إبراهيم العريس باحث وكاتب
الثلاثاء 23 يناير 2024 م
فرنسيس بيكون (1909 – 1992) (أ ف ب)
بيكون رسام صنعته نساء بيكاسو ومذابح الأبرياء ولحوم متاجر "هارودز"
واحد من 3 أعادوا الاعتبار إلى الفن الإنجليزي في القرن الـ20
يقيناً أن أحداً لم يكن من شأنه أن يبالي بذلك الشاب الأنيق الخارج لتوه من المراهقة وهو يقف كل يوم تقريباً في فرع بيع اللحوم في متاجر هارودز اللندنية متأملاً المشهد من حوله بصمت ودهشة وهو الذي لم يكن ليبالي بدوره على أي حال بشيء آخر مما حوله، غير منظر قطع اللحم المعلقة برسم البيع مفتتناً بالبائعين وقدرتهم اللافتة على تقطيع اللحوم. لسوف يقول ذلك الفتى بعد نصف قرن من ذلك، إن اهتمامه بمنظر اللحوم لم يبدأ إلا بعدما اكتشف لوحة للرسام الروسي الأصل سوتين تمثل المشهد نفسه، ليكتشف بعد ذلك بحين أن سوتين نفسه إنما رسم لوحته على سبيل محاكاة مشهد مشابه رسمه الهولندي الكبير رمبراندت قبل مئات السنين. في تلك الحالات الثلاث لم يتوصل ذلك الشاب إلى إدراك سر افتتانه هو نفسه بمنظر اللحوم المقطعة لكنه سيفترض أن للمسألة بعداً فلسفياً استوقفه ليدرك لاحقاً أن ذلك البعد الفلسفي يرتبط بـ"كوننا جميعاً مصنوعين من لحم ودم"، بيد أن ذلك الاستنتاج أتى كما سيقول بنفسه متأخراً جداً "مثل حال كل شيء صنعته في حياتي". فحين كان الفتى يتأمل منظر اللحوم في متاجر هارودز لم يكن ليخطر في باله أنه سيصبح رساماً بالفعل ذات يوم وسيكون منظر اللحوم واحداً من مواضيعه الأثيرة.
تعليق