"دير سانت هيلاريون" بغزة: أكبر موقع أثري منذ البيزنطيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "دير سانت هيلاريون" بغزة: أكبر موقع أثري منذ البيزنطيين



    "دير سانت هيلاريون" بغزة: أكبر موقع أثري منذ البيزنطيين
    أوس يعقوب
    آثار
    دير سانت هيلاريون قبل تدميره من قبل إسرائيل
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    فوق تلة مرتفعة من الرمال على بعد 15 كيلومترًا جنوب غربي مدينة غزة، وعلى بعد ثلاثة كيلومترات غربي مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين وسط القطاع، وبعيدًا عن ساحل البحر نحو 500 متر تقريبًا، يقع موقع "دير سانت هيلاريون ـ تل أم عامر" البيزنطي ـ الذي يمتد على مساحة هكتارين (20 ألف متر مربع) في تل أم عامر جنوب قطاع غزة، وأدرج في منتصف الشهر الجاري على لائحة اليونيسكو للحماية المعززة، وذلك في الاجتماع الخاص باتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، والاحتلال (اتفاقية لاهاي) التي تتعامل مع حماية التراث الثقافي والآثار في النزاع المسلح والاحتلال من التلف والدمار ومن جميع أشكال الاختلاس، بحسب بيان لوزارة الخارجية الفلسطينية.
    يتكون دير سانت هيلاريون من مجموعات معمارية عديدة
    الخارجية الفلسطينية أكدت في بيانها أن "الحماية المعززة للممتلكات الثقافية يجب أن تمنع دولة الاحتلال من العدوان على الممتلكات الثقافية، أو المساس بها بأي شكل تحت طائلة المسؤولية الجنائية أمام القضاء الوطني والقضاء الدولي. فاستخدام الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة كأهداف عسكرية يعد انتهاكًا جسيمًا لأحكام البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي، ويعد جريمة حرب، ويرتب المسؤولية الجنائية".
    إدراج موقع "دير سانت هيلاريون ـ تل أم عامر" على لائحة اليونيسكو للحماية المعززة يأتي في الوقت الذي يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
    وتعرض الدير إلى دمار خلال ضربة نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على جنوب مدينة غزة، وهو ما يؤكد تعمد "إسرائيل" تدمير المعالم الأثرية الفلسطينية في قطاع غزة في إطار حربها الهمجية المستمرة منذ عملية "طوفان الأقصى"، في استهداف صريح للإرث الحضاري الإنساني.
    يُعد موقع "دير القديس هيلاريون"، الذي يعود تاريخه إلى حوالي ما قبل 17 قرنًا من الزمن، الموقع الأثري الأكبر في الشرق الأوسط منذ العهد البيزنطي، وأحد أهم أقدم الأديرة في فلسطين وبلاد الشام، وهو مدرج منذ عام 2012 على قائمة المواقع الأثرية المئة المهددة بالزوال في العالم.
    عام 1993، اكتشفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية الموقع بالصدفة، وحوّلته إلى منطقة عسكرية. وفي عام 1994 مع قدوم السلطة الفلسطينية إلى غزة بدأ العمل مع خبراء فرنسيين في الموقع.
    "عام 1993، اكتشفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية موقع "دير القديس هيلاريون" بالصدفة، وحوّلته إلى منطقة عسكرية"

    وعمدت سلطات الاحتلال، التي كانت تسيطر على قطاع غزة قبل عام 2005، إلى نهب وسرقة القطع الأثرية من الموقع، بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا".

