نشوء اللغة .. الإشارات والرموز واللغة
نشوء اللغة
۱ - تنشأ بعض ألفاظ اللغة أولاً عن تقليد أصوات النداء . ان أكثر اللغات يحتوي على أحرف نداء مثل ( يا ) و ( آ ) و ( أي ) و ( ايا ) و ( هيا ) ، وهي مشابهة لأصوات الانسان الطبيعية مشابهة تامة .
۲ - وتنشأ بعض ا الألفاظ أيضاً عن تقليد أصوات الطبيعة ، مثال ذلك : ان الرعد في اللغة اليونانية يسمى ( فروندي ( وفي اللاتينية ( طونيطرو Tonitru ) وفي الفرنسية ( طونير Tonnerre ) وفي الألمانية ( دونر Donner ) ، وهي كلها تقليد لصوت الرعد الطبيعي . وأطفال جميع الامم يشيرون إلى الكلب بتقليد نباحه ، وإلى الهر بتقليد موائه ، ويطلق على هذه الألفاظ التقليدية اسم ( او نوماطوبه onomatopée )
واللغة العربية غنية بهذه الألفاظ التقليدية ، تقول : خرير الماء ، وحفيف الأغصان ، ونقيق الضفادع ، وصهيل الخيل . الخ .. وهي كلها مشابهة للأصوات الطبيعية . كمشابهة أفعال كسر ، وقطع ، وطن ، ودق ، ومزق ، للأصوات الدالة عليها .
ثم إن للماثلة تأثيراً في تكوين الألفاظ ، لأن تقليد أصوات النداء ، وأصوات الطبيعة لا يكفي لتوليد الألفاظ كلها ، الفكر يوسع معاني الأصوات بإطلاقها على الأشياء المتشابهة . ومهما تكن الأشياء بعيدة ومتباينة ، فإن الفكر يكشف عن شيء من التشابه بينها . ذكر ( داروين ( ان أحد الأطفال رأى بطة تسبح على سطح غدير فأطلق عليها كلمة ( كواك Quack ) باللغة الانكليزية ، ثم وسع معنى هذه الكلمة ، فأطلقها على الغدير كله ، ثم أطلقها أيضاً بالتداعي على غير ذلك من مجاري المياه ، وأنواع الطير ، التي لا عهد له بها من قبل ، وأطلقها أيضاً على نسر ( نابليون ) الذي رأى صورته على قطعة نقود فرنسية ، وهذا يدل على أن إدراك التشابه يسوق الفكر إلى تعميم مدلول اللفظ ، ونقله من شيء إلى آخر .
المماثلات كثيرة في الطبيعة ، فقد تكون بين الاشياء المحسوسة ، أو تكون بين الصور المجردة ، أو تكون بين الاشياء المحسوسة والصور المجردة معاً ، وهذا يجعل للكلمة الواحدة عدة معان ، ويوضح كيفية اشتقاق الالفاظ بعضها من بعض ، مثال ذلك : أن كلمة ( Coq ) باللغة الفرنسية تقليد لصوت الديك الطبيعي ، فاشتق الفكر منها كلمات , Coquetterie , Coquet , Cocarde وهي كلها تدل على معان مختلفة Coquelicot بينها تشابه بسيط لا يخفى على الناظر .
وكلمة ( هدهد ) في اللغة العربية تدل على طائر ذي خطوط وألوان كثيرة ، وهي تقليد لصوته الطبيعي ، فاشتق الفكر منها : هدهد البعير ، هدر ، و هدهدت الصيامه أي حركته لينام ويهدهد إلى كذا ، أي يخيل إلي " كذا ، وتقول في مثل ذلك : قاقت الدجاجة صوتت كذلك تقليداً لصوته ، وكذلك الزاغ ، والزرزور ، والغاق ، والقاق طائر مائي ، سمي والزيز ، وغيرها .
