الذكاء .. تعريف الذكاء
الذكاء
تعريف الذكاء .
الذكاء في اللغة تمام الشيء . ومنه الذكاء في السن ، وهو تمام السن ، ومنه الذكاء في الفهم ، وهو أن يكون الإنسان تام الفهم سريع القبول . وذكيت النار إذا اتممت إشعالها .
والذكاء في اصطلاح القدماء سرعة الفهم ، وحدته ، أو جودة حدس من قوة النفس تقع في زمان قصير . يقال : رجل ذكي ، وفلان من الأذكياء ، يريدون به المبالغة في فطانته . كقولهم : فلان شعلة نار .
والذكاء في اصطلاحنا هو تعاون الوظائف الذهنية المختلفة ، كالتخيل ، والتجريد ، والحكم ، والاستدلال على حل بعض المسائل النظرية والعملية . فإذا قلنا فلان ذكي : أشرنا بذلك إلى جودة قواه العقلية ، أو إلى نجاحه في أعماله . وقولنا هذا هو حكم قيمة وتقدير .
ولما كنا قد درسنا كلا من الوظائف العقلية المختلفة على حدة ، كان لابد لنا من دراستها هنا من جهة ما هي كل تتعاون أجزاؤه على بلوغ غاية مشتركة .
أنواع الذكاء .
- يختلف الناس بعضهم عن بعض بنوع ذكائهم .
فإذا اختلفوا بحسب كمية المواد التي يستوعبونها ، كان ذكاؤهم واسعاً ، أو محدوداً .
وإذا اختلفوا بحسب درجة تعمقهم في الفهم كان ذكاؤهم سطحياً ، أو عميقاً .
وإذا اختلفوا بحسب سرعة الفهم كان ذكاؤهم حاداً ، أو بطيئا .
وهناك عقول فاعلة ، تنشىء ، وتبدع ، وعقول منفعلة تنقل ، وتقلد .
وهناك أيضا عقول مصدقة ، وعقول منكرة . فالعقول المصدقة شبيهة بعقول الأطفال الذين يصدقون كل ما يقال لهم ، والعقول المنكرة لا تفكر إلا تفكيراً سلبيا تدحض به رأيا من الآراء .
وتختلف العقول المصدقة بعضها عن بعض بدرجة وثوقها . ان معظم الناس لا يقتنعون إلا بالحقائق المطلقة ، فإذا اعتقدوا أمراً من الامور تعصبوا له ، وأرغموا غيرهم من الناس على الإيمان به . وبعض الناس يشك في كل شيء لكسله وعجزه عن المخاطرة بالإيمان ، وقد يكون الريب عند بعضهم : ناشئا عن ميلهم إلى الصدق ، أو عن إخلاصهم للحقيقه .
وإلى جانب هؤلاء أيضاً : عقول نقادة لا تصدق ، ولا تنكر ، إلا بعد أعمال الروية في الأمر . ان موقفهم من الحقيقة موقف الدفاع لا الهجوم ، لأنهم لا يرون من الأشياء إلا نواحيها الضعيفة ، ولا يدركون من الأمور إلا مشكلاتها الصغيرة ، حتى لقد تلقي هذه المشكلات على أعينهم حجابا يمنعهم من رؤية الحقائق الكلية . انهم يخافون من المخاطرة ، ولا يتعودون السباحة إلا في مياه الشواطيء .
ذكاء الحيوان .
- إن دراسة ذكاء الحيوان تقتضي المقارنة بين الأنواع الحيوانية كلها . ولكن هذه المقارنة تستند إلى مسلمة أساسية ، وهي القول إن الذكاء واحد عند جميع الحيوانات ، لا يختلف إلا بح كميته ، ودرجته ، لا بحسب طبيعته ، ونوعه .
فإذا استندنا إلى هذه المسلمة ، وسلكنا الطريقة الخارجية في ملاحظة سلوك الحيوان أمكننا أن نقول : ان قدرة الحيوان على التكيف في المواقف التي يواجهها تدل على اتصافه بذكاء خاص .
ولكن هذا التكيف اما أن يتم بالغريزة ، واما أن يتم بتأثير التجارب ، والأخطاء ، واما أن يتم بتأثير الذكاء .
