الحركات المركبة .. الحياة الفاعلة
٢ - الحركات المركبة
١ - الأفعال المنعكسة .
- الفعل المنعكس أبسط الحركات المركبة الخاصة بالأجسام الكثيرة الخلايا ذات الأجهزة العصبية . وهو رد فعل غير إرادي ينشأ آليا عن تنبه عصب حسي ، ويستند إلى روابط عصبية سابقة . والمنعكس الأولي حالة خاصة من أحوال قابلية التنبه الخلوي ؛ أو هو كما قيل قابلية التنبه الخلوي المنظمة . فإذا كانت الزاوية التي ينتهي اليها قوس الانعكاس عضلة كان المنعكس ، وفقا لقانون النوعية المشار اليه سابقا ، حركة ، أو تقلصا عضليا ، كالمنعكس الرضفي ، أو المنعكس العيني . وإذا كانت الزاوية التي ينتهي اليها القوس غدة ، كان المنعكس ، عملاً بقانون النوعية أيضا ، إفرازاً ، كإفراز اللعاب عند مضغ الطعام مثلا . وقد بينا خطورة هذه الأفعال المنعكسة عند الكلام على الإفرازات الداخلية ، فلنقتصر الآن على ذكر قوانينها :
قوانين الأفعال المنعكسة .
- إن الفاعلية المنعكسة تخضع لقوانين قابلية التنبه ، وتخضع أيضا لقوانين خاصة بها ؛ فمن هذه القوانين :
۱ - قانون التحديد ( Loi d'irradiation ) - إذا كان المؤثر ضعيفا انحصر المنعكس في ناحية التنبه .
۲ - قانون الإشعاع ( Loi d'irradiation ) . - إذا كان المؤثر شديداً انتشرت الحركة شيئا فشيئا في العضلات المختلفة حتى تعم الجسد كله .
٣ - قانون الارتجاج الطويل Loi de l'ébranlement prolong ) . - يبقى التأثير في النخاع الشوكي مدة من الزمان بعد انقطاع المؤثر ، فينشأ عن المؤثر الواحد جملة من الأفعال المنعكسة المتتابعة .
٤ - قانون التنسيق ( Loi de Coordination ) . - إن في بعض الأفعال المنعكسة ترتيبا وتنسيقا يدلان على غائيتها . ويمكن أيضا تفسير هذه الغائية بقانون الإشعاع .
المنعكس والشعور .
- إن بعض الأفعال المنعكسة ( كمنعكسات الجهاز الهضمي بتأثير الطعام ) لا شعوري ، وبعضها الآخر شعوري . والأفعال المنعكسة الشعورية على أنواع : فمنها ما يكون فيه الشعور مقصوراً على المؤثر كما في المنعكس العينى ، ومنها ما يكون فيه الشعور مقصوراً على رد الفعل كما في حركات المري المتصاعدة عند الاستفراع ، ومنها ما يكون فيه المؤثر ورد الفعل كلاهما متصفين بالشعور كما في حركة إغماض الجفن . وقد زعم الدكتور ( جورج دوماس ) أن الشعور لا يقوم هنا بأي دور في حدوث الحركة ؛ لأنه ظاهرة ثانوية لا تأثير لها ، ولو فقد الشعور لما أدى فقدانه إلى زوال المنعكس ، قال : إنك تستطيع أن تقطع القشرة الدماغية من غير أن يؤدي قطعها إلى زوال الأفعال المنعكسة ، لأن القشرة الدماغية مركز الأحوال الشعورية ، أما الأفعال المنعكسة فمتعلقة بالنخاع الشوكي . وقد خالفه في ذلك كثير من العلماء ، فقالوا : إن جميع الحركات كانت في الأصل مصحوبة بشعور ومقصودة بإرادة ، ثم انجلى الشعور عنها شيئا فشيئا ، فمما قاله تيتشنر Titchener ) في كتاب علم النفس : ان جميع الحركات اللاشعورية ، كحركات القلب الآلية ، وحركات الأمعاء ، وغيرها ، كانت في الأصل شعورية . وإن الصفة اللاإرادية للفعل المنعكس صفة مكتسبة لا صفة فطرية . ولكن هذه النظريات الجريئة لم يقم عليها حتى الآن برهان علمي قاطع .
خطورة الفاعلية المنعكسة .
