نتيجة عامة .. المفهوم الحركي للعقل .. مبادئ العقل
نتيجة عامة
المفهوم الحركي للعقل
١ - ان الملاحظات السابقة تكشف لنا - بخلاف النظريات التجريبية والنظريات العقلية - عن مفهوم حركي للعقل ( Conception dynamique ) . لقد ظن التجريبيون ، والعقليون ، معاً أن العقل جملة من المبادىء ، والمقولات الثابتة ، ولكن علم النفس الحديث المبني على ملاحظة الظواهر ، وتحليلها ، يبطل اليوم هذا المفهوم الساكن ( Statique ) . وسواء أرجعنا إلى أدنى صور الفكر ، أم درسنا تطور أرقى صور المعرفة ، فإن العقل يبدو لنا كأنه قوة تصويرية ، أو تشكيلية ( Plastique ) قادرة على تليين قوالبها ، وتحطيمها في بعض الأحيان لصنع غيرها . ان نتائج أبحاث ( برونشويك ) في المراحل التي قطعها الفكر العلمي خلال تطوره ، تؤيد رأي علماء النفس والاجتماع .
٢ - ثم ان تبدلات العقل هذه ليست ناشئة عن الاتفاق ، والمصادفة ، وإنما هي خاضعة لقانون سماه ( لالاند ) بقانون التقارب ( Loide Convergence ) ، وهي متجهة إلى غاية ، ومتصلة بجد ونهاية ، مطلبها الأعلى تنظيم المعرفة ، وهدفها الأسمى تنسيق الفكر ، كان هناك - كما قال ( بياجه ) - قوانين طبيعية لتوازن وظائف النفس تقتضي أن يتجه الشعور الفردي ، أو الاجتماعي ، إلى غاية معينة ، وكأن عدم اتجاهه إلى هذه الغاية باعث على انحلاله واستحالته .
و قصارى القول : ان تطور المبادى والمقولات ، تابع لعوامل اجتماعية وحيوية معاً ، إلا أن هذه العوامل - كما يتضح لنا من مناقشة النظريات السابقة ـ لا تؤثر في العقل من الخارج ، بل تؤثر فيه من الداخل ، كأنها مطالب ذاتية له . وهذا يدل على أن الفكر غير منفصل عن الحياة ، عضوية كانت ، أو اجتماعية ، فمن الوجهة الحيوية ترجع إلى نزوع الفكر إلى توحيد الأشياء ( Identification ) ، وتمثيلها ( Assimilation ) ، ومن الوجهة الاجتماعية ترجع إلى نزوع الفرد داخل المجتمع إلى تمثيل أفكار أقرانه واستيعابها . فكما أن الفكر يمثل الأشياء ، كذلك العقول يمثل بعضها بعضا ، فهي خاضعة إذن لقانون التقارب ، أو لقانون الحاجة إلى التفاهم المتبادل .
على أن هذه المطالب ، اجتماعية كانت ، أو حيوية ، ليست في الحقيقة إلا مطلباً واحداً ، لأن توحيد الأفكار لا يمكن أن يتحقق بصورة نهائية ، إلا إذا كانت جميع مدركاته المكتسبة متفقة بعضها مع بعض اتفاقاً تاماً ، وهذا النزوع إلى وحدة الأفكار ، واتفاقها ، والتحامها ، موجود في جميع صور الفكر ، منطقية كانت ، أو غير منطقية . وقد بينا سابقاً أن الرجل الابتدائي نفسه ينزع إلى هذا التوحيد ، فيوحد الفكر ، والأشياء ، كما يوحد الأشياء ، ويجمعها بعضها إلى بعض .
والقول الفصل في ذلك كله هو التفريق ، كما فعل ( لالاند ) ، بين العقل المكون ، والعقل المكون . فمن صفات العقل المكون نزوعه الدائم إلى التوحيد ، ومن صفات العقل المكون تبلوره داخل المبادىء ، والمقولات الموقتة . وهذا الفرق بين العقل المكون والعقل المكون مطابق من الوجهة النفسية للفرق بين الوظيفة ( Fonction ) ، والبنية ( Structure ) . إن وراء اختلاف البنى وحدة في الوظيفة ، ومهما يكن في عناصر البنية من تباين ، فإنها تتجه دائماً إلى غاية واحدة .
فالعقل إذن جهد داخلي دائم لتنظيم عناصر الفكر تبعا لطالب الحياة والمجتمع ، وهذه القوة المنظمة ليست في الحقيقة إلا صورة من صور فاعلية التركيب .
وهكذا ، فإن المفهوم الحركي للعقل لا يعيدنا كما رأيت إلى المذهب التجريبي ، بل يوصلنا إلى مذهب عقلي موسع ، متفق مع مبادىء علم النفس الحديث ، لا يقتصر على دراسة بنية الأفعال النفسية ، وكيفية تركيبها ؛ بل يطمح بطرقه ومناهجه إلى بيان وظائفها ومنافعها .
