في أصول فلسطين وتاريخها وهويّتها وتراثها الثقافيّ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في أصول فلسطين وتاريخها وهويّتها وتراثها الثقافيّ

    في أصول فلسطين وتاريخها وهويّتها وتراثها الثقافيّ
    أوس يعقوب 24 يناير 2024
    استعادات
    شارك هذا المقال
    حجم الخط


    في كتابيه "فلسطين: أربعة آلاف عام في التربية والتعليم" (طبعة أولى 2024)، و"فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ" (طبعة أولى 2020 وثانية 2022)، يتابع المؤرّخ الفلسطينيّ، بروفيسور نور مصالحة، اشتغاله على المسألة الفلسطينيّة قضيّة وتاريخًا بأبعادها السياسيّة والحضاريّة والثقافيّة المختلفة؛ وإن كان قد قدّم في كتابه الأوّل "فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ" أصول فلسطين وتاريخها وثقافتها وهويّتها، متتبّعًا، بالعودة إلى المصادر التاريخيّة، كيفية تطوّر الهويّة الفلسطينيّة عبر العصور، ومُثبتًا، بالاستناد إلى الأدلّة الأثريّة، أنّ الفلسطينيّين هُم أهل البلاد وجذورهم ضاربة في أعماقها، فإنّه يغوص في كتابه الثاني "فلسطين: أربعة آلاف عام في التربية والتعليم" في التاريخ الثقافيّ للفلسطينيّين، مُسلّطًا الضوء على تاريخ العلوم الفلسطينيّة، مع التركيز على الكتابة والتعليم والإنتاج الأدبيّ والثورات الفكريّة في البلاد، وذلك بالعودة إلى أربعة آلاف عام من تاريخ فلسطين. وهذه العودة تضعنا كقرّاء "أمام كنز معرفيّ وثقافيّ، قليلًا ما عرفت حضارات أخرى مثيلًا له في مخزونه العلميّ والتربويّ والتعليميّ المتراكم عبر مرور حضارات متعدّدة على فلسطين، البلد الذي حافظ على اسمه واسم شعبه الفلسطينيّ على مدى حقب حضاريّة مرّ بها هذا البلد على مدى القرون الماضية"، كما جاء في مقدّمة الكتاب.

    فلسطين موقع عالميّ للتعليم الكلاسيكيّ وإنتاج المعرفة

    عن مركز دراسات الوحدة العربيّة في بيروت، صدرت أخيرًا نسخة من كتاب "فلسطين: أربعة آلاف عام في التربية والتعليم"، بترجمة د. فكتور سحّاب، وكانت النسخة الإنكليزيّة صدرت في آذار/ مارس 2022. يقع الكتاب في خمسمائة وعشر صفحات، ويحتوي على أحد عشر فصلًا، فضلًا عن المقدّمة والمراجع والفهرس، وتكمن أهمّيّته في وضع المشتغلين والمهتمّين بتاريخ فلسطين الحضاريّ والثقافيّ أمام كنز معرفيّ وثقافيّ متعدّد الأوجه قليلًا ما عرفت حضارات المنطقة مثيلًا له، وذلك بالعودة إلى أربعة آلاف عام من تاريخ فلسطين. يكشف لنا المؤلف في كتابه هذا بالبحث والتقصي والأدلّة والبراهين المخزون العلميّ والتربويّ والتعليميّ الذي تراكم عبر مرور العديد من الحضارات على أرض فلسطين، وبالتالي يكشف لنا زيف السرديّة الصهيونيّة التي تزعم افتقار أرض فلسطين والفلسطينيّين إلى المخزون الحضاريّ والثقافيّ والمعرفيّ والعلميّ.

    وعبر خمسمائة وعشر صفحات يستعرض المؤلّف، التاريخ الثقافيّ المميّز للفلسطينيّين من خلال الإضاءة على تاريخ العلوم الفلسطينيّة بأكمله، بما في ذلك الكتابة والتعليم والإنتاج الأدبيّ والثورات الفكريّة التي عرفتها.

    يُثبت مصالحة، عبر تسليط الضوء على تراث فلسطين الثقافيّ الطويل، أن بلاده ليست مجرد "أرض مقدّسة" للديانات السماويّة الأربع: الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة والسامريّة، ناهيك عن إثباته أنّ فلسطين هي موقع عالميّ رئيسيّ للتعليم الكلاسيكيّ وإنتاج المعرفة بلغات متعدّدة، منها السومريّة والكنعانيّة والسريانيّة والعربيّة والعبريّة واللاتينيّة.

