فلسفة الحرب لدى سون تزو وتوما الأكويني وفون كلاوزڤيتز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فلسفة الحرب لدى سون تزو وتوما الأكويني وفون كلاوزڤيتز



    فلسفة الحرب لدى سون تزو وتوما الأكويني وفون كلاوزڤيتز
    لوك دن 19 نوفمبر 2023
    ترجمات
    الجنود الأميركان على شاطئ النورماندي بفرنسا 1942 (Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    ترجمة: سارة حبيب

    تحاول هذه المقالة التقديمَ لفلسفةِ الحرب من خلال نظرة عامة على ثلاثة منظّرين عسكريين مهمين: سون تزو، توما الأكويني، وكارل فون كلاوزَڤيتز. وكما سنرى، المشترك بين أولئك الثلاثة كان انشغالهم بإعطاء بنيةٍ للفوضى الجليّة التي تتسم بها الحرب. تبدأ هذه المقالة بمناقشة فلسفة الحرب ككّل، وتطرح سؤالًا عن معنى انتهاج مقاربةٍ "فلسفية" للحرب، ثم تنتقل إلى شرح بعض العناصر الرئيسية لمفهوم الحرب عند كلّ من سون تزو، توما الأكويني، وكارل فون كلاوزَڤيتز.

    تعريف فلسفة الحرب
    تتعلق فلسفة الحرب بجلبِ مجموعة من الطرق الفلسفية للتعاطي مع المشاكل الناجمة عن النزاع العسكري. أحيانًا، يعني هذا وضع نظرياتٍ حول الشروط التي تكون الحرب عادلة في ظلّها، أو شروط التصرف السليم في أوقات الحرب. وأحيانًا، بالنسبة إلى منظرين آخرين، يعني هذا تطبيق الفلسفة على المشاكل الاستراتيجية والتكتيكية للحرب.
    قد تبدو محاولة فهمِ فوضى الحرب باستخدام الفلسفة أمرًا مترَفًا لبعضهم، لكن لآخرين، الفلسفة دائمًا وبأي شكل هي محاولةٌ لإعطاء وضوحٍ مفاهيمي لعملياتٍ لا متمايزة، مائعة، عشوائية، ومشتّتة. ووفقًا لهذه النظرة، غاية التجريد الفلسفي هي إيجاد طريقة لمحاولة فهم الأشياء التي هي لولا ذلك صعبة الفهم. تقدم الفلسفة محاكاةً للواقع يمكن لنا فهمها، بالطريقة ذاتها (أو بطريقة مشابهة) التي يمكنّنا بها مخططُ ساحةِ معركة من فهم ما هو لولا ذلك حدثٌ مرعب وإنتروبي (يتّسم بالعشوائية والافتقار إلى النظام).
    مع هذا، تتعلق الفلسفة أيضًا بتناول الأفكار المجردة، تفريغها، وإيجاد إسنادات محددة لها. أما في ما إذا كانت فلسفة الحرب (لا سيما الأجزاء الموجهة للاستراتيجية منها) تبرّر قيمتها في ساحة المعركة فتلك مسألة متروكٌ تحديدها للجنرالات والمؤرخين العسكريين.