- إن لفاعلية الانعكاس خطورة كبرى . حتى أن بعض علماء النفس ، وأكثر علماء الفيزيولوجيا جعلوها أساس السلوك ، وزعموا أن جميع أنواع السلوك متولدة منها ، لأنهم وجدوا للأفعال المنعكسة درجات مختلفة ؛ فمنها الآلي البسيط ، ومنها المنظم الغائي الخاضع للإرادة ؛ إلا ان إرجاع جميع أنواع السلوك إلى هذه المنعكسات المختلفة ليس بالأمر السهل ، لأن هناك أنواعا من السلوك مركبة جداً ، لم يتفق العلماء بعد على إرجاعها إلى الفاعلية المنعكسة .
فينبغي لنا إذن أن نبين أولاً :
ما هو أثر الفاعلية المنعكسة في سلوك الكائنات الحية العالية ، ولا سيما سلوك الإنسان . ان الفاعلية المنعكسة مغطاة عند الإنسان بالفاعلية الإرادية ، فإذا ارتفع غطاء الإرادة كشف لنا عن حياة آلية ( اوتوماتكية ) تقرب الإنسان من الحيوان ، قال ( بيرون ) في كتابه : ( علم النفس التجريبي ( Psychologie expérimentale ) : ان لدى الطفل منذ ولادته ثروة عظيمة من الحركات اللاارادية ، والآلية ، وقدرة على استخدامها ، ورثها عن أجداده من غير أن يتعلمها . وسنرى الكلام على السلوك الإرادى أن القسم الأعظم من هذا السلوك مبني على تنظيم هذه عند الحركات الآلية .
المنعكس الشرطي .
- ومن أعظم الأفعال المنعكة شأنا ، وأكثرها خطورة ، المنعكس الشرطي ( Reflexe Conditionne ) ، وقد أشار اليه ( باولو Pavlov ) الروسي عند كلامه على منعكسات الغدد ، وافرازاتها ، قال : اذا وضعنا في فم كلب قطعة من اللحم أفرزت غدده قليلاً من اللعاب ، وهو فعل منعكس بسيط ، ولكن لنسمع الكلب صوتا من الأصوات ( صوت جرس مثلا ) عند اعطائه قطعة اللحم ، ولنجرب هذه التجربة عدة مرات ، ثم لنحذف بعد ذلك قطعة اللحم ، ولنسمع الكلاب صوت الجرس من غير أن نطعمه شيئا ، ان سماعه لهذا الصوت يكفي لإحداث الإفراز في فمه ، ريسمي الإفراز في هذه الحالة الجديدة بالمنعكس الشرطي . فالمنعكس الشرطي ينشأ اذن عن الجمع بين مؤثر و آخر ، كسماع صوت ، أو رؤية لون ، أو حك تاحية من نواحي الجلد ، أو غير ذلك . و يمكن أن ينشأ أيضا عن ارتباط المؤثر يحملة من المؤثرات المختلفة ، فلا يحدث اذ ذاك الا اذا اجتمعت هذه المؤثرات واشتركت جميعها في التأثير .
ومعنى ذلك أن المنعكس الشرطي ناشيء عن منبه مختلف عن المنبه العادي . الا أنه قد ارتبط به بصورة اصطناعية ، حتى تاب المنبه الاصطناعي في حدوث الفعل عن المنبه الطبيعي . والمنعكس الشرطي مرتبط بالمخ ، فإذا نزعت قشرة المخ انقطع . هو معهاء فهو إذن أرقى من الأفعال المنعكسة البسيطة ، لا بل هو شبيه بالأفعال العالية من حيث ارتكازه العصي ، وله شأن عظيم في سلوك الإنسان لتعقد جملته العصبية ، وكثرة اشتباك عناصرها . دع أن المنعكس الشرطي يصلح لتعليل آلية الأفعال المركبة .
١- فهو يبين لنا أولاً كيف يصبح أحد المنبهات إشارة دالة على الآخر ، وكيف يمكن إبداله منه ، وكيف تتكون هذه الرموز التي تمثل دوراً هاماً في الحياة العاقلة .
٢ - وهو يبين لنا أيضا كيف يولد تصور الحركة عين النتائج التي تولدها الحركة ، كما في بعض الأفعال التصورية الحركية ، وكيف يمكن تكون الفعل الإرادي ، وتنظيم حركات الفرد ، وترتيبها ، وكيف تتم حادثة الانتقال الاقتراني ، وهي الحادثة التي جعلها العلماء أساس جميع النزعات المكتسبة ، وعلة ارتقاء السلوك ، وتكامله .
