شريف الشافعي كاتب وصحافي
الأربعاء 24 يناير 2024 16:02
لوحة للرسامة الفلسطينية مايسا يوسف (صفحة الرسامة - فيسبوك)
الفلسطينية نيروز قرموط تتحدى الحصار بحكايا النساء
متوالية قصصية تدعو إلى التحرر واكتشاف الذات وتقرير المصير
تقترح الكاتبة الفلسطينية نيروز قرموط في كتابها الجديد "عبور" (دار "ميريت"، القاهرة) قاموساً عامراً بالدلالات التي ينطوي عليها هذا "العبور" المادي والمعنوي، الذي تبشر به. وفي وقت تبدو فيه الاحتمالات كلها منغلقة ومستعصية في مجتمع غزة، ما عدا احتمال الجرح الفلسطيني النازف دائماً، فإنها في متواليتها القصصية المتدفقة (250 صفحة) تبعث رسائل التفتح والتحقق والتمرد والانفلات، وإدراك التحرر الفردي والجماعي والوطني، على كافة المستويات.
من خلال ثلاث نوفيلات، هي "كيف تستعيد النساء أجسادهن بعد الحرب"، و"النرد"، و"ألفريدو روج"، تنسف نيروز قرموط، الحاصلة على جائزة القلم البريطاني "English Pen"، كل أشكال الحصار في قطاع غزة، الخاضع لسياسة الأمر الواقع، التي لا يتوانى الاحتلال الإسرائيلي عن فرضها بواسطة القوة وتنفيذ الحلول الأحادية.
وتتخلص نيروز، ابنة مخيم اليرموك للاجئين في سوريا عام 1984، من ميراث الحروب والصراعات والدمار والشتات المراد له أن يكون محنة فلسطينية ثابتة لا يمكن تجاوزها أبداً، لتصوغ ملحمتها من نسيج عضوي مغاير، مشحون بالإرادة المتنامية والقدرة على لملمة الحياة من ركام الرماد "كانت الحرب من أجل بيع الأسلحة، وكان الرقص من أجل تعليب الحزن في فرح جديد".
عابرون وعابرات
المتوالية القصصية الفلسطينية (دار ميريت)
أكثر من "عبور" تدعيه صاحبة "عباءة البحر وقصص الجديلة"، التي عادت مع أسرتها إلى قطاع غزة عام 1994 إثر اتفاقات أوسلو، في متواليتها القصصية التي تبدو بحد ذاتها "عابرة" للأجناس الأدبية، وذلك بمزجها بين السرد الشفيف والتوثيق التاريخي واللغة الشعرية والاستعارية والحالات الصوفية، في تركيبة واقعية وتخييلية ورمزية وسوريالية لا تتيح نفسها للقارئ بسهولة ومجانية، خصوصاً مع تقنيات التتبع السريع للمشاهد وللشخوص، والتنقل الفجائي بين الأمكنة، واللعب المتواصل بالأزمنة غير المنتظمة في تراتبيتها.
وفي تلك المعالجة التعبيرية والفنية المتطورة وغير النسقية انسجام واضح مع مضمون المتتالية الجريء، وأفكارها الرامية إلى خلخلة الوضعيات السائدة، وبث القيم الثورية، والإبداعية أيضاً، في جسد القضية الفلسطينية وروحها، وفي ضمير الشعب وأبجدياته وآلياته النضالية، بما يحقق التطلعات المستقبلية في شأن بلورة الهوية وتقرير المصير.
تتوالد وجوه "العبور"، وتشتبك مع بعضها بعضاً، على امتداد المتوالية القصصية بنوفيلاتها الثلاث. فمن نساء يعبرن الخوف والظلم ليقدرن على امتلاك أجسادهن والتخلص من قيودهن، إلى رجال يعبرون إحباطاتهم النفسية وانكساراتهم الداخلية التي تمنعهم من مواجهة الضغوط والأعداء في الوقت نفسه. ومن اجتياز المعابر صوب مصر إلى صحراء سيناء ونهر النيل للتزود بالدعم المادي والشحذ المعنوي والإمساك بالخوارق الفانتازية والأسطورية، إلى العبور الفلسطيني الكامل من الاحتلال بالمعنى المباشر، والعبور الإنساني العام من مأساة الوجود في عالم يدعي الحضارية والمدنية، بينما يفتقر حتى الإنسانية.
تعليق