نتيجة عامة
المفهوم الحركي للعقل
١ - ان الملاحظات السابقة تكشف لنا - بخلاف النظريات التجريبية والنظريات العقلية - عن مفهوم حركي للعقل ( Conception dynamique ) . لقد ظن التجريبيون ، والعقليون ، معاً أن العقل جملة من المبادىء ، والمقولات الثابتة ، ولكن علم النفس الحديث المبني على ملاحظة الظواهر ، وتحليلها ، يبطل اليوم هذا المفهوم الساكن ( Statique ) . وسواء أرجعنا إلى أدنى صور الفكر ، أم درسنا تطور أرقى صور المعرفة ، فإن العقل يبدو لنا كأنه قوة تصويرية ، أو تشكيلية ( Plastique ) قادرة على تليين قوالبها ، وتحطيمها في بعض الأحيان لصنع غيرها . ان نتائج أبحاث ( برونشويك ) في المراحل التي قطعها الفكر العلمي خلال تطوره ، تؤيد رأي علماء النفس والاجتماع .
٢ - ثم ان تبدلات العقل هذه ليست ناشئة عن الاتفاق ، والمصادفة ، وإنما هي خاضعة لقانون سماه ( لالاند ) بقانون التقارب ( Loide Convergence ) ، وهي متجهة إلى غاية ، ومتصلة بجد ونهاية ، مطلبها الأعلى تنظيم المعرفة ، وهدفها الأسمى تنسيق الفكر ، كان هناك - كما قال ( بياجه ) - قوانين طبيعية لتوازن وظائف النفس تقتضي أن يتجه الشعور الفردي ، أو الاجتماعي ، إلى غاية معينة ، وكأن عدم اتجاهه إلى هذه الغاية باعث على انحلاله واستحالته .
و قصارى القول : ان تطور المبادى والمقولات ، تابع لعوامل اجتماعية وحيوية معاً ، إلا أن هذه العوامل - كما يتضح لنا من مناقشة النظريات السابقة ـ لا تؤثر في العقل من الخارج ، بل تؤثر فيه من الداخل ، كأنها مطالب ذاتية له . وهذا يدل على أن الفكر غير منفصل عن الحياة ، عضوية كانت ، أو اجتماعية ، فمن الوجهة الحيوية ترجع إلى نزوع الفكر إلى توحيد الأشياء ( Identification ) ، وتمثيلها ( Assimilation ) ، ومن الوجهة الاجتماعية ترجع إلى نزوع الفرد داخل المجتمع إلى تمثيل أفكار أقرانه واستيعابها . فكما أن الفكر يمثل الأشياء ، كذلك العقول يمثل بعضها بعضا ، فهي خاضعة إذن لقانون التقارب ، أو لقانون الحاجة إلى التفاهم المتبادل .
على أن هذه المطالب ، اجتماعية كانت ، أو حيوية ، ليست في الحقيقة إلا مطلباً واحداً ، لأن توحيد الأفكار لا يمكن أن يتحقق بصورة نهائية ، إلا إذا كانت جميع مدركاته المكتسبة متفقة بعضها مع بعض اتفاقاً تاماً ، وهذا النزوع إلى وحدة الأفكار ، واتفاقها ، والتحامها ، موجود في جميع صور الفكر ، منطقية كانت ، أو غير منطقية . وقد بينا سابقاً أن الرجل الابتدائي نفسه ينزع إلى هذا التوحيد ، فيوحد الفكر ، والأشياء ، كما يوحد الأشياء ، ويجمعها بعضها إلى بعض .
والقول الفصل في ذلك كله هو التفريق ، كما فعل ( لالاند ) ، بين العقل المكون ، والعقل المكون . فمن صفات العقل المكون نزوعه الدائم إلى التوحيد ، ومن صفات العقل المكون تبلوره داخل المبادىء ، والمقولات الموقتة . وهذا الفرق بين العقل المكون والعقل المكون مطابق من الوجهة النفسية للفرق بين الوظيفة ( Fonction ) ، والبنية ( Structure ) . إن وراء اختلاف البنى وحدة في الوظيفة ، ومهما يكن في عناصر البنية من تباين ، فإنها تتجه دائماً إلى غاية واحدة .
فالعقل إذن جهد داخلي دائم لتنظيم عناصر الفكر تبعا لطالب الحياة والمجتمع ، وهذه القوة المنظمة ليست في الحقيقة إلا صورة من صور فاعلية التركيب .
وهكذا ، فإن المفهوم الحركي للعقل لا يعيدنا كما رأيت إلى المذهب التجريبي ، بل يوصلنا إلى مذهب عقلي موسع ، متفق مع مبادىء علم النفس الحديث ، لا يقتصر على دراسة بنية الأفعال النفسية ، وكيفية تركيبها ؛ بل يطمح بطرقه ومناهجه إلى بيان وظائفها ومنافعها .
تعليق