ستيفان زفايج : وداعاً لأوروبا Stefan Zweig : Farewell to Europe
يأتي هذا الفيلم بمثابة تكريم للكاتب النمساوي الشهير " ستيفان زفايج " ( 1881 ــ 1942 ) ، و قد صادف انتاجه عام 2016 ( نمساوي ، آلماني ، فرنسي ) مرور 74 سنة على انتحاره و زوجته الثانية " شارلوت زفايج " في البرازيل ، بتاريخ 22 فبراير / شباط 1942 ، بعد أن تناولا كمية كبيرة من عقار منوّم ، فماتا على سريرهما متعانقين عناقهما الأبدي . و كان الكاتب قد كتب 192 رسالة وداع لأصدقائه و معارفه ، بما فيهم زوجته الأولى " فريدريك ماريا زفايج " .
شرح " زفايج " في رسائله أسباب إقدامه على الإنتحار ، و ركز فيها على رعبه من مصير البشرية و من انهيار الحضارة الإنسانية بعد أن شهد أهوال الحرب العالمية الثانية ، و هو الذي كان قد كتب عام 1917 مسرحية ( إرميا ) كنوع من التظاهر الأدبي ضد الحرب العالمية الأولى و مآسيها ، و قد عُرضت في زيورخ عام 1918 .
ولد " ستيفان زفايج " في 28 نوفمبر1881 ، في فيينا ، لعائلة يهودية غير متدينة ، و هو يصف نفسه بأن ( يهودي بالصدفة ) و كان الكاتبُ الحاصلُ على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة فيينا ، قد غادر بلاده بعد صعود النازيين الى سدة الحكم ، خصوصاً و أنهم أخضعوا النمسا للرايخ الثالث . فهو لم يستشعر المصير الذي سيؤول اليه قومه اليهود على أياديهم فحسب بل استشعر مصير الشعوب التي سيصيبها الأسى و البلدان التي سيلحق بها الدمار بعد أن راح الخطاب النازي يعلن عن نزعته التسلطية و التوسعية .
هجرة " زفايج " سلطت عين النازي عليه ، كما هو الحال مع جميع الكتاب الذين غادروا آلمانيا و النمسا ، الأمر الذي قاد في النهاية الى منع كتبهم أو حرقها ، وخلال ذلك تنقل الكاتب بين عدة بلدان ، بدأها بالذهاب الى بريطانيا التي حصل على جنسيتها ، حتى استقر به المقام في البرزيل التي انتحر فيها .
و يُعد " ستيفان زفايج " أحد أبرز كتاب القرن العشرين ، و من أكثرهم تميزاً بأسلوبه و التقاطاته في رواياته الرائعة و كتبه النقدية ، إذ برز كواحد من أبرز كتاب السيرة الذاتية ، فكتابه الشهير ( بُناة العالم ) ــ بجزئيه ــ الذي تناول فيه سيَر " تولستوي " و " دستويفسكي " و " هولدرن " و " بلزاك " و " ديكنز " و " كلايست " و " ستاندال " ، يقدم صورة جلية عن براعة " زفايغ " في هذا الجنس من الكتابة الأدبية .
لكن ، هل استطاع فيلم ( ستيفان زفايج : وداعاً لأوروبا ) أن يرتقي الى مستوى مكانة " زفايج " و يقدم صورة سينمائية جلية عن شخصيته المتميزة بين كتاب عصره ؟ لنبدأ بالعنوان ذي الإغراء الأدبي . لماذا هذا العنوان ؟ و ما دلالته ؟ هل يشير الى مغادرة الكاتب للأراضي الأوروبية و التوجه نحو بلدان أمريكا اللاتينية : الأرجنتين ، فنزويلا ، الأرغواي ، ... ؟ أم أنه يحمل بين طياته رثاءً لأوروبا التي حلّ و سيحلُّ فيها الدمار على مستوى الحضارة البشرية قبل و بعد انتحاره ؟ لم يجب الفيلم على هذه الأسئلة .. ولكن يبقى عنوانه عنواناً جميلاً .