    1 ـ سون تزو: أول منظّر في الشؤون العسكرية
    كان سون تزو منظّرًا صينيًا في مسألة الحرب. والعمل الرئيسي المنسوب إليه "فن الحرب"، وهو كتاب محبوب من قبل أجيال من الجنود والسياسيين، المدراء التنفيذيين للشركات، وآخرين ممن يتصورون أنفسهم (وإن يكن خطأ) مؤهلين ليتعلموا دروسًا عملية هامة من حرب قديمة.
    لا يُعرف كثير على نحو مؤكد عن حياة سون تزو. مع هذا، نعرف أنه كان جنرالًا وخبيرًا استراتيجيًا للملك هيلو ملك وو، وهو حاكم قام بغزوات عدة ناجحة خلال مطلع القرن الخامس قبل الميلاد. كذلك، لم تُسجَّل بدقة نجاحات محددة لسون تزو كجنرال، والقصة الأكثر شهرة عنه ربما يكون مشكوكًا في صحتها، لكنها جديرة بالاستماع إليها على أية حال.
    سون تزو (Getty)
    حاول الملك هيلو أن يختبر سون تزو بجعله ينظّم رفقة محظيات الملك على الجنود. وعندما أخفقت اثنتان منهما في أخذ عملهما على محمل الجد، أعدمهما سون تزو، رغم أنهما كانتا أكثر محظيتين مفضلتين وكان قد خصصهما لقادة السرية. احتج الملك على ذلك، لكن سون تزو تجاهله زاعمًا أنه، طالما تم تعينيه، على الجنرال أن يقوم بواجبه حتى لو كان ذلك يتعارض مع رغبات الملك. وبعد تعلمه عمليًا في الحرب، كتب سون تزو كتابه الشهير.
    تستحق سمات عديدة لكتاب "فن الحرب" أن تولى اهتمامًا خاصًا. أولًا، "فن الحرب" عمل منهجي إلى حد كبير. إنه يبدأ بتصنيف العوامل المتنوعة التي تسهم في نجاح حملة عسكرية أو فشلها. ينصح سون تزو بتقييم شامل لهذه العوامل؛ الطقس هام بقدر كفاءة أو عدم كفاءة الجنرال. علاوة على ذلك، يؤكد سون تزو على أهمية عناصر للحرب تبدو حديثة على نحو يثير الدهشة؛ على وجه الخصوص، نقاشه لاقتصاد الحرب ودور الاستخبارات.
    ينادي سون تزو بالمزج بين السياسة المحافظة والكفاءة. وهو يعتقد أنه لا يجب الانتقال من موقع إلا عندما يكون مؤمّنًا تمامًا، كما يؤيد الواجب شبه المقدس لهرمية إصدار الأوامر، لكنه يؤكد أيضًا على أهمية المرونة ضمن الجهاز العسكري، وفي ما يتعلق بكيفية خوض الحرب.
    تتجلّى النظرة التشاؤمية هنا في أن أثر سون تزو، لا سيما بين أبناء الغرب، يأتي في جزء منه من الحصانة التي فُسِّر به كتابه ليلائم أي حالة نزاع تقريبًا، وليبرّر أي سبب للمعركة. بالطبع، ليست هذه بالضرورة نقطة ضد سون تزو نفسه؛ من الصعب كتابةُ عمل نظري يكون طموحًا، ومنيعًا ضد الحماقة في الآن ذاته.

    2 ـ القديس توما الأكويني
    كان القديس توما الأكويني فيلسوفًا حربيًا بطريقة مختلفة تمامًا عن سون تزو، غير مهتمٍ بما يلزم لربح الحروب بقدر اهتمامه بما يلزم لتبريرها.
    في البداية، جدير بالقول إن ما يبدو فارقًا حاسمًا في الغايات بين عمل الأكويني، وعمل سون تزو (وفون كلاوزَڤيتز الذي سنصل إليه بعد قليل)، لا يعني طُرقًا متناقضة تمامًا في تناول الحرب. الأكويني بالطبع أقل قلقًا إزاء الشأن العملي المتعلق بكيفية ربح الحروب، لكنه مع هذا مهتم بالقدر ذاته، مثل سون تزو، بما يُقدِّم توصيفًا كاملًا للحرب، بما يصف شروط الحرب، وما يحدد المطلوب لإنهاء الحرب.
    "كان القديس توما الأكويني فيلسوفًا حربيًا بطريقة مختلفة تمامًا عن سون تزو، غير مهتمٍ بما يلزم لربح الحروب بقدر اهتمامه بما يلزم لتبريرها"