    ووفقًا لكلمة الناشر، فإنّ هذا التشبّع الثقافيّ للبلاد: "لا يظهر في المساجد والكنائس والمعابد اليهوديّة التاريخيّة فقط، بل يظهر أيضًا في المنح الدراسية والمدارس التاريخيّة والكليّات والجامعات والمكتبات العالميّة الشهيرة ومراكز الأرشيف، التي اختزنتها بلاد الفلسطينيّين عبر أربعة آلاف عام".

    يذكر المؤلّف أنّ المهمّة التي اضطّلع بها هي "تحدّي المنهج الكولونياليّ وتحدّي الأسطورة الخبيثة، التي تروّج لفلسطين على أنّها أرض بلا شعب"
    منظور جديد لتاريخ فلسطين الطويل

    صدر كتاب "فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ"، عام 2018 باللغة الإنكليزيّة، وفي عام 2020 صدرت طبعته الأولى باللغة العربيّة بترجمة أنجزها د. فيكتور سحّاب، وبعد عامين صدرت طبعة ثانية منه، عن مركز دراسات الوحدة العربيّة أيضًا.

    في هذا الكتاب يقدّم مصالحة قراءة جديّة جديدة، مستندة إلى أدلّة أثريّة، لتطوّر هويّة فلسطين وتجربتها عبر الزمان، كاشفًا عن ثقافات ومجتمعات ذات عمق وتعقيد مذهلين يمتدّان إلى بدايات التاريخ المسجّل قبل آلاف السنين، بالاستناد إلى نصوص فرعونيّة وآشوريّة حتى التاريخ الحديث، ساعيًا إلى التحقّق من كيفية تطوّر الهويّة الفلسطينيّة والتواريخ واللغات والثقافات والحضارات عبر العصور ابتداءً من العصر البرونزيّ (3300 - 1000 ــ قبل التأريخ السائد: ق ت س) إلى يومنا هذا.

    في عام 2020 تواصلت مع بروفيسور مصالحة عبر البريد الإلكترونيّ بشأن إجراء حوار معه حول هذا الكتاب، وكان أن أنجزنا حوارنا بعد عدّة اتّصالات، ونشر الحوار في مجلّة "رمّان الثقافيّة" بتاريخ 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

    كان هذا الحوار فرصة سانحة للتعرّف أكثر على اشتغال مصالحة المعرفيّ حول موضوع مؤلّفه الذي نستعرضه هنا، والذي بيّن لنا أنّه "يعتمد على جبال من الحقائق والأدلّة والاكتشافات الأثريّة المهمّة، بينما العديد من الكتب المنشورة في الغرب عن فلسطين القديمة تستند إلى الأساطير الدينيّة أو الأسطورة الموجودة في العهد القديم، وليست إلى الحقائق التاريخيّة التي تدعمها الأدلّة الأثريّة العلمية". وأضاف أنّ الكتاب "يجلب منظورًا جديدًا لتاريخ فلسطين الطويل، حيث أنّه ليس فقط عن فلسطين بالمعنى الضيق فهو يعلّمنا كيف نتعلّم التاريخ الطويل لفلسطين ضمن سياقها القديم الأوسع في الشرق الأدنى والبحر الأبيض المتوسط وهي منطقة كانت مهد الحضارات". يتابع قائلًا: "يُظهر الكتاب أنّ فلسطين كانت دائمًا مكتظة بالثقافة والتاريخ، ويصف الأدوار المهمّة التي لعبتها اللغات في فلسطين القديمة، بما في ذلك اليونانيّة والآراميّة والسريانيّة والعربيّة. كما يعرض أدلّة على الكتابة العربيّة في فلسطين قبل الإسلام بمئات السنين".

