"بطن الحوت" دراما تعزف على ثنائية الدين والمخدرات
العمل يرصد بعدا مثيرا في مصر ويقدمه للمشاهدين برؤية جديدة.
السبت 2024/02/03
صراع واقعي بين الخير والشر
جاء مسلسل “بطن الحوت” ليطرح حكايات واقعية من تفاصيل العلاقات في الحارات المصرية، عبر ممثلين يحظون بإعجاب شريحة واسعة من متابعي الدراما وهو ما مكنه من تحقيق إشادات واسعة، بعضها ثمن أداء الأبطال وبعضها الآخر رأى في المسلسل فاتحة لالتفاتة الدراما نحو قضايا قريبة من المجتمع المصري.
القاهرة - استطاع مسلسل “بطن الحوت” المعروض على منصة “شاهد” السعودية أن يغوص في تفاصيل العلاقات المتناقضة داخل الأسرة الواحدة في منطقة تقع على هامش بعض المدن المصرية التي ينتشر فيها الفقر والجهل والتطرف، ما يجري تعويضه بانتهاج سبل وطرق غير شرعية كي يتمكن المواطنون من العيش، مع ترك مساحات واسعة لرصد أساليب جماعات إسلامية اتخذت الدين ستارا للعديد من الممارسات غير الشرعية في أواخر عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
قدم المسلسل قصة حقيقية عن الصراع بين الجماعات السلفية وتجار المخدرات الذين يختلطون بمواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وما ينتج عن ذلك من علاقات ومصالح ومنافع مشتركة تهدف في النهاية إلى أن يحقق كل طرف مصلحته ليتمكن من توفير سبل العيش على طريقته.
وإذا كانت المخدرات وسيلة مضمونة الربح ويمكن العمل فيها على نطاق أكبر في مناطق هامشية أو نائية توصف كثيرا بأنها “رخوة” اجتماعيا، فقيامها بارتداء غطاء الدين يحقق مكاسب، على رأسها الاحتماء خلفه لنسج علاقات عديدة ومتشابكة.
قدم المسلسل المكون من 15 حلقة التناقض بين الشقيقين ضياء الذي جسده الفنان محمد فراج، وهلال الذي جسده الفنان باسم سمرة، حيث اختار الأول أن يرتدي قناع الدين الأكثر إنسانية وتعاطفا وبحثا عن الرزق الذي يعتقد أنه نظيفا بعيدا عن عباءة أخيه الملوثة والذي سلك طريق المخدرات والطباع الحادة.
سمير الجمل: محمد فراج "حوت" المسلسل الذي شهد تطور أدائه
تدور قصة العمل حول حياة ضياء وهو شاب ملتزم دينيا يعمل مع شقيقه هلال في صناعة الفخار لكن يعيش في جو مشحون وأحداث غير مستقرة تجعله دائما يدخل في مشاكل ويرتكب أخطاء لتبرير أفعاله، وبعد إلقاء القبض على أخيه يجد نفسه في مواجهة شبكة معقدة من العلاقات والعداوات، ويضطر إلى إكمال مشواره للعبور بعائلته إلى بر الأمان، ثم يكتشف أنه أمام امتحان خطير ويدير إمبراطورية غامضة.
ويشارك في بطولة المسلسل أيضا أسماء أبواليزيد، عصام عمر، حسام الحسيني، يوسف عثمان، سماح أنور، عبدالعزيز مخيون، بسمة، سيناريو وحوار محمد بركات ومن تأليف وإخراج أحمد فوزي صالح.
ويسلط الضوء على اتجاه ضياء إلى سلطة الدين التي تحميه مع شعوره بالنبذ والتهميش من جانب والدته التي تجسد شخصيتها سماح أنور، ومن البيئة المحيطة به، فشقيقه لديه شهرة في المنطقة وعالم المخدرات، وقدرة على التحكم في الأسرة، وكل من حوله يبقى طاغيا عليه، ولذلك ادعى السماحة والتواضع والالتزام كعناصر تتماشى مع سلطة الدين فاتخذه سلاحا يساعده على لعب دور البطولة الشعبية.
يرصد العمل تفاصيل تحول الشاب المتدين إلى إدارة إمبراطورية المخدرات التي كان يديرها أخوه، وزواجه من طليقته بعد حبسه، والتي كانت طامعة في المال، كي تساعده على أداء مهمته ليدخل في عداوة كبيرة مع أخيه قبل أن يخرج الأخير من السجن ليبحث عنه ويتمكن من الإمساك به ليلقيا حتفهما معا، إذ قُتل ضياء على يده قبل أن يتعرض شقيقه الأكبر هلال للخيانة على يد أقرب مساعديه ويتعانقان في حفرة واحدة.
