آراء الفلاسفة في منشأ اللغة .. الإشارات والرموز واللغة
أ - آراء الفلاسفة في منشأ اللغة
لقد بحث الفلاسفة منذ القدم في منشأ لغة الكلام وتفوقها على غيرها ، ووضعوا لذلك نظريات كثيرة ، الا أنه يمكن ارجاع هذه النظريات الى أربع :
۱ - الكلام وحي الهي
- لقد علم الله الانسان أسماء الأشياء كلها ، وهذا رأي ( دو بونالد De Bonald ) وغيره من الالهيين .
٢ - نظريات التواطؤ والاختراع
- اللغة ناشئة عن التواطؤ ، وهذا رأي ( ديمو قریطس ) و ( آدم سمیت ) .
٣ - نظرية الغريزة أو الوحي الطبيعي
- وهي نظرية ( ماكس موللر ) و ( رينان )
٤ - نظرية التطور التدريجي . - وهي تجعل نشوء اللغة تابعاً لنمو الفكر ، وتقدم الحياة الاجتماعية ( ويتني ورومانس ) .
وحجة أصحاب النظرية الاولى أن في لغة الكلام من الكمال ما يعجز الانسان عن إبداعه . فالله قد خلق الإنسان ، ووهبه لغة الكلام للتعبير عن أفكاره ، وعلمه الأسماء كلها ، إلا أن فلاسفة العصر قد ردوا على رأي ( دبونالد ) هذا ، وقالوا : ان الله لم يهب كاملة ، لأن الطفل يتعلم الكلام شيئاً فشيئاً . ولو كانت ملكة اللغة كاملة لما احتاج الطفل إلى التعلم . فيرجع هذا الرأي إذن إلى القول بوجود قوة خاصة ، أو غريزة لغوية ، وهذا عين ما جاء في النظرية الثالثة .
وحجة أصحاب النظرية الثانية واهية أيضاً لأن اختراع اللغة ليس كاختراع الرموز في الجبر والكيمياء . والتواطؤ يقتضي تقدم العلم ، كما أن الاختراع يقتضي أن يكون الإنسان قادراً بطبيعته على الكلام . فلنقتصر إذن في هذا الكتاب على البحث في النظرية الثالثة والنظرية الرابعة . وهما نظرية الغريزة - ونظرية التطور التدريجي :
نظرية ماكس موللو ( نظرية الغريزة ) :
إن نظرية ( ماكس موللر ) أكمل النظريات القائلة بتولد اللغة من الغريزة ، وقد ساقه إلى ذلك رأيه في أصل مواد اللغة . قال : ان اللغات تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
١ - اللغات الهندية الاوروبية وهي لغات الهند الشمالية ، و لغات السلاف ، والسنسكريتية واليونانية ، واللاتينية ، واللغات المشتقة منها ، واللغات الجرمنية . الخ .
٢ - اللغات السامية - وهي العربية ، والعبرانية ، والكلدانية الخ .
٣ - اللغات التورانية ( الصينية ، والتيبتية ) الخ .
فإذا حللنا اللغات الهندية الأوروبية وجدناها مركبة من ٥٠٠ مادة مشتركة ليس بينها وبين مدلولاته اصلة طبيعية ، فاما أن يقال أن هذه المواد متولدة من التواطؤ ، وهذا يقتضي تقدم العلم ، وإما أن يقال إنها ناشئة عن غريزة ووحي طبيعي . وقد فنـد ( ماكس موللر ) الرأي . الأول وأخذ بالرأي الثاني ، وتبعه في ذلك ( رينان ) .
ولكننا لا نستطيع أن نبرهن على نظرية ( موللر ) إلا إذا أثبتنا أن هذه المواد التي كشف عنها هي اللغة التي نطق بها الإنسان الأول ، وهذا أمر بين الصدق عنده لأنه يرى مع غيوم ملي Guillaume Schlegel ( ان اللغات تنقسم بنوع من القسمة إلى ثلاثة أنواع : اللغات الوحيدة المقاطع كالصينية ، ولغات التلاصق كالتركية ، ولغات الاشتقاق كالعربية ، واليونانية . ان لغات الاشتقاق ناشئة عن لغات التلاصق ، ولغاث التلاصق ناشئة عن اللغات الوحيدة المقاطع . ويغلب على الظن أن لغة الانسان الأول مؤلفة . من ألفاظ وحيدة المقاطع ، وربما كانت هذه المواد التي كشف عنها ( ماكس موللر ) بتحليل اللغات الهندية الاوروبية ، اللغة الابتدائية ، أي لغة الانسان الأول .
