النافذة الخلفية» نموذج فريد لأسلوب هيتشكوك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النافذة الخلفية» نموذج فريد لأسلوب هيتشكوك

    «النافذة الخلفية» نموذج فريد لأسلوب هيتشكوك
    في التصوير والمونتاج

    «سينماتوغراف» ـ هشام مطر
    إذا كان هيتشكوك معروفاً بين الجمهور بملك التشويق فهو يستحق أيضًا لقب ملك التكنيك، فأساليب هيتشكوك في التصوير والمونتاج مدرسة فريدة تعلم فيها كبار مخرجى العالم فهيتشكوك أفضل من جسد الخوف والضعف الإنساني على الشاشة، كان يعاني هو ذاته من الخوف الشديد بسبب طفولته الكاثوليكية المتزمتة ووفاة والده وهو في الخامسة عشرة من عمره، فقرر أن يحمي نفسه من الممثلين والمنتجين والتقنيين بأن يجعل من نفسه المخرج الذي يتمنى الجميع أن يعمل تحت إمرته، مما جعله يدرس كل عناصر الفيلم السينمائي من سيناريو وتصوير ومونتاج إلى حد جعله ليس فقط قادراً على استخدام هذه العناصر بأفضل وسيلة، بل والتجديد بها أيضاً، فأصبح لايطبق القوانين التي تحكم بناء الفيلم بل يضع قوانين جديدة لها. إنه أفضل من فهم طبيعة الوسيط السينمائي، فأصبح يضع تصوراً لكل لقطة على الورق ويحدد مواضع الكاميرا وكيفية التصوير قبل بدء أي فيلم، حتى وصل لمرحلة تصوير كل لقطة مرة واحدة من زاوية واحدة.
    فكما هو معروف لا يوجد مخرج لا يصور أي لقطات زائدة ثم يقوم باختيار أفضلها في غرفة المونتاج، ولكن هذا ماكان يفعله هيتشكوك! وطريقة ترتيبه للمشاهد في غرفة المونتاج كانت أشبه بالأحجية حتى لايستطيع أي منتج أن يتلاعب بالفيلم ويفرض عليه رؤيته في حالة حدوث أي خلاف في عصر كان المنتج هو الآمر الناهي وصاحب الكلمة الأخيرة في أي قرار يمس الفيلم .
    إذا كنت شاهدت فيلم "النافذة الخلفية" فيمكننا أن نأخذه كمثال تطبيقي على تناول هيتشكوك لعناصر الفيلم المختلفة، لنرى كيف كان الإبتكار هو الشعار.
    ** السيناريو
    عرّف هيتشكوك عملية كتابة السيناريو بأنها "المرحلة التي تتخذ فيها كل قرارات الإخراج الجوهرية"، إذ أنه كان يكتب السيناريو وهناك كاميرا في رأسه تجعله يتصور كل شيء بالفيلم، من الزاوية التي سيتم بها تصوير اللقطة إلى حركة الممثلين داخل الكادر.
    سيناريو فيلم النافذة الخلفية هو سيناريو معقد على الرغم من بساطته الظاهرة، فهو يتناول موضوع التلصص على الجيران كخلفية وتلميح إلى جمهور السينما والتلفزيون أنفسهم، ألسنا نفعل مثل بطل الفيلم جيف ونجلس في الظلام مثله لنتلصص على حياة الآخرين من قاعات السينما؟ أليست شاشة السينما هي أكبر نافذة خلفية ظهرت إلى الوجود؟ حيث نراقب حياة لا تمت لنا بصلة لنعرف ماذا تفعل الشخصيات وكيف تعيش في الفيلم.
    إن فيلم النافذة الخلفية هو قبل شيء فيلم عن السينما، وإذا كنت تعتبر هذا مثالاً بعيداً فـ "ستار أكاديمى" وبرامج"تلفزيون الواقع" (Reality TV) هي تجسيد مباشر لفكرة التلصص الكامنة في عقل ونفس معظم مشاهدي السينما والتلفزيون.