تبدو النهاية مستهلكة من زاوية أن كلاهما نال جزاءه، لكن الأحداث التي مرت بها وقادت إليها متشعبة ومليئة بالتفاصيل، فقد نجح كل من فراج وسمرة في التعبير عن انفاعلاتهما الفنية بشكل وجد استحسانا من الجمهور الذي تابع العمل انتظارا لمعرفة المزيد من الإثارة، فعالم المخدرات والجماعات المتطرفة تبين أن لهما تقاطعات.
قال الكاتب والسيناريست سمير الجمل إن المسلسل يوضح الخيوط الدقيقة بين المخدرات والجماعات السلفية وهي قضية لم يجرؤ كثيرون على طرحها بهذه الطريقة التي جسدها هذا العمل، ومع أن الدراما المصرية ناقشت العلاقة بين الإرهاب والمخدرات في أعمال سابقة، إلا أن هذا المسلسل توغل في تفاصيل الشخصيات التي تقع في الممارسات غير الشرعية، مستفيدا من الأداء القوي لمحمد فراج والذي أقنع الجمهور بشخصيته وتفاصيل القرارات التي اتخذها في التحول من الخير إلى الشر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن دقة اختيار أماكن التصوير والوصول إلى مناطق تقع على هامش المجتمع وإعادة صياغة شخوصه للمشاهدين برؤية ناقدة يحسب لمؤلف ومخرج العمل، ويعد ذلك ضمن أبرز عوامل نجاح المسلسل، وأن إبهار عيون الجمهور وجذبه إلى أحداث العمل تحققا في هذا العمل.
◙ مشاهد المسلسل صورت في أماكن حقيقية، وتفاعل المخرج مع المواطنين وكأنهم جزء من العمل، ما جعله يبدو واقعيا
وجرى تصوير مشاهد المسلسل في أكثر من 75 مكانا حقيقيا، وتفاعل مخرج العمل مع المواطنين في الشارع وكأنهم جزء من العمل، ما جعله يبدو واقعيا، خاصة أنه مأخوذ عن قصة لتاجر مخدرات دخل السجن وترك ثروته وأسرته في رعاية شقيقه الذي كان معروفا عنه بأنه متدين، قبل أن يستولي هذا الشخص على ثروة شقيقه، وتمت أحداث هذه الواقعة عام 2005.
وشدد الجمل في حديثه لـ”العرب” على أن المسلسل كان عبارة عن مبارزة فنية بين أبطاله الذين قام مخرج العمل بتوظيفهم بشكل إيجابي، ولذلك فقيام شخص واحد بعملية التأليف والإخراج أوجد تماسكا في الرؤية، كما أن دقة اختيار الممثلين لأداء الأدوار دون تفصيل الأعمال على مقاس كل منهم ساهمت في وضع كل شخص في مكانه الصحيح، والمسلسل شاهد على تطور خبرات الفنان محمد فراج الذي يتميز بالتنوع في تقديم الأدوار، ويمكن وصفه بأنه “حوت” مسلسل “بطن الحوت”.
ولفت إلى أن الدراما المصرية بحاجة إلى المزيد من الأعمال التي تغوص في قاع المجتمع، كي يحدث توازن بين قضايا المرفهين أو ما يُعرف بـ”الكومباوندات والمنتجعات” وبين رصد التحولات المجتمعية في المناطق الفقيرة، مع ضرورة التعامل مع الفقر كظاهرة وقضية تستحق الاهتمام وليس قبحا، إذ يعبر عن أسلوب حياة طبقات مهمشة بحاجة إلى إعادة صياغة واقعها وتقديمه للجمهور بعيون قد لا يراها هؤلاء البسطاء.
ومسلسل “بطن الحوت” هو أولى تجارب المخرج أحمد فوزي صالح في التلفزيون، لكنه شارك من قبل في تأليف مسلسل “الحرامي” والمعروض على منصة “شاهد” أيضا، وظهرت خبراته في تقديم العديد من الأفلام التسجيلية التي دعمت تقديم عمل درامي يحمل قدرا من التوثيق لحقبة زمنية توغلت فيها الجماعات السلفية وأقدمت على ارتكاب ممارسات غير شرعية تحت ستار الدين.
وتصدر العمل معدلات المشاهدة في مصر بعد عرضه على منصة “شاهد في.آي.بي” لفترة طويلة، ما يشير إلى تعطش الجمهور للمزيد من الأعمال التي تعالج الواقع بأسلوب مختلف وقصة جذابة بعيدا عن التطرق إلى تفاصيل العلاقات في الشوارع والحارات المصرية التي تظهر في جزء كبير من الأعمال الدرامية المعروضة على مدار العام.