يبدأ الفيلم من مشهد احتفالي أنيق في البرازيل بمناسبة حفل توقيع أحد كتب " زفايج " بحضور وزير الخارجية البرازيلي و جمع أنيق من المجتمع البرازيلي و الدبلوماسي ، و يتخلل ذلك لقاء الكاتب مع جمع من الصحفيين ، ليقضم هذا اللقاء ثماني دقائق من الفيلم يجيب فيها " زفايج " على أسئلة سياسية جوهرية تتعلق بذلك الوقت ( لعب دوره الممثل النمساوي " جوزيف هادر " ) . لكن أحد مرافقيه الرسميين في هذا التجمع يضغط عليه لإصدار بيان من البرازيل يدين نظام " هتلر " ، غير أن الكاتب لم يبد تعاطفاً متهوراً ، بل كان رصيناً في رده :
( نحن على بُعد محيط كامل .....
أنا و أنت لسنا بعيدين فحسب ، بل نحن من القلة القليلة التي ليس لديها شيء لتخسره . هذا هو السبب في أننا يجب أن نتجنب الجدليات . أنا لن أطلق الأحكام على الجزء الآخر من العالم في غرفة مليئة بالأشخاص ذوي التفكير نفسه . هذا سيكون مُشيناً ، و سيخفت صداه من دون أي معنى ) . ولكن هذا المرافق اليهودي القادم من أمريكا يرى أن " زفايج " جبان ... كما أسرّ لصاحبه " مارتينيز " .
و في مؤتمر ( نادي القلم ) الذي عُقد في ذات المكان تحدث الكاتب الآلماني ــ السويسري " أميل لودويغ " ( لعب دوره الآلماني " تشارلي هوبنر " ) تحدث عن طروحات " بلانك " ــ رئيس المجلس الثقافي في الرايخ النازي ــ الذي يرى أن مكتشف الأمريكتين ليس " كولومبوس " الإيطالي بل هو " ديتريش بيننج " الدنماركي من أصل جرماني ، كما يتطرق " لودويغ " الى الإدعاء النازي بأن المسيح لم يكن يهودياً ، حسب البروفيسور الآلماني " فرانس فون ويندرين " الذي يرى أن المسيح ( آري ) ولد في ( مكلنبورغ ) ، و هي تقع في شمال آلمانيا .
وكل هذه الطروحات يريد النازيون ، من خلالها ، تحوير التاريخ لصالح توجهات النازية المريبة . و خلال ذلك كان " ستيفان زفايج " يصغي فقط .. كما ظهر في الفيلم ، و كأنه كان يرد بصمت على ذلك المرافق اليهودي الأمريكي الذي طلب منه إصدار بيان إدانة لنظام " هتلر " .
بعد هذا المشهد عن المؤتمر الذي عُقد عام 1936 ، تنتقل الكاميرا الى مزارع قصب السكر في مقاطعة ( باهيا ) البرازيلية في شهر كانون الثاني عام 1941 ، حيث يتواجد " زفايج " صحبة زوجته " شارلوت " ( لعبت دورها الآلمانية " آن شوارتز " ) . لكن سرعان ما يتحول الفيلم الى مشاهد هزليه عند استقبال الكاتب و زوجته من قبل رئيس البلدية و زوجته . حيث يبلغ الهزل و هزال الإستقبال ذروته عندما تعزف فرقة البلدية فالس ( الدانوب الأزرق ) للموسيقار النمساوي " شتراوس " . لكن الكاتب كان يستعجل الذهاب الى نيويورك ، فينتقل الفيلم الى هناك في ذات الشهر من العام نفسه ( 1941 ) حيث سيلتقي زوجته الأولى " فرديريك ماريا زفايج " في بيتها الذي سيدور فيه حوار مُطوَّل بينهما يتعلق بالهجرة و الأصدقاء ( لعبت دورها الممثلة الآلمانية المعروفة " باربرا سوكووا " ) . و في البيت ــ أثناء ذلك ــ تلتقي زوجتا " ستيفان زفايج " بصورة طبيعية ، و تحضر أيضاً إبنة الزوجة الأولى و زوجها و صديق العائلة " بن هيوبش " حيث سيتم التطرق الى فكرة أن يكتب " ستيفان زفايج " مذكراته ، و يبدو أنه من تلك الفكرة كتب " زفايج " مذكراته الممتعة المذهلة التي ظهرت لاحقاً تحت عنوان ( عالم الأمس ) ، و التي أرسل مخطوطتها الى الناشر في ذات اليوم الذي أقدم فيه على الإنتحار ، و عندما نقرأ هذه المذكرات سنجد أنها ليست مذكرات شخصية بقدر ما هي مذكرات جيل كامل شهد و تفاعل مع منجزات عصره و عباقرة هذا العصر و شهد إنهيار الحضارة فيه أيضاً .
