الغريزة والعقل .. الغَرِيزَة
الغريزة والعقل
ان اختلاف الغريزة عن العقل ، أشد من اختلافها عن الفعل المنعكس ، لأن العقل ألين من الغريزة ، وأقدر منها على الاستعانة بالماضي ، والحاضر ، وأكثر منها تكيفاً ومؤالفة للشرائط الجديدة ، فيخترع ، ويجدد ، ويبدع ، حتى لقد قيل : ان العقل هو التقدم والارتقاء ، وان الغريزة هي الوقوف والركود .
وقد فرق العلماء بين الغريزة والعقل بالصفات التالية :
١ - الغريزة فاعلية عمياء .
- ومعنى ذلك أنها لا تستطيع أن تؤالف شرائط البيئة السريعة التبدل ، بل تبقى على حالها . وقد قال ( فابر ) : ان في الغريزة إلى جانب العلم ، جهلا مطبق ) ، وظلاماً عميقاً . فمن الأمثلة الدالة على ذلك أن ( السفكس ) الأصفر الجناح يضع الجدجد الذي يصطاده على باب جحره ، ثم يدخل جحره بعد ذلك ليطلع على ما فيه ، ثم يخرج منه ، ويجر فريسته اليه ، فإذا دخل ( السفكس ) جحره ، و أبعدنا الجدجد عنه قليلا ، أعاده بعد خروجه من الجحر إلى محله ، ثم زار الجحر ثانية ، فإذا أعدنا التجربة ، عاد ( السفكس ) إلى ما كان عليه ، وهكذا حتى يدخل الجحر أربعين مرة . ومن هذه الأمثلة أيضاً أن العنكبوت يدافع عن شرفقته بشدة ، فإذا وضعت في أرجله كرة من الراتنج بدلاً من الشرنقة دافع عنها بحماسة ، كانها شرنقته ، ولا يتركها إلا بعد أن يضي زمن التفريخ ، ومنها أن الكلب الأليف يدوس غطاءه كأنه نائم على الأرض ، ومنها أن الهرة تستر برازها ، وتحاول ذلك عدة مرات ، وإن كان ذلك البر از ساقطاً على الصخر ، ومنها أن النحلة تملأ خليتها عسلاً ، وتستمر على ذلك خلال ثلاث ساعات متوالية رغم ثقب الخلية ، وخروج المسل منها ، ولا يخطر ببالها أبداً أن تسد الثقب لحفظ العسل في الخلية .
٢ - الغريزة متخصصة .
- العقل يستطيع أن يؤالف كل شيء ، أما الغريزة -- فمحدودة ، ومتخصصة . قال ( فابر ) : « ان الغريزة لا تعرف الأشياء إلا بالطرائق الثابتة المرسومة لها . مثال ذلك : أن النحلة تقيس زوايا المسدسات المنتظمة التي تصنعها كأنها رياضي حاذق ، ولكنها تعجز عن الخروج من قارورة وجه عنقها إلى جهة مقابلة لجهة النور . مثال آخر : إذا قطعت الأهداب التي تعود ( السفكس ) أن يقبض عليها ليجر بها فريسته ، تركها وأعرض عنها من غير أن ينتبه لأمر آخر ، وهو أنه يستطيع أن يجر فريسته بمخالبها . ان هذا الجراح الماهو لا يعرف ، كما يقول ( فابر ) ، إلا الامور الداخلة في نطاق غريزته .
٣ - الغريزة نوعية .
- ان الغريزة مشتركة بين جميع أفراد الجنس ، أو بين أفراد النوع الواحد من ذلك الجنس من غير أن يكون هناك اختلاف بين فرد وآخر ، أما أفعال العقل ، فتختلف باختلاف الأفراد ، مثال ذلك : أن لكل نوع من أنواع الحشرات المخدرة صيداً خاصاً ، وكل نوع منها يختلف عن الآخر ، في تخدير فريسته ، ودفنهـــــا في التراب قرب البيضة ، وكذلك كل نوع من أنواع الطير ، فهو يختلف عن الآخر في صنع و كره .