    اختيار مهنة "جيف" كمصور صحفي يعتمد على عينه بشكل كامل في عمله هي لمحة عبقرية تجعل قوة ملاحظته والأدوات التي يستخدمها في مراقبة جيرانه مبررة تماماً أثناء الفيلم، موضوع الحب والزواج والعلاقات الإنسانية أيضا من المواضيع المنتشرة والمتغلغلة بقوة داخل الفيلم، من علاقة "جيف وليزا" إلى علاقة "بائع المجوهرات بزوجته" مرورا بالجيران المتزوجين حديثــا، أضف إلى ذلك السيدة التي لا تجد من يحبها، الراقصة التي يطمع بها الرجال، الموسيقي الأعزب البائس دائماً لأنه لايستطيع اكمال مقطوعته، والزوجان المحرومان من الأطفال فنقلا كل عاطفتهما إلى جرو صغير، إن كل علاقة بين هولاء تمثل قصة قصيرة ترويها الكاميرا فقط ، أما الجريمة المشكوك في حدوثها فهي عنصر التشويق الذي يربط أحداث الفيلم.
    وأفضل سمات هيتشكوك أنه قادر على أن يجعلك تجلس وتتابع مايجري باهتمام، حتى لو لم تكن رائق البال فلايمكنك أن تشرد وتفكر في شيء بعيد عن الفيلم، فهيتشكوك لايشعر بالحسرة إذا تجاهلته الأكاديمية في جوائز الأوسكار، لكنه قد يموت كمداً إذا نظرت في ساعتك أثناء مشاهدتك للفيلم.
    ** الحوار
    لأن الفيلم تدور أحداثه في مكان واحد، كان يجب أن يكون هناك حوار متدفق لا يصيب المشاهد بالملل وينسيه عنصر المكان الذي لا يتغير، فعلى الرغم من موضوع الفيلم الجاد فالحوار تسيطر عليه النغمة الساخرة وممتع إلى أقصى حد، وهذا لا يتعارض مع رؤية هيتشكوك الفريدة للحوار، التي ترى أن الحوار هو صوت في جملة الأصوات، صوت صادر من أفواه شخصيات أما أفعالهم ونظراتهم فترويها قصة بصرية وهذا هو مفهوم السينما الخالصة التي تضع الكاميرا في المقدمة دائما.
    ** الكاميرا
    بداية هيتشكوك مع السينما الصامتة جعلته يفهم تماماً أن صوت الكاميرا قد يكون أعلى من صوت أي حوار، فلجأ إلى التعبير البصري بشكل مكثف لم يكن يستخدمه المخرجون الآخرون لأنهم كانوا يرون أن الحوار قد يستخدم لنقل الرسالة المراد ايصالها للمشاهد. أما هيتشكوك فكان يرى في هذا نوع من العجز، فاستخدم العديد من الأساليب في حركة الكاميرا بعضها من اختراعه لتوصيل تأثيرات معينة لايمكن أن يقوم بها أي حوار. أحد أشهر الأمثلة على هذا لقطة هيتشكوك المميزة التحرك بالوراء بالكاميرا مع مزجها بـ" zoom in". إستخدم هذا في "Rebecca" لإعطاء إحساس بالإغتراب، وفي "Vertigo" لإعطاء إحساس بالدوار! هذه اللقطة - مثلها مثل غيرها من لقطات هيتشكوك - كثيراً ماتم تقليدها من العديد من المخرجين الشهيرين مثل "سبيلبيرج" في فيلم "Jaws" (الفك المفترس).
    وبداية فيلم "النافذة الخلفية" هي نموذج كلاسيكي على أن الكاميرا قادرة على الحديث بأعلى صوت ممكن، حيث يعرض لنا هيتشكوك أين نحن، وفي أي فصل من السنة، ومن الراجل الجالس أمامنا، وماهي مهنته، وماالذي حدث له دون كلمة واحدة! يقول هيتشكوك لو عبرت عن كل هذا بحوار طويل لأصبح مشهدا تافها ، يكفي أن ترى هذا المشهد لتعرف كيف يعمل هيتشكوك.
    المشهد التالي لمشهد البداية يمهد لموضوع الفيلم (غريزة التلصص عند الإنسان) ويلخصه فقط بالكاميرا، فعندما يتحدث "جيف" مع رئيس التحرير عبر الهاتف نرى طائرة مروحية جاءت للتجسس على فتاتين تقومان بالإغتسال فوق السطح، مشهد لا يستغرق أكثر من ثوان قليلة، ويتم على خلفية حديث آخر ولكن تأثيره يتعاظم عندما نعرف أن هذا المشهد يلخص موضوع الفيلم بالكامل.