في نهاية ذات العام ( 1941 ) ــ حسب التواريخ التي ثبتها الفيلم ــ يعود الكاتب و زوجته شارلوت الى البرازيل التي أحبها " زفايغ " حباً جماً على الرغم من أنه ابتعد عن لغته ، كما ذكر في رسالته الأخيرة ، تلك التي كان يفكر و يكتب بواسطتها .
عندما انتحر " ستيفان زفايج " في الثاني و العشرين من شهر فبراير 1942 ، كان قد عبر 86 يوماً بعد الستين من عمره . و يبدو أنه كان ينطوي على حساسية عالية تجاه عبور المرء الستين من العمر ، على الرغم من أن " زفايغ " عاش سنواته الستين عميقاً في فكره الإنساني ، ثاقب النظره تجاه عصره و أحداثه ، ثراً و جوهرياً و غزيراً في عطائه الأدبي . و لعله من الممكن القول أن حساسيته تجاه هذا السن من العمر كان سبباً ذاتياً ( ربما شكّل عقدة نفسية لديه ) فكان دافعاً آخر لإنتحاره ، فقد كان يردد دائماً قول " تولستوي " : ( كل رجل بلغ الستين من العمر عليه أن يختبئ في الأدغال مثل الحيوانات الهرمة ) .
فيلم ( ستيفان زفايج : وداعاً لأوروبا ) ، إخراج الكاتبة و الممثلة و المخرجة الآلمانية " ماريا شريدر " .. يبدو كقصيدة ناعمة مُهداة الى روح ذهبية تسبح في الأثير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
يأتي هذا الفيلم بمثابة تكريم للكاتب النمساوي الشهير " ستيفان زفايج " ( 1881 ــ 1942 ) ، و قد صادف انتاجه عام 2016 ( نمساوي ، آلماني ، فرنسي ) مرور 74 سنة على انتحاره و زوجته الثانية " شارلوت زفايج " في البرازيل ، بتاريخ 22 فبراير / شباط 1942 ، بعد أن تناولا كمية كبيرة من عقار منوّم ، فماتا على سريرهما متعانقين عناقهما الأبدي . و كان الكاتب قد كتب 192 رسالة وداع لأصدقائه و معارفه ، بما فيهم زوجته الأولى " فريدريك ماريا زفايج " .
شرح " زفايج " في رسائله أسباب إقدامه على الإنتحار ، و ركز فيها على رعبه من مصير البشرية و من انهيار الحضارة الإنسانية بعد أن شهد أهوال الحرب العالمية الثانية ، و هو الذي كان قد كتب عام 1917 مسرحية ( إرميا ) كنوع من التظاهر الأدبي ضد الحرب العالمية الأولى و مآسيها ، و قد عُرضت في زيورخ عام 1918 .
ولد " ستيفان زفايج " في 28 نوفمبر1881 ، في فيينا ، لعائلة يهودية غير متدينة ، و هو يصف نفسه بأن ( يهودي بالصدفة ) و كان الكاتبُ الحاصلُ على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة فيينا ، قد غادر بلاده بعد صعود النازيين الى سدة الحكم ، خصوصاً و أنهم أخضعوا النمسا للرايخ الثالث . فهو لم يستشعر المصير الذي سيؤول اليه قومه اليهود على أياديهم فحسب بل استشعر مصير الشعوب التي سيصيبها الأسى و البلدان التي سيلحق بها الدمار بعد أن راح الخطاب النازي يعلن عن نزعته التسلطية و التوسعية .
