الكتاب الثالث:أخبار من البلد- قصص قصيرة -حسيب كيالي (5 من 10)-رابطة الكتاب السوريين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الكتاب الثالث:أخبار من البلد- قصص قصيرة -حسيب كيالي (5 من 10)-رابطة الكتاب السوريين

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1706728244130.jpg 
مشاهدات:	12 
الحجم:	24.8 كيلوبايت 
الهوية:	190175
    #اقرأ_كتابين_شهرياً_مع_رابطة_الكتاب_السوريين
    الكتاب الثالث: أخبار من البلد - قصص قصيرة - حسيب كيالي (5 من 10)
    تابعونا يومياً، الساعة السابعة مساءً
    #رابطة_الكتاب_السوريين
    ___________________________________________
    تقرير تفتيش

    بناء على أمر مقامكم المؤرخ في ۱۳ آذار ١٩٤٣ تحت الرقم ٢١٥ توجهت إلى مدينة... وفاجأت أمين صندوق المركز السيد أحمد ال... وفتشت صندوقه تفتيشاً يكسر الظهر. كان بودي لو أن مقامكم كان حاضراً ليرى الوجه الأصفر واليدين المضطربتين والفم المفتوح على مصراعيه في هذا الأمين المسكين. لم أكن أدري من قبل أني مرعب لهذه الدرجة. معلوم ياه هذا تفتيش ما هو ضحكة لعبة، وأنا مفتش قد قبة وقنطرة. تصوروا أن القائم مقام صار عنده خبر بمجيئي وأرسل جلواز البلدية يأمرني أن أمر عليه حين أنتهي من مهامي التفتيشية، وتجدر الملاحظة أن مفتشاً لا يلقي إليه القائم مقام بالاً إنما هو مفتش فلتان لا يكتال أحد بكيله. وسبحان مغير الأحوال! منذ عشرة سنوات فقط بهدلني هذا القائم مقام نفسه في ظروف لا مجال لذكرها هنا. ولكني كنت شقفة موظف صغير لا شوكة ولا ذباحة، والموظفون الصغار يا حرام الشاطر ينزل بساحلهم. على سلخ عن أبي جنب.
    النتيجة فتشنا المركز تفتيشاً دقيقاً ككل تفتشياتنا التي نحاول أبداً أن نجعلها كبسات لا كما يفعل زميلنا المفقوع السيد صادق بهلي الذي يطبل الدنيا قبل تحركه، لا تقرف، للتفتيش. إنه بلا قافية، لا يضع رجله في السيارة قبل أن يحوقل ويبسمل ويبيت استخارة ويدحش في جيبه أمر المهمة على أربعة وعشرين. أي لا ينقصه إلا أن يصطحب معه موسيقى الدرك وتي تي تي تم طول الطريق. أي هذا تفتيش أنا تفتيش بصلاة محمد؟!
    الخلاصة: لا نريد أن نطيل في هذا الشأن لأن البحث عن مثل هذه الشؤون كالبحث في علة مزمنة، في ناسور. خلها لمالك الملك. هذه البلاد سائرة إلى الخراب بقدم ثابتة. أوضاع تبكي. تصور إني لم أنل أي ترفيع منذ خمس سنوات لماذا سيدي؟ قال ما في شواغر. أي هل يجوز أن تكون دولة طويلة عريضة وحكومة وأضرب وأطرح دون شواغر؟
    نعود حكايتنا إلى أمين الصندوق. لقد ظهر بنتيجة التفتيش الدقيق أنه، ماذا أقول، زبدة الكلام حرامي! لقد وضع في جيبه من أموال الدولة، بكل بساطة وراحة بال خمسمئة ليرة سورية، ولما استجوب عن السبب -الإفادة رقم 1- ادعى أن زوجته قد أصيبت بذات الجنب فاضطر إلى استقراض المبلغ لإرسالها إلى مستشفى المحافظة، نظراً لأن القضاء خلو من المشافي وفي المحافظة تولى معاينة المرأة الدكتور سامي الأخصائي في ذوات الجنوب. وهو كما علمت طبيب مشؤوم. القرش عنده يفلح ويزرع ومن عادته ألا يمد يده إلى مريض أو يجس نبضه إذا لم يلقف خمساً وعشرين ليرة عداً ونقداً. آه لو المرحوم أبي درسني الطب! إذن لرضيت بأربع وعشرين، بعشرين. ولكنه لم يدرسني ما أقول في حقه؟ آه من هذه الحكمة التي تضيق علي الخناق اذكروا محاسن موتاكم لولاها ولولا الحياء لفششت قلبي... ناهيكم بنفقات الباص وإقامة المرأة في الفندق وما إلى ذلك. والدنيا غلاء والأخ لا يعرف أخاه في هذه الأيام العاطلة.
    على أن ادعاء أمين الصندوق ذلك لا يبرر كونه لصاً. وقد استجوبت مأمور الواردات السيد زين العابدين بهذا الصدد فأفاد أمين الصندوق رجل ذو مشاكل وأنه اعتاد إقراض الموظفين من الصندوق، ولم يعرف عنه أنه خيب محتاجاً أو رد طالباً، كأن الملعون قد فتح مصرفاً عقارياً أو أنه بياع دخان مجنون أو أن المركز قد تطعم على تكية السلطان سليم، العمى في عيونه!