ومع أن علماء التطور يزعمون أن وراء هذه المقاطع الأولية إشارات طبيعية وأصواتا ومع أن هذه المواد الأولية بعيدة كل الألفاظ ، فإن ( ماكس موللر ) تقليدية متقدمة . على البعد عن تقليد أصوات الطبيعة ، وأصوات النداء .
قال ( ماكس موللر ) : ليست المواد التي كشفنا عنها بالتحليل الدقيق ، وجعلناها عناصر مقومة لأنواع اللغات المختلفة ، أصوات نداء ، أو أصواتا يقلد بها الانسان أصوات الطبيعة ، وإنما هي نماذج صوتية متولدة من غريزة ملازمة للفكر البشري ان في العالم الطبيعي قانونا كليا يقرر أن كل مضروب يرن ، وأن كل جوهر يحدث صوتا خاصا والانسان أيضا يحدث أصواتا . وهو لم يكن في البدء كالحيوان يعبر عن مدركاته به ... بأصوات تقليدية فحسب بل كان أيضا ذا ملكة لفظية تعبر عن تصورات عقله . لم يبدع الانسان هذه المملكة بنفسه ، لأنها غريزة فطرية وضرورية .
المناقشة في هذه النظرية :
- ان نظرية ( ماكس موالر ) ضعيفة جداً وذلك للأسباب التالية :
١ - إن التعليل بالغريزة لا يوضح شيئا ، بل يضم إلى ظلمات البحث شبهة جديدة .
٢ - إن هذه النظرية مخالفة لمسلمات علم الاجتماع ، وعلم النفس .
لو كانت اللغة الابتدائية مؤلفة من ٥۰۰ أو ٤٠٠ لفظة أولية ، لكانت قدرة الانسان الأول على التجريد عظيمة جداً . وهذا مخالف لمسلمات علم النفس ان لغات الامم الابتدائية مفعمة بالألفاظ المشخصة والكلمات الحسية ، فليس فيها لفظ يدل على معنى الحيوان ، أو النبات ، ولا يدل في الوقت نفسه على حال من أحواله .
ان مفردات هذه اللغة تدل في الغالب على صور الموجودات ، وأوضاعها ، وحركاتها المختلفة . فهي فقيرة بالألفاظ المجردة ، غنية بالألفاظ المشخصة . ان لغة ( الكفر ) تحتوي صيغ الأمر ، ولفعل الأمر في لغة ( الآلنوت ( أربع مائة صورة ، هذا فضلا عن الصور المركبة من الأفعال المساعدة ، كما أن للمعارف في لغة ( الكلامات ) ثمانية أو عشرة أنواع .
قال ( لفي بروهل ) :
يختلف الفعل المتعدي في لغة ( الهبرون ( باختلاف الأشياء التي يقع عليها . ان فعل ( أكل ) مثلا يختلف باختلاف أنواع المأكولات ، ويختلف الفعل أيضا بحسب ما يكون الشيء حيا أو جامداً . ان فعل ( رأى ) يختلف باختلاف المرئيات ، فلا تستعمل الفعل نمسه في قولك رأيت إنسانا ، أو رأيت حجراً ، وإذا كان الشيء لك ، أو لغيرك اختلف الفعل أيضا ، . ، ... ان عدد المترادفات في لغة ( الابيبيون ) كبير جداً ، ففعل ( جرح ) يختلف بحسب ما يكون الجرح بسن الانسان ، أو بسن الحيوان ، بالموس ، أو بالسيف ، أو بالسهم ، وفعل قاتل يختلف بحسب ما يتقاتل بالرمح ، أو السهم ، أو اليد ، أو اللسان ، وبحسب ما يكون القتال بين زوجتي رجل واحد تتنازعان في سبيله .
قال ( ريبو ) في هذه اللغات الأولية :
إن هذه اللغات تقف عند أبسط المشابهات ، وتقصر عن بلوغ التعميم الواسع ، يؤيد ذلك ما نجده فيها من الأفعال ، والأسماء ، والصفات القريبة من الحس » .
