الصفات العامة للمذهب التجريبي .. مبادئ العقل .. كتاب علم النَّفس جميل صَليبا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الصفات العامة للمذهب التجريبي .. مبادئ العقل .. كتاب علم النَّفس جميل صَليبا

    الصفات العامة للمذهب التجريبي .. مبادئ العقل

    الصفات العامة للمذهب التجريبي

    لنستخرج الآن من هذه اللمحة التاريخية بعض الصفات العامة للمذهب التجريبي ولنذكر في الوقت نفسه ، بعض الصعوبات التي يلاقيها :

    ۱ - النفس لوحة بيضاء .
    - اولى هذه الصفات قول التجريبيين أن كل ما في النفس مكتسب ، أي أن النفس في زعمهم لوحة بيضاء ، أو لوح من الشمع لم ينقش عليه شيء ، فليس فيه إذن شيء فطري ، ولا شيء متقدم على التجربة . وهذا قول جميع التجريبيين من ( لوك ) إلى ( سبنسر ) ، لأن هذا الأخير قد ذهب إلى هذا الرأي في النوع ، بعد أن أبطله في الفرد . فزعم أن جميع المعاني قد تولدت في العقل ، مما اكتسبه النوع خلال تطوره .

    انا نعترف بأن في هذه النظرية دليلا على رغبة التجريبيين في تفسير تكون المعاني تفسيراً علمياً . فهم قد أشاروا إلى عناصر المعرفة ، وبحثوا في كيفية امتزاجها بعضها ببعض ، وحلوها كما يحلل الكيماوي الأجسام المركبة التي يريد معرفة حقيقتها . فجاءت طريقتهم هذه أفضل من طريقة العقليين ، الذين جعلوا وجود العقل في الانسان معجزة من المعجزات .

    ولكن ما هي قيمة طريقة التجريبين ؟
    إن طريقة التجريبيين في توليد المبادىء من التجربة تؤدي إلى القول ان العقل متحقق في الأشياء قبل وجوده للنفس ، وان القوانين العقلية ، والعلاقات الفكرية ، إنما هي صور منعكسة عن قوانين الأشياء ، وعلائقها الواقعية . وقليل من التحقيق يظهر لنا فساد هذا الرأي . لأن المبادىء ليست اموراً محسوسة تكسبها النفس بالتوجه اليها ، والتعرض لها ، وإنما هي حاجة داخلية من حاجات النفس البشرية ، ومطلب ذاتي من مطالب الفكر ، ولوازمه .

    لقد بين أحد فلاسفة القرن التاسع عشر ( ۱ ) أن الطبيعة لا تخضع لمبدأ الهوية . قال : لا يمكن أن يتولد مبدأ الهوية من التجربة ، لأن التجربة لا تحققه ، ولا تخضع له . والهوية التامة لا وجود لها في الأشياء . بل العالم المحسوس دائم الحركة والتبدل . إن الفكر لا يهدأ لحظة واحدة من الزمان ، كما أن الموجودات الحية تولد ، وتنمو ، وتموت ، حتى لقد أثبت لنا علماء الطبيعة المحدثون ان حركات الأجزاء الفردة لا تنقطع ، وان دورانها لا يتوقف . ومبدأ السببية نفسه ليس من معطيات الحس المباشرة ، وإنما هو نتيجة تطور قديم ، لم يصل إلى حالته الحاضرة إلا بعد اجتياز كثير من المراحل ، ولا نزال نجد اليوم عقولاً تنكر حضوع العالم للقوانين ، والنظم الثابتة ، حق أن ( استوارت ميل ) نفسه يعترف في كتاب المنطق ( ۲ ) بأن التجربة ليست إلا جملة مشوشة من الاحساسات المختلطة .

    ب - المبادىء ليست كلية ، ولا ضرورية :
    والصفة الثانية التي يتميز بها مذهب التجريبيين هي قولهم : ان المبادى ، ليست ضرورية ، ولا كلية ، لأنهم يقولون كما رأيت أن العقل ثمرة التجربة ، وانه لهذا السبب نفسه تابع لشرائط متغيرة ، وأن أحكامه لا تصبح كلية إلا عندما تصبح شرائط التجربة ثابتة ، ولا تصبح ضرورية إلا عندما تتكرر الظواهر الخارجية على أنماط متشابهة . فالمبادىء إذن كلية نسبياً لا مطلقاً ، كما أن ضرورتها ليست ذاتية ، وإنما هي ضرورة خارجية ناشئة عن تكرر تأثير الظواهر في نفوسنا .