    هيلاريون... القديس الغزاوي
    استنادًا إلى حالة الموقع المتطابق مع التعريف بدير القديس هيلاريون المشهور في النصوص القديمة، ونتائج التنقيبات الأثرية بالموقع؛ أظهرت وجود أكبر الديماسات الكنسية التي لم يُعثر على مثلها في فلسطين من حيث المساحة والتصميم. ويُعتقد أن هذا الديماس الكنسي الواقع غرب الموقع هو الديماس الكنسي الأول، الذي ضم قبر القديس هيلاريون مكان الصومعة الأولى التي اتخذها هو لنفسه في منتصف القرن الرابع الميلادي.
    يرجع اسم هذا الدير إلى القديس هيلاريون الذي عاش في القرن الرابع للميلاد، عندما كانت المسيحية هي العقيدة المهيمنة في هذه المناطق آنذاك. والقديس هيلاريون هو أول مَنْ أدخل نظام الرهبنة في فلسطين بعد تتلمذه على أيدي القديس أنطوني في صحراء مصر، والذي يُعد المؤسس الحقيقي لنظام الرهبنة.
    يقول الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني: "ولد هيلاريون في قرية طابورة، قرب غزة، في فلسطين، نحو عام 291 م. كان أبواه وثنييْن، فأرسلاه إلى مدينة الإسكندرية لكي يتعلم العلوم، فبرع وأجاد. هناك عرف المسيحية، فآمن بيسوع المسيح، ونال سر العماد، وتقدّم تقدمًا عجيبًا فى الإيمان والمحبة. كان مواظبًا على الكنيسة، ويجالس رجال الإكليروس، وكان مثابرًا على الصوم والصلاة، محتقرًا كل شهوة الملذات والمال".
    وضع القديس هيلاريون صومعة له في موقع (خربة أم عامر ـ النصيرات) في سنة 329م، وكان المكان يشرف على الطريق بين مصر وفلسطين، وخلال ثلاثين عامًا زادت شعبية هيلاريون، حيث أصبح يحيط به (400) شماس ـ هي رتبة كنسية ـ، وقاموا بتنظيم بعض العمائر الخفيفة حول الكنيسة.
    وفي عام 362م، وصل الإمبراطور جوليان المرتد إلى العرش الروماني الذي حكم بلاد الشام بما فيها فلسطين، فقام بتدمير الدير وإجبار هيلاريون على الهرب إلى قبرص، حيث توفي هناك عام 371م، وقام أحد تلاميذه بنقل جثمانه إلى غزة، ودُفن في المكان نفسه، الذي بنى فيه صومعته الأولى.
    وفي القرن السادس الميلادي؛ حدث ازدهار وتطور عمراني في غزة، خاصة في عهد الإمبراطور جستنيان (528 ـ 565م)، واتضح ذلك في عملية تطور المعالم المعمارية لدير القديس هيلاريون، والتي صاحبت الرخاء الاقتصادي والثقافي في تلك الفترة.
    وخلال الفترة الأموية (662 ـ 750م)، استخدم في الطرف الغربي من الدير كمقر أموي، وذلك خلال القرن الثامن الميلادي، إذ عُثر على قطعة نقد برونزية من فئة "فلس" تعود إلى العام الهجري المئة، منسوبة إلى عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99م/101 هـ).
    وفي عام 747م، ضربت غزة هزة أرضية قوية، كانت سببًا في الهجر النهائي للمكان؛ الذي استغل في العصر الإسلامي محجرًا، لإعادة استخدام الحجارة في البناء بالمباني الخاصة بالقرى والمدن المجاورة.
    كما تسبب الزحف العمراني في قطاع غزة، الذي يعد البقعة الأكثر ازدحامًا على وجه الأرض، في تعريض مواقع أثرية يمتد عمرها إلى 4 آلاف و500 سنة، إلى الاندثار، ويشمل ذلك أسوارًا وأعمدة من العصر البرونزي، بالإضافة إلى قطع فسيفساء بيزنطية ملونة، كان يزخر بها ساحل القطاع، كما يقول خبراء آثار.
    يعود تاريخ دير سانت هيلاريون إلى 17 قرنًا مضت
    يقول عالم الآثار الفرنسي، جان باتيست همبرت، الذي أشرف على مواقع أثرية في قطاع غزة من 1995 ـ 2005: "إن الآثار في غزة في كل مكان"، وأضاف أن القطاع "واحة غنية جدًا بالحدائق، والمدن، والحصون، والأسوار القديمة التي تنتشر في كل مكان".
    ورصدت فرنسا بالتعاون مع منظمة اليونيسكو عام 2010 مبلغًا ماليًا لإنقاذ دير القديس هيلاريون من الاندثار، إلا أن الأوضاع السياسية المضطربة التي يشهدها قطاع غزة لا تترك مجالًا للاعتناء بالآثار.
    ومنذ عام 2017، تم إطلاق برنامج لترميم وإعطاء القيمة الأثرية للموقع والتدريب على المهن المتعلقة بالتراث، بإدارة منظمة الإغاثة الأولية الدولية ـ منظمة فرنسية غير ربحية ـ، وتحت الإشراف العلمي للإدارة العامة للآثار، والمدرسة الفرنسية الإنجيلية والأثرية في القدس، بدعم من المجلس الثقافي البريطاني، وبالشراكة مع وزارت الثقافة، والإعلام، والرياضة.
    وفي العام نفسه، حصلت وزارة السياحة والآثار على تمويل بقيمة 1.5 مليون دولار لحماية وصيانة وترميم الموقع، وذلك بتمويل من المجلس الثقافي البريطاني، حيث تم استثمار المبلغ في إعادة تأهيل الممرات المؤدية للآثار، وتأهيل وتطوير سرداب وديماس الموقع، وتأهيل جميع جدران الدير، وإنشاء مبنى حماية أعلى الحمامات الرومانية، واستعادة بقايا الحمام وتطوير الممرات المؤدية إليه، وإنشاء نظام تصريف للمياه للتخلص من مياه الأمطار وإنشاء سور لحماية الموقع، ومبنى إداري.
    وحصلت الوزارة في مارس/ آذار 2020 على تمويل إضافي لاستكمال أعمال الترميم والصيانة في المواقع بالشراكة مع الإغاثة الأولية الدولية، والمدرسة الفرنسية والآثار في القدس، وذلك لتأهيل الموقع لاستقبال الزوار، أو على وجه التحديد الحجاج المسيحيين من الداخل والخارج.
    "يرجع اسم هذا الدير إلى القديس هيلاريون الذي عاش في القرن الرابع للميلاد، عندما كانت المسيحية هي العقيدة المهيمنة في هذه المناطق آنذاك"

    ويعتمد القيمون على الموقع الأثري حاليًا على تسنيد أسواره بالخشب وأكياس الرمل، في محاولة للحفاظ عليه ولو مؤقتًا، في ظل عدم توفر أدوات حديثة تمكن من التعامل مع مثل هذه المواقع الأثرية النادرة على الوجه الأمثل.

