الحُكْم .. وصف وتحليل
١ - وصف وتحليل
تعريف الحكم . - عرفوا الحكم بقولهم : انه اسناد أمر إلى آخر ايجاباً أو سلباً ، وادراك وقوع النسبه بين أمرين ، أو لا وقوعها . وهذا التعريف ينطبق بخاصة على الحكم المنطقي ، أما الحكم من الوجهة النفسية فقد عرفه ( لالاند) بقوله : إنه قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد ، ويقلبه الى حقيقة . فيمكننا اذن ان ندرس الحكم من الوجهة المنطقية أولاً ، ومن الوجهة النفسية ثانياً .
الحكم من الوجهة المنطقية . - المنطقي يبحث في الحكم كما يجب أن يكون ، لا كما هو في الواقع ، فيبين لنا ما هي شرائط الحكم الصحيح المطابق للحقيقة ، وماهي معادلته ، وكيف يمكن تبديلها . فهو يعنى اذن بالأحكام الكاملة لا بالأحكام الناقصة وينظر في الأحكام الصريحة لا في الأحكام الضمنية ، ويحلل القضية فيجد فيها حدين ، أحدهما الموضوع ، والآخر هو المحمول والرابطة بين هذين الحدين ، اما أن تكون ظاهرة كما في اللغة الفرنسية ، واما أن تكون مقدرة كما في اللغة العربية . مثال ذلك : أنك تقول بالفرنسية Ia neige est blanche ، وتقول بالعربية : الثلج أبيض . فالثلج موضوع ، والأبيض محمول ، والرابطة ) ent ) مقدرة بينهما . وقد تكون الرابطة في وسط الكلام كما في اللغة الفرنسية ، أو في آخره كما في اللغة التركية ، أو الفارسية .
الحكم من الوجهة النفسية . - أما النفسي فإنه يبحث في الحكم كما هو في الواقع ، لا كما
يجب أن يكون ، لأن الحكم ع عنده فعل من أفعال العقل ، ينمو كسائر الأفعال الاخرى من الطفولة الى سن الرشد ، ويخضع لكثير من العوامل ، فقد يكون الحكم صريحاً أي متقدماً على القضية التي تحدد ما يتضمنه من العناصر ، أو يكون غير صريح ، فلا تستطيع التعبير عنه بقضية حملية ، كالحكم الذي يتضمنه قولك : الهوينا ، أو البدار البدار ، أو مهلا ، أو الرحيل الرحيل ، أو حكم الاستاذ على التلميذ بلفظ جيد ، أو حكم الشاري على ثمن سلعة بلفظ باهظ . فليس الحكم في هذه الأمثلة إسناد أمر إلى آخر إيجاباً أو سلباً ، وإنما هو قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد ، أو هو كما قلنا أولاً : إدراك وقوع النسبة بين أمرين ، أو لا وقوعها .
تصنيف الأحكام من الوجهة المنطقية .
- ان معظم الفلاسفة يصنفون الأحكام من الوجهة المنطقية لا من الوجهة النفسية .
١ - التصنيف المنطقي القديم . - تصنيف الأحكام عند المنطقي كتصنيف القضايا فهي تنقسم من حيث الكمية إلى كلمة ، وجزئية ، ومن حيث الكيفية إلى موجبة ، وسالبة فينتج من ذلك أربعة أنواع : ١ - الأحكام الكلية الموجبة ( ك . م ) كما في قولك كل إنسان فان ٢ - الأحكام الكلية السالبة ) ك . س ( كما في قولك ليس ولا واحد من الناس بكامل . ٣ - الأحكام الجزئية الموجبة ( ج . م ) كما في قولك بعض الناس طبيب .
٤ - الأحكام الجزئية السالبة ( ج . س ) كما في قولك ليس بعض الناس طبيباً .
٢ - تصنيف ( كانت ) - تصنيف الأحكام عند ( كانت ) كتصنيف مقولات العقل ، فهو مبني على أربعة مبادىء وهي : الكمية ، والكيفية ، والإضافة ، والجهة .
تنقسم الأحكام من حيث الكمية ( Quantite ) إلى ثلاثة أقسام :
۱ - الكلية ( Universels ) ، وهي الاحكام التي يقع فيها الإسناد على ما صدق الموضوع كله كقولك : كل إنسان فان ، ولا شيء من الكذب بمباح .
