قصائد مختارة: التقاويم تَكْذبُ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصائد مختارة: التقاويم تَكْذبُ

    قصائد مختارة: التقاويم تَكْذبُ
    جيم هاريسون
    ترجمات
    جيم هاريسون (1937 - 2016/ Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    ترجمة وتقديم: أسامة إسبر
    المتعة والموت موضوعان أساسيان في شعر جيم هاريسون (1973 ـ 2016)، ثمة متعة في الحياة اليومية، ولكن الموت يترصدها مرتدياً قناع الزمن، لهذا لم يتردد الشاعر حينما قال: إن الزمن يضع سمّه في جرعات الهواء التي نتنفسها.
    لم يكن جيم هاريسون (الذي لقبه الكاتب تيري مكدونيل بموزارت المروج) غارقًا في محليته، أو في تديُّنه، كما يروق لبعض النقاد الأميركيين القول، صحيح أنه كان يحب البراري، وأنه نظر إلى الكتابة كإلهام يأتيك أثناء التجوال خارج المنزل، في قلب الطبيعة، وأنه سكن في منطقة محددة في الولايات المتحدة، وكتب عنها، لكن ينبغي الانتباه أيضًا إلى أنّ شعره لم يقع أسير شرنقة إقليم محدد، بل كان خطابه كونيًا، وموجهًا إلى البشر في كل مكان وزمان. يستحضر في قصائده شعراء من كل أنحاء العالم كي يحاورهم موسعًا دائرة صداقاته الشعرية، ولم يقف موقفا لامباليا على الصعيد السياسي، بل انتقد بشدة التدخل العسكري الأميركي في العالم، والذي كان على الدوام مصنعًا للجثث والفقر والبؤس، كما قال.
    يذكر الناقد تروي جوليمور أن جيم هاريسون تأثر بالبوذية، وكان هذا جليا في "البنية المتشظية والتصويرية" لكثير من شعره، وهذه مقاربة تشدد على اللحظة الحاضرة على حساب الماضي الذي يتم تذكره والمستقبل الافتراضي. يظهر هذا أيضا في تشكيكه في المقولات والتراتبيات السائدة والمقبولة.
    ثمة موضوعات معينة تتكرر في شعر هاريسون، وهي افتتانه بالعالم الطبيعي، ووعيه لمشكلات الحياة البشرية وحدودها. ويعقد في بعض قصائده أواصر صلة قوية مع الأجواء الريفية، تحديدًا في شعره الحر والتصويري الذي توجِّهه نزعة كشفيّة للدوافع الإنسانية والحيوانية في سياق عالم طبيعي لا يسامح، نلاحظ هذا خاصة في القصائد التي تركز على الحياة البرية، والتراث التقليدي.



    أشارت الناقدة كلير بانيكيا إلى أن موضوعات هاريسون الشعرية تتنوع من انشغاله بالفناء، إلى متع الجسد في الطبيعة، ويلون قصائده بنبرة رثائية تنطوي على تحذير. وبينما كان الشعراء الرومانطيقيون يمجدون الطبيعة من خلال نبرة رفيعة، وأسلوب متقن وتوظيف للاستعارة ولغة المجاز، إلا إن لغة هاريسون تعرّي المشهد الطبيعي، وتصوّر العالم الطبيعي بلغة واقعية تخلو من التزيين.
    يرى الناقد كوبر كانيون أن جيم هاريسون ينتمي إلى التراث الأميركي المشرّف لراوي الحكايات، ما يعني أن قصائده تنطوي على لغة سردية، ورغم أن قصائده لا تنسج قصصًا كاملة تضعف لغته الشعرية، وتقودها خارج تحليقها الشعري المجازي، إلا أنها تشترك معها في أن لها أساسا عميقا في المشهد الطبيعي والتضاريس الجغرافية.
    لا تكفي القراءات النقدية التي تتناول هاريسون للإحاطة بفتوحاته الشعرية، ويجب تحريره من التأطير داخل توجه معين، في قراءة حرة تتبع النَّفَس الشِّعري المشكل لقصائده المتميزة، في أشكالها الشعرية الفنية، فهاريسون يعدّ الشعر تجربة ميتافيزيقية يجب أن تمنحها حياتك كلها من دون أية مساومة.
    أمضى الشاعر جيم هاريسون معظم حياته في ميتشيغان، في مزرعة قرب مسقط رأسه، وكذلك في مونتانا، وأريزونا. حصل على الإجازة الجامعية من جامعة ولاية ميتشيغان، ودرس لأمدٍ محدود في جامعة ستوني بروك. وبعد أن نشر مجموعته الشعرية الأولى "أنشودة بسيطة" (1965) عاد إلى ميتشيغان، حيث عمل بصفته صحافيّا، إلى أن وصل إلى مرحلة تمكن فيها من العيش من مردود كتابته.