۱ - ان الحلول الغريزية أجوبة فطرية ، ونوعية ثابتة عن مؤثرات معينة ، أما الحلول التابعة للذكاء فهي أجوبة مبتكرة ، أو أجوبة شخصية متغيرة ، عن مؤثرات جديدة . غير معينة .
وقد يستخدم العقل في الوصول إلى أهدافه طرقاً مرنة لاتستطيع الغريزة استخدامها . رفيما يلي بعض التجارب التي أجراها ( كوهلر ) على بعض القردة لاختبار درجة ذكائها .
إذا قدمنا إلى أحد القردة شيئاً من الطعام اتبع في الوصول اليه خطا مستقيما ، ولكننا إذا وضعنا في طريقه حاجزاً سلك بعض الطرق الملتوية في الوصول إلى طعامه .
والقردة كلها تصل إلى طعامها بسهولة ، أما الكلاب ، أو القطط ، أو الدجاج ، فإنها لا تستطيع اجتياز العقبات الموضوعة في طريقها إلا بصعوبة . ولنضع القرد الآن في قفص ، ولنضع أمامه خارج القفص قليلاً من الطعام المحبب اليه . وليكن هذا الطعام معلقاً بخيط يستطيع القرد أن يشده ويجذبه اليه . ان جميع أنواع القردة قادرة على القيام بهذه الحركة . أما الكلاب فعاجزة عن ذلك .
لنفرض الآن أن قطعة الطعام الموضوعة خارج القفص غير مربوطة بخيط ، وان أمام القرد عصا يستطيع أن يستعملها لتقريب قطعة الطعام منه . ان ( الشمبانزي ) يستخدم هذه العصا كما يستخدمها الإنسان ( شكل ) ( ٥٧ . أما أنواع القردة الاخرى فعاجزة عن استخدام هذه الوسيلة في مثل هذا الموقف .
وأخيراً لنفرض أن القطعة موضوعة خارج القفص في جارور مفتوح من جهة واحدة ) وهي الجهة المعاكسة لجهة القفص . ان إخراج هذه القطعة من الجارور يحتاج إلى حذق وفطانة ، لأنه يستلزم ضرب الجارور بالعصا لإخراج القطعة منه ، ثم تقريبها من الحيوان . والحيوانات الوحيدة التي تنجح في هذه العملية هي أفراد ( الشمبانزي ) الذكية .
ان جميع هذه المواقف جديدة بالنسبة إلى الحيوان . وهي تحتاج كما ترى إلى فطانة وتخيل ، واختراع .
٢ - وهناك حلول آلية يصل اليها الحيوان بطريق التجارب ، والأخطاء ، وهي لا تحتاج إلى ذكاء ، بل تحتاج إلى تكرار الفعل عدة مرات بحيث يصل الحيوان إلى النتيجة المطلوبة بطريق المصادفة ، والاتفاق . ويشترط في هذه المحاولات أن يكون الحيوان قادراً على إدراك الموقف يحملته ، قادراً على الوصول إلى الحل فجأة .
لنذكر الآن مثالين للمقارنة بين حلول التجارب العمياء ، والحلول المشتملة على الذكاء .
المثال الأول . - هو أن نضع أمام الحيوان علبة ذات غطاء يفتح بتحريك مزلاج ظاهر .
المثال الثاني . - هو أن نضع أمامه علبة ذات غطاء لا يفتح إلا بتحريك آلية خفية متصلة بزر كابس معلق على جدار الغرفة .
( شکل ٥٥ )
فالشق ( وهو نوع من القردة القليلة الذكاء ( يستطيع أن يفتح كلا من العلبتين بسرعة بطريق المحاولات ، والتجارب ، والأطفال الذين لم يتجاوزوا الثانية من منهم يشبهون الشق في محاولاتهم . وكثيراً ما يفتحون العلبة الأولى بعد القاء نظرة بسيطة عليها ، ويعجزون عن فتح العلبة الثانية . ان ذكاء هم يساعدهم على حل المسائل الواضحة ، أما المسائل المعقدة فإنهم لا يستطيعون حلها إلا بطريق المحاولات والتجارب .
