كتاب"ثورة البهائم" للكاتب الروسي الأوكراني: نيكولاي كوستوماروف- ترجمة: ضيف الله مراد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب"ثورة البهائم" للكاتب الروسي الأوكراني: نيكولاي كوستوماروف- ترجمة: ضيف الله مراد



    أنطوان أبو زيد
    الثلاثاء 23 يناير 2024 16:39


    الروائي البريطاني جورج أورويل (مؤسسة أورويل)
    هل اقتبس أورويل "مزرعة الحيوانات" من "ثورة البهائم" الروسية؟
    ترجمة عربية لرواية نيكولاي كوستوماروف التي كتبها قبل 100 عام

    من قال إن الأدب الرمزي أقل حضوراً من الأدب الواقعي، رواية وقصة وأدب رحلة وسيرة، وغيرها؟ للإجابة نقول إن للحكايات الخرافية حضوراً مؤثراً في تكوين الشخصية الثقافية للإنسان في الشرق، وفي سائر الأمم القديمة، منذ بداية التاريخ الأدبي، مع الأدب الأسطوري في بلاد ما بين النهرين، وبروز الأدب الحكمي المشرقي في سائر الحضارات البابلية والأشورية وغيرها، وتأثر الحكم التوراتية به، وظهور أحيقار الآرامي، وكليلة ودمنة العربي، والأمثال والحكم في التراث العربي سرداً وشعراً، امتداداً إلى إيزوب، وسقراط، وفيدر، وصولاً إلى لافونتين، وانتهاء بالأدب السردي الرمزي الحديث والمعاصر، في القرن الـ20 والواحد والـ20. ولا نضيف جديداً إن قلنا إن لهذا الأدب الرمزي تأثيراً في الحراك الاجتماعي والسياسي لدى تلقيه من الحاضنة الثقافية، وفق ما نرى لاحقاً.

    الكتاب الصادر حديثاً (2023) عن محترف أوكسجين للنشر، بعنوان "ثورة البهائم" للكاتب الروسي - الأوكراني نيكولاي كوستوماروف (1817- 1885)، ترجمه إلى العربية عن الروسية الكاتب السوري ضيف الله مراد (1949)، وكتب له مقدمة طويلة وشاملة الروائي السوري زياد عبدالله، وتطرق فيها إلى الخصائص التي تجمع بين الروايتين، وكذلك وجوه الشبه والاختلاف بينهما. ووضع رسوم الكتاب الداخلية الفنان التشكيلي السوري محمود ديوب. يندرج الكتاب في باب السرد الخرافي الرمزي الحديث.

  • #2
    بين كوستوماروف وأورويل:

    الرواية الروسية بالترجمة العربية (محترف أوكسيجين)

    لم يتنبه النقاد لمكانة كوستوماروف الأدبية- وهو المؤرخ الشهير في زمنه ذي الإسهامات الكبرى في دراسة الميثولوجيا السلافية والسير التاريخية والفولكلور الأوكراني وأحد مؤسسي الحركة الثورية "نارودنيكي" الداعية إلى الشيوعية الزراعية وغيرها- إلا بعد ما اكتشفت قصته الخرافية الطويلة (النوفيلا) بعنوان "ثورة البهائم" عام 1991، وكانت قد صدرت قبيل موت كاتبها (1884)، وترجمت إلى لغات قليلة، وأجرى ماكسيم غوركي دراسة عنها ترجمت إلى لغات أوروبية عديدة، ولقيت رواجاً بين أوساط المثقفين الأوروبيين، أوائل القرن الـ20.