    يقع الكتاب في أربعمائة وثمانين صفحة، وهو ممتدّ على عشرة فصول وأغلب الفصول متفرعة من عشرة إلى تسعة ويصل بعض الفصول إلى خمسة عشر مبحثًا. وفي محتواه يتابع الكتاب تطوّر هويّة فلسطين عبر الزمن بالعودة إلى تواريخ الأماكن، وآثار الشعوب والحضارات التي فكّك المؤلف نصوصها ليقدّم الأدلّة القاطعة على أنّ "الإرث التاريخيّ للفلسطينيّين سبق ولادة الحركة الوطنيّة في العهد العثمانيّ المتأخر، وظهور الحركة الصهيونيّة الاستعماريّة"، جازمًا أنّ "اسم فلسطين هو الأكثر شيوعًا في الاستخدام منذ العصر البرونزيّ المتأخر (منذ 1300 ق. م) حتّى اليوم"، لافتًا إلى أنّ أقدم الأسماء المعروفة لفلسطين ورد ذكرها في قصّة سينوهة المصريّة وكانت "ريتينو" و"دجاهي"، القصّة التي تمّ اعتماد القرن الرابع عشر قبل الميلاد زمنًا لنشوئها، أطلقت على المناطق الساحليّة في شرق البحر المتوسط اسم "ريتينو" وشملت "عمورو" في الشمال ولبنان وشمال نهر الليطاني، أمّا "دجاهي" فقد أُطلق على المنطقة الجنوبيّة من "ريتينو" وصولًا إلى عسقلان وربّما غزّة.
    "يكشف مصالحة زيف السرديّة الصهيونيّة التي تزعم افتقار أرض فلسطين والفلسطينيّين إلى المخزون الحضاريّ والثقافيّ والمعرفيّ والعلميّ"
    وفي السياق يشير مصالحة إلى أنّ المُكتشفات الأثريّة الحديثة في فلسطين، والنقوش المحفورة على الجدران والهياكل والنُصب التذكاريّة وكذلك المقابر الفِلِستيّة المكتشفة أخيرًا في عسقلان والتي تعود إلى 3000 عام، قد أدّت إلى تعديل لفهمنا تاريخ فلسطين القديم.

    في مقدّمة الكتاب التي جاءت بعنوان "فلسطين: الاسم الشائع المُستخدَم عبر التاريخ القديم"، وتحت عنوان فرعي: "كينونة فلسطين، وصيرورة فلسطين، إعادة تخيّل الهويّة المكانيّة من الإقليميّة إلى الوطنيّة"، يرى مصالحة أنّ لتاريخ فلسطين، بخلاف السرديّات الأسطوريّة في العهد القديم، "بدايات" متعدّدة. قد تطوّرت فكرة فلسطين عبر الزمن، من فعل هذه "البدايات" المتعدّدة، إلى مفهوم جيوسياسيّ وكيان سياسيّ إقليميّ (Territorial Polity) متميّز. غالبًا ما يقارَب مفهوم فلسطين على نحو مجرّد أو لا تاريخيّ، بدلًا من مقاربته في سياق كيان تطوّرت حدوده الجغرافيّة، والإداريّة، والموضعيّة، والثقافيّة، وتبدّلت في ثلاث ألفيّات من السنين.

    لكن ليس ثمّة أفكار خالصة أو مفهوم مثاليّ لفلسطين بهذه الصفة؛ فالأدلّة التجريبيّة والتجربة البشريّة أساسيّة في تكوين الأفكار والمعرفة عن فلسطين. جدير بالملاحظة أنّنا لا نعرف فلسطين فقط "من الخارج" من خلال ملاحظات وتعميمات، بل أيضًا "من الداخل" بواسطة التجارب المتجسّدة والمشاعر. لقد نظر المؤرّخون الإغريق الكلاسيكيّون - الّذين كانوا من أوائل مَنْ أشاعوا مفهوم فلسطين - إلى الزمن بطريقتين مختلفتين: خرونوس (khronos)، الطريقة الّتي يقيس بها البشر الوقت كمّيًّا وزمنيًّا: الأيّام، والأشهر، والسنوات، والقرون؛ وكايروس (kairos)، الطريقة التي يواجه بها البشر التجارب ويتذكّرون بعض اللحظات أو الأحداث المعيّنة من منظور وبمنظور خاصّ. نتيجة لهذا التمييز بين مفهومي الزمن المختلفين، يستكشف هذا الكتاب التطوّر المتعدّد الخطوط لمفهوم فلسطين وتجارب فلسطين خلال الزمان وعبره. في حين يركّز الكتاب أعلى تركيز، على الأدلّة والشهادات المعاصرة (Synchronic)، إلّا أنّه يحلّل مفهوم فلسطين على نحو متزامن (Synchronically) ومقارن عبر الزمن (Diachronically).




    ويوضّح مصالحة في المقدّمة أنّ استدعاء الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ بوصفه صراعًا ما بين ثنائيّة العرب مقابل اليهود في فلسطين أمر مضلّل جدًا، ويشير إلى أنّ الفلسطينيّين يمارسون انتماءهم لبلدهم إفراديًّا وجماعيًّا، وأنّه وعلى الرغم من أنّ الاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ قد سلبهم حقّهم في تقرير المصير في وطنهم التاريخيّ، إلاّ أنّهم مواظبون على الحديث عن بلادنا فلسطين أو فلسطيننا أو البلاد، وهو بحدِّ ذاته يعبر عن عقلية وطنيّة تجاه كلمة "إسرائيل".