ان مشاركة العقل للغريزة ضئيلة جداً عند الحيوانات الابتدائية كالمفصليات ، ورأسيات الأرجل ، والفقاريات الابتدائية . أما عند الطيور ، والثدييات . فإن مشاركة العقل أعظم وفي وسعنا أن نذكر هنا بعض الأمثلة الدالة على هذه المشاركة .
المثال الأول . - ذكر لنا ( هادلى ) أنه شاهد ديكا أمام معلف آلي تتساقط منه الحبوب ، والنخالة . فكان الديك يلتقط الحبوب ، حق إذا ما انتهى من التقاطها احتال على إنزال كمية اخرى من المعلف الآلي . وكان لهذا المعلف الآلي محل يفتح بابه ، فإذا كان المعلف مملوءاً من الحب بقي الباب مغلقاً ، وإذا كان فارغاً بقي الباب مفتوحاً . فكان الديك ينقر طرف المخل لإنزال الحبوب . فلما غطي المخل بغطاء من الحديد المصفح توقف الديك عن النقر لعدم فائدته .
المثال الثاني . - وضع كلب في قفص له باب يفتح بتحريك محل واحد من الأنجال الأربعة المركزة فيه . وكانت الغاية من ذلك تدريب الكلاب حق يصبح . قادراً على معرفة المخل الذي يفتح الباب . فكان الكلب يجرب الأعمال الأربعة الواحد بعد الآخر في نظام حتى يهتدي إلى المخل الصالح لفتح الباب .
المثال الثالث . - أراد قعقع أن يسطو على هرة كانت تأكل قطعة من اللحم ، فنقرها في ذنبها ، حق إذا ما التفتت إلى الوراء قطعة على هجم اللحم وسرقها منها .
- فهذه الأمثلة كلها تدل على أن سلوك الحيوان ليس سلوكا غريزياً فحسب ، وإنما هو سلوك مصحوب بفطانة وذكاء .
قياس الاستعداد الفكري عند الانسان . - لقياس الاستعداد الفكري عند الإنسان فائدة عملية عظيمة ، لأنه ينفع في تقدير ذكاء التلاميذ ، وبيان درجة تقدمهم ، أو تأخرهم بالنسبة إلى سنهم ، كما ينفع في التوجيه المسلكي ، أو الاصطفاء المهني ، وفي مقارنة الحالات الطبيعية السوية بالحالات المرضية ( كالبلاهه ، والعته ، والجنون ، وغيرها ) .
لا شك في أن الحياة نفسها تقوم بهذا الاختبار ، فمواهب العامل في معمله لا تخفى على المهندس ، كما أن مواهب التلميذ في صفه لا تخفى على الاستاذ . ولكن قياس الذكاء يتميز بشروط لا تستطيع الحياة العملية تحقيقها .
وهي :
١ - السرعة . - لا يجوز تأخير الحكم على ذكاء الطالب حق يخفق ، أو ينجح في صفه ، ولا على العامل حتى يظهر لنا عجزه في عمله ، بل الحكمة تقضي بقياس استعداد كل منها قبل مباشرة العمل .
٢ - الموضوعية . - يجب أن يكون الحكم على الذكاء موضوعياً مستقلاً عن العامل الذاتي . وهذا لا يتوافر لنا إلا إذا وضعنا قواعد لاختبار ذكاء الأفراد مستقلة عن معرفتنا الشخصية بهم .
٣ - الكمية . - يجب قلب الحكم الذاتي على ذكاء الفرد ، إلى كمية عددية تصلح للمقارنات المحكمة .
ومع ذلك فإن استخدام طريقة القياس هذه لا يخلو من الصعوبات :
۱ - ان المقاييس المستعملة لا تجرد الاستعدادات الفكرية عما هو متصل بها من النزعات كالاهتمام بالعمل ، وحب الذات ، والثبات ، وحب الظهور ، والطموح ، والميل إلى الصدق . دع أن الصفات الفكرية اللازمة للنجاح في الاختبار تختلف . عن الصفات الفكرية اللازمة للنجاح في الأعمال المطابقة له . فقد ينجح الفرد في الاختبار ، ولا ينجح في العمل الحقيقي المقابل له .
