في نهاية 2023: هل نسيتُ الشعر أم نسيني؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في نهاية 2023: هل نسيتُ الشعر أم نسيني؟



    في نهاية 2023: هل نسيتُ الشعر أم نسيني؟
    مناهل السهوي 3 يناير 2024
    آراء
    (بوجمعة لخضر)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    "إذًا إنها نهاية العام" أتذكر هذه القصيدة التي كتبتها قبل حوالي 9 سنوات، لم أكتب نصًا شعريًا آخر يتحدث عن نهاية العام، وكلما قرأت هذا النص شعرت أني قلت فيه كل ما أرغب في قوله عن نهاية العام وعن البدايات التي تنطلق من لحظة إدراك أن الزمن والحب واللحظات تنتهي رغمًا عنّا وكل ما سنتذكره يومًا هو ما كتبناه.

    عامٌ من دون كتابة الشعر

    "كان عامًا طويلًا

    كألف عام

    لم أكن أنا

    فقط وقفتُ جانبًا

    أراقب نفسي أرتكبُ الحماقات"...

    كل المقاطع الشعرية في هذا المقال هي من تلك القصيدة، وجدت أني أستطيع جعلها موازية بطريقة ما لأفكاري عن العام الفائت، فهذه المرة لم أعرف كيف أكتب عن نهاية العام أو بداية العام الجديد، كان الأمر مربكًا وثقيلًا بكثير من الذكريات القاسية التي اختبرتها كما الجميع لكن أصعبها على الإطلاق كان عدم الشعور بالاستقرار والأمان لأسباب تتعلق بأوراقي الرسمية حيث أقيم، كانت السنة عبارة عن يوم جديد أستيقظ به وأحاول أن أصبح فتاة تملك أوراقًا نظامية لتشعر بقليل من الاستقرار، ويومًا بعد آخر انتهى العام، لأدرك أن الاستقرار النفسي والمكاني أهم ما قد تريده للعام القادم. لذلك لم أعرف عمّا يجب أن أكتب تحديدًا.

    في البداية رغبت بالكتابة عن الشعر، فالشعر هو مؤنسي في كل اللحظات منذ حوالى العشرين عامًا لكن في هذه السنة لم أستطع أن أكون قريبة منه، لم أكتب الكثير من القصائد وتكاد تعد على أصابع اليد قصائدي لهذا العام، وكان هذا مرعبًا، إدراك أني لم أكتب الشعر، والمرعب أكثر أني لم ألحظ ذلك إلا في نهاية العام، بينما أسمع صوت المفرقعات في الخارج، نعم لم أكتب الشعر في عام 2023.

    المعضلة في الحديث عن نهاية العام والشعر أني لا أعرف كيف أكتب عن الشعر مع أحداث أخرى كالسياسة أو الدوائر الرسمية والأمنية والعمل المكتبي، حسنًا يبدو أنها المرة الثالثة التي قلت فيها أني لا أعرف ما أكتب عن نهاية العام، ولذلك بدأ العام الجديد بالفعل وما زلت أحاول الكتابة عن العام الماضي!

    كيف تشعرين حين لا تكتبين الشعر

    "وحيدةٌ أمام عربة الذرة

    أراقب البخار،

    الماء يغلي

    والبائع الطيب...

    الشارع العريض فارغ

    كأملٍ لا ينتهي..."

    لي قصة طويلة مع العزلة، أستطيع البقاء مع نفسي لأيام، كانت العزلة تفضي في النهاية لكتابة قصيدة جديدة أو فكرة قصيدة على الأقل، هذا العام كانت العزلة فارغة، أسمع صدى الوقت فيها وحيرتي، أتحاشاها بفعل أشياء أخرى كمشاهدة حلقة من مسلسلٍ خيالي، في هذا العام شاهدت الكثير من المسلسلات لكن أقربها لي كان مسلسل Lucifer والذي يتحدث عن نزول الشيطان إلى الأرض ليعيش كإنسان عادي، لا أعتقد أن هناك من أضحكني بقدر هذا الشيطان الذي يحاول فهم البشر، وإن أردت التحدث عن وجهة نظر جديدة للحياة، فكانت من مشاهدتي لوسيفر وهو يحاول تفسير أفعال البشر ونواياهم وإصلاح الأمور، من الغريب أن يكون أكثر من أضحكني في العام الفائت هو الشيطان!

    عدم كتابة الشعر عمقت هوّة هذا العام داخلي، عادة ما أتعرف على مشاعري وتجاربي عن طريق كتابة الشعر، حتى الأشياء التي لا أفهم تفسيرها، أكتبها فتغدو واضحة أو بسيطة على الأقل، الشعر ليس تعبيرًا عن تجاربنا وحسب بل هو فهمنا للعالم كيلا يلتهمنا الجهل.