٣ - وهو يصلح أخيراً لتعليل انضمام العناصر النفسية الاجتماعية إلى العناصر النفسية لقد قال ( مارسل موس Marcel Mauss ) : إن وراثة الأفعال المنعكسة الشرطية توضح لنا تجمع الآثار الاجتماعية في أجسام الأفراد وبقاءها في الأجيال المتتابعة ( ١ ) .
الحركات التلقائية
- يقول ( بين – Bain ) : إن الأعضاء تتحرك ، في بعض الأوضاع ، من تلقاء ذاتها ، من غير أن تكون حركتها ناشئة عن مؤثر خارجي . والسبب كتها زيادة الفاعلية العضوية ، كحركة الطفل في رحم امه ، ونهوض الإنسان من نومه دون تأثير خارجي مباشر ، وفيضان الفاعلية في حالة الغذاء الجيد ، والصحة ، والشباب ، أو في بعض الطبائع والأمزجة المتصفة بالنشاط والفاعلية . وقد سمى بریه و Preyer ( هذه الحركات بالانبعائية ، وقال : إنها قليلة ، ولكننا إذا حللنا بعض الأمثلة ، ومنها حركات الطفل ، تبين لنا من تحليلها أن هذه الحركات ليست تلقائية تماماً ، كة لأنه لابد للحر من سبب خارجي ، أو داخلي ، حتى لقد قال ( دولاج Delage ) : انه لا معنى للحركة التلقائية وإن لكل حر ركة سبباً ، فمن أسبابها بعض المنبهات الخارجية الضعيفة التي تؤثر فينا في اليقظة ، أو في النوم ، أو بعض المؤثرات الداخلية التي القناة الهضمية ، أو الدورة الدموية ، أو تركيب الدم ، أو الإفرازات أو غيرها .
هل يمكن إرجاع حركات الحيوان إلى حالات الانتحاء ) Tsopisme ) . - إن حالات الانتحاء حالات اتجاه في نمو النبات يرجعها علماء الطبيعة إلى أسباب فيزيائية - كيماوية ولنذكر الآن بعض الأمثلة الدالة على ذلك : اذا وضعنا نباتا في قبو مظلم ، حول ساقه الى الجهة التي يدخل منها النور . وتسمى هذه الظاهرة : ( فوتوتر وييزم - الاتجاه نحو النور ) . والجذر الأساسي في النبات يتجه الى باطن الأرض عموديا ، ويسمى هذا الاتجاه الى الأرض بالاتجاه الإيجابي ) Géotropisme positif ) . وجذع الشجرة يتجه اتجاهاً معاكساً للأرض ، وتسمى هذه الظاهرة بالاتجاه السلبي ( Geotropisme negatif ) . ان أكثر علماء الحياة يعتقدون اليوم أنه يمكن تعليل هذه الظواهر تعليلاً ميكانيكيا ، بالعوامل الفيزيائية الكيماوية ، كتأثير الضوء ، والجاذبية ، والحرارة ، والرطوبة . وغير ذلك .