اختراع المصطلحات
- ثم إنا نخترع بعض الالفاظ للدلالة على المعاني الجديدة في من العلم ، والادب ، والصناعة ، والتجارة . ان المعاني الجديدة تحتاج إلى ألفاظ جديدة ، ويتم هذا الاختراع بإحياء بعض الالفاظ القديمة ، أو باقتباس ا الالفاظ اللغات الاجنبية . كاقتباس اللغات الفرنسية ، والالمانية ، والانكليزية ، وغيرها من اللغتين اللاتينية ، واليونانية و اقتباس اللغة التركية من اللغتين العربية ، والفارسية ، أو يتم باختراع بعض الالفاظ الجديدة على النحو الذي يتم به اختراع الرموز الجبرية ، والكيماوية وغيرها . وأوضح هذه الالفاظ ما دل على المعاني المجردة البسيطة . وكثيراً ما يؤدي انتقال اللفظ من لغة إلى اخرى إلى تغيير بعض حروفه ، فالعرب قلبوا حرف الـ ( ) في ترجماتهم إلى ( ف ) والانكليز لا يستطيعون أن يلفظوا حرف الـ ( U ) كما يلفظه الفرنسيون ، كما أن الفرنسيين عاجزون عن لفظ حروف الحاء والخاء والعين والضاد .
الاسباب الباعثة على سرعة تطور اللغة أو بطئه . - تتبدل الاشارات والالفاظ الطبيعية عند الانسان الابتدائي تبدلاً سريعاً . حتى ان الطفل ليغير ألفاظه ولهجته بانتقاله من بلد إلى آخر ، فإذا غاب والده وبات عند جده سنة أو سنتين لا يخالط أحداً ، ألف لغة خاصة لا يفهمها والداه ، وكثيراً ما يخترع الالفاظ في ألعابه من غير أن يعلمه إياها أحد . كل ذلك يدلى على ميل قوي إلى التجديد ، إلا أن هناك أسبابا تؤخر هذا التطور : منها الميل إلى التقليد ، والحاجة إلى التفاهم ، والرغبة في المحافظة على القديم . إن كان الناس لا يتفاهمون إلا باللغة ، فكيف يبلغون الافهام إذا كانت الالفاظ في تبدل مستمر ، وكان لكل رجل إشارة خاصة به لا يفهمها غيره . ان الكتابة أيضا تثبت الالفاظ وتحدد معانيها ، واعني ( بالكتابة ) الكتابة الصوتية والابجدية ، لا تصوير المعاني . ورسمها بأشكال حسية لا غير .
و مما يعين على تثبيت الالفاظ : المؤلفات الادبية ، والعلمية ، لأن الاساليب الكتابية نماذج يقلدها المتعلمون . كما أن في العلم حدوداً وتعريفات تؤدي إلى تثبيت معنى اللفظ
وتبيين مدلوله ، وقد جمعت هذه الحدود وتعريفاتها في مختلف اللغات ، فتألف من جمعها لغات قومية ، ومعاجم لغوية ثابتة لا تتغير ألفاظها بتغير الاهواء ، بل بقانون ، وميزان ، وعلم ، وقياس .
النتيجة
- و قصارى القول أن للغة أسباباً طبيعية واجتماعية معاً .
الأسبات الطبيعية . - ان للحركات الفعلية ، والقوى الانفعالية ، والأفعال المنعكسة الشرطية تأثيراً في تولد الإشارات ، وقد بينا في مبحث الهيجان أن ظواهر الهيجان المنظمة إشارات طبيعية يعبر بها الحيوان عن حاجاته ( ص ) ( ۲۳۹ ) ، فاللفظ يتولد من الصراخ الطبيعي ، ولغة الإشارات تسبق لغة الألفاظ ، ولا معنى للإشارة إلا إذا استعملها صاحبها عن علم بالعلاقة التي تربطها بالشيء المشار اليه : فمن الضروري إذن أن تتجرد الإشارة عن الشيء ، وأن تستقل عنه ، وإن كانت في هذا الدور الانفعالي ملازمة له .
الأسباب الاجتماعية . - ان الحياة الاجتماعية تقلب الأصوات الطبيعية والحركات الجسدية إلى إشارات حقيقية ، وتجعلها آلة صالحة لتبادل الأفكار . قال ( فندریس M. Vendres ) : لقد تولدت اللغة في المجتمع من شعور الناس بحاجاتهم إلى تبادل الأفكار ، فاستعملوا الإشارة عند فقدان اللفظ ، والطرف بالعين ، والايماء بالحاجب ، عند فقدان الإشارة .
فالهيئة الاجتماعية تؤثر إذن في اللغة الطبيعية ، وتبدل ظواهر الهيجان ، فتجعل بعضها اصطلاحية ، أو صناعية . انظر إلى الرسوم ، والذكريات ، والعادات والطقوس ، والقواعد التي أقرها المجتمع ، انها لغة رمزية مضافة إلى اللغة الطبيعية ، حق لقد قال أحد علماء الاجتماع : إن فكرة الرمز . فكرة اجتماعية ، ودينية ، بالذات .