وقد يقال : ان الغريزة لا تشمل جميع أفراد النواع ، فملكة النحل لا تملك الغرائز العجيبة التي نجدها عند عاملات النحل ولكن هذا الاختلاف اختلاف ظاهر فقط ، وقد نرد عليه بقولنا : إن الغريزة مشتركة بين جميع الإفراد ، إلا أن ملكة النحل قد فقدته ، لعدم استعمالها إياها . ولا فرق بين الدودة التي تصبح ملكة ، والتي تمسي عاملة ، لأن اتصافها بهذه الصفة ، أو بتلك ، راجع إلى كيفية عنايتنا بها ، وإلى نوع الغذاء الذي نقدمه اليها .
على أننا نقيد نوعية الغريزه بالملاحظات التالية :
١ - ان نوعية الغريزة ليست مطلقة ، لأن هناك اختلافات فردية في الصفات النفسية ، والجسدية ، ولا يمكن أن يكون هناك اثنان . الأفراد متساويين تساوياً تاماً . ولكن هذه الاختلافات الفردية ضعيفة ، وهي لا تمنع العالم النفسي من القول : ان أفراد النوع الواحد متشابهون في غرائزهم . أضف إلى ذلك أن التربية قد تؤدي إلى تباين الأفراد بالرغم من اعتمادها على أساس غريزي واحد ، كما أنها قد تتوصل إلى تنشئة أفراد متجانسين رغم اختلاف غرائزهم .
٢ - ان بقاء الغريزة على حال واحدة ليس مطلقاً ، لأن غرائز النوع تتغير بتغير الزمان .
٣ - ان تغير الغريزة ليس مخالفاً لنوعيتها . مثال ذلك : أن الطير تبني أعشاشها بأوراق الشجر وهيدان القش ، كما تبنيها أحياناً بعيدان الكبريت ، وبقايا لفائف التبغ ، و بعض الأسلاك المعدنية الرقيقة التي تجدها قرب المعامل . فغريزة البناء واحدة ، وإن اختلفت المواد المستعملة فيه .
٤ - فطرية الغريزة وكمالها المباشر .
- أن الأفعال العقلية تقتضي الاكتساب ، والتعلم ، والخبرة ، والتجربة ، أما الغريزة ففطرية ، ومعنى ذلك أنها تولد مع الفرد ، ولا تكتسب بالخبرة ، والتجربة ، والتعلم ، بل تورث من جيل إلى جيل ، كأنها كما قال ( فابر ) : وحي طبيعي كامن في القلب ، مثال ذلك : إن ( السفكس ) لا يتعلم الجراحة من غيره ، بل يعرف بنفسه جميع المراكز العصبية التي يجب طمنها . وكذلك أفراد الطير ، فهي تصطاد الذباب منذ خروجها من البيضة ، من غير أن تتعلم ذلك من غيرها صنع أقراص العسل من غيرها ، كما أن النملة لا تتعلم من أحد صنع الأروقة التي تحفرها ، فالأفعال الغريزية فطرية ، وكاملة منذ ظهورها .
٥ - ثبوت الغريزة .
- ينتج مما تقدم أن أفعال العقل تتكامل بالتدريج . أما الأفعال الغريزية فثابتة ، لا تتغير ، ولا تتكامل ، فالنحلة : لة تصنع أقراص العسل في زماننا ، كما كانت تصنعها في زمان ( ارسطو ) ، من غير أن تبدل منها شيئاً . ولكن علماء التطور يقولون ان الغريزة قابلة للتغير ، والتبدل ، فلا محدودة الشكل ، ولا هي ثابتة ، ولا تجد غريزة واحدة في النوع تبقى على ما هي . عليه ، بل الغريزة تتكامل على العصور ، بانتقالها من جيل إلى آخر . على أننا إذا اقتصرنا على دراسة الغريزة في الفرد ، تبين لنا أنها ثابتة محدودة ، وأكثرها ثبوتاً الغرائز البيولوجية ، فأفراد النحل تصنع العسل ، والعناكب تنسج الخيوط ، والطيور تبنى الأعشاش ، وغرائزها لا تتغير من ميلاد الفرد إلى موته .