هجرة " زفايج " سلطت عين النازي عليه ، كما هو الحال مع جميع الكتاب الذين غادروا آلمانيا و النمسا ، الأمر الذي قاد في النهاية الى منع كتبهم أو حرقها ، وخلال ذلك تنقل الكاتب بين عدة بلدان ، بدأها بالذهاب الى بريطانيا التي حصل على جنسيتها ، حتى استقر به المقام في البرزيل التي انتحر فيها .
و يُعد " ستيفان زفايج " أحد أبرز كتاب القرن العشرين ، و من أكثرهم تميزاً بأسلوبه و التقاطاته في رواياته الرائعة و كتبه النقدية ، إذ برز كواحد من أبرز كتاب السيرة الذاتية ، فكتابه الشهير ( بُناة العالم ) ــ بجزئيه ــ الذي تناول فيه سيَر " تولستوي " و " دستويفسكي " و " هولدرن " و " بلزاك " و " ديكنز " و " كلايست " و " ستاندال " ، يقدم صورة جلية عن براعة " زفايغ " في هذا الجنس من الكتابة الأدبية .
لكن ، هل استطاع فيلم ( ستيفان زفايج : وداعاً لأوروبا ) أن يرتقي الى مستوى مكانة " زفايج " و يقدم صورة سينمائية جلية عن شخصيته المتميزة بين كتاب عصره ؟ لنبدأ بالعنوان ذي الإغراء الأدبي . لماذا هذا العنوان ؟ و ما دلالته ؟ هل يشير الى مغادرة الكاتب للأراضي الأوروبية و التوجه نحو بلدان أمريكا اللاتينية : الأرجنتين ، فنزويلا ، الأرغواي ، ... ؟ أم أنه يحمل بين طياته رثاءً لأوروبا التي حلّ و سيحلُّ فيها الدمار على مستوى الحضارة البشرية قبل و بعد انتحاره ؟ لم يجب الفيلم على هذه الأسئلة .. ولكن يبقى عنوانه عنواناً جميلاً .
يبدأ الفيلم من مشهد احتفالي أنيق في البرازيل بمناسبة حفل توقيع أحد كتب " زفايج " بحضور وزير الخارجية البرازيلي و جمع أنيق من المجتمع البرازيلي و الدبلوماسي ، و يتخلل ذلك لقاء الكاتب مع جمع من الصحفيين ، ليقضم هذا اللقاء ثماني دقائق من الفيلم يجيب فيها " زفايج " على أسئلة سياسية جوهرية تتعلق بذلك الوقت ( لعب دوره الممثل النمساوي " جوزيف هادر " ) . لكن أحد مرافقيه الرسميين في هذا التجمع يضغط عليه لإصدار بيان من البرازيل يدين نظام " هتلر " ، غير أن الكاتب لم يبد تعاطفاً متهوراً ، بل كان رصيناً في رده :
( نحن على بُعد محيط كامل .....
أنا و أنت لسنا بعيدين فحسب ، بل نحن من القلة القليلة التي ليس لديها شيء لتخسره . هذا هو السبب في أننا يجب أن نتجنب الجدليات . أنا لن أطلق الأحكام على الجزء الآخر من العالم في غرفة مليئة بالأشخاص ذوي التفكير نفسه . هذا سيكون مُشيناً ، و سيخفت صداه من دون أي معنى ) . ولكن هذا المرافق اليهودي القادم من أمريكا يرى أن " زفايج " جبان ... كما أسرّ لصاحبه " مارتينيز " .
و في مؤتمر ( نادي القلم ) الذي عُقد في ذات المكان تحدث الكاتب الآلماني ــ السويسري " أميل لودويغ " ( لعب دوره الآلماني " تشارلي هوبنر " ) تحدث عن طروحات " بلانك " ــ رئيس المجلس الثقافي في الرايخ النازي ــ الذي يرى أن مكتشف الأمريكتين ليس " كولومبوس " الإيطالي بل هو " ديتريش بيننج " الدنماركي من أصل جرماني ، كما يتطرق " لودويغ " الى الإدعاء النازي بأن المسيح لم يكن يهودياً ، حسب البروفيسور الآلماني " فرانس فون ويندرين " الذي يرى أن المسيح ( آري ) ولد في ( مكلنبورغ ) ، و هي تقع في شمال آلمانيا .