نشوء اللغة
۱ - تنشأ بعض ألفاظ اللغة أولاً عن تقليد أصوات النداء . ان أكثر اللغات يحتوي على أحرف نداء مثل ( يا ) و ( آ ) و ( أي ) و ( ايا ) و ( هيا ) ، وهي مشابهة لأصوات الانسان الطبيعية مشابهة تامة .
۲ - وتنشأ بعض ا الألفاظ أيضاً عن تقليد أصوات الطبيعة ، مثال ذلك : ان الرعد في اللغة اليونانية يسمى ( فروندي ( وفي اللاتينية ( طونيطرو Tonitru ) وفي الفرنسية ( طونير Tonnerre ) وفي الألمانية ( دونر Donner ) ، وهي كلها تقليد لصوت الرعد الطبيعي . وأطفال جميع الامم يشيرون إلى الكلب بتقليد نباحه ، وإلى الهر بتقليد موائه ، ويطلق على هذه الألفاظ التقليدية اسم ( او نوماطوبه onomatopée )
واللغة العربية غنية بهذه الألفاظ التقليدية ، تقول : خرير الماء ، وحفيف الأغصان ، ونقيق الضفادع ، وصهيل الخيل . الخ .. وهي كلها مشابهة للأصوات الطبيعية . كمشابهة أفعال كسر ، وقطع ، وطن ، ودق ، ومزق ، للأصوات الدالة عليها .
ثم إن للماثلة تأثيراً في تكوين الألفاظ ، لأن تقليد أصوات النداء ، وأصوات الطبيعة لا يكفي لتوليد الألفاظ كلها ، الفكر يوسع معاني الأصوات بإطلاقها على الأشياء المتشابهة . ومهما تكن الأشياء بعيدة ومتباينة ، فإن الفكر يكشف عن شيء من التشابه بينها . ذكر ( داروين ( ان أحد الأطفال رأى بطة تسبح على سطح غدير فأطلق عليها كلمة ( كواك Quack ) باللغة الانكليزية ، ثم وسع معنى هذه الكلمة ، فأطلقها على الغدير كله ، ثم أطلقها أيضاً بالتداعي على غير ذلك من مجاري المياه ، وأنواع الطير ، التي لا عهد له بها من قبل ، وأطلقها أيضاً على نسر ( نابليون ) الذي رأى صورته على قطعة نقود فرنسية ، وهذا يدل على أن إدراك التشابه يسوق الفكر إلى تعميم مدلول اللفظ ، ونقله من شيء إلى آخر .
المماثلات كثيرة في الطبيعة ، فقد تكون بين الاشياء المحسوسة ، أو تكون بين الصور المجردة ، أو تكون بين الاشياء المحسوسة والصور المجردة معاً ، وهذا يجعل للكلمة الواحدة عدة معان ، ويوضح كيفية اشتقاق الالفاظ بعضها من بعض ، مثال ذلك : أن كلمة ( Coq ) باللغة الفرنسية تقليد لصوت الديك الطبيعي ، فاشتق الفكر منها كلمات , Coquetterie , Coquet , Cocarde وهي كلها تدل على معان مختلفة Coquelicot بينها تشابه بسيط لا يخفى على الناظر .
وكلمة ( هدهد ) في اللغة العربية تدل على طائر ذي خطوط وألوان كثيرة ، وهي تقليد لصوته الطبيعي ، فاشتق الفكر منها : هدهد البعير ، هدر ، و هدهدت الصيامه أي حركته لينام ويهدهد إلى كذا ، أي يخيل إلي " كذا ، وتقول في مثل ذلك : قاقت الدجاجة صوتت كذلك تقليداً لصوته ، وكذلك الزاغ ، والزرزور ، والغاق ، والقاق طائر مائي ، سمي والزيز ، وغيرها .
اختراع المصطلحات
- ثم إنا نخترع بعض الالفاظ للدلالة على المعاني الجديدة في من العلم ، والادب ، والصناعة ، والتجارة . ان المعاني الجديدة تحتاج إلى ألفاظ جديدة ، ويتم هذا الاختراع بإحياء بعض الالفاظ القديمة ، أو باقتباس ا الالفاظ اللغات الاجنبية . كاقتباس اللغات الفرنسية ، والالمانية ، والانكليزية ، وغيرها من اللغتين اللاتينية ، واليونانية و اقتباس اللغة التركية من اللغتين العربية ، والفارسية ، أو يتم باختراع بعض الالفاظ الجديدة على النحو الذي يتم به اختراع الرموز الجبرية ، والكيماوية وغيرها . وأوضح هذه الالفاظ ما دل على المعاني المجردة البسيطة . وكثيراً ما يؤدي انتقال اللفظ من لغة إلى اخرى إلى تغيير بعض حروفه ، فالعرب قلبوا حرف الـ ( ) في ترجماتهم إلى ( ف ) والانكليز لا يستطيعون أن يلفظوا حرف الـ ( U ) كما يلفظه الفرنسيون ، كما أن الفرنسيين عاجزون عن لفظ حروف الحاء والخاء والعين والضاد .
