النظريات الغائية .. الغَرِيزَة
النظريات الغائية
الغائية المدرسية .
- ان النظرية الغائية شبيهة بنظرية ( لامارك ) ، إلا أنها لا ترجع الغريزة إلى عقل الفرد ، بل ترجمها إلى عقل أعلى من عقل الفرد كامن في الوجود ، أو مفارق له . فالعالم في هذا المذهب مرتب على مثال الأمور الإنسانية ، كأنه صورة محسوسة لخطة عامة معقولة ، وكأن كل شيء في الكائن الحي ، من أعضائه ، إلى وظائف أعضائه ، وإلى غرائزه المقابلة لها ، تابع لغاية واحدة ، وهي بقاء الفرد ، وحفظ وجود النوع . فالغريزة إذن مظهر من مظاهر القوة السامية المسيطرة على الوجود ، بها ينتظم الكائن الحي إلى نظام الكون . وفي نظام الوجود وحدة عضوية مبنية على تضامن العناصر وتعلقها بعضها ببعض ، وهي توضح لنا اختلاف نزعات الحياة ، وامتزاج صورها الظاهرة في الغريزة .
مناقشة هذه النظرية .
- أن هذه النظرية لا تفسر جميع ظواهر الطبيعة ، ولا تعبر عنها تعبيراً دقيقاً . قال هنري برغسون ، وهو من الذين انتقدوا الغائية ، والآلية معاً . ان الفيلسوف الذي يعتقد أن كل جزء من أجزاء الكون يدل على خطة عامة معقولة ، يخيب أمله شيئاً فشيئاً عند مواجهة الظواهر ، لأن التطور ليس حر كة إلى الأمام فحسب ، وإنما هو في كثير من الأحوال ، وقوف أو انحراف عن الغاية ، أو رجوع إلى الوراء . لو كانت الحياة مطابقة الخطة عامة مديرة ، لكان اتساقها في ظواهرها العالية أتم وأبين ، ولكانت كالبناء ، كلما ركبت أجزاؤه بعضها فوق بعض ، حققت فكرة المهندس ، وأظهرت خطته ، فهل في تطور الكائنات شيء شبيه بذلك ؟
من نظرية هنري برغسون .
- على أن رأي ( هنري برغسون ) في الغريزة لا يختلف عن نظريات المذاهب الفائية اختلافاً كبيراً . لأنه سلك هو نفسه طريقة غائية مقتبسة . المثالية الألمانية ، لقد كانت المذاهب القديمة تقول بغائية عاقلة . أما ( هنري برغسون ) فقد قال بغائية لا شعورية محضة ، وكانت المذاهب القديمة تقول بتقدم القصد على الحوادث ، وتشبه فعل الطبيعة بفعل الإنسان وقصده ، أما ( هنري برغسون ) فقد . جرد فاعلية الحياة من كل قصد ، وجعلها ناشئة عن تلقائية حرة ، واندفاعة مبدعة لتطور الأنواع . قال : ان الغريزة ظاهرة من الظواهر المباشرة لاندفاعة الحياة وهي تتمم عمل الحياة في تعضية المادة ، فلا يمكنك أن تقول : أين ينتهي عمل الحياة ، وأين تبدأ الغريزة . وقال أيضاً : ان الدجاجة التي تكسر قشرة البيضة بمنقارها تعمل بالغريزة ، ولكن عملها هذا لا يختلف كثيراً عن حركات الجنين في بطن امه . انظر إلى خلايا الجسم الحي ، انها تتغذى ، وتدافع عن نفسها ، وتتوالد ، وتعمل معاً في سبيل غاية واحدة ، ثم انظر إلى أفراد النحل في كور واحد ، ان كل نحلة فيه أشبه شيء بخلية في جسم عضوي واحد . وغرائز الأفراد في كور النحل ، شبيهة بوظائف الخلايا في الجسم الحي .
