هل كتبت النساء ما يكفي إلى اليوم؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل كتبت النساء ما يكفي إلى اليوم؟



    هل كتبت النساء ما يكفي إلى اليوم؟
    مناهل السهوي
    آراء
    هيلدا حياري/ الأردن
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    شاركتُ قبل أيام في تحقيق صحافي عن الكتابة النسوية، ومن بين الأسئلة التي لفتت انتباهي سؤالٌ عن سبب عدم كتابة كثير من الشاعرات قصائد يتغزلن فيها بجسد الرجل، بعكس الشعراء الذي كتبوا بالفعل كثيرًا من قصائد الغزل بأجساد النساء، ما أوصلني إلى سؤال أساسي هو: هل كتبت النساء ما يكفي لليوم؟ ماذا لو كان أمام النساء الكثير بعد لكي يكتبنه، ولم يحن الوقت بعد، أو لم يستطعن فعله إلى الآن؟ إنَّ عدم كتابة المرأة في مجال معين، أو عن موضوع بعينه، ليس قصورًا، أو لأنها لا تريد، بل لأنها لم تكتب ما يكفي لليوم، وربما حُرمت من ذلك في الأساس.



    نساء يكتبن قصص الرجال
    نسمع ككاتبات بين الحين والآخر من يقول إن النساء حصلن على أكثر مما حلمن به في الكتابة، لا بل بتن يحصلن على جوائز أدبية، وينافسن الرجال، لكن حتى هنا يجب أن نقف ونفكر بحقيقة هذه الجوائز.
    هنالك دراسة أثارت ضجة كبيرة في الغرب. تقول الدراسة ببساطة إنه وعندما تفوز النساء بجوائز أدبية للرواية يكون ذلك عادةً لأنهن كتبن من منظور ذكوري، أو عن الرجال، وكلما كانت الجائزة مرموقة، كلما زاد احتمال أن يكون موضوع السرد عن الرجال. هذا ما توصلت إليه الروائية البريطانية نيكولا غريفيث بعد تحليل نتائج 15 عامًا، من 2000 وحتى 2015، لست جوائز روائية، وهي: جائزة بوليتزر، وجائزة مان بوكر، وجائزة الكتاب الوطني، وجائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة هوغو، وميدالية نيوبيري.
    بطريقة أو بأخرى، يحوّل إبداع النساء ليصب في صالح الرجال. ومن المثير للسخرية حقًا معرفة أن النساء يحصلن على جوائز لأنهن كتبن قصصًا جيدة عن الرجال! إذًا، لا يكفي نشر كتب للنساء، بل نحتاج إلى التركيز أكثر على رواية قصص النساء، وليس كتابة أدب عن الرجال فقط.
    ليست المشكلة في الموضوع وحسب، فعمومًا لا تقدر مواهب النساء حتى لو كن بمستوى الرجال، ويتم التشكيك فيهن بطرق مختلفة. في "غرفة تخص المرء وحده" (1929)، اخترعت فيرجينيا وولف شخصية اسمها جوديث، وهي أخت شكسبير، من أجل تقديم إثبات بأن المرأة التي تتمتع بعبقرية شكسبير كانت ستُحرم من الفرص نفسها التي حصل عليها.



    هل يكفي 70 عامًا لكتابة تاريخ النساء؟
    فرجينا وولف كانت تعتقد أن المرأة التي تتمتع بعبقرية شكسبير كانت ستُحرم من الفرص نفسها التي حصل عليها
    أعود إلى البداية، وإلى سؤال: هل تزايد عدد الكاتبات منذ بداية الستينيات في العالم يعني أن النساء كتبن ما يكفي إلى اليوم؟ وهل يعني أنهن تخطين جميع الحواجز التي نصبت لهن على مدى آلاف السنين؟
    لم يكن وصول النساء إلى الكتابة سهلًا، وما زلن يواجهن إرثًا من محاربة الكاتبات، ومنع النساء من الوصول إلى الكتابة. أحد أشهر الكتب في هذا المجال هو: "الإصابة في منع النساء من الكتابة"، يقول خير الدين نعمان بن أبي الثناء الألوسي: "أمّا تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله، إذ لا أرى شيئًا أضرّ منه بهن، فإنهن لما كُنَّ مجبولات على الغدر كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشرّ والفساد". وهو رأي ورد أيضًا في "صبح الأعشى" للقلقشندي الذي قال بأن "الذكورة صفة ضرورية (للكتاب)، وأن النساء غير مستحبات في الكتابة". ورغم انقضاء زمن على هذا الكتاب إلا أن الوعي العربي يبدو أنه تشرّبه بما فيه الكفاية ليحاصر الكاتبات ويمنعهن من التطور.