٢ - الجزئية ( Particuliers ) ، وهي الاحكام التي يقع فيها الاسناد على جزء من ( ما صدق الموضوع ، كقولك : بعض الناس طبيب ، وليس بعض السوريين متعلماً .
٣ - المخصوصة أو المفردة ( Singliers ) وهي الاحكام التي يكون فيها الموضوع شخصاً مفرداً واحداً بالعدد ، كقولك : سقراط حكيم ، ولا فرق بين هذه الاحكام والاحكام الكلية ، من حيث وقوع الاسناد على ما صدق الموضوع كله .
وتنقسم الاحكام من حيث الكيفية ( Qualite ) إلى ثلاثة أقسام :
1 - الموجبة ( Affirmatifs ) ، كقولنا : الحكيم ( سعيد ) .
٢ - السالبة ( Negatifs ) ، كقولنا : ( المعادن لا تتنفس .
٣ - وغير المعينة ( Indéfinis ) كقولنا ( ليست النفس فانية ) أي أن النفس قد تكون كل شيء ، ولكنها ليست فانية .
وتنقسم الاحكام من حيث الاضافة ( Relation ) إلى ثلاثة أقسام :
١ - الحملية المطلقة ( Categoriques ) وهي التي لا يخضع الاسناد فيها لشرط أو فرض .
٢ - الشرطية المتصلة ( Hypothetiques ، كقولك : إذا كان الجو معتدلاً خرجت .
٣ - الشرطية المنفصلة ( Disionctifs ) ، كقولك : اما أن يأتي ، واما أن لا يأتي .
وتنقسم ا الاحكام بحسب الجهة ( Modalité ) إلى ثلاثة أقسام :
١ - الوجودية أو الخبرية ( Assertoriques ) وهي التي تعبر عن وجود إثبات ، أو نفي دون نظر إلى ضرورة ، أو إمكان ، كقولنا : هذا الشتاء بارد .
۲ - والضرورية ( Apodictiques ) وهي التي تشتمل على ضرورة منطقية ، كقولنا : الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان .
٣ - والممكنة ، أو الاشكالية ( Problematiques ) وهي التي لا تدل على وجوب أو امتناع ، بل تدل على امكان محض ، ومعنى الامكان ان لا يكون الحكم ممتنعاً في نفسه .
الاحكام التركيبية ، والاحكام التحليلية . - وتنقسم الاحكام عند ( كانت ) بوجه آخر من القسمة إلى تحليلية ، وتركيبية . فالتحليلية هي التي يكون المحمول فيها داخلا في مفهوم الموضوع كقولك : الاجسام ممتدة ، ( إن معنى الامتداد داخل في معنى الجسم ) ، فهو يدل على أن المحمول حصل عندنا من تحليل صفات الموضوع ، والتركيبية التي يضم فيها المحمول إلى معنى الموضوع شيئاً جديداً ، كقولك . هذا الجدار أبيض ( إن معنى البياض ليس داخلا في معنى الجدار ) . . ان الاحكام التركيبية مستندة الى التجربة ، ولكن ( كانت ) حاول أن يثبت ، ان بعض هذه الاحكام عقلي متقدم على التجربة ، وسنعود الى بيان ذلك في علم ما بعد الطبيعة .
تصنيف الأحكام من الوجهة النفسية . - قلنا ان العالم النفسي يبحث في الحكم من حيث هو فعل نفسي لا من حيث هو قضية منطقية ، وتنقسم الاحكام عنده الى الانواع التالية :
١ - الاحكام الصريحة والاحكام الضمنية الحكم عند المنطقي قضية ذات حدين ، ورابطة ، أما عند النفسي فقد يكون الحكم صريحاً كما في قولنا : الفاضل سعيد ، أو يكون ضمنياً ، كما في قولنا : الهوينا ، أو قولنا : جيد ، و باهظ . أو يكون صامتا ) Jugement silencieux ) . أما الاحكام الصريحة فهي تستند إلى ملاحظات نفسية ذاتية ، كما في قولي : اني معزين ، وقد تتألف من معان مجردة ، كقولك : الشجاعة فضيلة . وأما الاحكام الصامتة فهي أفعال نفسية لا نعبر عنها بلفظ ، أو قول . مثال ذلك : أصادف حفرة في الطريق فافكر في اجتيازها ، ثم أقفز من فوقها من غير أن أتكلم . ان هذا الفعل مصحوب بحكم صامت ، ولكنه ليس فعلا منعكسا ، لأني عندما رأيت الحفرة قدرت عمقها ، وعرضها ، وطولها ، وقايست بين أبعادها المختلفة فحكمت بأني قادر على اجتيازها . مثال آخر : اني أحسب في لعبة ( البيلاردو ) قوة الدفع ، واعين اتجاهات الحركة من غير أن أتكلم . ان هذه الافعال تشتمل على أحكام صامتة ، لأنها تقتضي مطابقة الفعل للشيء المدرك .