٢ - ثم ان كل اختبار من الاختبارات النفسية يعتمد على المعلومات المكتسبة ، فيقيس الاستعداد والمعرفة معاً ، أو الذكاء والذاكرة معاً انه ليصعب عليك فعلا أن تقيس الاستعداد للرياضيات من غير أن تعتمد على معلومات الطالب الرياضية ، والقياس لا يمكن أن يكون مجرداً عن الشيء المقيس ، فمن الضروري إذن في هذه الحالة أن لا يشتمل الاختبار على معلومات رياضية خاصة .
٣ - ان كثيراً من الاختبارات لا تستغني عن اللغة في عرض المسائل ، أو حلها . وقد يكون الإخفاق فيها ناشئاً عن ضعف لغوي ، لا عن ضعف فكري . فمن الضروري في هذه الحالة أن ننتبه لقدرة الطالب على الفهم والأفهام ، وسهولة استعماله للألفاظ . أن مراعاة هذا الشرط واجبة في المقارنة بين الأقوام المختلفة ، كما هي ضرورية في المقارنة بين الأطفال .
٤ - وأخيراً لابد من السؤال : هل هناك ذكاء عام مستقل عن طبيعة الموضوعات استقلالاً نسبياً ، أم هناك استعداد فكري خاص ببعض الموضوعات دون بعض . لذلك وضع العلماء مقاييس لاختبار الذكاء العام ، ومقاييس اخرى لاختبار الاستعداد الخاص . كالتخيل ، والذاكرة ، والانتباه الإرادي ، والاستعداد اللغوي ، والقدرة على إدراك المشابهات ، والاستدلال ، وقوة الانتقاد ، وتختلف نتائج هذه الاختبارات بعضها عن بعض . فالاختبارات العامة تصلح لإظهار الفروق بين سن واخرى ، أما الاختبارات الخاصة فتصلح لإظهار الفروق الفردية بين شخص وآخر .
طرق القياس . لقد وضع ( الفرد بينه ) ، والدكتور ( سيمون ) سلماً متريا لقياس الذكاء . فنسج كثير من العلماء على منوالها . وهذا السلم يشتمل على اختبارات بسيطة موضوعة لسنة سنة من سني العمر ( من الثانية حتى الخامسة عشرة ) . فإذا استطاع الطفل أن يجيب عن القسم الأعظم من الأسئلة الموضوعة لسنه ، وعجز عن الإجابة عن الأسئلة الموضوعة للسن التي تليها كانت سنه العقلية مساوية لسنه الحقيقية . وإذا كان عمر الطفل ست سنوات ، وكان عاجزاً عن الإجابة عن الأسئلة الموضوعة لسنه كانت سنه العقلية أدنى من سنه الحقيقية ، فإذا أجاب عن الأسئلة الموضوعة للسنة الرابعة كان متأخراً سنتين ، وإذا أجاب عن الأسئلة الموضوعة للسن التي فوق سنه كان متقدماً . وتقدر درجة التقدم ، أو التأخر بقسيم رياضي يحصل عليه بقسمة السن العقلية على السن الحقيقية ، فإذا كانت من الطالب العقلية مساوية لسنه الحقيقية ، كان القسيم مساوياً للواحد ، وإذا كانت أصغر أو أكبر ، كان القسيم أصغر من الواحد أو أكبر .
ويمكن أيضاً تصنيف الأشخاص بحسب المرتبة التي حصلوا عليها في الاختبار ، كما يمكن إيجاد النسبة المئوية بين هذه المرتبة ، وبين عدد د الأشخاص الذين تم اختبارهم . فالشخص المتوسط تترجح مرتبته بين الربع الثاني والثالث من المائة . والأشخاص المتأخرون تكون مرتبتهم من الربع الرابع ، أما المتقدمون فتكون مرتبتهم من الربع الأول .
ومن الممكن أيضاً رسم خطوط بيانية دالة على الاستعدادات النفسية ، كقياس انتباه الشخص ، وإرادته ، وإدراكه ، وذاكرته السمعية ، والبصرية ، وتخيله ، وملاحظته ، وفهمه ، الخ . ويشار إلى مرتبته في كل من هذه الأحوال النفسية المختلفة بنقطة على سطح أشكال رباعية ، ثم توصل هذه النقاط بعضها ببعض ، فيتألف منها خط منكسر يدل على صورة الشخص النفسية . كما في الشكل التالي .