وقد شبه علماء الحياة حركات الحيوان الابتدائية بحركات التروبيزم ، وسموها بالتاكتيزم ( Tactismes ) . مثال ذلك : اننا اذا وضعنا في ماء بعض الحيوانات الابتدائية ، من نوع البرامسي ( Paramecies ) ، ووضعنا فوقها نقطة من حمض الخل ، شاهدنا بعد قليل أن هذه الحيوانات قد تجمعت كلها في الناحية الحمضية ؛ فهل جاءت الى هذه الناحية مدفوعة بقوة ميكانيكية ، كالقوة التي تجعل المغناطيس يجذب برادة الحديد ، أم جاءت اليها مختارة كما يجىء السائح في الصيف الى واحة ليتفيأ في ظلال أشجارها ؟ هل يقال ان تجمع الدعاسيق الحمراء ( الكوكسينل Coccinelles ) في رؤوس الأغصان المجاه سلبي ميكانيكي ؟ أم هو حركة ركة مصحوبة بحس وارادة ؟
اننا لا نستطيع الآن أن نجزم في أمر هذه الحركات هل هي ميكانيكية قسرية ؟ أم تلقائية عفوية ، ولكن أبحاث العالم الأمريكي ) جيننس Jennings ) ، تدل على أن حركات ( البرامسي ) ليست ميكانيكية تماماً ، لأنها لا تتجه الى الناحية الحمضية اتجاها مستقيما بسيطاً ؛
بل تسير في اتجاهات مختلفة ، تارة ذات اليمين واخرى ذات اليسار ، فتتقرب من الناحية الحمضية ، ثم تبتعد عنها ، ولا تزال تتردد في حركاتها حتى تتجمع أخيراً فيها ، فلو كان تأثير الحمض في هذه الحيوانات ، كتأثير المغناطيس في برادة الحديد ، لما حصل هذا التردد ، والتنوع ، والتباين في حركاتها ، ولا تجهت الى الناحية الحمضية اتجاها مستقيما ، وكما انه لا يجوز ارجاع هذه الحركات الى قوى ميكانيكية ، فكذلك لا يمكننا أن نقول : انها ناشئة عن شعور الحيوان بالملائم ، والمنافي ، ولا ان نقول ان ابتعاد الحيوان عن الحمض وتقربه منه ناشنان عن تألمه منه ، أو تلذذه به ، وربما كان الباعث على هذه الحركات أمراً شبيها بالغريزة ؛ الا أن سرها لا يزال غامضاً ، حله الى علم الحياة لا الى علم ويرجع النفس . فلنقتصر اذن في هذا الكتاب على ذكر الحركات الأساسية التي تتألف منها فاعلية الإنسان ، ألا وهي الحركات الغريزية ، والعادية ، والإرادية .
فالحركات الغريزية . - أكثر تعقيداً من الأفعال المنعكسة ، وهي فطرية وغير مكتسبة .
أما الأفعال العادية . - فهي مكتسبة بالتكرار وغير فطرية ، يرجع تاريخها الى مبدأ حياة الفرد .
وأما الأفعال الارادية . - فهي التي يختارها الإنسان بعقله ، ويفضلها على غيرها من الحركات الممكنة .
وسندرس في الفصول الثلاثة التالية كلا من هذه الحركات الثلاث .
٢ - الحركات المركبة
١ - الأفعال المنعكسة .
- الفعل المنعكس أبسط الحركات المركبة الخاصة بالأجسام الكثيرة الخلايا ذات الأجهزة العصبية . وهو رد فعل غير إرادي ينشأ آليا عن تنبه عصب حسي ، ويستند إلى روابط عصبية سابقة . والمنعكس الأولي حالة خاصة من أحوال قابلية التنبه الخلوي ؛ أو هو كما قيل قابلية التنبه الخلوي المنظمة . فإذا كانت الزاوية التي ينتهي اليها قوس الانعكاس عضلة كان المنعكس ، وفقا لقانون النوعية المشار اليه سابقا ، حركة ، أو تقلصا عضليا ، كالمنعكس الرضفي ، أو المنعكس العيني . وإذا كانت الزاوية التي ينتهي اليها القوس غدة ، كان المنعكس ، عملاً بقانون النوعية أيضا ، إفرازاً ، كإفراز اللعاب عند مضغ الطعام مثلا . وقد بينا خطورة هذه الأفعال المنعكسة عند الكلام على الإفرازات الداخلية ، فلنقتصر الآن على ذكر قوانينها :
قوانين الأفعال المنعكسة .
- إن الفاعلية المنعكسة تخضع لقوانين قابلية التنبه ، وتخضع أيضا لقوانين خاصة بها ؛ فمن هذه القوانين :
۱ - قانون التحديد ( Loi d'irradiation ) - إذا كان المؤثر ضعيفا انحصر المنعكس في ناحية التنبه .
۲ - قانون الإشعاع ( Loi d'irradiation ) . - إذا كان المؤثر شديداً انتشرت الحركة شيئا فشيئا في العضلات المختلفة حتى تعم الجسد كله .
٣ - قانون الارتجاج الطويل Loi de l'ébranlement prolong ) . - يبقى التأثير في النخاع الشوكي مدة من الزمان بعد انقطاع المؤثر ، فينشأ عن المؤثر الواحد جملة من الأفعال المنعكسة المتتابعة .