وقال ( ريبو ) أيضا ( ١ ) :
( ان في لغة قبائل أمريكا الشمالية ألفاظا خاصة للدلالة على السنديانة السوداء والبيضاء والحمراء ، وليس فيها كلمة واحدة للدلالة على معنى السنديان العام . ولا لفظ يدل على معنى
الشجر عامة . ان في لغة سكان البرازيل الأصليين ألفاظاً مختلفة للدلالة على أقسام الجسد ، ولا لفظ فيها للدلالة على الجسد كله . وأكثر شعوب ( الأوقيانوسيا ) يستعملون ألفاظاً مختلفة للدلالة على ذنب الكلب ، أو ذنب الخروف ، ولا لفظ عندهم الدلالة على الذنب العام ، وكذلك لا لفظ في لغتهم للدلالة على معنى البقر الكلي ، مع أن فيها ألفاظاً مختلفة للدلالة على البقرة الحمراء ، والبيضاء ، والسمراء ، فالأسماء المشخصة كثيرة ، أما الصفات ، فقليلة ، لأنها تدل على معان مجودة . مثال ذلك : أن التسمانيين ( Tasmaniens ، لا يحسنون وصف الكيفيات إلا بنسبتها إلى الأشياء المحسوسة ، فإذا أرادوا وصف الصلابة قالوا كالحجر . وإذا وصفوا الطول قالوا كالساق ، وإذا عدوا وضعوا العدد بعد المعدود . كان العدد صفة من . صفات الشيء ، فهم لا يعرفون التعداد المجرد ، ولا يفصلون العدد عن المعدود ، فإذا أرادوا تعداد الأشياء قالوا تجار عشرة رجال ، ودجاجات خمسة طيور بدلاً من أن يقولوا عشرة تجار وخمس دجاجات .
النتيجة : لذلك كله قال علماء اصول اللغة : ان المواد التي كشف عنها ( ماكس وللر ( ليست لغة الإنسان الأول ، وإنما هي بقية لغة راقية انتقلت من طور إلى آخر ، فلم تبلغ هذه الدرجة من التجويد إلا بعد أن استبدلت بالمعاني المحسوسة ، والألفاظ المشخصة ، مو مفاهيم عامة مجردة .
أ - آراء الفلاسفة في منشأ اللغة
لقد بحث الفلاسفة منذ القدم في منشأ لغة الكلام وتفوقها على غيرها ، ووضعوا لذلك نظريات كثيرة ، الا أنه يمكن ارجاع هذه النظريات الى أربع :
۱ - الكلام وحي الهي
- لقد علم الله الانسان أسماء الأشياء كلها ، وهذا رأي ( دو بونالد De Bonald ) وغيره من الالهيين .
٢ - نظريات التواطؤ والاختراع
- اللغة ناشئة عن التواطؤ ، وهذا رأي ( ديمو قریطس ) و ( آدم سمیت ) .
٣ - نظرية الغريزة أو الوحي الطبيعي
- وهي نظرية ( ماكس موللر ) و ( رينان )
٤ - نظرية التطور التدريجي . - وهي تجعل نشوء اللغة تابعاً لنمو الفكر ، وتقدم الحياة الاجتماعية ( ويتني ورومانس ) .
وحجة أصحاب النظرية الاولى أن في لغة الكلام من الكمال ما يعجز الانسان عن إبداعه . فالله قد خلق الإنسان ، ووهبه لغة الكلام للتعبير عن أفكاره ، وعلمه الأسماء كلها ، إلا أن فلاسفة العصر قد ردوا على رأي ( دبونالد ) هذا ، وقالوا : ان الله لم يهب كاملة ، لأن الطفل يتعلم الكلام شيئاً فشيئاً . ولو كانت ملكة اللغة كاملة لما احتاج الطفل إلى التعلم . فيرجع هذا الرأي إذن إلى القول بوجود قوة خاصة ، أو غريزة لغوية ، وهذا عين ما جاء في النظرية الثالثة .