    تتكون نظرية الأكويني عن "الحرب العادلة" من عنصرين: jus ad bellum (الحق في بدء الحرب) وjust in bello (الحق خلال فترة الحرب). وفقًا للأكويني، تُبرّر الحرب على أسس منها أن يُدعى إليها من قبل سلطة ذات سيادة، أن يكون لها قضية عادلة، وأن يكون أولئك الذين يشنّون الحرب متمتعين بنوايا سليمة أخلاقيًا.
    يجدر بنا أن نتوقف هنا قليلًا لنلاحظ مدى صرامة هذه الشروط بالنسبة إلى سياق قروسطي، حين كانت مسائل النية السليمة والقضية العادلة نادرًا ما تؤخذ بعين الاعتبار بنزاهة قبل الإقدام على الحرب، إن أُخِذت قط. مع هذا، ثمة جانب محافظ في صياغة الأكويني للـjus ad bello ـ الشرط الأول. يقول الشرط إن خوض الحرب لا يكون عادلًا إلا إذا كان من قبل سيادة، وهي محاولة واضحة للتحذير من الحرب التي تُشن من قبل أفراد، بما فيها الحرب ضد السيادة.
    توما الأكويني (Getty)
    بالمثل، فكرة القضية العادلة واسعة بما يكفي لتبرّر حروبًا كثيرة إذا تبنينا منظور المعتدي. على وجه الخصوص، شروط القضية العادلة، بما فيها تصحيح خطأ ماضٍ، واستعادة ما أُخذ بغير حق في الماضي، يمكن أن تلائم، بصورة أو بأخرى، أي حرب عدوانية.
    تبدو هذه مشكلة عند الأكويني، بما أنه لم يحاول أبدًا تقديمَ إطار لصياغة هذه التحديدات. وهذا الافتقار إلى الإرشاد في ما يخصّ هذه الأحكام العملية يوهن جوهريًا القيود التي كان ليُعتَقد أن الأكويني وضعها على الحرب لولا ذلك الافتقار.
    مع هذا، أثبتت عناصر معينة من نظرية الأكويني عن الحرب العادلة فعاليتها إلى حد كبير. وكونها لا تزال فعالة اليوم يعود في جزء منه إلى أنها تشكّل بالفعل قيودًا حقيقية على خوض الحروب. على وجه الخصوص، مناقشة الأكويني حول مسألة الدفاع عن النفس بوصفه تبريرًا للحرب طُوِّرت بدرجة كبيرة في حقل التشريع والعلاقات الدولية.

    3 ـ كارل فون كلاوزَڤيتز
    يمكن القول إن كارل فون كلاوزَڤيتز هو أشهر منظّري الحرب في العصر الحديث. تشكّلت خبرة كلاوزَڤيتز العملية بالحرب خلال الفترة النابليونية، عندما حارب مع الجيش البروسي ضد فرنسا نابليون. وأخِذ أسيرَ حرب بعد معركة يينا التي هُزمت فيها القوات البروسية ـ السَكسونيّة هزيمة حاسمة. جعل التحالف القسري اللاحق مع فرنسا كلاوزَڤيتز يترك الجيش الألماني، ليخصّص وقته بعد ذلك لعمله الأهم عن النظرية العسكرية: "عن الحرب".
    كارل فون كلاوزَڤيتز (Getty)
    يرى كلاوزَڤيتز في جزء من نظريته عن الحرب أنه، رغم وجود الفوضى، كلّ جانب من الحرب يمكن شرحه بالإحالة إلى عوامل بنيوية عميقة، بما فيها السياق الاقتصادي والاجتماعي الذي يحيط بالحرب. إن تصور كلاوزَڤيتز عن الحرب بوصفها مشروعًا يتطلب جهدًا مضنيًا ـ مشروع يمكن تفسيره بتحليل اجتماعي شامل ويمكن في الآن ذاته أن يشمل بشكل مباشر المجتمع كلّه ـ هو ما جعل تأويلات لاحقة كثيرة تركّز على عمله بوصفه يدشّن الفترة الحديثة في النظرية العسكرية.
    كذلك، ما دعم هذا الانطباع عن كلاوزَڤيتز بوصفه أول منظّر حديثٍ في الشؤون العسكرية هو الاعتماد اللاحق للأجيال التالية من القادة البروسيين على رؤى التُقطت منه، بما أنه بحلول أواخر القرن التاسع عشر، ادّعت بروسيا الأحقية بكونها الجهاز العسكري الأكثر حداثة في العالم. مع هذا، وبالرغم من تأكيد كلاوزَڤيتز على القوى البنيوية العميقة التي تسوق النجاح أو الفشل في الحرب، كان مدركًا تمام الإدراك لعدم التيقن الذي تنطوي عليه الحرب: لقد كان على وجه الخصوص متشكّكًا بقيمة الذكاء في زمن الحرب، وأكد على أهمية الحالات العاطفية اللاعقلانية في تحديد مجرى الحروب. إن تحديد الوقت المناسب لاتخاذ القرارات التنبؤية، أو عدم اتخاذها، هو إحدى أصعب المهام بالنسبة إلى فلاسفة الحرب.

    لوك دَن: خريج قسمي الفلسفة واللاهوت في جامعة أكسفورد. تشمل اهتماماته الرئيسية تاريخ الفلسفة، ميتافيزيقيا العقل، والنظرية الاجتماعية.

    رابط النص الأصلي:
    https://www.thecollector.com/philoso...OojJsv_BGtF_P4
    • المترجم: سارة حبيب
يعمل...
X