    ** رسم الشخصيات
    أبطال أفلام هيتشكوك ليسوا في ذكاء "شيرلوك هولمز" ولا في قوة "سيلفستر ستالون"، ولافي خفة حركة "ويل سميث"، إنهم لايتمتعون بقدرات خارقة أو مميزات فريدة من نوعها، بل هم على الأغلب مجموعة من البشر العاديين جداً وربما ليسوا أسوياء أيضاً، فعلى الأغلب هناك ما يشوبهم، قد يكون عقدة أو عائق نفسي أو حتى عجز كامل عن الحركة مثل بطل فيلمنا هنا، إنهم باختصار أقل مني ومنك ولكنهم أجبروا على خوض مواقف غير عادية استلزمت منهم التصرف بشكل بطولي لأنه لم يمكن هناك سبيل آخر أمامهم ، إنهم شخصيات عادية في مواقف غير عادية، أو أبطال بالإجبار إذا جاز القول.
    ** المونتاج
    فهم هيتشكوك التام لخطورة المونتاج وأهميته يتضح عندما يقول "لنأخذ لقطة قريبة لـ"جيمس ستيوارت" ( بطل الفيلم المقعد) وهو يطل من النافذة على كلب صغير يجري إنزاله في سلة إلى الأرض . نعود إلى "ستيورات" الذي ترتسم بسمة حانية على شفتيه. ولكنك لو أظهرت محل الكلب الصغير فتاة شبه عارية تمارس تمريناتها الرياضية أمام نافذتها المفتوحة، ثم عدت لصاحبنا المبتسم مرة أخرى فسوف تراه في صورة وغد عريق.
    ** الديكور
    أجمل شيء في هذا الفيلم أن الديكور الوحيد، جعل المكان بطلاً من أبطال الفيلم يحاصر البطل داخله. فهذا الديكور يكرس الضغط الذي يعشق هيتشكوك وضع أبطال أفلامه به، فـ"جيف" هو نموذج آخر للشخصيات الخائفة والمتورطة والمضطربة والحبيسة داخل مكان تحاول الهروب منه، فهو كما ذكرنا على قناعة تامة بأن الدراما في أي موقف تكمن في وضع إنسان عادي بعيد عن أي أخطار داخل مأزق يهدد حياته ويفجر مخاوفه.
    قد تعتقد أن فيلم "النافذة الخلفية" هو فيلم تم تصويره في مكان واحد لخفض التكلفة، لكن ستتعجب إذا علمت أن كل المباني والشقق التي يعيش بها الجيران والتي نشاهدها بالفيلم (حوالي 31 شقة) تم بناؤها بالكامل داخل استديوهات "Paramount"، وكان هذا أكبر ديكور داخلي تم بناؤه داخل هذا الأستديو في ذلك الوقت، والطريف أن كل الشقق بالفيلم كانت جاهزة للسكن (حيث تم امدادها بالماء والكهرباء) لدرجة أن Georgine Darcy"" التي قامت بدور "مدام تورسو" كانت تعيش في شقتها بالفيلم طوال مدة التصوير التي استغرقت حوالي شهر، وكان هيتشكوك يدير العمل بالكامل من شقة "جيف" ويرسل أوامره للممثلين في باقي الشقق عن طريق سماعات يرتدونها في آذانهم، ولأن التصوير كان كله داخل الأستديو فإن ضوء الشمس والنهار كان يتم عمله بالفيلم عن طريق الإضاءة الصناعية، مما مكن العاملين من التحول بين الليل والنهار في المشاهد المختلفة في خلال 45 دقيقة فقط.

    http://cinematographwebsite.com/

    #فيلم، #فيديو، #أفلام، #فيديوهات، #ممثل، #ممثلين، #ممثلة، #ممثلات، #سينما، #سيما، #هوليوود، #فيلم_اليوم، #رعب، #رومانس، #كوميدي، #أكشن، #خيال_علمي، #وثائقي، #تاريخي، #مهرجانات_سينمائية، #سينما_العالم، #سينما_مختلفة، #تقارير_فنية، #مراجعات_أفلام، #بلاتوهات، #نجوم، #أخبار، #ذاكرة_العالم_أمام_عينيك
يعمل...
X