وحجة أصحاب النظرية الثانية واهية أيضاً لأن اختراع اللغة ليس كاختراع الرموز في الجبر والكيمياء . والتواطؤ يقتضي تقدم العلم ، كما أن الاختراع يقتضي أن يكون الإنسان قادراً بطبيعته على الكلام . فلنقتصر إذن في هذا الكتاب على البحث في النظرية الثالثة والنظرية الرابعة . وهما نظرية الغريزة - ونظرية التطور التدريجي :
نظرية ماكس موللو ( نظرية الغريزة ) :
إن نظرية ( ماكس موللر ) أكمل النظريات القائلة بتولد اللغة من الغريزة ، وقد ساقه إلى ذلك رأيه في أصل مواد اللغة . قال : ان اللغات تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
١ - اللغات الهندية الاوروبية وهي لغات الهند الشمالية ، و لغات السلاف ، والسنسكريتية واليونانية ، واللاتينية ، واللغات المشتقة منها ، واللغات الجرمنية . الخ .
٢ - اللغات السامية - وهي العربية ، والعبرانية ، والكلدانية الخ .
٣ - اللغات التورانية ( الصينية ، والتيبتية ) الخ .
فإذا حللنا اللغات الهندية الأوروبية وجدناها مركبة من ٥٠٠ مادة مشتركة ليس بينها وبين مدلولاته اصلة طبيعية ، فاما أن يقال أن هذه المواد متولدة من التواطؤ ، وهذا يقتضي تقدم العلم ، وإما أن يقال إنها ناشئة عن غريزة ووحي طبيعي . وقد فنـد ( ماكس موللر ) الرأي . الأول وأخذ بالرأي الثاني ، وتبعه في ذلك ( رينان ) .
ولكننا لا نستطيع أن نبرهن على نظرية ( موللر ) إلا إذا أثبتنا أن هذه المواد التي كشف عنها هي اللغة التي نطق بها الإنسان الأول ، وهذا أمر بين الصدق عنده لأنه يرى مع غيوم ملي Guillaume Schlegel ( ان اللغات تنقسم بنوع من القسمة إلى ثلاثة أنواع : اللغات الوحيدة المقاطع كالصينية ، ولغات التلاصق كالتركية ، ولغات الاشتقاق كالعربية ، واليونانية . ان لغات الاشتقاق ناشئة عن لغات التلاصق ، ولغاث التلاصق ناشئة عن اللغات الوحيدة المقاطع . ويغلب على الظن أن لغة الانسان الأول مؤلفة . من ألفاظ وحيدة المقاطع ، وربما كانت هذه المواد التي كشف عنها ( ماكس موللر ) بتحليل اللغات الهندية الاوروبية ، اللغة الابتدائية ، أي لغة الانسان الأول .
ومع أن علماء التطور يزعمون أن وراء هذه المقاطع الأولية إشارات طبيعية وأصواتا ومع أن هذه المواد الأولية بعيدة كل الألفاظ ، فإن ( ماكس موللر ) تقليدية متقدمة . على البعد عن تقليد أصوات الطبيعة ، وأصوات النداء .
قال ( ماكس موللر ) : ليست المواد التي كشفنا عنها بالتحليل الدقيق ، وجعلناها عناصر مقومة لأنواع اللغات المختلفة ، أصوات نداء ، أو أصواتا يقلد بها الانسان أصوات الطبيعة ، وإنما هي نماذج صوتية متولدة من غريزة ملازمة للفكر البشري ان في العالم الطبيعي قانونا كليا يقرر أن كل مضروب يرن ، وأن كل جوهر يحدث صوتا خاصا والانسان أيضا يحدث أصواتا . وهو لم يكن في البدء كالحيوان يعبر عن مدركاته به ... بأصوات تقليدية فحسب بل كان أيضا ذا ملكة لفظية تعبر عن تصورات عقله . لم يبدع الانسان هذه المملكة بنفسه ، لأنها غريزة فطرية وضرورية .
المناقشة في هذه النظرية :
- ان نظرية ( ماكس موالر ) ضعيفة جداً وذلك للأسباب التالية :
١ - إن التعليل بالغريزة لا يوضح شيئا ، بل يضم إلى ظلمات البحث شبهة جديدة .
٢ - إن هذه النظرية مخالفة لمسلمات علم الاجتماع ، وعلم النفس .
لو كانت اللغة الابتدائية مؤلفة من ٥۰۰ أو ٤٠٠ لفظة أولية ، لكانت قدرة الانسان الأول على التجريد عظيمة جداً . وهذا مخالف لمسلمات علم النفس ان لغات الامم الابتدائية مفعمة بالألفاظ المشخصة والكلمات الحسية ، فليس فيها لفظ يدل على معنى الحيوان ، أو النبات ، ولا يدل في الوقت نفسه على حال من أحواله .