وكل هذه الطروحات يريد النازيون ، من خلالها ، تحوير التاريخ لصالح توجهات النازية المريبة . و خلال ذلك كان " ستيفان زفايج " يصغي فقط .. كما ظهر في الفيلم ، و كأنه كان يرد بصمت على ذلك المرافق اليهودي الأمريكي الذي طلب منه إصدار بيان إدانة لنظام " هتلر " .
بعد هذا المشهد عن المؤتمر الذي عُقد عام 1936 ، تنتقل الكاميرا الى مزارع قصب السكر في مقاطعة ( باهيا ) البرازيلية في شهر كانون الثاني عام 1941 ، حيث يتواجد " زفايج " صحبة زوجته " شارلوت " ( لعبت دورها الآلمانية " آن شوارتز " ) . لكن سرعان ما يتحول الفيلم الى مشاهد هزليه عند استقبال الكاتب و زوجته من قبل رئيس البلدية و زوجته . حيث يبلغ الهزل و هزال الإستقبال ذروته عندما تعزف فرقة البلدية فالس ( الدانوب الأزرق ) للموسيقار النمساوي " شتراوس " . لكن الكاتب كان يستعجل الذهاب الى نيويورك ، فينتقل الفيلم الى هناك في ذات الشهر من العام نفسه ( 1941 ) حيث سيلتقي زوجته الأولى " فرديريك ماريا زفايج " في بيتها الذي سيدور فيه حوار مُطوَّل بينهما يتعلق بالهجرة و الأصدقاء ( لعبت دورها الممثلة الآلمانية المعروفة " باربرا سوكووا " ) . و في البيت ــ أثناء ذلك ــ تلتقي زوجتا " ستيفان زفايج " بصورة طبيعية ، و تحضر أيضاً إبنة الزوجة الأولى و زوجها و صديق العائلة " بن هيوبش " حيث سيتم التطرق الى فكرة أن يكتب " ستيفان زفايج " مذكراته ، و يبدو أنه من تلك الفكرة كتب " زفايج " مذكراته الممتعة المذهلة التي ظهرت لاحقاً تحت عنوان ( عالم الأمس ) ، و التي أرسل مخطوطتها الى الناشر في ذات اليوم الذي أقدم فيه على الإنتحار ، و عندما نقرأ هذه المذكرات سنجد أنها ليست مذكرات شخصية بقدر ما هي مذكرات جيل كامل شهد و تفاعل مع منجزات عصره و عباقرة هذا العصر و شهد إنهيار الحضارة فيه أيضاً .
في نهاية ذات العام ( 1941 ) ــ حسب التواريخ التي ثبتها الفيلم ــ يعود الكاتب و زوجته شارلوت الى البرازيل التي أحبها " زفايغ " حباً جماً على الرغم من أنه ابتعد عن لغته ، كما ذكر في رسالته الأخيرة ، تلك التي كان يفكر و يكتب بواسطتها .
عندما انتحر " ستيفان زفايج " في الثاني و العشرين من شهر فبراير 1942 ، كان قد عبر 86 يوماً بعد الستين من عمره . و يبدو أنه كان ينطوي على حساسية عالية تجاه عبور المرء الستين من العمر ، على الرغم من أن " زفايغ " عاش سنواته الستين عميقاً في فكره الإنساني ، ثاقب النظره تجاه عصره و أحداثه ، ثراً و جوهرياً و غزيراً في عطائه الأدبي . و لعله من الممكن القول أن حساسيته تجاه هذا السن من العمر كان سبباً ذاتياً ( ربما شكّل عقدة نفسية لديه ) فكان دافعاً آخر لإنتحاره ، فقد كان يردد دائماً قول " تولستوي " : ( كل رجل بلغ الستين من العمر عليه أن يختبئ في الأدغال مثل الحيوانات الهرمة ) .
فيلم ( ستيفان زفايج : وداعاً لأوروبا ) ، إخراج الكاتبة و الممثلة و المخرجة الآلمانية " ماريا شريدر " .. يبدو كقصيدة ناعمة مُهداة الى روح ذهبية تسبح في الأثير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