فالغريزة تختلف إذن عن العقل اختلافاً جوهريا . نعم انها يتعاونان في عالم الحيوان ولكن كلا منهما يتجه اتجاهاً مخالفاً لاتجاه الآخر . لقد أخطأ الفلاسفة القدامى في زعمهم أن الغريزة والعقل صورتان مختلفتان لأمر واحد ، لأن الغريزة لا تختلف عن العقل في درجتها فحسب ، بل تختلف عنه في اتجاهها أيضاً . انهما يتولدان معاً . من اندفاعة الحياة ثم يسلكان طريقين متباينين فالعقل يتجه إلى المادة ، هدفه صنع الآلات ، والأدوات الجامدة ، أما الغريزة فقد صاغتها الطبيعة على صورة الحياة حتى جعلتها قادرة على إبداع الآلات المعضاة ، وطريقة العقل مادية ، أما طريقة الغريزة فعضوية ، وما يحلله العقل ويشرحه ، تحسه الغريزة وتدركه مباشرة ، وتمثله تمثيلا ، فتمتزج بالأشياء وتتحد بها ، وتدركها من داخلها بالتعاطف ، هكذا يدرك ( السفكس ) سر فريسته من غير أن يحتاج كعلماء الحشرات إلى معرفة مراكزها العصبية .
المناقشة :
١ - ان هذه النظرية تسلم بصفات الغريزة التي ذكرها ( هنري فابر ) من غير أن تناقشها . . لقد بالغ العلماء في وصف غائية الغريزة ، وحذقها ، ونفوذها ، ودقتها ، حتى جعلوها سراً من الأسرار الغامضة ، فجاءت مباحثهم خليطاً من المبالغات والغرائب ، والأساطير ، التي تصلح للرواية والأدب ، لا للتاريخ الطبيعي . وأعجب من ذلك كله أن ينخدع بها عالم مثل ( فابر ) ، وفيلسوف عميق الفكر مثل ( هنري برغسون ) .
٢ - إن هذه النظرية تجعل الغريزة مضادة للعقل ، مع أن الظواهر تثبت لنا أن هناك حدوداً متوسطة بين الغريزة والعقل ، وأن الغريزة تتغير ، وتتكيف لمؤالفة شرائط البيئة ، وقد أذعن أصحاب المذهب الغائي جميعهم لهذه القضية ، وسلموا بأن الغريزة والعقل يتعاونان في الحيوان ، وان كلا منهما متصل بالآخر .
٣ - إن نظرية ( هنري برغسون ) توحد الغريزة والحياة . وهذا صحيح بالنسبة إلى الغريزة من جهة ما هى نزعة عامة ، لا من جهة ما هي سلوك مركب من حركات جزئية ، وعمل مؤلف من أفعال ظاهرة تعبر عن نزعات خفية ، ونحن لا نريد الآن أن نعلل غريزة التغذي ، أو غريرة الامومة من جهة ما هي نزعة خفية ، بل نريد أن نوضح الصور المعينة ، والأشكال الدقيقة ، التي يتصف بها نزوع الحيوان إلى الغذاء ، وميله إلى تربية صغاره .
إن النظرية الغائية لا توضح لنا ترتيب هذه الصور ، ولا آلية الحركات المقومة لها ، ولعلنا نستطيع أن نقول ان تفسير الغريزة بإرجاعها إلى اندفاعة الحياة ليس سوى وهم وتضليل . فماهي اندفاعة الحياة ، وما هو هذا الحدس الذي به نمازج حقيقة الوجود ، إننا لا نفهم كيف يمازج ( السفكس ) حياة فريسته ، وكيف يدركها من داخلها إدراكاً مباشراً ، وكيف يطلع بالتعاطف على الوسائل الجراحية اللازمة لتخديرها . وإذا طلبنا من ( هنري يرغسون ) وتلاميذه إيضاح هذا الأمر في ضوء العقل ، قالوا ليس في وسع العقل أن يفهم حقيقة الحياة .