    وقد رد الفلاسفة المتأخرون على رأي التجريبيين بقولهم : أن التجريبيين عندما أرجعوا الضرورة العقلية إلى الارتباط الاقتراني ، كما فعل ( هيوم ) أو ( سبنسر ) أو ( استوارت ميل ) ، أو حينما أرجعوا هذه الضرورة إلى بقاء تجارب النوع في الفرد كما فعل ( سبنسر ) ، خلطوابين الضرورة الواجبة في المقل ، والضرورة الواقعية ( Necessité de droit et necessité de fait » فقد ترتبط فكرتان في أذهاننا ارتباطاً محكماً من غير أن يكون بينهما علاقة منطقية ، کارتباط ذكرى المبدأ بالنتيجة ، أو العلة بالمعلول ، من غير أن يؤدي هذا الارتباط إلى حصول اقتران ضروري بينهما .
    ولكن هذا الاعتراض لا يبطل رأي التجريبيين ابطالاً تاماً ، لأنه ربما قيل ـ وهذا ما فعله سبنسر - ان العادة ، وخصوصاً العادة القديمة ، قد تقلب الضرورة الواقعية ، إلى ضرورة منطقية واجبة . فكم رأي حسبناه بديهيا معقولاً ، وهو في الحقيقة وهم من الأوهام التي تعودناها . . ان الضرورة المنطقية نفسها قد تصبح ضرورة واقعية ، عند إدراك العقل لها ، و شعوره ببداهتها ، وعجزه عن تصور ضدها .

    وقد ردوا أيضاً على التجريبيين بقولهم : ان هذا المذهب يهدم المعرفة ، ويبطل قيمة العلم ، لأنه ينكر الحقائق الكلية ، والضرورية . حتى لقد قيل : ان الريبية نتيجة من نتائج التجريبية .

    ولكننا اذا دققنا في هذا الاعتراض وجدناه أضعف من الأول ، لأن قيمة العلم مستقلة عن وجود المبادىء المطلقة ، والمقولات الثابتة . ان المذهب التجريبي ، كالمذهب المقلي لا يعبر إلا عن وجهة واحدة من وجهات المعرفة . قال ( جانه ، وساي ) : « ان المسيطر على فلسفة ( ديكارت ) هو و العلم الرياضي ، لأنه المثل الأعلى للعلم . أما عند التجريبيين فإن علوم الطبيعة هي المثل الأعلى ، والطريقة الاستقرائية هي الشرط الضروري لكل علم ، ( 1 ) .

    ج - وعندي أن أحسن نقد لمذهب التجريبيين يقوم على مناقشة هذا المذهب لا على تفنيد نتائجه . نعم ان دراسة علماء النفس لأحوال الطفل ، والإنسان الابتدائي قد أيدت رأي التجريبيين المتضمن إبطال المبادىء الكلية ، والضرورية ، والمقولات المطلقة . ولكن هذا الإبطال قد ساق التجريبيين إلى اعتبار العقل ظاهرة من الظواهر الجائزة ، المتغيرة ، المثولدة من تأثير الشرائط الخارجية . ولربما كان التجريبيون أقل شعوراً من العقليين بتطور العقل تطوراً حقيقياً . إلا أن الفرق الوحيد بينهم هو : ان العقل عند العقليين ضروري بضرورة داخلية مطلقة ، وذاتية ، بينما هو عند التجريبيين ضروري بضرورة خارجية موقتة . وسنبين فيما بعد أن لتطور العقل اتجاهاً معيناً ، وقوانين خاصة ، كما سنبين ان فكرة الضرورة الخارجية مستندة إلى خطأ شنيع في فهم حقيقة الفكر .

    قابلية الفكر .
    - وربما كان أهم فارق بين المذهب التجريبي ، والمذهب العقلي ناشئاً عن اختلاف نظرتيهما إلى كيفية تأثير التجربة في الفكر ، لا عن بنائها المعرفة على أحد هذين الأمرين دون الآخر . ان رمز اللوحة البيضاء يقتضي أن يكون الفكر قابلاً محضاً ، وأن يكون عمله مقصوراً على تسجيل الانطباعات التي تصل اليه من العالم الخارجي ، من غير أن يكون له فعل فيها ، كأنه شمع اين تنطبع صور من غير أن هي يبدل منها شيئاً ، فالفكر إذن في التجريبية قابلية محضة ، حق لقد قال ( برونشويك ) في تجريبية ( استوارت ميل ) : انها ترمي إلى إنكار فاعلية الفكر ، وأثرها في تكوين المعرفة العلمية . ولا فرق بين ( ميل ) و ( سبنسر ) في هذا الأمر ، لأن ( سبنسر ) أيضاً يرجع الفكر إلى تجمع التجارب القديمة بعضها فوق بعض من غير أن يكون له فيها أقل تأثير .