    "جيم هاريسون ينتمي إلى التراث الأميركي المشرّف لراوي الحكايات، ما يعني أن قصائده تنطوي على لغة سردية"




    نشر هاريسون أكثر من عشر مجموعات شعرية، بينها "جناح ليفينغستون" (2009)، "إنقاذ ضوء النهار" (2006)، "بحثاً عن آلهة صغيرة" (2009). وعمل كمحرر للشِّعر في مجلة "ذا نيشن". توفي في 2016، ومات ميتة شعرية إذا صحّ التعبير، فقد فارقت روحه جسده وهو منكب على تأليف قصيدة على مكتبه، وكان دفتره مفتوحًا أمامه، والقصيدة غير منتهية.

    تقاويم
    عدتُ إلى الكرسيّ الأزرق أمام الاستديو الأخضر
    وها قد مرَّ عامٌ آخر، أو هكذا يقولون، لكن التقاويم تَكْذبُ.
    إنها نوعٌ من آلات التجارة العالمية مثلها مثل
    بنات عمّها الساعات؛ لكنها تتعطّل في أوقاتٍ غير ملائمة.
    تعلّمتُ منذ خمسين عامًا القَفْزَ من التقويم
    لكنني واصلتُ الرجوع إليه لأسبابٍ
    تتعلّقُ بجشعي وغبائي المتأصِّل.
    غير أنني هربْتُ في النهاية من تلك المربّعات القاتلة
    بأرقامها الحادّة كالأمواس مدة أطول.
    كان يجب أن أصبحَ الماء الجاري الذي هو أنا في الحقيقة،
    إلا أنني كنتُ أتقمّصُ شَكْليَ البشريَّ كي
    لا أخيفَ أولادي وأحفادي وكلابي وأصدقائي.
    غير أن قطّتنا العجوز لم تكترث
    ظلت تلعقُ الماء من حيث كان وجهي.
    كم هي مظلمة البداية
    لا نتحدّثُ إلا عن النور:
    ليكن نورٌ، فكان نورٌ،
    ورأى الله أنه حسنٌ، لكنّ ما أعدّهُ
    فَجْرًا هو أشدُّ ظُلْمةً.
    هكذا لساعاتٍ كثيرة بين نهارٍ
    يتقهقرُ وما نعرفُ أنه فجرٌ تصعدُ الشمس إلى الأعالي
    كموجةٍ لن تتحطّم علينا،
    كما لو أن النور يحمينا
    كما لو أنه لم تُسْلَخ قلوبٌ
    لم تُحَطَّم أجسادٌ في يومٍ مثل هذا اليوم.
    في أيّ فيلمٍ،
    يُخْبرنا الشروقُ أن كلّ شيء
    سيكون على ما يرام، ولن يجرؤ الخطر
    على الظهور الآن، جارًّا ظلّه على الشاشة.
    نتحدّث كثيرًا عن النور،
    لكن اسمحوا لي من فضلكم أن أتحدّث باسم
    الظلمة الخيّرة. لنتحدث أكثر
    عن مدى ظلمة بداية النهار.

    الزمن
    هذا السمُّ الغادرُ، الزمنُ، يَجْري نحونا
    ويعبرُنا طالعًا من الجهة الأخرى.
    لم نمكثْ في المستقبل إلا لحظةً واحدة.
    ذلك أنّ سمَّ الزمن في الهواء الذي نتنفّسهُ
    وفي الطَعْم غير الطيّب للماء الذي نشربهُ.
    إننا كلابٌ تعشقُ نزهاتها الصباحية
    لكنها تكرهُ أسماءها،
    وتجهلُ أنها كلابٌ،
    ولا أحد لديه الحقّ بأن يسمّيها أسماءً مغلوطة.
    لم يطالبْنا الزمنُ أبدًا بأن نؤمن بالقبر
    الذي ينتظرنا. الليل يَنْحتُنا في أفعالٍ منفصلة،
    بيد أنه لديّ ثقةٌ بجدول الدم
    الذي يتدفق هائجًا في داخلي.