    ولما سألت السيد علي رجاني آذن الدائرة عن رأيه في إفادة السيد زين العابدين أسر في أذني، بعد أن حلفت له يمين به يمين الغموس ألا افتحها لأحد، ما خلاصته أن زين العابدين كذاب، وأنه مغرض نظراً لكون أمين الصندوق قد طرده ذات يوم من بيته بعد أن لقط منه مكتوباً موجهاً إلى أخته -أخت أمين الصندوق- وأن بين الاثنين قرابة من ناحية الكرش لا من جهة العصب وأن زين العابدين المذكور قد سمعه ذات يوم يصيح بأمين الصندوق غاضباً: «أنا لست قليل العقل والوجدان ولست خالي الشرف والناموس حتى أتبع مثل هذه الأساليب المعوجة أفهمت! لقد كنت طول عمري صديقك أصد عنك أصحاب الديون وأعمل على تأجيلها حرصاً على سمعتك من التلوث!» والحقيقة أن السيد زين العابدين يكون ابن بنت خالة كنة عم أمين الصندوق. وليس معقولاً ولا منطقياً أن يكتب مكتوباً غرامياً إلى أخت هذا الأخير. وقد تبين لي بعد البحث والاستقصاء أن الآذن صاحب الإفادة أعلاه، قد ترك العصفورية في بيروت منذ شهر فقط وأن الحالة في المركز غير طبيعية، وهي تستدعي المعالجة الدقيقة ووضع حد للتصرفات المستهجنة التي تضر في حسن سير العمل وسمعة الموظفين وأخلاقهم. وقد جرت قبل وصولي بأسبوع مشاجرة بين الآذن السيد على رجان وأحد المراجعين تراشق الاثنان خلالها، فضلاً عن المسبات والشتائم من قعر الدست، العض. فبالله عليكم خبروني هل يجوز العض في دائرة رسمية؟
    نعود إلى الموضوع. إن قرضة الموظفين من الصندوق ممنوعة ولو سددت في الوقت المناسب أو غير المناسب. ومن قبيل المعلومات أروي لكم هذه النادرة التي جرت لي لما كنت أميناً للصندوق في محافظة... يومها جاءني أحد الموظفين وقال لي: «أنا داخل على حريمك !» قلت له: «خير!» قال: «ابني وقع من السطح ورجله مكسورة والمجبر لا يقبل أن يمد إليه يده قبل أن أدفع له خمس مجيديات». قلت له مندهشاً: «إي؟ ما معنى كلامك هذا؟ أنا سعري سعرك موظف مثلك!» قال: «قرضة الله حسنة أرجعها إليك آخر الشهر». وغمغم: «من الصندوق» هنا لم أعد امتلك شعوري. وضعت أصابعي في أذني وصرت أولول: «حرامي حرامي!» يومها... المسكين شبع من القتل والضرب والركل قبل ظهور الحقيقة. لم يبق دركي في المخفر إلا أجر به وإني أذكر الآن كما لو أن القضية تجري أمامي أن الموظفين اشمأزوا مني ولكنهم في أعماقهم، كانوا معجبين حتى العظم بأمانتي واستقامتي. قال الأقدمون: «الرزق الداشر يعلم الناس الحرام» وإذا تأمل مقامكم هذه الحكمة البليغة -هؤلاء الأقدمون لم يتركوا شيئاً إلا قالوا- وضعنا اليد على مفتاح الجرم الذي نحن في صدد التحقيق عن ملابساته.
    إن أمين الصندوق السيد أحمد لا تشفع له سلامة طويته وكرمه -كان الغداء الذي قدمه لنا لطيفاً حقاً- في أن يمد يده إلى الصندوق. غير أن الأسباب التخفيفية التي يجب أن تتخذ بعين الاعتبار ومرض زوجته جعلني ابتدع أسلوباً فذاً في تلافي وقوع مثل هذه الأمور، وهاكم البيان:
    لما أنهيت التحقيق نظرت إلى الرجل، الظنين، نظرة يقطر منها السم، كان هو على يميني مرعوباً دوماً. لقد حملت بؤبؤي عيني في اتجاههما ناحيته كل معاني التأنيب والتهديد والوعيد. أما هو فكان يطرق إلى الأرض خجلاً وذلاً. لقد بدا قذاله عريضاً معبداً كظهر حمار صغير. وهنا جاءتني الفكرة. أشرعت يدي اليمنى على طولها ورحت ناسفه نقفة دين إيمان كف للطرش واحدة بواحدة. أقسم أنني خيل لي أن شرراً يتطاير تحت يدي:
    - طق.
    - آخ
    - هس... ولا كلمة ها. هس عما أقول لك.
    كنت مغتاظاً جداً ولكني رأيتني في الأعماق مبسوطاً. والواقع أن الولد قدر الله عليه هذه الفعلة. يعني أنخرب بيته؟ أنشنقه؟ كف يفض المشكل...
    حاشية: فاتني أن أذكر لمقامكم الجهود التي بذلتها في سبيل الكشف عن النقص في الصندوق. هل تحسبون أنني أحصيت الموجودات وكسرت رأسي في الجمع والطرح والقسمة. لا والله لقد توصلت إلى الحقيقة عن طريق إطعام أمين الصندوق الموما إليه لقمة الزقوم، ولما أكلها بدا عليه رعب شديد واعترف! لو لم يعترف لكنت لجأت إلى طرائق أنجع: استحضار الأرواح مثلاً، ضرب المندل، قراءة الكف، وهي أمور موجودة كلها في كتاب أبي معشر الفلكي وسأتحدث عنها في تقارير تفتيشية مقبلة إن شاء الله...
    ___________________
يعمل...
X