ان مفردات هذه اللغة تدل في الغالب على صور الموجودات ، وأوضاعها ، وحركاتها المختلفة . فهي فقيرة بالألفاظ المجردة ، غنية بالألفاظ المشخصة . ان لغة ( الكفر ) تحتوي صيغ الأمر ، ولفعل الأمر في لغة ( الآلنوت ( أربع مائة صورة ، هذا فضلا عن الصور المركبة من الأفعال المساعدة ، كما أن للمعارف في لغة ( الكلامات ) ثمانية أو عشرة أنواع .
قال ( لفي بروهل ) :
يختلف الفعل المتعدي في لغة ( الهبرون ( باختلاف الأشياء التي يقع عليها . ان فعل ( أكل ) مثلا يختلف باختلاف أنواع المأكولات ، ويختلف الفعل أيضا بحسب ما يكون الشيء حيا أو جامداً . ان فعل ( رأى ) يختلف باختلاف المرئيات ، فلا تستعمل الفعل نمسه في قولك رأيت إنسانا ، أو رأيت حجراً ، وإذا كان الشيء لك ، أو لغيرك اختلف الفعل أيضا ، . ، ... ان عدد المترادفات في لغة ( الابيبيون ) كبير جداً ، ففعل ( جرح ) يختلف بحسب ما يكون الجرح بسن الانسان ، أو بسن الحيوان ، بالموس ، أو بالسيف ، أو بالسهم ، وفعل قاتل يختلف بحسب ما يتقاتل بالرمح ، أو السهم ، أو اليد ، أو اللسان ، وبحسب ما يكون القتال بين زوجتي رجل واحد تتنازعان في سبيله .
قال ( ريبو ) في هذه اللغات الأولية :
إن هذه اللغات تقف عند أبسط المشابهات ، وتقصر عن بلوغ التعميم الواسع ، يؤيد ذلك ما نجده فيها من الأفعال ، والأسماء ، والصفات القريبة من الحس » .
وقال ( ريبو ) أيضا ( ١ ) :
( ان في لغة قبائل أمريكا الشمالية ألفاظا خاصة للدلالة على السنديانة السوداء والبيضاء والحمراء ، وليس فيها كلمة واحدة للدلالة على معنى السنديان العام . ولا لفظ يدل على معنى
الشجر عامة . ان في لغة سكان البرازيل الأصليين ألفاظاً مختلفة للدلالة على أقسام الجسد ، ولا لفظ فيها للدلالة على الجسد كله . وأكثر شعوب ( الأوقيانوسيا ) يستعملون ألفاظاً مختلفة للدلالة على ذنب الكلب ، أو ذنب الخروف ، ولا لفظ عندهم الدلالة على الذنب العام ، وكذلك لا لفظ في لغتهم للدلالة على معنى البقر الكلي ، مع أن فيها ألفاظاً مختلفة للدلالة على البقرة الحمراء ، والبيضاء ، والسمراء ، فالأسماء المشخصة كثيرة ، أما الصفات ، فقليلة ، لأنها تدل على معان مجودة . مثال ذلك : أن التسمانيين ( Tasmaniens ، لا يحسنون وصف الكيفيات إلا بنسبتها إلى الأشياء المحسوسة ، فإذا أرادوا وصف الصلابة قالوا كالحجر . وإذا وصفوا الطول قالوا كالساق ، وإذا عدوا وضعوا العدد بعد المعدود . كان العدد صفة من . صفات الشيء ، فهم لا يعرفون التعداد المجرد ، ولا يفصلون العدد عن المعدود ، فإذا أرادوا تعداد الأشياء قالوا تجار عشرة رجال ، ودجاجات خمسة طيور بدلاً من أن يقولوا عشرة تجار وخمس دجاجات .
النتيجة : لذلك كله قال علماء اصول اللغة : ان المواد التي كشف عنها ( ماكس وللر ( ليست لغة الإنسان الأول ، وإنما هي بقية لغة راقية انتقلت من طور إلى آخر ، فلم تبلغ هذه الدرجة من التجويد إلا بعد أن استبدلت بالمعاني المحسوسة ، والألفاظ المشخصة ، مو مفاهيم عامة مجردة .
تعليق