الغريزة والعقل
ان اختلاف الغريزة عن العقل ، أشد من اختلافها عن الفعل المنعكس ، لأن العقل ألين من الغريزة ، وأقدر منها على الاستعانة بالماضي ، والحاضر ، وأكثر منها تكيفاً ومؤالفة للشرائط الجديدة ، فيخترع ، ويجدد ، ويبدع ، حتى لقد قيل : ان العقل هو التقدم والارتقاء ، وان الغريزة هي الوقوف والركود .
وقد فرق العلماء بين الغريزة والعقل بالصفات التالية :
١ - الغريزة فاعلية عمياء .
- ومعنى ذلك أنها لا تستطيع أن تؤالف شرائط البيئة السريعة التبدل ، بل تبقى على حالها . وقد قال ( فابر ) : ان في الغريزة إلى جانب العلم ، جهلا مطبق ) ، وظلاماً عميقاً . فمن الأمثلة الدالة على ذلك أن ( السفكس ) الأصفر الجناح يضع الجدجد الذي يصطاده على باب جحره ، ثم يدخل جحره بعد ذلك ليطلع على ما فيه ، ثم يخرج منه ، ويجر فريسته اليه ، فإذا دخل ( السفكس ) جحره ، و أبعدنا الجدجد عنه قليلا ، أعاده بعد خروجه من الجحر إلى محله ، ثم زار الجحر ثانية ، فإذا أعدنا التجربة ، عاد ( السفكس ) إلى ما كان عليه ، وهكذا حتى يدخل الجحر أربعين مرة . ومن هذه الأمثلة أيضاً أن العنكبوت يدافع عن شرفقته بشدة ، فإذا وضعت في أرجله كرة من الراتنج بدلاً من الشرنقة دافع عنها بحماسة ، كانها شرنقته ، ولا يتركها إلا بعد أن يضي زمن التفريخ ، ومنها أن الكلب الأليف يدوس غطاءه كأنه نائم على الأرض ، ومنها أن الهرة تستر برازها ، وتحاول ذلك عدة مرات ، وإن كان ذلك البر از ساقطاً على الصخر ، ومنها أن النحلة تملأ خليتها عسلاً ، وتستمر على ذلك خلال ثلاث ساعات متوالية رغم ثقب الخلية ، وخروج المسل منها ، ولا يخطر ببالها أبداً أن تسد الثقب لحفظ العسل في الخلية .
٢ - الغريزة متخصصة .
- العقل يستطيع أن يؤالف كل شيء ، أما الغريزة -- فمحدودة ، ومتخصصة . قال ( فابر ) : « ان الغريزة لا تعرف الأشياء إلا بالطرائق الثابتة المرسومة لها . مثال ذلك : أن النحلة تقيس زوايا المسدسات المنتظمة التي تصنعها كأنها رياضي حاذق ، ولكنها تعجز عن الخروج من قارورة وجه عنقها إلى جهة مقابلة لجهة النور . مثال آخر : إذا قطعت الأهداب التي تعود ( السفكس ) أن يقبض عليها ليجر بها فريسته ، تركها وأعرض عنها من غير أن ينتبه لأمر آخر ، وهو أنه يستطيع أن يجر فريسته بمخالبها . ان هذا الجراح الماهو لا يعرف ، كما يقول ( فابر ) ، إلا الامور الداخلة في نطاق غريزته .
٣ - الغريزة نوعية .
- ان الغريزة مشتركة بين جميع أفراد الجنس ، أو بين أفراد النوع الواحد من ذلك الجنس من غير أن يكون هناك اختلاف بين فرد وآخر ، أما أفعال العقل ، فتختلف باختلاف الأفراد ، مثال ذلك : أن لكل نوع من أنواع الحشرات المخدرة صيداً خاصاً ، وكل نوع منها يختلف عن الآخر ، في تخدير فريسته ، ودفنهـــــا في التراب قرب البيضة ، وكذلك كل نوع من أنواع الطير ، فهو يختلف عن الآخر في صنع و كره .