ب ـ الاحكام المستقلة عن التجربة والاحكام المستندة اليها . ـ ان الاحكام الأولى تحليلية ، والثانية تركيبية . مثال ذلك : أني أحكم بأن القطر ضعف الشعاع من غير أن أستند في هذا الحكم الى التجربة ، بل أستنبط ذلك من تعريف القطر نفسه ، ولكني لا أستطيع أن أحكم أن هذا التلميذ مجتهد الا اذا شاهدت أعماله .
ج - أحكام الوجود وأحكام القيم . ان أحكام الوجود تعبر عن النسبة الواقعة بين أمرين ، كما هي في الواقع من غير تقدير ولا تفضيل ، فإذا قلت : كان ثمن ( كيلو ) الخبز في دمشق خلال الحرب العالمية الثانية أربعين قرشاً ، كا حكمك عليه حكم وجود ، ولكنك اذا قلت كان سعر الخبز خلال الحرب العامة الاولى غالياً جداً ، كان حكمك حكم قيمة ، لانك تقدر ثمن الشيء بالنسة الى قيمة مثالية . ( راجع ص - ٣٥ - ٣٦ ) .
بعض الأحكام متقدم على التصور . - قد يتبادر الى الذهن ان تصور المعاني متقدم على الاحكام دائما . الا أننا قد بينا في بحث التجريد ، والتعميم : أن للتصور مفهوماً و شمولاً ( الشمول هو الماصدق ) وان كلا من هذين الأمرين يقتضي جملة من الاحكام . فالحكم عند النفسي أبسط من التصور ، أما عند المنطقي ، فهو أكثر تركيب منه .
الفرق بين الحكم والشعور . - قد يشعر المرء بالشيء من غير أن . يصدر حكماً عليه . ولكن هذا الشعور غامض ، ومبهم . قال رويسن ( ۱ ) : انظر إلى مسافرين في قطار ، انها صامتان ، كل منها يتبع بعينيه المشهد المتحرك الذي يجري أمامه دون انقطاع ، ولكن إذا كان الأول غير شاعر بجمال الطريق ، لانها كه في التأمل ، رأى من غير أن يدرك ، فتنطبع رسوم الأشياء في نفسه على نمط واحد كأنها أحلام لا تخصه . وإذا كان الثاني فناناً ، أو عالماً ، أو محباً للسياحة راقب ، ولاحظ ، وميز في هذا المشهد كثيراً من الصفات ، فيعجب لاتساق الخطوط ، والألوان ، أو ينتبه لأنواع الصخور ، أو يضع خطة لرحلة جديدة ، وإذا كان ميالاً إلى إظهار ما بنفسه من العواطف ، والأفكار ، مرجم عن شعوره بالإشارات ، وأصوات التعجب ، والعبارات ، وقد يميل أيضاً إلى تدوين ذكرياته ، فيكتب في دفتره بعض الخواطر . فالأول يشعر شعوراً غامضاً مبهما ، والثاني يحكم ، ويصور ، فالحكم إذن أول الأحوال الفكرية التي تتلو الإحساس ، وهو ملازم للشعور الواضح ، أي انه موجود في الإدراك ، كما هو موجود في التجريد ، والتعميم .
. مسألتان . العالم النفسي يدرس في الحكم مسألتين : الاولى هي حقيقة الحكم ، والثانية مسألة الاعتقاد . فالمسألة الأولى تبين لنا ما العناصر التي يتألف منها الحكم ، والثانية تبين لنا كيف يحصل لنا الاعتقاد ان وقوع النسبة بين أمرين ، أو لا وقوعها ، صحيح . ولنبحث أولاً في حقيقة الحكم .