الذكاء
تعريف الذكاء .
الذكاء في اللغة تمام الشيء . ومنه الذكاء في السن ، وهو تمام السن ، ومنه الذكاء في الفهم ، وهو أن يكون الإنسان تام الفهم سريع القبول . وذكيت النار إذا اتممت إشعالها .
والذكاء في اصطلاح القدماء سرعة الفهم ، وحدته ، أو جودة حدس من قوة النفس تقع في زمان قصير . يقال : رجل ذكي ، وفلان من الأذكياء ، يريدون به المبالغة في فطانته . كقولهم : فلان شعلة نار .
والذكاء في اصطلاحنا هو تعاون الوظائف الذهنية المختلفة ، كالتخيل ، والتجريد ، والحكم ، والاستدلال على حل بعض المسائل النظرية والعملية . فإذا قلنا فلان ذكي : أشرنا بذلك إلى جودة قواه العقلية ، أو إلى نجاحه في أعماله . وقولنا هذا هو حكم قيمة وتقدير .
ولما كنا قد درسنا كلا من الوظائف العقلية المختلفة على حدة ، كان لابد لنا من دراستها هنا من جهة ما هي كل تتعاون أجزاؤه على بلوغ غاية مشتركة .
أنواع الذكاء .
- يختلف الناس بعضهم عن بعض بنوع ذكائهم .
فإذا اختلفوا بحسب كمية المواد التي يستوعبونها ، كان ذكاؤهم واسعاً ، أو محدوداً .
وإذا اختلفوا بحسب درجة تعمقهم في الفهم كان ذكاؤهم سطحياً ، أو عميقاً .
وإذا اختلفوا بحسب سرعة الفهم كان ذكاؤهم حاداً ، أو بطيئا .
وهناك عقول فاعلة ، تنشىء ، وتبدع ، وعقول منفعلة تنقل ، وتقلد .
وهناك أيضا عقول مصدقة ، وعقول منكرة . فالعقول المصدقة شبيهة بعقول الأطفال الذين يصدقون كل ما يقال لهم ، والعقول المنكرة لا تفكر إلا تفكيراً سلبيا تدحض به رأيا من الآراء .
وتختلف العقول المصدقة بعضها عن بعض بدرجة وثوقها . ان معظم الناس لا يقتنعون إلا بالحقائق المطلقة ، فإذا اعتقدوا أمراً من الامور تعصبوا له ، وأرغموا غيرهم من الناس على الإيمان به . وبعض الناس يشك في كل شيء لكسله وعجزه عن المخاطرة بالإيمان ، وقد يكون الريب عند بعضهم : ناشئا عن ميلهم إلى الصدق ، أو عن إخلاصهم للحقيقه .
وإلى جانب هؤلاء أيضاً : عقول نقادة لا تصدق ، ولا تنكر ، إلا بعد أعمال الروية في الأمر . ان موقفهم من الحقيقة موقف الدفاع لا الهجوم ، لأنهم لا يرون من الأشياء إلا نواحيها الضعيفة ، ولا يدركون من الأمور إلا مشكلاتها الصغيرة ، حتى لقد تلقي هذه المشكلات على أعينهم حجابا يمنعهم من رؤية الحقائق الكلية . انهم يخافون من المخاطرة ، ولا يتعودون السباحة إلا في مياه الشواطيء .
ذكاء الحيوان .
- إن دراسة ذكاء الحيوان تقتضي المقارنة بين الأنواع الحيوانية كلها . ولكن هذه المقارنة تستند إلى مسلمة أساسية ، وهي القول إن الذكاء واحد عند جميع الحيوانات ، لا يختلف إلا بح كميته ، ودرجته ، لا بحسب طبيعته ، ونوعه .
فإذا استندنا إلى هذه المسلمة ، وسلكنا الطريقة الخارجية في ملاحظة سلوك الحيوان أمكننا أن نقول : ان قدرة الحيوان على التكيف في المواقف التي يواجهها تدل على اتصافه بذكاء خاص .
ولكن هذا التكيف اما أن يتم بالغريزة ، واما أن يتم بتأثير التجارب ، والأخطاء ، واما أن يتم بتأثير الذكاء .