٤ - قانون التنسيق ( Loi de Coordination ) . - إن في بعض الأفعال المنعكسة ترتيبا وتنسيقا يدلان على غائيتها . ويمكن أيضا تفسير هذه الغائية بقانون الإشعاع .
المنعكس والشعور .
- إن بعض الأفعال المنعكسة ( كمنعكسات الجهاز الهضمي بتأثير الطعام ) لا شعوري ، وبعضها الآخر شعوري . والأفعال المنعكسة الشعورية على أنواع : فمنها ما يكون فيه الشعور مقصوراً على المؤثر كما في المنعكس العينى ، ومنها ما يكون فيه الشعور مقصوراً على رد الفعل كما في حركات المري المتصاعدة عند الاستفراع ، ومنها ما يكون فيه المؤثر ورد الفعل كلاهما متصفين بالشعور كما في حركة إغماض الجفن . وقد زعم الدكتور ( جورج دوماس ) أن الشعور لا يقوم هنا بأي دور في حدوث الحركة ؛ لأنه ظاهرة ثانوية لا تأثير لها ، ولو فقد الشعور لما أدى فقدانه إلى زوال المنعكس ، قال : إنك تستطيع أن تقطع القشرة الدماغية من غير أن يؤدي قطعها إلى زوال الأفعال المنعكسة ، لأن القشرة الدماغية مركز الأحوال الشعورية ، أما الأفعال المنعكسة فمتعلقة بالنخاع الشوكي . وقد خالفه في ذلك كثير من العلماء ، فقالوا : إن جميع الحركات كانت في الأصل مصحوبة بشعور ومقصودة بإرادة ، ثم انجلى الشعور عنها شيئا فشيئا ، فمما قاله تيتشنر Titchener ) في كتاب علم النفس : ان جميع الحركات اللاشعورية ، كحركات القلب الآلية ، وحركات الأمعاء ، وغيرها ، كانت في الأصل شعورية . وإن الصفة اللاإرادية للفعل المنعكس صفة مكتسبة لا صفة فطرية . ولكن هذه النظريات الجريئة لم يقم عليها حتى الآن برهان علمي قاطع .
خطورة الفاعلية المنعكسة .
- إن لفاعلية الانعكاس خطورة كبرى . حتى أن بعض علماء النفس ، وأكثر علماء الفيزيولوجيا جعلوها أساس السلوك ، وزعموا أن جميع أنواع السلوك متولدة منها ، لأنهم وجدوا للأفعال المنعكسة درجات مختلفة ؛ فمنها الآلي البسيط ، ومنها المنظم الغائي الخاضع للإرادة ؛ إلا ان إرجاع جميع أنواع السلوك إلى هذه المنعكسات المختلفة ليس بالأمر السهل ، لأن هناك أنواعا من السلوك مركبة جداً ، لم يتفق العلماء بعد على إرجاعها إلى الفاعلية المنعكسة .
فينبغي لنا إذن أن نبين أولاً :
ما هو أثر الفاعلية المنعكسة في سلوك الكائنات الحية العالية ، ولا سيما سلوك الإنسان . ان الفاعلية المنعكسة مغطاة عند الإنسان بالفاعلية الإرادية ، فإذا ارتفع غطاء الإرادة كشف لنا عن حياة آلية ( اوتوماتكية ) تقرب الإنسان من الحيوان ، قال ( بيرون ) في كتابه : ( علم النفس التجريبي ( Psychologie expérimentale ) : ان لدى الطفل منذ ولادته ثروة عظيمة من الحركات اللاارادية ، والآلية ، وقدرة على استخدامها ، ورثها عن أجداده من غير أن يتعلمها . وسنرى الكلام على السلوك الإرادى أن القسم الأعظم من هذا السلوك مبني على تنظيم هذه عند الحركات الآلية .
المنعكس الشرطي .