وقد يقال : ان الغريزة لا تشمل جميع أفراد النواع ، فملكة النحل لا تملك الغرائز العجيبة التي نجدها عند عاملات النحل ولكن هذا الاختلاف اختلاف ظاهر فقط ، وقد نرد عليه بقولنا : إن الغريزة مشتركة بين جميع الإفراد ، إلا أن ملكة النحل قد فقدته ، لعدم استعمالها إياها . ولا فرق بين الدودة التي تصبح ملكة ، والتي تمسي عاملة ، لأن اتصافها بهذه الصفة ، أو بتلك ، راجع إلى كيفية عنايتنا بها ، وإلى نوع الغذاء الذي نقدمه اليها .
على أننا نقيد نوعية الغريزه بالملاحظات التالية :
١ - ان نوعية الغريزة ليست مطلقة ، لأن هناك اختلافات فردية في الصفات النفسية ، والجسدية ، ولا يمكن أن يكون هناك اثنان . الأفراد متساويين تساوياً تاماً . ولكن هذه الاختلافات الفردية ضعيفة ، وهي لا تمنع العالم النفسي من القول : ان أفراد النوع الواحد متشابهون في غرائزهم . أضف إلى ذلك أن التربية قد تؤدي إلى تباين الأفراد بالرغم من اعتمادها على أساس غريزي واحد ، كما أنها قد تتوصل إلى تنشئة أفراد متجانسين رغم اختلاف غرائزهم .
٢ - ان بقاء الغريزة على حال واحدة ليس مطلقاً ، لأن غرائز النوع تتغير بتغير الزمان .
٣ - ان تغير الغريزة ليس مخالفاً لنوعيتها . مثال ذلك : أن الطير تبني أعشاشها بأوراق الشجر وهيدان القش ، كما تبنيها أحياناً بعيدان الكبريت ، وبقايا لفائف التبغ ، و بعض الأسلاك المعدنية الرقيقة التي تجدها قرب المعامل . فغريزة البناء واحدة ، وإن اختلفت المواد المستعملة فيه .
٤ - فطرية الغريزة وكمالها المباشر .
- أن الأفعال العقلية تقتضي الاكتساب ، والتعلم ، والخبرة ، والتجربة ، أما الغريزة ففطرية ، ومعنى ذلك أنها تولد مع الفرد ، ولا تكتسب بالخبرة ، والتجربة ، والتعلم ، بل تورث من جيل إلى جيل ، كأنها كما قال ( فابر ) : وحي طبيعي كامن في القلب ، مثال ذلك : إن ( السفكس ) لا يتعلم الجراحة من غيره ، بل يعرف بنفسه جميع المراكز العصبية التي يجب طمنها . وكذلك أفراد الطير ، فهي تصطاد الذباب منذ خروجها من البيضة ، من غير أن تتعلم ذلك من غيرها صنع أقراص العسل من غيرها ، كما أن النملة لا تتعلم من أحد صنع الأروقة التي تحفرها ، فالأفعال الغريزية فطرية ، وكاملة منذ ظهورها .
٥ - ثبوت الغريزة .
- ينتج مما تقدم أن أفعال العقل تتكامل بالتدريج . أما الأفعال الغريزية فثابتة ، لا تتغير ، ولا تتكامل ، فالنحلة : لة تصنع أقراص العسل في زماننا ، كما كانت تصنعها في زمان ( ارسطو ) ، من غير أن تبدل منها شيئاً . ولكن علماء التطور يقولون ان الغريزة قابلة للتغير ، والتبدل ، فلا محدودة الشكل ، ولا هي ثابتة ، ولا تجد غريزة واحدة في النوع تبقى على ما هي . عليه ، بل الغريزة تتكامل على العصور ، بانتقالها من جيل إلى آخر . على أننا إذا اقتصرنا على دراسة الغريزة في الفرد ، تبين لنا أنها ثابتة محدودة ، وأكثرها ثبوتاً الغرائز البيولوجية ، فأفراد النحل تصنع العسل ، والعناكب تنسج الخيوط ، والطيور تبنى الأعشاش ، وغرائزها لا تتغير من ميلاد الفرد إلى موته .
تعليق