١ - وصف وتحليل
تعريف الحكم . - عرفوا الحكم بقولهم : انه اسناد أمر إلى آخر ايجاباً أو سلباً ، وادراك وقوع النسبه بين أمرين ، أو لا وقوعها . وهذا التعريف ينطبق بخاصة على الحكم المنطقي ، أما الحكم من الوجهة النفسية فقد عرفه ( لالاند) بقوله : إنه قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد ، ويقلبه الى حقيقة . فيمكننا اذن ان ندرس الحكم من الوجهة المنطقية أولاً ، ومن الوجهة النفسية ثانياً .
الحكم من الوجهة المنطقية . - المنطقي يبحث في الحكم كما يجب أن يكون ، لا كما هو في الواقع ، فيبين لنا ما هي شرائط الحكم الصحيح المطابق للحقيقة ، وماهي معادلته ، وكيف يمكن تبديلها . فهو يعنى اذن بالأحكام الكاملة لا بالأحكام الناقصة وينظر في الأحكام الصريحة لا في الأحكام الضمنية ، ويحلل القضية فيجد فيها حدين ، أحدهما الموضوع ، والآخر هو المحمول والرابطة بين هذين الحدين ، اما أن تكون ظاهرة كما في اللغة الفرنسية ، واما أن تكون مقدرة كما في اللغة العربية . مثال ذلك : أنك تقول بالفرنسية Ia neige est blanche ، وتقول بالعربية : الثلج أبيض . فالثلج موضوع ، والأبيض محمول ، والرابطة ) ent ) مقدرة بينهما . وقد تكون الرابطة في وسط الكلام كما في اللغة الفرنسية ، أو في آخره كما في اللغة التركية ، أو الفارسية .
الحكم من الوجهة النفسية . - أما النفسي فإنه يبحث في الحكم كما هو في الواقع ، لا كما
يجب أن يكون ، لأن الحكم ع عنده فعل من أفعال العقل ، ينمو كسائر الأفعال الاخرى من الطفولة الى سن الرشد ، ويخضع لكثير من العوامل ، فقد يكون الحكم صريحاً أي متقدماً على القضية التي تحدد ما يتضمنه من العناصر ، أو يكون غير صريح ، فلا تستطيع التعبير عنه بقضية حملية ، كالحكم الذي يتضمنه قولك : الهوينا ، أو البدار البدار ، أو مهلا ، أو الرحيل الرحيل ، أو حكم الاستاذ على التلميذ بلفظ جيد ، أو حكم الشاري على ثمن سلعة بلفظ باهظ . فليس الحكم في هذه الأمثلة إسناد أمر إلى آخر إيجاباً أو سلباً ، وإنما هو قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد ، أو هو كما قلنا أولاً : إدراك وقوع النسبة بين أمرين ، أو لا وقوعها .
تصنيف الأحكام من الوجهة المنطقية .
- ان معظم الفلاسفة يصنفون الأحكام من الوجهة المنطقية لا من الوجهة النفسية .
١ - التصنيف المنطقي القديم . - تصنيف الأحكام عند المنطقي كتصنيف القضايا فهي تنقسم من حيث الكمية إلى كلمة ، وجزئية ، ومن حيث الكيفية إلى موجبة ، وسالبة فينتج من ذلك أربعة أنواع : ١ - الأحكام الكلية الموجبة ( ك . م ) كما في قولك كل إنسان فان ٢ - الأحكام الكلية السالبة ) ك . س ( كما في قولك ليس ولا واحد من الناس بكامل . ٣ - الأحكام الجزئية الموجبة ( ج . م ) كما في قولك بعض الناس طبيب .
٤ - الأحكام الجزئية السالبة ( ج . س ) كما في قولك ليس بعض الناس طبيباً .
٢ - تصنيف ( كانت ) - تصنيف الأحكام عند ( كانت ) كتصنيف مقولات العقل ، فهو مبني على أربعة مبادىء وهي : الكمية ، والكيفية ، والإضافة ، والجهة .
تنقسم الأحكام من حيث الكمية ( Quantite ) إلى ثلاثة أقسام :
۱ - الكلية ( Universels ) ، وهي الاحكام التي يقع فيها الإسناد على ما صدق الموضوع كله كقولك : كل إنسان فان ، ولا شيء من الكذب بمباح .