    عاليًا
    ها إنّني أقفُ أمام بوّابة بلا باب
    كي أرى أبي وأمي وأختي وأخي.
    كي أعرفَ من أين أتوا، وإلى أين رحلوا.
    أواصلُ تسلّقي هذه الشجرة القديمة قدم العالم
    ولقد فقدتُ صوتي عاليًا هناك، ولم يعد مسموعًا.

    منطقة
    أعمالي تتراكمُ،
    أعاني من المرض.
    الزمنُ ينطلقُ نحوي
    من دون مكابح. بالرّغم من ذلك
    إن موسم الفجْلِ جيّدٌ هذا العام.
    اخْلطوهُ بالزبدة
    ومَلّحوهُ قليلاً.

    مكنسة
    كي تتذكّر أنك على قيد الحياة
    زرْ المقبرة التي دُفن فيها والدكَ
    في الظهيرة، بعد أن تمارس الجنس
    ورائحة الثدييات التي أُجْبرتَ على أن تعتزّ بها
    ما تزال عالقةً بك.
    ثمة مفاجأةٌ حتميةٌ تحت كلّ حجرٍ لكلّ
    شخص، وهي الفناء المفاجئ
    لجسده الذي يصارع متفانيًا كما ينبغي.
    عدْ الآن إلى البيت دون أن تنظر خلفك
    إلى المقبرة المتلاشية، فقد طفح الكيل
    عرّجْ على خمّارةٍ واشْترِ أفضل نبيذٍ
    تقدر عليه وعشرات المكانس الصلبة.
    تجرّع عدة رشفات ثم ارْم الأثاث
    من النافذة وابدأ بالكنس.
    اكنسْ إلى أن تعرّي الجدران وتكشط
    دهانها وعند قدميك اكنس الأرضية
    إلى أن تختفي. أجهزْ على النبيذ
    في حَقْل الهواء هذا، ثم ارجعْ إلى المقبرة
    في الظلام وانسج بين الأحجار
    رقصةً بطيئةً من اسمكَ لا يراها أحد إلا الطيور.
    في عمر السابعة في الغابات
    هل أنا طاعنٌ في السنّ كما أبدو؟
    ربما لا. ذلك أن الزمن لغزٌ
    يمكن أن يزلزلنا.
    أمس كنتُ في السابعة من عمري في الغابات
    تغطّي عَيْنيَ العمياء عِصابةٌ
    في فراشٍ أعدّتْهُ لي أمي
    كي أستطيع النوم بين الأشجار
    بعيداً عن أعين الناس. انسلّ قربي ثعبانٌ مرقّطٌ
    فلم يلحظ وجودي. جثمتْ أنثى طائر قرقف
    على إصبع قدمي العارية، وكانت خفيفةً
    كأنها ليست حقيقية.
    كان الليل طويلًا وتيجان الأشجار كثيفة
    تتوهّج فوقها ترليون نجمة.
    من كنتُ في سن السابعة؟
    بعد ثمانٍ وستين سنة ما أزال قادرًا على السكن في جسد
    ذلك الصبيّ من دون أن أفكر في الوقت الذي مرّ بيننا.
    إن الحياة تصيرُ عبئًا حين نعيشُ أعمارا كثيرة
    من دون أن نرى نهايةَ الزمن.

    الأحداث الحالية
    أنا رجلٌ أميركيٌّ أسمر يتساءلُ
    إن كان يمكن لصْقُ الحضارة ببعضها بعضًا بالدم.
    لم تعد الكلمة المكتوبةُ مفهومةً.
    قبل أن تكون لدينا حكومات كان لدينا كلاب
    يجب أن يسافر ملايين الأشخاص إلى واشنطن
    وعليهم ألا يتحدثوا، بل أن ينبحوا كالكلاب.
    يجب أن نتدرّب على نباحنا
    وأن نُطْلق ونحن في صفٍّ واحد عواء كاسحًا.
    تكتسي الشمسُ بلون عنبريّ
    وهم يفتحون بوابات الجحيم المزيتة جيدًا.