أحمد جمال
صحافي مصري
العمل يرصد بعدا مثيرا في مصر ويقدمه للمشاهدين برؤية جديدة.
السبت 2024/02/03
صراع واقعي بين الخير والشر
جاء مسلسل “بطن الحوت” ليطرح حكايات واقعية من تفاصيل العلاقات في الحارات المصرية، عبر ممثلين يحظون بإعجاب شريحة واسعة من متابعي الدراما وهو ما مكنه من تحقيق إشادات واسعة، بعضها ثمن أداء الأبطال وبعضها الآخر رأى في المسلسل فاتحة لالتفاتة الدراما نحو قضايا قريبة من المجتمع المصري.
القاهرة - استطاع مسلسل “بطن الحوت” المعروض على منصة “شاهد” السعودية أن يغوص في تفاصيل العلاقات المتناقضة داخل الأسرة الواحدة في منطقة تقع على هامش بعض المدن المصرية التي ينتشر فيها الفقر والجهل والتطرف، ما يجري تعويضه بانتهاج سبل وطرق غير شرعية كي يتمكن المواطنون من العيش، مع ترك مساحات واسعة لرصد أساليب جماعات إسلامية اتخذت الدين ستارا للعديد من الممارسات غير الشرعية في أواخر عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
قدم المسلسل قصة حقيقية عن الصراع بين الجماعات السلفية وتجار المخدرات الذين يختلطون بمواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وما ينتج عن ذلك من علاقات ومصالح ومنافع مشتركة تهدف في النهاية إلى أن يحقق كل طرف مصلحته ليتمكن من توفير سبل العيش على طريقته.
وإذا كانت المخدرات وسيلة مضمونة الربح ويمكن العمل فيها على نطاق أكبر في مناطق هامشية أو نائية توصف كثيرا بأنها “رخوة” اجتماعيا، فقيامها بارتداء غطاء الدين يحقق مكاسب، على رأسها الاحتماء خلفه لنسج علاقات عديدة ومتشابكة.
قدم المسلسل المكون من 15 حلقة التناقض بين الشقيقين ضياء الذي جسده الفنان محمد فراج، وهلال الذي جسده الفنان باسم سمرة، حيث اختار الأول أن يرتدي قناع الدين الأكثر إنسانية وتعاطفا وبحثا عن الرزق الذي يعتقد أنه نظيفا بعيدا عن عباءة أخيه الملوثة والذي سلك طريق المخدرات والطباع الحادة.
سمير الجمل: محمد فراج "حوت" المسلسل الذي شهد تطور أدائه
تدور قصة العمل حول حياة ضياء وهو شاب ملتزم دينيا يعمل مع شقيقه هلال في صناعة الفخار لكن يعيش في جو مشحون وأحداث غير مستقرة تجعله دائما يدخل في مشاكل ويرتكب أخطاء لتبرير أفعاله، وبعد إلقاء القبض على أخيه يجد نفسه في مواجهة شبكة معقدة من العلاقات والعداوات، ويضطر إلى إكمال مشواره للعبور بعائلته إلى بر الأمان، ثم يكتشف أنه أمام امتحان خطير ويدير إمبراطورية غامضة.
ويشارك في بطولة المسلسل أيضا أسماء أبواليزيد، عصام عمر، حسام الحسيني، يوسف عثمان، سماح أنور، عبدالعزيز مخيون، بسمة، سيناريو وحوار محمد بركات ومن تأليف وإخراج أحمد فوزي صالح.
ويسلط الضوء على اتجاه ضياء إلى سلطة الدين التي تحميه مع شعوره بالنبذ والتهميش من جانب والدته التي تجسد شخصيتها سماح أنور، ومن البيئة المحيطة به، فشقيقه لديه شهرة في المنطقة وعالم المخدرات، وقدرة على التحكم في الأسرة، وكل من حوله يبقى طاغيا عليه، ولذلك ادعى السماحة والتواضع والالتزام كعناصر تتماشى مع سلطة الدين فاتخذه سلاحا يساعده على لعب دور البطولة الشعبية.
يرصد العمل تفاصيل تحول الشاب المتدين إلى إدارة إمبراطورية المخدرات التي كان يديرها أخوه، وزواجه من طليقته بعد حبسه، والتي كانت طامعة في المال، كي تساعده على أداء مهمته ليدخل في عداوة كبيرة مع أخيه قبل أن يخرج الأخير من السجن ليبحث عنه ويتمكن من الإمساك به ليلقيا حتفهما معا، إذ قُتل ضياء على يده قبل أن يتعرض شقيقه الأكبر هلال للخيانة على يد أقرب مساعديه ويتعانقان في حفرة واحدة.