٢ - الجزئية ( Particuliers ) ، وهي الاحكام التي يقع فيها الاسناد على جزء من ( ما صدق الموضوع ، كقولك : بعض الناس طبيب ، وليس بعض السوريين متعلماً .
٣ - المخصوصة أو المفردة ( Singliers ) وهي الاحكام التي يكون فيها الموضوع شخصاً مفرداً واحداً بالعدد ، كقولك : سقراط حكيم ، ولا فرق بين هذه الاحكام والاحكام الكلية ، من حيث وقوع الاسناد على ما صدق الموضوع كله .
وتنقسم الاحكام من حيث الكيفية ( Qualite ) إلى ثلاثة أقسام :
1 - الموجبة ( Affirmatifs ) ، كقولنا : الحكيم ( سعيد ) .
٢ - السالبة ( Negatifs ) ، كقولنا : ( المعادن لا تتنفس .
٣ - وغير المعينة ( Indéfinis ) كقولنا ( ليست النفس فانية ) أي أن النفس قد تكون كل شيء ، ولكنها ليست فانية .
وتنقسم الاحكام من حيث الاضافة ( Relation ) إلى ثلاثة أقسام :
١ - الحملية المطلقة ( Categoriques ) وهي التي لا يخضع الاسناد فيها لشرط أو فرض .
٢ - الشرطية المتصلة ( Hypothetiques ، كقولك : إذا كان الجو معتدلاً خرجت .
٣ - الشرطية المنفصلة ( Disionctifs ) ، كقولك : اما أن يأتي ، واما أن لا يأتي .
وتنقسم ا الاحكام بحسب الجهة ( Modalité ) إلى ثلاثة أقسام :
١ - الوجودية أو الخبرية ( Assertoriques ) وهي التي تعبر عن وجود إثبات ، أو نفي دون نظر إلى ضرورة ، أو إمكان ، كقولنا : هذا الشتاء بارد .
۲ - والضرورية ( Apodictiques ) وهي التي تشتمل على ضرورة منطقية ، كقولنا : الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان .
٣ - والممكنة ، أو الاشكالية ( Problematiques ) وهي التي لا تدل على وجوب أو امتناع ، بل تدل على امكان محض ، ومعنى الامكان ان لا يكون الحكم ممتنعاً في نفسه .
الاحكام التركيبية ، والاحكام التحليلية . - وتنقسم الاحكام عند ( كانت ) بوجه آخر من القسمة إلى تحليلية ، وتركيبية . فالتحليلية هي التي يكون المحمول فيها داخلا في مفهوم الموضوع كقولك : الاجسام ممتدة ، ( إن معنى الامتداد داخل في معنى الجسم ) ، فهو يدل على أن المحمول حصل عندنا من تحليل صفات الموضوع ، والتركيبية التي يضم فيها المحمول إلى معنى الموضوع شيئاً جديداً ، كقولك . هذا الجدار أبيض ( إن معنى البياض ليس داخلا في معنى الجدار ) . . ان الاحكام التركيبية مستندة الى التجربة ، ولكن ( كانت ) حاول أن يثبت ، ان بعض هذه الاحكام عقلي متقدم على التجربة ، وسنعود الى بيان ذلك في علم ما بعد الطبيعة .
تصنيف الأحكام من الوجهة النفسية . - قلنا ان العالم النفسي يبحث في الحكم من حيث هو فعل نفسي لا من حيث هو قضية منطقية ، وتنقسم الاحكام عنده الى الانواع التالية :
١ - الاحكام الصريحة والاحكام الضمنية الحكم عند المنطقي قضية ذات حدين ، ورابطة ، أما عند النفسي فقد يكون الحكم صريحاً كما في قولنا : الفاضل سعيد ، أو يكون ضمنياً ، كما في قولنا : الهوينا ، أو قولنا : جيد ، و باهظ . أو يكون صامتا ) Jugement silencieux ) . أما الاحكام الصريحة فهي تستند إلى ملاحظات نفسية ذاتية ، كما في قولي : اني معزين ، وقد تتألف من معان مجردة ، كقولك : الشجاعة فضيلة . وأما الاحكام الصامتة فهي أفعال نفسية لا نعبر عنها بلفظ ، أو قول . مثال ذلك : أصادف حفرة في الطريق فافكر في اجتيازها ، ثم أقفز من فوقها من غير أن أتكلم . ان هذا الفعل مصحوب بحكم صامت ، ولكنه ليس فعلا منعكسا ، لأني عندما رأيت الحفرة قدرت عمقها ، وعرضها ، وطولها ، وقايست بين أبعادها المختلفة فحكمت بأني قادر على اجتيازها . مثال آخر : اني أحسب في لعبة ( البيلاردو ) قوة الدفع ، واعين اتجاهات الحركة من غير أن أتكلم . ان هذه الافعال تشتمل على أحكام صامتة ، لأنها تقتضي مطابقة الفعل للشيء المدرك .