    أمواج
    لا تستمرُّ الموجة إلا لحظة
    لكن تحتها في الأسفل هنالك أخرى
    تنتظرُ دومًا ولادتها.
    كطالبٍ يدرسُ الناسَ والأمواجَ والتاو
    أنا حرّ كي أخبركم أن الأمواج
    والناس يروون القصة نفسها
    حول كيف وُلد الدم والماء
    وأن أجسادنا مليئةٌ بجداول
    وأنهارٍ تتدفّق في دوائر،
    وأننا أقرباء الموج
    وتجمعنا قرابةٌ قَصِيَّةٌ مع تيارات المحيط التي يتعذّر رَصْدها،
    والتي يقرُّ القمر أنه لا ذنب لها.
    أنا حرّ كي أخبركم عن قوتها المديّة، وتحكّمها غير التام
    بأحلامنا، وعن الطريقة التي يشدّ بها القمر
    جماجمنا وعوراتنا، وكيف
    تمارس الأمواج العالية الحبّ مع اليابسة.
    أكيد أننا كائنات آلهتها مجهولة.

    تشرين الثاني
    أرواحُ الكلاب
    أصابعُ أقدام السيدات الكبيرة
    سحبٌ أصلية،
    آلاتُ المزرعة،
    مطرقةٌ ضائعة
    بين الأعشاب،
    خيوطُ ضوء الشمس
    التي تحضنُ الشجرة العارية،
    ثم تنحدر عن اللحاء
    إلى الأسفل نحو الليل.

    قصيدة باردة
    قال يوجين أونيل: لقد عطّلتْني نَزْلةُ بردٍ عن العمل.
    كيف يمكن أن أنسى أمورا معينة؟
    لديّ الآن ثلاث عشرة زجاجة نبيذ
    حيث كان لدي أكثر من ألف.
    أعرفُ أين ذهبت كلها، ولكن لماذا يجب أن أقول؟
    كل يوم أُطْعم الكلاب والطيور،
    الفناء مُنقَّطٌ بالعظام وقشور البذور.
    إن القلوب تعيش حياتها كلها في الظلام،
    لكن القطط والكلاب مولعةٌ بي.
    أستحمُّ مرارا وبالرغم من ذلك
    لا أجذب عددا كبيرا من النساء.
    ربما يعْرفن أن زواجي سعيد
    فلماذا يُتْعبْنَ أنفسهنّ بإغوائي بلا طائلٍ؟
    أقرضتُ مئات آلاف الدولارات
    ولم يسدّد لي إلا هنديان.
    لو كنتُ مطلعًا على التاريخ لاكتشفتُ أنه لا يختلف عما هو عليه أبدا.
    هذه أنشودةُ نزلة بَرْدٍ حين يكون الناس
    أنفسهم ولكنهم قليلا ما يكونون هكذا، الناس
    الذين لم يُصْغوا لنصيحتي التي لم تُصَغ في كلماتٍ.
    وُصِفْتُ مرة بأنني "خالدٌ"
    لكنّ هذا الوصف لم يشمل أمي التي ماتت مؤخرا.
    ولماذا تذهبُ إلى نيويورك بعد سقوط الكويكب السيار
    وطوفان المياه القطبية، وانهيار الأبنية،
    وحيث تكون وحدك هناك
    في 2050؟ عدْ إلى الأرض،
    تمخّط وعش حياتك القصيرة.
    أبهجْ قلبك الأسود وأنشدْ أغنية
    عن الزمن الذي يندفع عابرًا لك كمثل النسيم العليل
    الذي لا تكاد تشعر به.