    وهذا الرأي لا يتفق مع معطيات علم النفس ، ولا مع فلسفة العلوم . ان أبسط الأفعال المنعكسة يدل على إتصاف الكائن العضوي بفاعلية خاصة ، كما أن الإحساس وهو أبسط الظواهر الشعورية ليس مجرد انطباع بسيط في النفس ناتج عن تأثير الأشياء الخارجية . وإنما هو ، كما بينا ذلك غير مرة في دراسة الوظائف النفسية الأساسية ، كالذاكرة ، والإدراك ، والأفعال الذهنية العالية ، ظاهرة متصفة بالفاعلية : فالنفس إذن ذات فاعلية دائمة ، والمعرفة لیست تمثيلاً ذهنياً بسيطاً للأشياء الحسية ، وإنما هي فعل ذهني مطابق لمعطيات التجربة ، لا بل هي كما قيل إنشاء معقول لشيء محسوس وهذه الصفة الإنشائية التي المعرفة ستظهر لنا بصورة جلية في المنطق عند تحليل طرائق التفكير العلمي . فالتجريبية قد أهملت إذن فاعلية الفكر ، وقوة إنشائه ، وربما كان هذا الإهمال أضعف شيء فيها .


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مستند جديد ١٣-٠١-٢٠٢٤ ٢٢.١٤_1(2).jpg 
مشاهدات:	18 
الحجم:	99.8 كيلوبايت 
الهوية:	189592 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مستند جديد ١٣-٠١-٢٠٢٤ ٢٢.١٦_1.jpg 
مشاهدات:	13 
الحجم:	113.8 كيلوبايت 
الهوية:	189593 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مستند جديد ١٣-٠١-٢٠٢٤ ٢٢.١٧_1.jpg 
مشاهدات:	13 
الحجم:	105.2 كيلوبايت 
الهوية:	189594 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مستند جديد ١٣-٠١-٢٠٢٤ ٢٢.١٨_1.jpg 
مشاهدات:	13 
الحجم:	111.8 كيلوبايت 
الهوية:	189595 اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	مستند جديد ١٣-٠١-٢٠٢٤ ٢٢.١٩_1.jpg 
مشاهدات:	13 
الحجم:	107.3 كيلوبايت 
الهوية:	189596

  • #2
    General characteristics of the empiricist doctrine... Principles of reason

    General characteristics of empiricism

    Let us now extract from this historical overview some general characteristics of the empiricist doctrine and, at the same time, mention some of the difficulties it faces:

    1 - The soul is a white canvas.
    The first of these characteristics is the empiricists’ statement that everything in the soul is acquired, meaning that the soul, according to their claim, is a blank canvas, or a slab of wax on which nothing has been engraved, so there is nothing innate in it, and nothing prior to experience. This is what all empiricists say, from Locke to Spencer, because the latter held this view regarding the species, after invalidating it regarding the individual. He claimed that all meanings were generated in the mind, from what the species acquired during its evolution.

    We acknowledge that this theory is evidence of the desire of experimentalists to explain the formation of meanings scientifically. They pointed out the elements of knowledge, investigated how they mix with each other, and analyzed them just as a chemist analyzes complex bodies whose truth he wants to know. This method of theirs was better than the method of the rationalists, who made the existence of the mind in man a miracle among the miracles.

    But what is the value of the two-trial method?
    The method of the empiricists in generating principles from experience leads to saying that the mind is realized in things before it exists for the soul, and that the mental laws and intellectual relationships are merely reflected images of the laws of things and their real relationships. A little investigation shows us the corruption of this opinion. Because principles are not tangible things that the soul gains by turning to them and being exposed to them, but rather they are an internal need of the human soul, and a subjective requirement of thought’s demands and necessities.

    One of the nineteenth century philosophers (1) demonstrated that nature is not subject to the principle of identity. He said: The principle of identity cannot be generated from experience, because experience does not verify it, nor is it subject to it. Complete identity does not exist in things. Rather, the tangible world is always moving and changing. Thought does not rest for a single moment of time, just as living beings are born, grow, and die, to the point that modern natural scientists have proven to us that the movements of individual parts do not cease, and that their rotation does not stop. The principle of causality itself is not a direct data of sense, but rather the result of an ancient development, which did not reach its present state except after passing through many stages. Today we still find minds that deny the world’s subjection to laws and fixed systems, as Stuart Mill himself admitted in his book. Logic (2) that experience is nothing but a confused collection of mixed feelings.