    ويشير الأكاديميّ والمؤرّخ الفلسطينيّ في فقرة فرعيّة في المقدّمة إلى "التفريق بين فلسطين، الشام، بلاد الشام وسورية المعاصرة: فلسطين كمقاطعة إداريّة مسلمة، الشام كمنطقة جغرافيّة إسلاميّة". يقول: "لقرابة خمسة قرون، من عام 630 حتى الغزو الصليبيّ لفلسطين عام 1099 ميلاديّة، وإنشاء أوّل مملكة لاتينيّة صليبيّة في القدس (1099-1187م)، فقد وجدت المقاطعة العربيّة الإسلاميّة الرسمية "جند فلسطين" ضمن نطاق جغرافي أوسع هو "منطقة الشام". وبحسب علم الخرائط والجغرافيا المسلمة، كانت "الشام" منطقة جغرافيّة واسعة تضمّنت مقاطعات هي اليوم سورية، فلسطين/‏ "إسرائيل"، لبنان، الأردن وجنوب تركيا. ولعدّة عقود، تكوّنت "الشام" من عدّة مقاطعات مسلمة، ومن ضمنها فلسطين".

    ويذكر المؤلّف أنّ المهمّة، التي يضطّلع بها هذا الكتاب هي "تحدّي المنهج الكولونياليّ وتحدّي الأسطورة الخبيثة، التي تروّج لفلسطين على أنّها أرض بلا شعب. كما يجادل بشأن قراءة تاريخ فلسطين بعيون سكّان فلسطين الأصليّين".

    يتابع قوله في المقدّمة إنّ "الفلسطينيّين هم سكّان فلسطين الأصليّون؛ جذورهم المحلّيّة مغروسة عميقًا في تراب فلسطين، كما أنّ تراثهم التاريخيّ وهويّتهم الأصيلة قد سبقا بوقت طويل نشوء الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة الناشئة في المرحلة الأخيرة من الإمبراطوريّة العثمانيّة ومجيء المستوطنين الصهاينة قبيل الحرب العالميّة الأولى".

    نور مصالحة: وُلدَ في الجليل عام 1957، درس في الجامعة العبريّة- القدس وجامعة لندن، وهو مدير سابق لمركز الدين والتاريخ في جامعة سانت ماري في لندن. وحاليًا عضو في مركز الدراسات الفلسطينيّة في كلّيّة الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة (SOAS) التابعة لجامعة لندن؛ وعضو في لجنة تحكيم جائزة الكتاب الفلسطينيّ (لندن)؛ وهو محرّر دوريّة مجلّة "الأرض المقدّسة ودراسات فلسطين"، التي تصدر عن جامعة أدنبرة. وعمل محاضرًا في عدّة جامعات، منها جامعة بير زيت في الضفّة الغربيّة المحتلّة.

    ألّف باللغتين الإنكليزيّة والعربيّة عدّة كتب حول القضيّة الفلسطينيّة، منها: "التاريخ الشفويّ للنكبة الفلسطينيّة" (بالاشتراك مع نهلة عبده - زعبي، 2019)؛ "لاهوت التحرير في فلسطين" (2014)؛ "الكتاب المقدّس الصهيونيّ: سابقة توراتيّة، والاستعمار ومحو الذاكرة" (2013)؛ "نكبة فلسطين: إنهاء استعمار التاريخ، وسرد التابع، واستعادة الذاكرة" (2012)؛ "الكارثة في الذاكرة: فلسطين وإسرائيل واللاجئون الداخليون" (2005)؛ "سياسة الإنكار: إسرائيل ومشكلة اللاجئين الفلسطينيّين" (2003)؛ "أرض أكثر وعرب أقلّ: سياسة الترانسفير الإسرائيليّة في التطبيق 1949 – 1996" (2002)؛ "إسرائيل الكبرى والفلسطينيّون: سياسة التوسّع 1967 - 2000" (2001)؛ "أرض بلا شعب: إسرائيل، الترحيل والفلسطينيّين" (1997)؛ "طرد الفلسطينيّين – مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيّ 1882 – 1948" (1992)؛ "إسرائيل وسياسة النفي – الصهيونيّة واللاجئون الفلسطينيّون" (2003).


يعمل...
X