الاسباب الباعثة على سرعة تطور اللغة أو بطئه . - تتبدل الاشارات والالفاظ الطبيعية عند الانسان الابتدائي تبدلاً سريعاً . حتى ان الطفل ليغير ألفاظه ولهجته بانتقاله من بلد إلى آخر ، فإذا غاب والده وبات عند جده سنة أو سنتين لا يخالط أحداً ، ألف لغة خاصة لا يفهمها والداه ، وكثيراً ما يخترع الالفاظ في ألعابه من غير أن يعلمه إياها أحد . كل ذلك يدلى على ميل قوي إلى التجديد ، إلا أن هناك أسبابا تؤخر هذا التطور : منها الميل إلى التقليد ، والحاجة إلى التفاهم ، والرغبة في المحافظة على القديم . إن كان الناس لا يتفاهمون إلا باللغة ، فكيف يبلغون الافهام إذا كانت الالفاظ في تبدل مستمر ، وكان لكل رجل إشارة خاصة به لا يفهمها غيره . ان الكتابة أيضا تثبت الالفاظ وتحدد معانيها ، واعني ( بالكتابة ) الكتابة الصوتية والابجدية ، لا تصوير المعاني . ورسمها بأشكال حسية لا غير .
و مما يعين على تثبيت الالفاظ : المؤلفات الادبية ، والعلمية ، لأن الاساليب الكتابية نماذج يقلدها المتعلمون . كما أن في العلم حدوداً وتعريفات تؤدي إلى تثبيت معنى اللفظ
وتبيين مدلوله ، وقد جمعت هذه الحدود وتعريفاتها في مختلف اللغات ، فتألف من جمعها لغات قومية ، ومعاجم لغوية ثابتة لا تتغير ألفاظها بتغير الاهواء ، بل بقانون ، وميزان ، وعلم ، وقياس .
النتيجة
- و قصارى القول أن للغة أسباباً طبيعية واجتماعية معاً .
الأسبات الطبيعية . - ان للحركات الفعلية ، والقوى الانفعالية ، والأفعال المنعكسة الشرطية تأثيراً في تولد الإشارات ، وقد بينا في مبحث الهيجان أن ظواهر الهيجان المنظمة إشارات طبيعية يعبر بها الحيوان عن حاجاته ( ص ) ( ۲۳۹ ) ، فاللفظ يتولد من الصراخ الطبيعي ، ولغة الإشارات تسبق لغة الألفاظ ، ولا معنى للإشارة إلا إذا استعملها صاحبها عن علم بالعلاقة التي تربطها بالشيء المشار اليه : فمن الضروري إذن أن تتجرد الإشارة عن الشيء ، وأن تستقل عنه ، وإن كانت في هذا الدور الانفعالي ملازمة له .
الأسباب الاجتماعية . - ان الحياة الاجتماعية تقلب الأصوات الطبيعية والحركات الجسدية إلى إشارات حقيقية ، وتجعلها آلة صالحة لتبادل الأفكار . قال ( فندریس M. Vendres ) : لقد تولدت اللغة في المجتمع من شعور الناس بحاجاتهم إلى تبادل الأفكار ، فاستعملوا الإشارة عند فقدان اللفظ ، والطرف بالعين ، والايماء بالحاجب ، عند فقدان الإشارة .
فالهيئة الاجتماعية تؤثر إذن في اللغة الطبيعية ، وتبدل ظواهر الهيجان ، فتجعل بعضها اصطلاحية ، أو صناعية . انظر إلى الرسوم ، والذكريات ، والعادات والطقوس ، والقواعد التي أقرها المجتمع ، انها لغة رمزية مضافة إلى اللغة الطبيعية ، حق لقد قال أحد علماء الاجتماع : إن فكرة الرمز . فكرة اجتماعية ، ودينية ، بالذات .
تعليق