- ومن أعظم الأفعال المنعكة شأنا ، وأكثرها خطورة ، المنعكس الشرطي ( Reflexe Conditionne ) ، وقد أشار اليه ( باولو Pavlov ) الروسي عند كلامه على منعكسات الغدد ، وافرازاتها ، قال : اذا وضعنا في فم كلب قطعة من اللحم أفرزت غدده قليلاً من اللعاب ، وهو فعل منعكس بسيط ، ولكن لنسمع الكلب صوتا من الأصوات ( صوت جرس مثلا ) عند اعطائه قطعة اللحم ، ولنجرب هذه التجربة عدة مرات ، ثم لنحذف بعد ذلك قطعة اللحم ، ولنسمع الكلاب صوت الجرس من غير أن نطعمه شيئا ، ان سماعه لهذا الصوت يكفي لإحداث الإفراز في فمه ، ريسمي الإفراز في هذه الحالة الجديدة بالمنعكس الشرطي . فالمنعكس الشرطي ينشأ اذن عن الجمع بين مؤثر و آخر ، كسماع صوت ، أو رؤية لون ، أو حك تاحية من نواحي الجلد ، أو غير ذلك . و يمكن أن ينشأ أيضا عن ارتباط المؤثر يحملة من المؤثرات المختلفة ، فلا يحدث اذ ذاك الا اذا اجتمعت هذه المؤثرات واشتركت جميعها في التأثير .
ومعنى ذلك أن المنعكس الشرطي ناشيء عن منبه مختلف عن المنبه العادي . الا أنه قد ارتبط به بصورة اصطناعية ، حتى تاب المنبه الاصطناعي في حدوث الفعل عن المنبه الطبيعي . والمنعكس الشرطي مرتبط بالمخ ، فإذا نزعت قشرة المخ انقطع . هو معهاء فهو إذن أرقى من الأفعال المنعكسة البسيطة ، لا بل هو شبيه بالأفعال العالية من حيث ارتكازه العصي ، وله شأن عظيم في سلوك الإنسان لتعقد جملته العصبية ، وكثرة اشتباك عناصرها . دع أن المنعكس الشرطي يصلح لتعليل آلية الأفعال المركبة .
١- فهو يبين لنا أولاً كيف يصبح أحد المنبهات إشارة دالة على الآخر ، وكيف يمكن إبداله منه ، وكيف تتكون هذه الرموز التي تمثل دوراً هاماً في الحياة العاقلة .
٢ - وهو يبين لنا أيضا كيف يولد تصور الحركة عين النتائج التي تولدها الحركة ، كما في بعض الأفعال التصورية الحركية ، وكيف يمكن تكون الفعل الإرادي ، وتنظيم حركات الفرد ، وترتيبها ، وكيف تتم حادثة الانتقال الاقتراني ، وهي الحادثة التي جعلها العلماء أساس جميع النزعات المكتسبة ، وعلة ارتقاء السلوك ، وتكامله .
٣ - وهو يصلح أخيراً لتعليل انضمام العناصر النفسية الاجتماعية إلى العناصر النفسية لقد قال ( مارسل موس Marcel Mauss ) : إن وراثة الأفعال المنعكسة الشرطية توضح لنا تجمع الآثار الاجتماعية في أجسام الأفراد وبقاءها في الأجيال المتتابعة ( ١ ) .
الحركات التلقائية
- يقول ( بين – Bain ) : إن الأعضاء تتحرك ، في بعض الأوضاع ، من تلقاء ذاتها ، من غير أن تكون حركتها ناشئة عن مؤثر خارجي . والسبب كتها زيادة الفاعلية العضوية ، كحركة الطفل في رحم امه ، ونهوض الإنسان من نومه دون تأثير خارجي مباشر ، وفيضان الفاعلية في حالة الغذاء الجيد ، والصحة ، والشباب ، أو في بعض الطبائع والأمزجة المتصفة بالنشاط والفاعلية . وقد سمى بریه و Preyer ( هذه الحركات بالانبعائية ، وقال : إنها قليلة ، ولكننا إذا حللنا بعض الأمثلة ، ومنها حركات الطفل ، تبين لنا من تحليلها أن هذه الحركات ليست تلقائية تماماً ، كة لأنه لابد للحر من سبب خارجي ، أو داخلي ، حتى لقد قال ( دولاج Delage ) : انه لا معنى للحركة التلقائية وإن لكل حر ركة سبباً ، فمن أسبابها بعض المنبهات الخارجية الضعيفة التي تؤثر فينا في اليقظة ، أو في النوم ، أو بعض المؤثرات الداخلية التي القناة الهضمية ، أو الدورة الدموية ، أو تركيب الدم ، أو الإفرازات أو غيرها .