    اللغة الإسبانية
    اعتقدتُ لسنواتٍ أنّ العالم يجبُ أن يتحدّثَ اللغةَ الإسبانية
    وحلمتُ بأنني أتحدثُ وأقرأ الإسبانية،
    لكن حين استيقظتُ اكتشفتُ أن لا شيء من هذا حقيقي.
    ربما يجب أن تكفّ الأمم المتحدة
    عن استخدام اللغة الإنكليزية لكنني أشكُّ في ذلك
    لأن الإنكليزية لغةُ الغَزْو والنقود والجريمة.
    بعثَ لي الربُّ رسالةً إلكترونية قال فيها إنّ الجنس
    أمتع بالإسبانية. كان يدخّنُ سيجارة "لاكي سترايك"
    بينما كان بوش يمضغُ علكة "دينتاين" ويشاهد مسلسل "باي ووتش" على التلفاز.
    حُوِّل صديقي القديم يسوع إلى فيلم رعبٍ جَمَع
    الملايين بالإنكليزية وكان يَظنُّ أنه لم يُخْترع،
    يسوع يتكلّم الإسبانية لكنه لا يفهم الإنكليزية جيدًا
    هكذا تنحرفُ صلواتُنا وتنحرفُ الفتيات.
    يستلقي الشبان والشابات في أسرّتهم ويرفسون بأقدامهم يائسين من الآلهة
    التي تلعب البولينغ برؤوسهم. لن يحدث هذا لو أنهم تحدثوا الإسبانية،
    قال التلفزيون المكسيكي: إن العذراء ترتدي الملابس الداخلية يوم الأحد.
    إن الرسوم المتحركة هي شكل فننا بينما تنظم الإسبانية
    الشّعر، وثمة آلافٌ من اللوركات من الدرجة الخامسة يمدحون القمر
    لكن من دون حركة عكسية لشخصيات الرسوم المتحركة في قلوبهم. الجنس لن يأخذنا
    إلى الفردوس بالإسبانية، لكنه يقرّبنا أكثر من أفلام الكرتون.
    قالت ماري المجدلية إنه لولا التاريخ
    لأغرقتْ نفسها في بئرٍ أو اخترعت
    المسدس لهم كي يُطلقوا عليها النار. إن ثقافتها عالية
    لا يمكن أن تُفْهم إلا بالإسبانية.
    قفزتُ من الطائرة لكنني هبطتُ على سحابةٍ إسبانية.
    طاردتْني اللغة الإنكليزية حتى الموت. وسقط القدّيسون
    على ريشاتٍ ملطخة بالدم قبل أن ينتهي التاريخ.

    النهر
    نعم، سنجتمعُ عند النهر،
    النهر الجميل، الفاتنُ.
    قالوا إنه يجري قرب عَرْش الله.
    هنا المكان الذي خَلَقَ الله فيه الأسماك
    أينما كان، لكن عرشه واسع
    كالكون. إذا انتبهتم
    ستشاهدون حدود العرش في النجوم. نحن على هذا الطرف
    وحين نصلُ إلى الطرف الآخر
    لن نعرف ماذا حدث إن حدث أيّ شيء.
    قلتُ ذات مرةٍ إننا لن نعرف إذا لم يحدث أي شيء، فهل هذا يُعدّ سخريةً؟
    كلا، لا شيء لا شيء، وليس مزعجًا، إنه فقط لا شيء،
    ثم يمكن أن نُقْذف مرة أُخرى
    بسرعة الضوء عبْر الكون
    إلى عرش الله. إن شَعْرهُ غزيرٌ.
    وهناك خُلقت جميع الطيور الخمسة آلاف التي على الأرض.
    وُلدت طيور الكركي وطيور مالك الحزين والصقور أولًا في الخلف
    كي لا تخيف الطيور الصغيرة،
    وما تزال حتى الآن تتذكر المسكن الإلهي.
    هل نجتمع عند النهر، هذا النهر الجميل؟
    سنغرد مع طيور الدخلة التي تجثم على أهدابه.

    حياة
    لم أعد أُجيدُ الحياة.
    أستيقظُ في بعض الأحيان ولا أعرفها.
    إن المنازل والسيارات والأثاث والكتب عبارة عن ضبابٍ
    بينما الأشجارُ والطيورُ والأحصنةُ ممتازةٌ
    وواضحة. أفهم الموسيقى أيضا
    التي من الأنواع القديمة، وتنتمي إلى ما قبل القرن التاسع عشر.
    أين كنت؟
    أحصي الأزهار من نافذة القطار
    بين إشبيلية وغرناطة، والثيران وأشجار الزيتون أيضا.
    لم أستطع النوم في غرفة لوركا لأنها مسكونة.
    حتى النبيذ الذي كنت أحمله كان مسكونًا.
    لم تشْفَ أسبانيا أبدًا من تلك الجريمة.
    لياليها ملأى بأنياب الموت الحمراء.
    كان هناك كثيرون لحقوا به. لا يمكنك أن تحصيهم،
    في الأعلى والأسفل، الطيور والأزهار في الوقت نفسه.
يعمل...
X