    هل نسيني الشعر؟

    "كنتُ سعيدة حتى الضجر

    أحببتكَ أيضًا حتى الضجر

    وبات فراغًا واسعًا

    كلُّ ما أعتقدتُ أني أستطيع لمسه"...

    في عام 2023 هل نسيت الشعر أم هو نسيني؟ من سيعتذر للآخر عن هذا الغياب؟ الشعور الوحيد الذي رافقني طوال العام هو لحظات الزلزال، كان كل شيء يهتزّ بعنف داخلي، وكأن وقت الزلزال الداخلي قد يكون أشهرًا طويلةً وأشك أنه انتهى للآن، منذ لحظة استيقاظي يوم 6 شباط/ فبراير على اهتزاز الشقة في الطابق السادس وكل ما رافق تلك الليلة من ذعر ولليوم أكاد أحلف أن كل شيء يهتز حولي... وداخلي.
    "المعضلة في الحديث عن نهاية العام والشعر أني لا أعرف كيف أكتب عن الشعر مع أحداث أخرى كالسياسة أو الدوائر الرسمية والأمنية والعمل المكتبي"
    في صباح السنة الجديدة حلمت أني كتبت الكثير لكن نسيت أن أضغط على زر الحفظ على حاسوبي فاختفى كل شيء، عشت واحدًا من أكثر كوابيس الكتاب والشعراء رعبًا، لكن وفي مكان ما أشعر أن القصيدة الوحيدة التي كتبتها عن نهاية العام قبل تسع سنوات تؤنس وحشة إدراك أني لم أكتب الشعر هذا العام.

    أعلم ما هي حبسة الكاتب، قرأت كثيرًا عنها وكتبت مقالًا مطولًا عنها، لطالما كنتُ مستعدة لها، لكن ما كان على حبسة الكاتب أن تختبرني في واحدة من أصعب سنواتي على الصعيد النفسي، ولولا معرفتي بالشعر، لشككت أنه يتخلى عني وأقول ذلك لأني أيضًا كنت جبانة، في كثير من المرات تعمدت ألّا أكتب، لم أكن شجاعة بما يكفي، نعم تلزم كتابة الشعر الكثير من الشجاعة ولكني خشيت الخوض في مشاعري، كنت ألهي نفسي بأشياء أخرى، خوفًا من مشاعري، ربما خفت أيضًا من الاهتزاز، من زلزال الكتابة.

    لا حلَّ لغياب الشعر

    "أبذلُ جهدي في تمريرِ الوقتِ دونَ حزن

    في بسطِ الليل عاليًا نحو ذقني

    يخيّل لي أن أتأبط ذراعكَ أمامَ عرَبة الكستناء

    أن تختارَ الحبات الأشهى

    لأوشوشكَ بشهيّة عصفورٍ جائع

    سعيدةُ جدًا نهايةَ هذا العام..."

    نعم نستطيع التفكير في نهاية العام بطريقتين، الأولى تشاؤمية فالوقت يمضي والسنوات تنتهي، أما الطريقة الأخرى فأكثر تفاؤلًا، فليلة نهاية العام تعلن بداية جديدة، لكن بالنسبة لي لا يمكنني التفكير إلّا بالطريقتين وهو ما يجعل هذه الليلة أشبه بعاصفة من العواطف، فكرة أن ساعة واحدة تفصل بين القديم والجديد، بين عام الكوارث كما أُطلق على 2023 وبين عام غامض، يحمل كل يوم فيه مكانًا للمفاجآت وللأحداث وللنجاحات والانتصارات والكوارث أيضًا.

    وفي غياب الشعر شيء من غيابي عن العالم، عدم حضوري، شيء من التلاشي النفسي، فالشعر يؤسس علاقتي مع العالم، يصلحها ويرمم ما يمكن ترميمه، وفي هذا الفراغ العظيم الذي يخلفه غياب الشعر قررت أن أذهب إلى الشعر، أن أقترب منه، أعلم أن هناك شرخًا عمره عامٌ بيننا، نعم الأمر أشبه بعلاقة مع حبيب، انقطاع طويل ورغبة في كسر الجليد ومثل الحبيب قد يرفضني الشعر وربما يحضنني.

    في نهاية عام وبداية عام آخر، أشاهد الزمن على شكل قصائد، فزمن بلا قصائد ليس بزمن حقيقي، إنه هلام يمضي، الزمن الوحيد هو ذلك الذي تصنعه القصائد والكتابة، وفي غيابك وغياب الشعر أردد:

    "لستَ هنا

    هذا ما يدعونه فقدانًا

    ما يدعونه وحدة

    أو اختيارًا خاطئًا

    وما أدعوه أنا نهاية العام...".


يعمل...
X