النظريات الغائية
الغائية المدرسية .
- ان النظرية الغائية شبيهة بنظرية ( لامارك ) ، إلا أنها لا ترجع الغريزة إلى عقل الفرد ، بل ترجمها إلى عقل أعلى من عقل الفرد كامن في الوجود ، أو مفارق له . فالعالم في هذا المذهب مرتب على مثال الأمور الإنسانية ، كأنه صورة محسوسة لخطة عامة معقولة ، وكأن كل شيء في الكائن الحي ، من أعضائه ، إلى وظائف أعضائه ، وإلى غرائزه المقابلة لها ، تابع لغاية واحدة ، وهي بقاء الفرد ، وحفظ وجود النوع . فالغريزة إذن مظهر من مظاهر القوة السامية المسيطرة على الوجود ، بها ينتظم الكائن الحي إلى نظام الكون . وفي نظام الوجود وحدة عضوية مبنية على تضامن العناصر وتعلقها بعضها ببعض ، وهي توضح لنا اختلاف نزعات الحياة ، وامتزاج صورها الظاهرة في الغريزة .
مناقشة هذه النظرية .
- أن هذه النظرية لا تفسر جميع ظواهر الطبيعة ، ولا تعبر عنها تعبيراً دقيقاً . قال هنري برغسون ، وهو من الذين انتقدوا الغائية ، والآلية معاً . ان الفيلسوف الذي يعتقد أن كل جزء من أجزاء الكون يدل على خطة عامة معقولة ، يخيب أمله شيئاً فشيئاً عند مواجهة الظواهر ، لأن التطور ليس حر كة إلى الأمام فحسب ، وإنما هو في كثير من الأحوال ، وقوف أو انحراف عن الغاية ، أو رجوع إلى الوراء . لو كانت الحياة مطابقة الخطة عامة مديرة ، لكان اتساقها في ظواهرها العالية أتم وأبين ، ولكانت كالبناء ، كلما ركبت أجزاؤه بعضها فوق بعض ، حققت فكرة المهندس ، وأظهرت خطته ، فهل في تطور الكائنات شيء شبيه بذلك ؟
من نظرية هنري برغسون .
- على أن رأي ( هنري برغسون ) في الغريزة لا يختلف عن نظريات المذاهب الفائية اختلافاً كبيراً . لأنه سلك هو نفسه طريقة غائية مقتبسة . المثالية الألمانية ، لقد كانت المذاهب القديمة تقول بغائية عاقلة . أما ( هنري برغسون ) فقد قال بغائية لا شعورية محضة ، وكانت المذاهب القديمة تقول بتقدم القصد على الحوادث ، وتشبه فعل الطبيعة بفعل الإنسان وقصده ، أما ( هنري برغسون ) فقد . جرد فاعلية الحياة من كل قصد ، وجعلها ناشئة عن تلقائية حرة ، واندفاعة مبدعة لتطور الأنواع . قال : ان الغريزة ظاهرة من الظواهر المباشرة لاندفاعة الحياة وهي تتمم عمل الحياة في تعضية المادة ، فلا يمكنك أن تقول : أين ينتهي عمل الحياة ، وأين تبدأ الغريزة . وقال أيضاً : ان الدجاجة التي تكسر قشرة البيضة بمنقارها تعمل بالغريزة ، ولكن عملها هذا لا يختلف كثيراً عن حركات الجنين في بطن امه . انظر إلى خلايا الجسم الحي ، انها تتغذى ، وتدافع عن نفسها ، وتتوالد ، وتعمل معاً في سبيل غاية واحدة ، ثم انظر إلى أفراد النحل في كور واحد ، ان كل نحلة فيه أشبه شيء بخلية في جسم عضوي واحد . وغرائز الأفراد في كور النحل ، شبيهة بوظائف الخلايا في الجسم الحي .