هل يمكن إرجاع حركات الحيوان إلى حالات الانتحاء ) Tsopisme ) . - إن حالات الانتحاء حالات اتجاه في نمو النبات يرجعها علماء الطبيعة إلى أسباب فيزيائية - كيماوية ولنذكر الآن بعض الأمثلة الدالة على ذلك : اذا وضعنا نباتا في قبو مظلم ، حول ساقه الى الجهة التي يدخل منها النور . وتسمى هذه الظاهرة : ( فوتوتر وييزم - الاتجاه نحو النور ) . والجذر الأساسي في النبات يتجه الى باطن الأرض عموديا ، ويسمى هذا الاتجاه الى الأرض بالاتجاه الإيجابي ) Géotropisme positif ) . وجذع الشجرة يتجه اتجاهاً معاكساً للأرض ، وتسمى هذه الظاهرة بالاتجاه السلبي ( Geotropisme negatif ) . ان أكثر علماء الحياة يعتقدون اليوم أنه يمكن تعليل هذه الظواهر تعليلاً ميكانيكيا ، بالعوامل الفيزيائية الكيماوية ، كتأثير الضوء ، والجاذبية ، والحرارة ، والرطوبة . وغير ذلك .
وقد شبه علماء الحياة حركات الحيوان الابتدائية بحركات التروبيزم ، وسموها بالتاكتيزم ( Tactismes ) . مثال ذلك : اننا اذا وضعنا في ماء بعض الحيوانات الابتدائية ، من نوع البرامسي ( Paramecies ) ، ووضعنا فوقها نقطة من حمض الخل ، شاهدنا بعد قليل أن هذه الحيوانات قد تجمعت كلها في الناحية الحمضية ؛ فهل جاءت الى هذه الناحية مدفوعة بقوة ميكانيكية ، كالقوة التي تجعل المغناطيس يجذب برادة الحديد ، أم جاءت اليها مختارة كما يجىء السائح في الصيف الى واحة ليتفيأ في ظلال أشجارها ؟ هل يقال ان تجمع الدعاسيق الحمراء ( الكوكسينل Coccinelles ) في رؤوس الأغصان المجاه سلبي ميكانيكي ؟ أم هو حركة ركة مصحوبة بحس وارادة ؟
اننا لا نستطيع الآن أن نجزم في أمر هذه الحركات هل هي ميكانيكية قسرية ؟ أم تلقائية عفوية ، ولكن أبحاث العالم الأمريكي ) جيننس Jennings ) ، تدل على أن حركات ( البرامسي ) ليست ميكانيكية تماماً ، لأنها لا تتجه الى الناحية الحمضية اتجاها مستقيما بسيطاً ؛
بل تسير في اتجاهات مختلفة ، تارة ذات اليمين واخرى ذات اليسار ، فتتقرب من الناحية الحمضية ، ثم تبتعد عنها ، ولا تزال تتردد في حركاتها حتى تتجمع أخيراً فيها ، فلو كان تأثير الحمض في هذه الحيوانات ، كتأثير المغناطيس في برادة الحديد ، لما حصل هذا التردد ، والتنوع ، والتباين في حركاتها ، ولا تجهت الى الناحية الحمضية اتجاها مستقيما ، وكما انه لا يجوز ارجاع هذه الحركات الى قوى ميكانيكية ، فكذلك لا يمكننا أن نقول : انها ناشئة عن شعور الحيوان بالملائم ، والمنافي ، ولا ان نقول ان ابتعاد الحيوان عن الحمض وتقربه منه ناشنان عن تألمه منه ، أو تلذذه به ، وربما كان الباعث على هذه الحركات أمراً شبيها بالغريزة ؛ الا أن سرها لا يزال غامضاً ، حله الى علم الحياة لا الى علم ويرجع النفس . فلنقتصر اذن في هذا الكتاب على ذكر الحركات الأساسية التي تتألف منها فاعلية الإنسان ، ألا وهي الحركات الغريزية ، والعادية ، والإرادية .
فالحركات الغريزية . - أكثر تعقيداً من الأفعال المنعكسة ، وهي فطرية وغير مكتسبة .
أما الأفعال العادية . - فهي مكتسبة بالتكرار وغير فطرية ، يرجع تاريخها الى مبدأ حياة الفرد .
وأما الأفعال الارادية . - فهي التي يختارها الإنسان بعقله ، ويفضلها على غيرها من الحركات الممكنة .
وسندرس في الفصول الثلاثة التالية كلا من هذه الحركات الثلاث .
تعليق