۱ - ان الحلول الغريزية أجوبة فطرية ، ونوعية ثابتة عن مؤثرات معينة ، أما الحلول التابعة للذكاء فهي أجوبة مبتكرة ، أو أجوبة شخصية متغيرة ، عن مؤثرات جديدة . غير معينة .
وقد يستخدم العقل في الوصول إلى أهدافه طرقاً مرنة لاتستطيع الغريزة استخدامها . رفيما يلي بعض التجارب التي أجراها ( كوهلر ) على بعض القردة لاختبار درجة ذكائها .
إذا قدمنا إلى أحد القردة شيئاً من الطعام اتبع في الوصول اليه خطا مستقيما ، ولكننا إذا وضعنا في طريقه حاجزاً سلك بعض الطرق الملتوية في الوصول إلى طعامه .
والقردة كلها تصل إلى طعامها بسهولة ، أما الكلاب ، أو القطط ، أو الدجاج ، فإنها لا تستطيع اجتياز العقبات الموضوعة في طريقها إلا بصعوبة . ولنضع القرد الآن في قفص ، ولنضع أمامه خارج القفص قليلاً من الطعام المحبب اليه . وليكن هذا الطعام معلقاً بخيط يستطيع القرد أن يشده ويجذبه اليه . ان جميع أنواع القردة قادرة على القيام بهذه الحركة . أما الكلاب فعاجزة عن ذلك .
لنفرض الآن أن قطعة الطعام الموضوعة خارج القفص غير مربوطة بخيط ، وان أمام القرد عصا يستطيع أن يستعملها لتقريب قطعة الطعام منه . ان ( الشمبانزي ) يستخدم هذه العصا كما يستخدمها الإنسان ( شكل ) ( ٥٧ . أما أنواع القردة الاخرى فعاجزة عن استخدام هذه الوسيلة في مثل هذا الموقف .
وأخيراً لنفرض أن القطعة موضوعة خارج القفص في جارور مفتوح من جهة واحدة ) وهي الجهة المعاكسة لجهة القفص . ان إخراج هذه القطعة من الجارور يحتاج إلى حذق وفطانة ، لأنه يستلزم ضرب الجارور بالعصا لإخراج القطعة منه ، ثم تقريبها من الحيوان . والحيوانات الوحيدة التي تنجح في هذه العملية هي أفراد ( الشمبانزي ) الذكية .
ان جميع هذه المواقف جديدة بالنسبة إلى الحيوان . وهي تحتاج كما ترى إلى فطانة وتخيل ، واختراع .
٢ - وهناك حلول آلية يصل اليها الحيوان بطريق التجارب ، والأخطاء ، وهي لا تحتاج إلى ذكاء ، بل تحتاج إلى تكرار الفعل عدة مرات بحيث يصل الحيوان إلى النتيجة المطلوبة بطريق المصادفة ، والاتفاق . ويشترط في هذه المحاولات أن يكون الحيوان قادراً على إدراك الموقف يحملته ، قادراً على الوصول إلى الحل فجأة .
لنذكر الآن مثالين للمقارنة بين حلول التجارب العمياء ، والحلول المشتملة على الذكاء .
المثال الأول . - هو أن نضع أمام الحيوان علبة ذات غطاء يفتح بتحريك مزلاج ظاهر .
المثال الثاني . - هو أن نضع أمامه علبة ذات غطاء لا يفتح إلا بتحريك آلية خفية متصلة بزر كابس معلق على جدار الغرفة .
( شکل ٥٥ )
فالشق ( وهو نوع من القردة القليلة الذكاء ( يستطيع أن يفتح كلا من العلبتين بسرعة بطريق المحاولات ، والتجارب ، والأطفال الذين لم يتجاوزوا الثانية من منهم يشبهون الشق في محاولاتهم . وكثيراً ما يفتحون العلبة الأولى بعد القاء نظرة بسيطة عليها ، ويعجزون عن فتح العلبة الثانية . ان ذكاء هم يساعدهم على حل المسائل الواضحة ، أما المسائل المعقدة فإنهم لا يستطيعون حلها إلا بطريق المحاولات والتجارب .