تبدو النهاية مستهلكة من زاوية أن كلاهما نال جزاءه، لكن الأحداث التي مرت بها وقادت إليها متشعبة ومليئة بالتفاصيل، فقد نجح كل من فراج وسمرة في التعبير عن انفاعلاتهما الفنية بشكل وجد استحسانا من الجمهور الذي تابع العمل انتظارا لمعرفة المزيد من الإثارة، فعالم المخدرات والجماعات المتطرفة تبين أن لهما تقاطعات.
قال الكاتب والسيناريست سمير الجمل إن المسلسل يوضح الخيوط الدقيقة بين المخدرات والجماعات السلفية وهي قضية لم يجرؤ كثيرون على طرحها بهذه الطريقة التي جسدها هذا العمل، ومع أن الدراما المصرية ناقشت العلاقة بين الإرهاب والمخدرات في أعمال سابقة، إلا أن هذا المسلسل توغل في تفاصيل الشخصيات التي تقع في الممارسات غير الشرعية، مستفيدا من الأداء القوي لمحمد فراج والذي أقنع الجمهور بشخصيته وتفاصيل القرارات التي اتخذها في التحول من الخير إلى الشر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن دقة اختيار أماكن التصوير والوصول إلى مناطق تقع على هامش المجتمع وإعادة صياغة شخوصه للمشاهدين برؤية ناقدة يحسب لمؤلف ومخرج العمل، ويعد ذلك ضمن أبرز عوامل نجاح المسلسل، وأن إبهار عيون الجمهور وجذبه إلى أحداث العمل تحققا في هذا العمل.
◙ مشاهد المسلسل صورت في أماكن حقيقية، وتفاعل المخرج مع المواطنين وكأنهم جزء من العمل، ما جعله يبدو واقعيا
وجرى تصوير مشاهد المسلسل في أكثر من 75 مكانا حقيقيا، وتفاعل مخرج العمل مع المواطنين في الشارع وكأنهم جزء من العمل، ما جعله يبدو واقعيا، خاصة أنه مأخوذ عن قصة لتاجر مخدرات دخل السجن وترك ثروته وأسرته في رعاية شقيقه الذي كان معروفا عنه بأنه متدين، قبل أن يستولي هذا الشخص على ثروة شقيقه، وتمت أحداث هذه الواقعة عام 2005.
وشدد الجمل في حديثه لـ”العرب” على أن المسلسل كان عبارة عن مبارزة فنية بين أبطاله الذين قام مخرج العمل بتوظيفهم بشكل إيجابي، ولذلك فقيام شخص واحد بعملية التأليف والإخراج أوجد تماسكا في الرؤية، كما أن دقة اختيار الممثلين لأداء الأدوار دون تفصيل الأعمال على مقاس كل منهم ساهمت في وضع كل شخص في مكانه الصحيح، والمسلسل شاهد على تطور خبرات الفنان محمد فراج الذي يتميز بالتنوع في تقديم الأدوار، ويمكن وصفه بأنه “حوت” مسلسل “بطن الحوت”.
ولفت إلى أن الدراما المصرية بحاجة إلى المزيد من الأعمال التي تغوص في قاع المجتمع، كي يحدث توازن بين قضايا المرفهين أو ما يُعرف بـ”الكومباوندات والمنتجعات” وبين رصد التحولات المجتمعية في المناطق الفقيرة، مع ضرورة التعامل مع الفقر كظاهرة وقضية تستحق الاهتمام وليس قبحا، إذ يعبر عن أسلوب حياة طبقات مهمشة بحاجة إلى إعادة صياغة واقعها وتقديمه للجمهور بعيون قد لا يراها هؤلاء البسطاء.
ومسلسل “بطن الحوت” هو أولى تجارب المخرج أحمد فوزي صالح في التلفزيون، لكنه شارك من قبل في تأليف مسلسل “الحرامي” والمعروض على منصة “شاهد” أيضا، وظهرت خبراته في تقديم العديد من الأفلام التسجيلية التي دعمت تقديم عمل درامي يحمل قدرا من التوثيق لحقبة زمنية توغلت فيها الجماعات السلفية وأقدمت على ارتكاب ممارسات غير شرعية تحت ستار الدين.
وتصدر العمل معدلات المشاهدة في مصر بعد عرضه على منصة “شاهد في.آي.بي” لفترة طويلة، ما يشير إلى تعطش الجمهور للمزيد من الأعمال التي تعالج الواقع بأسلوب مختلف وقصة جذابة بعيدا عن التطرق إلى تفاصيل العلاقات في الشوارع والحارات المصرية التي تظهر في جزء كبير من الأعمال الدرامية المعروضة على مدار العام.
أحمد جمال
صحافي مصري