فالغريزة تختلف إذن عن العقل اختلافاً جوهريا . نعم انها يتعاونان في عالم الحيوان ولكن كلا منهما يتجه اتجاهاً مخالفاً لاتجاه الآخر . لقد أخطأ الفلاسفة القدامى في زعمهم أن الغريزة والعقل صورتان مختلفتان لأمر واحد ، لأن الغريزة لا تختلف عن العقل في درجتها فحسب ، بل تختلف عنه في اتجاهها أيضاً . انهما يتولدان معاً . من اندفاعة الحياة ثم يسلكان طريقين متباينين فالعقل يتجه إلى المادة ، هدفه صنع الآلات ، والأدوات الجامدة ، أما الغريزة فقد صاغتها الطبيعة على صورة الحياة حتى جعلتها قادرة على إبداع الآلات المعضاة ، وطريقة العقل مادية ، أما طريقة الغريزة فعضوية ، وما يحلله العقل ويشرحه ، تحسه الغريزة وتدركه مباشرة ، وتمثله تمثيلا ، فتمتزج بالأشياء وتتحد بها ، وتدركها من داخلها بالتعاطف ، هكذا يدرك ( السفكس ) سر فريسته من غير أن يحتاج كعلماء الحشرات إلى معرفة مراكزها العصبية .
المناقشة :
١ - ان هذه النظرية تسلم بصفات الغريزة التي ذكرها ( هنري فابر ) من غير أن تناقشها . . لقد بالغ العلماء في وصف غائية الغريزة ، وحذقها ، ونفوذها ، ودقتها ، حتى جعلوها سراً من الأسرار الغامضة ، فجاءت مباحثهم خليطاً من المبالغات والغرائب ، والأساطير ، التي تصلح للرواية والأدب ، لا للتاريخ الطبيعي . وأعجب من ذلك كله أن ينخدع بها عالم مثل ( فابر ) ، وفيلسوف عميق الفكر مثل ( هنري برغسون ) .
٢ - إن هذه النظرية تجعل الغريزة مضادة للعقل ، مع أن الظواهر تثبت لنا أن هناك حدوداً متوسطة بين الغريزة والعقل ، وأن الغريزة تتغير ، وتتكيف لمؤالفة شرائط البيئة ، وقد أذعن أصحاب المذهب الغائي جميعهم لهذه القضية ، وسلموا بأن الغريزة والعقل يتعاونان في الحيوان ، وان كلا منهما متصل بالآخر .
٣ - إن نظرية ( هنري برغسون ) توحد الغريزة والحياة . وهذا صحيح بالنسبة إلى الغريزة من جهة ما هى نزعة عامة ، لا من جهة ما هي سلوك مركب من حركات جزئية ، وعمل مؤلف من أفعال ظاهرة تعبر عن نزعات خفية ، ونحن لا نريد الآن أن نعلل غريزة التغذي ، أو غريرة الامومة من جهة ما هي نزعة خفية ، بل نريد أن نوضح الصور المعينة ، والأشكال الدقيقة ، التي يتصف بها نزوع الحيوان إلى الغذاء ، وميله إلى تربية صغاره .
إن النظرية الغائية لا توضح لنا ترتيب هذه الصور ، ولا آلية الحركات المقومة لها ، ولعلنا نستطيع أن نقول ان تفسير الغريزة بإرجاعها إلى اندفاعة الحياة ليس سوى وهم وتضليل . فماهي اندفاعة الحياة ، وما هو هذا الحدس الذي به نمازج حقيقة الوجود ، إننا لا نفهم كيف يمازج ( السفكس ) حياة فريسته ، وكيف يدركها من داخلها إدراكاً مباشراً ، وكيف يطلع بالتعاطف على الوسائل الجراحية اللازمة لتخديرها . وإذا طلبنا من ( هنري يرغسون ) وتلاميذه إيضاح هذا الأمر في ضوء العقل ، قالوا ليس في وسع العقل أن يفهم حقيقة الحياة .
تعليق