ان مشاركة العقل للغريزة ضئيلة جداً عند الحيوانات الابتدائية كالمفصليات ، ورأسيات الأرجل ، والفقاريات الابتدائية . أما عند الطيور ، والثدييات . فإن مشاركة العقل أعظم وفي وسعنا أن نذكر هنا بعض الأمثلة الدالة على هذه المشاركة .
المثال الأول . - ذكر لنا ( هادلى ) أنه شاهد ديكا أمام معلف آلي تتساقط منه الحبوب ، والنخالة . فكان الديك يلتقط الحبوب ، حق إذا ما انتهى من التقاطها احتال على إنزال كمية اخرى من المعلف الآلي . وكان لهذا المعلف الآلي محل يفتح بابه ، فإذا كان المعلف مملوءاً من الحب بقي الباب مغلقاً ، وإذا كان فارغاً بقي الباب مفتوحاً . فكان الديك ينقر طرف المخل لإنزال الحبوب . فلما غطي المخل بغطاء من الحديد المصفح توقف الديك عن النقر لعدم فائدته .
المثال الثاني . - وضع كلب في قفص له باب يفتح بتحريك محل واحد من الأنجال الأربعة المركزة فيه . وكانت الغاية من ذلك تدريب الكلاب حق يصبح . قادراً على معرفة المخل الذي يفتح الباب . فكان الكلب يجرب الأعمال الأربعة الواحد بعد الآخر في نظام حتى يهتدي إلى المخل الصالح لفتح الباب .
المثال الثالث . - أراد قعقع أن يسطو على هرة كانت تأكل قطعة من اللحم ، فنقرها في ذنبها ، حق إذا ما التفتت إلى الوراء قطعة على هجم اللحم وسرقها منها .
- فهذه الأمثلة كلها تدل على أن سلوك الحيوان ليس سلوكا غريزياً فحسب ، وإنما هو سلوك مصحوب بفطانة وذكاء .
قياس الاستعداد الفكري عند الانسان . - لقياس الاستعداد الفكري عند الإنسان فائدة عملية عظيمة ، لأنه ينفع في تقدير ذكاء التلاميذ ، وبيان درجة تقدمهم ، أو تأخرهم بالنسبة إلى سنهم ، كما ينفع في التوجيه المسلكي ، أو الاصطفاء المهني ، وفي مقارنة الحالات الطبيعية السوية بالحالات المرضية ( كالبلاهه ، والعته ، والجنون ، وغيرها ) .
لا شك في أن الحياة نفسها تقوم بهذا الاختبار ، فمواهب العامل في معمله لا تخفى على المهندس ، كما أن مواهب التلميذ في صفه لا تخفى على الاستاذ . ولكن قياس الذكاء يتميز بشروط لا تستطيع الحياة العملية تحقيقها .
وهي :
١ - السرعة . - لا يجوز تأخير الحكم على ذكاء الطالب حق يخفق ، أو ينجح في صفه ، ولا على العامل حتى يظهر لنا عجزه في عمله ، بل الحكمة تقضي بقياس استعداد كل منها قبل مباشرة العمل .
٢ - الموضوعية . - يجب أن يكون الحكم على الذكاء موضوعياً مستقلاً عن العامل الذاتي . وهذا لا يتوافر لنا إلا إذا وضعنا قواعد لاختبار ذكاء الأفراد مستقلة عن معرفتنا الشخصية بهم .
٣ - الكمية . - يجب قلب الحكم الذاتي على ذكاء الفرد ، إلى كمية عددية تصلح للمقارنات المحكمة .
ومع ذلك فإن استخدام طريقة القياس هذه لا يخلو من الصعوبات :
۱ - ان المقاييس المستعملة لا تجرد الاستعدادات الفكرية عما هو متصل بها من النزعات كالاهتمام بالعمل ، وحب الذات ، والثبات ، وحب الظهور ، والطموح ، والميل إلى الصدق . دع أن الصفات الفكرية اللازمة للنجاح في الاختبار تختلف . عن الصفات الفكرية اللازمة للنجاح في الأعمال المطابقة له . فقد ينجح الفرد في الاختبار ، ولا ينجح في العمل الحقيقي المقابل له .