ب ـ الاحكام المستقلة عن التجربة والاحكام المستندة اليها . ـ ان الاحكام الأولى تحليلية ، والثانية تركيبية . مثال ذلك : أني أحكم بأن القطر ضعف الشعاع من غير أن أستند في هذا الحكم الى التجربة ، بل أستنبط ذلك من تعريف القطر نفسه ، ولكني لا أستطيع أن أحكم أن هذا التلميذ مجتهد الا اذا شاهدت أعماله .
ج - أحكام الوجود وأحكام القيم . ان أحكام الوجود تعبر عن النسبة الواقعة بين أمرين ، كما هي في الواقع من غير تقدير ولا تفضيل ، فإذا قلت : كان ثمن ( كيلو ) الخبز في دمشق خلال الحرب العالمية الثانية أربعين قرشاً ، كا حكمك عليه حكم وجود ، ولكنك اذا قلت كان سعر الخبز خلال الحرب العامة الاولى غالياً جداً ، كان حكمك حكم قيمة ، لانك تقدر ثمن الشيء بالنسة الى قيمة مثالية . ( راجع ص - ٣٥ - ٣٦ ) .
بعض الأحكام متقدم على التصور . - قد يتبادر الى الذهن ان تصور المعاني متقدم على الاحكام دائما . الا أننا قد بينا في بحث التجريد ، والتعميم : أن للتصور مفهوماً و شمولاً ( الشمول هو الماصدق ) وان كلا من هذين الأمرين يقتضي جملة من الاحكام . فالحكم عند النفسي أبسط من التصور ، أما عند المنطقي ، فهو أكثر تركيب منه .
الفرق بين الحكم والشعور . - قد يشعر المرء بالشيء من غير أن . يصدر حكماً عليه . ولكن هذا الشعور غامض ، ومبهم . قال رويسن ( ۱ ) : انظر إلى مسافرين في قطار ، انها صامتان ، كل منها يتبع بعينيه المشهد المتحرك الذي يجري أمامه دون انقطاع ، ولكن إذا كان الأول غير شاعر بجمال الطريق ، لانها كه في التأمل ، رأى من غير أن يدرك ، فتنطبع رسوم الأشياء في نفسه على نمط واحد كأنها أحلام لا تخصه . وإذا كان الثاني فناناً ، أو عالماً ، أو محباً للسياحة راقب ، ولاحظ ، وميز في هذا المشهد كثيراً من الصفات ، فيعجب لاتساق الخطوط ، والألوان ، أو ينتبه لأنواع الصخور ، أو يضع خطة لرحلة جديدة ، وإذا كان ميالاً إلى إظهار ما بنفسه من العواطف ، والأفكار ، مرجم عن شعوره بالإشارات ، وأصوات التعجب ، والعبارات ، وقد يميل أيضاً إلى تدوين ذكرياته ، فيكتب في دفتره بعض الخواطر . فالأول يشعر شعوراً غامضاً مبهما ، والثاني يحكم ، ويصور ، فالحكم إذن أول الأحوال الفكرية التي تتلو الإحساس ، وهو ملازم للشعور الواضح ، أي انه موجود في الإدراك ، كما هو موجود في التجريد ، والتعميم .
. مسألتان . العالم النفسي يدرس في الحكم مسألتين : الاولى هي حقيقة الحكم ، والثانية مسألة الاعتقاد . فالمسألة الأولى تبين لنا ما العناصر التي يتألف منها الحكم ، والثانية تبين لنا كيف يحصل لنا الاعتقاد ان وقوع النسبة بين أمرين ، أو لا وقوعها ، صحيح . ولنبحث أولاً في حقيقة الحكم .
تعليق