    والحالة هذه فإن نوفيلا "ثورة البهائم" لكوستوماروف، سبقت "مزرعة الحيوانات" لكاتبها جورج أورويل بأكثر من 60 عاماً (1945). على أن قراءة العملين، للكاتبين، والمقارنة بينهما، تبين أن الثاني (أورويل) اقتبس عديداً من مضامين "ثورة البهائم" لكوستوماروف، من دون أن يذكر مصدر اقتباسه، أو يشير إلى الكاتب، مع أنه قرأ لماكسيم غوركي الدراسة التي تأتي على أهم مفاصل النوفيلا المقصودة، وأهم تلك المقتبسات، الحبكة الكبرى، وهي اتفاق الحيوانات، في إحدى المزارع التابعة لقصر الإقطاعي، على القيام بثورة على الإنسان (ضد كل من يمشي على قدمين، لدى أورويل) الذي يستغل جهود الحيوانات الأليفة. وفيما ترفع الحيوانات، في الأولى، شعار "روسيا لروسيا"، ترفع الحيوانات لدى أورويل شعار "إنجلترا/ لإنجلترا". كما يتولى في كلتا القصتين الطويلتين، شخص أو كائن يخاطب الحيوانات، داعياً إياها إلى الثورة، ففي الأولى يتولى شخص بشري يدعى أوميلكو، "وهو يعيش وسط المواشي منذ نعومة أظفاره" (ص:26)، و"أجاد لغة الحيوانات".

    رواية جورج أورويل (دار الساقي)

    تعليق


    • #3
      وفي الثانية يتولى "الغراب" موسى مهمة النطق بلسان الحيوانات وتحريضها على الثورة ضد الإنسان، وتبيان الجرائم التي يقترفها الأخير في حقها، نهباً لخيراتها، ونتاج أعمالها، وذبحاً لها، والتنعم بلحمها وبيضها، ولبنها، وبالرخاء الناجم عن الثروات التي لهم الفضل الأول فيها، ثم إن الحبكة العامة في الصيغتين تنحو في الخط نفسه، لئن تستجيب الحيوانات لتحريض شخص أو حيوان، من خارج اصطفافاتها، وتمضي إلى الثورة على الإنسان، والهجوم على "قصر الإقطاع" (كوستوماروف)، و"القصر" (أورويل)، فإنها تصطدم، في آخر المطاف، بعوامل الخيانة (الكلاب) والفزع (الخراف والماعز)، والسلطة (الخيول، والثيران). ولا تنفع معها نخوة الخنازير التي شكلت طليعة التخريب لقصر الإقطاع (لدى كوستوماروف)، ومثله الخنزير نابليون قائداً للحملة على الإنسان (لدى أورويل)، إذ تؤول الأمور إلى فشل الثورة للعوامل التي أشرنا إليها، وبسبب الاقتتال ما بين فصائلها.

      أما أهم النقاط التي تختلف فيها صيغة أورويل (مزرعة الحيوانات) فهي، اتساع المعالجة لدى الأخير بحيث شملت 14 فصلاً، بحدود 140 صفحة، في حين تكونت صيغة كوستوماروف من فصل واحد، ولا تتعدى صفحاتها الـ70. ضف إلى ذلك أن أورويل يستفيض في التفاصيل، واختلاق أسماء الشخصيات وغيرها مما يعد من أوليات العمل الروائي التي يتقنها. فضلاً عن ذلك، يعمد أورويل إلى مزيد من درس للشخصيات وتركيب خطاب لها يكاد يعادل الخطاب السياسي في الواقع، من مثل الوصايا السبع، ومناقشة القرارات، وتوزيع المهام بين فصائل الحيوان، وإعلان الثورة في كل قطاع، بما يسمح بإنجاح الثورة وإبعاد الإنسان عن مراكز القرار والسلطة.

      الروائي الروسي نيكولاي كوستاموروف (موقع الكتّاب الروس)

      وفي المقابل، يكتفي كوستاماروف بمقاربة البعد البشري لدى الشخصيات الحيوانية بقدر كبير من الحذر، فلا يجعل الحيوانات تتكلم كلام البشر، وإنما يحصر عملية التواصل في ما بينها بشخص واحد هو أوميلكو الذي "أجاد لغة الحيوانات"، وكان يعرف كيف يحث الأخيرة على التجمع، ليلقي على مسامعها خطاباً طويلاً، مترجماً إلى لغتها، ومنسجماً مع طبيعتها الحيوانية، وواقع وظائفها في المجتمع الريفي، يدعوها فيه إلى الثورة، وتحقيق "المساواة والحرية والاستقلال"، بعد أن يعرض المظالم التاريخية التي بات كل فصيل حيواني عرضة لها من قبل الإنسان، قائلاً:

      "أيها الأخوة الثيران، أيتها الأخوات والزوجات البقرات! أيتها البهائم المحترمة والجديرة بمصير أفضل من ذاك الذي تتحملونه بحكم القدر الذي جعلكم عبيداً للإنسان المستبد! لقد قام الطاغية المتوحش، مستفيداً من تفوق عقله على عقلنا، باستعبادنا، نحن ضعفاء العقول، وأوصلنا إلى الدرجة التي فقدنا فيها كرامة الكائنات الحية..."(ص: 36-48)

      تعليق


      • #4
        رمزية "ثورة البهائم"

        لا جدال في أن كلا الكاتبين، كوستوماروف وأورويل، ألف حكايته الخرافية الرمزية لغاية خاصة، فبينما صاغها كوستوماروف تحت وطأة الاضطرابات الفلاحية الحاصلة في روسيا الصغرى (أوكرانيا)، وتبياناً ليقينه بعدم نجاح أي ثورة فلاحية، في ظل الفساد الأخلاقي العميم، بحسب ما تفصل فيه الشيوعية الفلاحية والنزعة السلافية (استقلال أوكرانيا عن روسيا) اللتين كان الكاتب أحد دعاتهما، مع آخرين، أواخر القرن الـ19، وتعرض للسجن والنفي لأجلهما عام 1840. أما المضمون الرمزي للحكاية فهو التنديد بالظلم الحاصل على الفلاحين الروس (والأوكرانيين)، من قبل ملاكي الأراضي (الإقطاع) الكبار، وهذا أمر ميسر لأي قارئ متوسط الثقافة، ما دامت اللغة التي صيغت بها الحكاية الخرافية، بسيطة، وأليفة، ومتناسبة مع أفهامه، وقدرته على التأويل واستخلاص العبرة.
        أما المضامين الرمزية التي قصد إليها الكاتب جورج أورويل من "مزرعة الحيوان" فتتركز بالدرجة الأولى على التنديد بالديكتاتورية على الطريقة الستالينية، التي عانى كثير من مظالمها و"مبالغاتها" منذ أن كان مراسلاً حربياً في خلال الحرب الأهلية الإسبانية، إلى جانب الديمقراطيين والاشتراكيين، في قتالهم قوات فرانكو. فمن ينظر بصورة إجمالية إلى نوفيلا "مزرعة الحيوان"، ويتفحص خطاب الشخصيات، لا سيما كلام الغراب موسى، يجد تركيزاً على انتقاد المعدات الحزبية والتراتبيات والحقوق، وعدم اعتبار القيم في العلاقات ما بين الحيوانات، في نوع من التمثيل الرمزي للعلاقات داخل الأحزاب ذات التوجه التوتاليتاري.

        ولئن ادعى البعض، في الغرب، بانخراط أورويل في معارك دعائية مضادة للاتحاد السوفياتي، ولصالح الغرب الرأسمالي، فإن تاريخه النضالي الطويل مناصراً للاشتراكية في أوروبا وفي إنجلترا بصورة خاصة، وسعيه إلى إحقاق تطلعاته التقدمية في مجتمعه، يشهدان لصدقيته، وإخلاصه للرؤية المثالية التي تشربها فتى، وضحى في سبيلها شاباً.

        أعمال كوستوماروفيعد كوستوماروف أحد أهم الكتاب والمفكرين الروس ذوي الميول السلافية (الأوكرانية)، وكان مؤرخاً وكاتباً للسير، في 13 مجلداً، ومؤلفاً أبحاثاً منها: كتاب تكوين الشعب الأوكراني، وانتفاضة ستانزا رازين، والتجارة في الدولة الموسكوبية ما بين القرنين الـ16 والـ17، وبوغدان خماليتسكي، إلى جانب روايته اليتيمة "الابن".

        تعليق

        يعمل...
        X