    B - Principles are neither universal nor necessary:
    The second characteristic that distinguishes the doctrine of the empiricists is their saying: Principles are neither necessary nor universal, because they say, as you have seen, that the mind is the fruit of experience, and that for this same reason it is subject to changing conditions, and that its rulings do not become universal except when the conditions of experience become fixed, and do not become Necessary except when external phenomena are repeated in similar patterns. The principles are therefore universal, relatively, not absolutely, and their necessity is not subjective, but rather an external necessity arising from the repeated influence of phenomena on our souls.

    Later philosophers responded to the opinion of the empiricists by saying: When the empiricists attributed rational necessity to conjunction, as Hume, Spencer, or Stuart Mill did, or when they attributed this necessity to the persistence of experiences of the species in the individual, as Spencer did, They mixed between necessary necessity in the mind and realistic necessity (necessité de droit et necessité de fait). Two ideas may be tightly linked in our minds without there being a logical relationship between them, such as the connection of the memory of the principle with the result, or the cause with the effect, without this connection leading to the occurrence of A necessary connection between them.
    But this objection does not completely invalidate the opinion of the empiricists, because it might be said - and this is what Spencer did - that habit, especially ancient habit, may turn realistic necessity into an obligatory logical necessity. How many opinions have we considered self-evident and reasonable, but in reality they are one of the illusions to which we are accustomed. . The logical necessity itself may become a realistic necessity, when the mind realizes it, senses its intuition, and is unable to conceive anything against it.

    They also responded to the empiricists by saying: This doctrine destroys knowledge and invalidates the value of science, because it denies universal and necessary truths. It has even been said that suspicion is a result of empiricism.

    But if we examine this objection, we find that it is weaker than the first, because the value of knowledge is independent of the existence of absolute principles and fixed categories. The empirical doctrine, like the fried doctrine, expresses only one aspect of knowledge. (Jahn, Saye) said: “The dominant thing in Descartes’ philosophy is mathematical science, because it is the ideal of science. As for the empiricists, the natural sciences are the ideal, and the inductive method is the necessary condition for every science, (1).

    C - In my opinion, the best criticism of the doctrine of the empiricists is based on discussing this doctrine, not on refuting its results. Yes, the psychologists’ study of the conditions of children and elementary humans has supported the opinion of the empiricists, which includes the invalidation of universal and necessary principles and absolute categories. But this invalidation led the empiricists to consider the mind as one of the permissible and variable phenomena resulting from the influence of external conditions. Perhaps the empiricists were less aware than the rationalists of the real development of the mind. However, the only difference between them is that the mind, according to rationalists, is necessary by an absolute and subjective internal necessity, while according to the empiricists, it is necessary by a temporary, external necessity. We will later show that the development of the mind has a specific direction and special laws. We will also show that the idea of ​​external necessity is based on a hideous error in understanding the reality of thought.

    Capacity of thought.
    Perhaps the most important difference between the experimental doctrine and the rationalist doctrine stems from the difference in their views on how experience affects thought, not from their building knowledge on one of these two matters rather than the other. The symbol of the blank canvas requires that thought be purely receptive, and that its work be limited to recording the impressions that reach it from the outside world, without it having any action on them, as if it were wax where images are imprinted without it changing anything of them. Thus, thought is in empiricism. Pure capability, truth. Brunschwick said in Stuart Mill's empiricism: It aims to deny the effectiveness of thought and its impact on the formation of scientific knowledge. There is no difference between (Mill) and (Spencer) in this matter, because (Spencer) also attributes thought to the accumulation of ancient experiences, one on top of the other, without him having the slightest influence on them.

    This opinion does not agree with the data of psychology, nor with the philosophy of science. The simplest reflex actions indicate that the organic being is characterized by special effectiveness, just as sensation, which is the simplest emotional phenomenon, is not just a simple impression in the soul resulting from the influence of external things. Rather, as we have shown more than once in the study of basic psychological functions, such as memory, perception, and higher mental actions, it is a phenomenon characterized by effectiveness: the soul, therefore, has permanent effectiveness, and knowledge is not a simple mental representation of sensory things, but rather it is a mental action that conforms to the data of experience, and indeed It is, as was said, a reasonable construction of a tangible thing, and this constructional characteristic of knowledge will appear clearly to us in logic when analyzing the methods of scientific thinking. Empiricism therefore neglected the effectiveness of thought and the power of its creation, and perhaps this neglect was the weakest thing in it.

    تعليق

    يعمل...
    X