    وجود المسيحيين في غزة قبل 1700 عام
    يتكون "دير سانت هيلاريون" من مجموعات معمارية عديدة، محاطة بسور خارجي من الحجر المهندم المسنود بدعامات حجرية، وتشمل مساحة قدرها (137م×75م)، إضافة إلى احتوائه على مجموعة من القاعات والغرف والممرات بلغ عددها (245) غرفة، تعود أدوار بنائها إلى مراحل زمنية عدة، بدأت من منتصف القرن الرابع الميلادي حتى القرن الثامن الميلادي.
    الجزء المعماري الأول يشمل المنطقة الخدماتية الواقعة في الجزء الجنوبي والغربي؛ وهي عبارة عن غرف خاصة برجال الدين المقيمين في الدير، وتغطي أرضية بعض تلك الغرف فسيفساء جميلة أعطت دلالة على أهمية صاحب كل غرفة من تلك الغرف، كونه ذا مكانة وقدسية خاصة بالدير، ويفصل تلك الغرف عن الجزء المعماري الثاني شارع طويل به درج، خاص بدخول وخروج الرهبان للكنيسة.
    أما الجزء المعماري الثاني، فيمثل الكنيسة وقد خطط نظامها المعماري على الطراز البازيلكي المكون من ثلاثة أروقة أوسعها الرواق الأوسط، وتفصل بين كل رواق مجموعة من الأعمدة الرخامية كورنثية الطراز.
    الجزء المعماري الثالث، الذي يسمى بـ(الديماس)، يمكن الوصول إليه من خلال درج اندثرت معظم درجاته، وهو يؤدي إلى مبنى تحت الأرض على شكل صليب، تظهر فيه الأعمدة الرخامية المكونة للدير، والتي تهاوت من البناء الأعلى نتيجة الهزات الأرضية وعوامل الزمن.
    كما تظهر في المكان بقايا للتابوت الرخامي الخاص بالقديس هيلاريون؛ وهو روماني الطراز، والجزء المعماري الرابع هو عبارة عن حوض التعميد والصالات المؤدية له، وتغطيه أرضية إحداها فسيفساء تحمل منظر زهرية يخرج منها أغصان ملتفة تحمل عناقيد العنب والأوراق داخل هذه الأغصان صور لحيوانات وطيور تعبر عن البيئة الموجودة في ذلك الوقت.
    فيما الجزء المعماري الخامس هو منطقة الحمامات وتُبين الآثار الباقية منها تقسيمات الغرف الخاصة بالحمام، مثل غرفة الماء الساخن والبارد، وغرف الانتظار، كما تظهر أسفل تلك الغرف فتحات دخول الماء وتصريفه، وبيت النار، الذي يتم من خلاله تسخين المياه للاستخدام في الحمامات، إضافة إلى وجود شبكة واسعة من قنوات المياه المصنوعة من الفخار والرصاص، وشبكة أخرى من قنوات صرف صحي تؤدي إلى خارج الدير.
    إضافة إلى وجود بقايا قطع رخامية لمعصرة عليها آثار أخرى تدل على وجود بئر مياه خاص بالدير، كما تم العثور داخل حدود الدير وخارجه على مجموعة من المقابر الفردية البيزنطية، معظمها وجدت داخل الفناء المكشوف، كذلك عُثر على مجموعة كبيرة من لُقى أثرية متنوعة، وهي عبارة عن قطع كبيرة لجرار فخارية مختلفة الطُرز، وأجزاء لأطباق فخارية محلية الصنع ومستوردة، وكمية غير قليلة من المصابيح الفخارية (أسرجة الإضاءة)، وعدد من القطع النقدية البرونزية تعود معظمها للأباطرة: أنستاسيوس، وجستنيان، وجستين، وطيباريوس، وهرقل، إضافة إلى بعض القطع النقدية الإسلامية التي تعود للقرنين الأول والثاني الهجري، إحداها (فلس) يعود لعهد الخليفة عمر بن عبد العزيز.

    أبرز المصادر:
    ــ موقع وزارة السياحة والآثار برام الله (https://tourism.ps/).
    ــ موقع اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين (https://www.hcc.ps/).
    ــ موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" (https://www.wafa.ps/).
يعمل...
X