٢ - ثم ان كل اختبار من الاختبارات النفسية يعتمد على المعلومات المكتسبة ، فيقيس الاستعداد والمعرفة معاً ، أو الذكاء والذاكرة معاً انه ليصعب عليك فعلا أن تقيس الاستعداد للرياضيات من غير أن تعتمد على معلومات الطالب الرياضية ، والقياس لا يمكن أن يكون مجرداً عن الشيء المقيس ، فمن الضروري إذن في هذه الحالة أن لا يشتمل الاختبار على معلومات رياضية خاصة .
٣ - ان كثيراً من الاختبارات لا تستغني عن اللغة في عرض المسائل ، أو حلها . وقد يكون الإخفاق فيها ناشئاً عن ضعف لغوي ، لا عن ضعف فكري . فمن الضروري في هذه الحالة أن ننتبه لقدرة الطالب على الفهم والأفهام ، وسهولة استعماله للألفاظ . أن مراعاة هذا الشرط واجبة في المقارنة بين الأقوام المختلفة ، كما هي ضرورية في المقارنة بين الأطفال .
٤ - وأخيراً لابد من السؤال : هل هناك ذكاء عام مستقل عن طبيعة الموضوعات استقلالاً نسبياً ، أم هناك استعداد فكري خاص ببعض الموضوعات دون بعض . لذلك وضع العلماء مقاييس لاختبار الذكاء العام ، ومقاييس اخرى لاختبار الاستعداد الخاص . كالتخيل ، والذاكرة ، والانتباه الإرادي ، والاستعداد اللغوي ، والقدرة على إدراك المشابهات ، والاستدلال ، وقوة الانتقاد ، وتختلف نتائج هذه الاختبارات بعضها عن بعض . فالاختبارات العامة تصلح لإظهار الفروق بين سن واخرى ، أما الاختبارات الخاصة فتصلح لإظهار الفروق الفردية بين شخص وآخر .
طرق القياس . لقد وضع ( الفرد بينه ) ، والدكتور ( سيمون ) سلماً متريا لقياس الذكاء . فنسج كثير من العلماء على منوالها . وهذا السلم يشتمل على اختبارات بسيطة موضوعة لسنة سنة من سني العمر ( من الثانية حتى الخامسة عشرة ) . فإذا استطاع الطفل أن يجيب عن القسم الأعظم من الأسئلة الموضوعة لسنه ، وعجز عن الإجابة عن الأسئلة الموضوعة للسن التي تليها كانت سنه العقلية مساوية لسنه الحقيقية . وإذا كان عمر الطفل ست سنوات ، وكان عاجزاً عن الإجابة عن الأسئلة الموضوعة لسنه كانت سنه العقلية أدنى من سنه الحقيقية ، فإذا أجاب عن الأسئلة الموضوعة للسنة الرابعة كان متأخراً سنتين ، وإذا أجاب عن الأسئلة الموضوعة للسن التي فوق سنه كان متقدماً . وتقدر درجة التقدم ، أو التأخر بقسيم رياضي يحصل عليه بقسمة السن العقلية على السن الحقيقية ، فإذا كانت من الطالب العقلية مساوية لسنه الحقيقية ، كان القسيم مساوياً للواحد ، وإذا كانت أصغر أو أكبر ، كان القسيم أصغر من الواحد أو أكبر .
ويمكن أيضاً تصنيف الأشخاص بحسب المرتبة التي حصلوا عليها في الاختبار ، كما يمكن إيجاد النسبة المئوية بين هذه المرتبة ، وبين عدد د الأشخاص الذين تم اختبارهم . فالشخص المتوسط تترجح مرتبته بين الربع الثاني والثالث من المائة . والأشخاص المتأخرون تكون مرتبتهم من الربع الرابع ، أما المتقدمون فتكون مرتبتهم من الربع الأول .
ومن الممكن أيضاً رسم خطوط بيانية دالة على الاستعدادات النفسية ، كقياس انتباه الشخص ، وإرادته ، وإدراكه ، وذاكرته السمعية ، والبصرية ، وتخيله ، وملاحظته ، وفهمه ، الخ . ويشار إلى مرتبته في كل من هذه الأحوال النفسية المختلفة بنقطة على سطح أشكال رباعية ، ثم توصل هذه النقاط بعضها ببعض ، فيتألف منها خط منكسر يدل على صورة الشخص النفسية . كما في الشكل التالي .
تعليق