجموع من الظواهر الدالة على فاعلية الخلايا العضوية . فبين العادات الحيوية ، والعادات الفاعلة صلة وثيقة ، والانعكاسات الحيوية الاولى تحدث تبدلاً في السلوك العام . قال ( بيرون ) : ( ألقيت أمام بعض الحيوانات النقيعية أجزاءاً من اللمل ، فأحاطت بها أولاً ثم دفعتها ، ولكني عندما أعدت التجربة امتنعت هذه النقيعيات عن التقرب منها . وكذلك الكريات البيض فهي تدنو من الجراثيم وتحيط بها في أول الأمر ، ولكنها بعد تكرار التجربة تفرز عليها بعض المواد المحللة و من الصفات المميزة للعادات العالية ، تدخل المخ ، والجملة العصبية . ان علماء زماننا يعللون العادات الحركية على طريقة ( دیکارت ) ، ويقولون ان التيار العصي يحفر لنفسه طريقاً في المسالك العصبية ، وان هذا الطريق يقوم على تكيف الخلايا العصبية ، واتصالها بعضها ببعض .
ب - ثم ان علماء العصر يعتقدون أيضاً أن الانعكاسات الأولية للخلايا الحية وضروب التكيف الخاصة بالخلايا العصبية ، تنشأ عن آلية فيزيائية كيماوية . فلا فرق إذن عندهم بين الحياة والمادة ، والطاقة . فإذا كانت العادة ناشئة عن هذه الانعكاسات الخلوية أمكن انحلالها ، كالحياة إلى الآلية الفيزيائية ، والكيماوية ، وقد وجد العلماء بين العادة والظواهر الفيزيائية ، والكيماوية ، كثيراً من التشابه . فالمادة الحية مادة غرائية ( Colloide ) ، ومن خواص المادة الغرائية أنها مركبة من مجموعات ذرية تسمى بالذرات الضخمة ( Micelles ) تصلح لاكتساب العادات ، فتتحمل مقادير متزايدة من السوائل المحللة بالكهرباء ( Electrolyte ) مع أن تعرضها لهذه المقادير دفعة واحدة قد يسبب انحلالها ، ولكن بقاء الماضي في الحاضر لا يظهر في الأجسام الغرائية فحسب ، بل يظهر في الأجسام الصلبة أيضاً . ان قطعة الحديد المغموسة في حمض الازوت الشديد تقاوم بسهولة حمض الازوت الخفيف ، مع انها لو وضعت في حمض الازوت الخفيف أولاً لما استطاعت مقاومته . وقد بين العلماء ان التماس الذاتي ) Autocatalyse ) في الكيمياء ، وظاهرة التباطؤ ) Hysterosis ( في الفيزياء ، وبعض الظواهر الميكانيكية ( كسير المحرك ، أو وقوفه ) ترسم منحنيات مشابهة لمنحنيات اكتساب العادات .
٢ - العادة من الوجهة النفسية .
- والعادات لا تختلف بعضها عن بعض من الوجهة النفسية ، لأنه لافرق في صفاتها المقومة بين الحيوان ، والإنسان ، كبقاء الماضي في الحاضر ، وتكرره كما هو ، وزوال الشعور عن الفعل بعد التكيف التام . فالعادة إذن حالة من حالات الفاعلية المحافظة التي ذكرناها في بحث الغريزة . وقد رأينا أنها تتكون كالفريزة بتكرار التمارين ، وتصحيح الأخطاء .
على أن ( اوتوماتية ) العادة أكثر ميلا إلى التحرر من الماضي ، من ( اوتوماتية ) الغريزة . لأنها ( اوتوماتية ) حديثة مكتسبة للفرد ، أما ( اوتوماتية ) الغريزة فقديمة . وقد رأينا أن هذه الآلية تؤدي إلى حذف الانعكاسات غير الصالحة ، والحركات غير النافعة ، فهي إذن قد تحررنا بعض الشيء من قيود الماضي ، أضف إلى ذلك أن في العادة ، إلى جانب الفاعلية المحافظة ، فاعلية ثانية يسميها العلماء بفاعلية الانتخاب ، وهي لا تحفظ من الماضي إلا ما كان نافعاً ، ولا تبقي منه إلا ما كان مطابقاً لضرورات العمل .
وأخيراً ان هذا الاصطفاء خاضع عند الإنسان لتأثير العقل . ان تأثير العقل في الغريزة ضئيل ، أما تأثيره في العادة فعظيم جداً ، وهو يوفر على المبتدىء عناء التكرار الفاسد ، ويسهل مؤ الفته للحاضر ، ويجعله يتفرغ لاكتساب الامور الجديدة . والعادات التي يكتسبها الإنسان ليست مجرد عادات بسيطة ، لأن الاصطفاء الميكانيكي ينقلب عنده إلى انتخاب إرادي .
تعليق