    "بينما لا تجد النساء صعوبة في الدخول إلى مجال النشر، حيث يحصلن على 78% إلى 80% من الوظائف، لكنهن يتراجعن إلى 60% كعضوات في مجالس الإدارة"


    وحين نتحدث عن منع النساء من الكتابة والقراءة لا نتحدث عن زمن بعيد، فمثلًا حين أصدر الملك سعود في عام 1959 قرارًا بافتتاح مدارس لتعليم البنات في مدن المملكة الرئيسية، أثار القرار رد فعل غاضبًا لدى الممانعين الذين سيّروا وفدًا ضم حوالي 800 رجل إلى الرياض لمقابلة الملك لحثه على العدول عن قراره الشهير. وعرفت تلك الأحداث بفتنة تعليم المرأة. نحن هنا نتحدث عن التعلم، فكيف إذًا بالكتابة؟
    وحين نقول إن النساء بدأن يكتبن منذ 70 عامًا، وهي الفترة التي شهدت تزايدًا ملحوظًا في عدد الكاتبات، فهذا ليس بالزمن الطويل في مقابل إبعاد النساء في العالم لقرون عن الكتابة، فيبدو طبيعيًا أنهن لم يكتبن عن كل شيء للآن، فإذا اعتبرنا أن مزيدًا من النساء بدأن الكتابة في ستينيات القرن الماضي، هذا يعني أنهن يكتبن منذ حوالي 70 عامًا، فهل تكفي 70 عامًا لكتابة تاريخ النساء وعلاقتهن مع الآخر والبشر وجسد الرجل؟ أعتقد أن الجواب هو لا.



    لم يُتَح المجال للكاتبات لتدوين ما يردنه
    تقول رجاء بن سلامة في كتابها "بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث"، إن الشاعرة تلقى الرقيب في الواقع، لا في القصيدة، ولا يعد شعرها على أنه نشاط خيالي، إنما يتطابق مع مرجع موجود خارجه. وهذا هو العائق الأساسي لتعبير الشاعرات بطريقة حرة. وبحسب بن سلامة، يرتب النظام الاجتماعي الفوارق بين الرجل والمرأة في مجال الكتابة، فيلغي المرأة باعتبارها كاتبة، ويقاوم هذا النظام كتابة النساء بطرق ثلاثة: إما أن ينكر أن الشاعرة امرأة، أو أن ينكر أنها شاعرة، أو أن ينزل بها العقاب.
    إذًا، المشكلة الأولى أن المجال لم يتح للنساء لكتابة كل ما يردن، سواء بسبب تأخرهن في الدخول في مضمار الكتابة، أو خوفًا من الرقيب والمجتمع.
    المشكلة الأخرى ليست أن هنالك قلة من النساء يكتبن، بل أن قلة منهن ممثلات بعالم الكتابة، ورغم وجود أسماء كاتبات عربيات وغربيات مهمات إلا أنهن لا يحصلن بسهولة على مساحة في المناهج الدراسية مقارنة بالكتاب الرجال على سبيل المثال، ولا أتذكر خلال دراستي كلها سوى مرور قصيدة، أو اثنتين، لشاعرات وكن بالفعل من العصر الجاهلي.
    الكاتبات موجودات في العالم العربي، وقد يكون صعبًا تتبع بعض الإحصاءات بهذا الخصوص. لذلك، ولفهم تزايد حضور الكاتبات في العالم، سنأخذ إحصائية لمنظمة VIDA، وهي منظمة نسوية غير ربحية تسعى إلى جذب مزيد من الاهتمام للنساء والأشخاص الملونين والكتاب من مجتمع المثليين، ووجدت في إحصاء لها عام 2019 لحوالي ألف مؤلف، كان أقل من نصفهم بقليل من الإناث، ومن بين ما يقرب من ثلاثمائة من المشاركين، قال أربعة وخمسون إنهم نساء ملونات، وبينما لا تجد النساء صعوبة في الدخول إلى مجال النشر، حيث يحصلن على 78% إلى 80% من الوظائف، لكنهن يتراجعن إلى 60% كعضوات في مجالس الإدارة.
    إن سؤال مثل "هل كتبت النساء ما يكفي لليوم؟" لا يحتمل إجابة واحدة، إذ أنه حصيلة آلاف السنين من القمع والحصار وتغييب الكاتبات. وربما الجواب الأصح هو: إن النساء كتبن ما يكفي خلال الوقت والمساحة التي تمكنَّ من الحصول عليهما.


    مصادر مختارة:
    بنيان الفحول: دراسة في المذكر والمؤنث ـ رجاء بن سلامة ـ دار بترا.
    BOOKS ABOUT WOMEN DON’T WIN BIG AWARDS: SOME DATA – Nicola Griffith
يعمل...
X